مُقَارناتْ
بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام
للكاتب الكبير الأستاذ علي علي منصورالمستشار ورئيس محكمةاستئناف طنطا السابق وعضو مجلس إدارة بنك الجمهورية حاليا
غنائم الحرب:
تقوم كل دولة اليوم بتكوين جيش، وتنفق عليه من خزائنها، والجيش الآن أهم مرافقالدولة، تنفق على إعداد عدته وعتاده، وتجري على جنوده وضباطه مرتبات شهرية مجزية في حالي الحرب والسلام، إذ في الحالة الأخيرة لا يعمل الجندي ولا الضابط عملا آخر يرتزقمنه، فكان لابد أن يكون رزقه ورزق عياله من خزانة الدولة، وفي مدة السلم تتدرب الجيوش على أحدث وسائل القتال استعداداً لرد كل عدوان، فأصبحت الجندية في زماننا صناعةومهنة. أما في مطلع الإسلام وجريا على ما كان عليه الحال في النظام القبلي، فكان كل محارب يقوم بتجهيز نفسه من سلاح وعتاد وطعام، وهذا هو الراجل، ومنهم من كان يملكالركائب كالخيل، وهذا هو الفارس، ومنهم من كان يملك أكثر من فرس فيعطيها لغيره ليغزو عليها، وكان ذلك سبباً ومصدراً لقاعدة توزيع الغنائم على المحاربين، وكان لصاحبالفرس نصيب كنصيب الراجل، وللفرس نصيب آخر، وقال البعض: للفرس نصيبان، سواء غزى بها صاحبها أو غزى بها غيره. وفي صدر الإسلام، أي في بدء عهد الرسول
(صلى الله عليهواله وسلم)
في المدينة كان بعض المسلمين يتخلفون عن الغزو، للمرض أو لعدم وجود السلاح والمال والركائب ونفوسهم حزينة لهذا التخلف خشية غضب الله، وقد سجل القرآن لهم / صفحه 76/هذه المواقف ورفع عنهم الحرج ((ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل واللهغفور رحيم * ولا على الذين إذا ما آتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون)).(1) وبدأ الصحابة يعدون من أموالهمعتاد الحرب لبعض ناس من الفقراء حبسوا أنفسهم في المسجد للغزو في سبيل الله وسموا أهل الصفة.
الغنيمة والفىء والأنفال:
ولكي نقرب الأمر إلى الأذهان يمكن القولأن كل ما أحرزه المسلمون في الحرب بعد انتهائها من أموال يمكن أن تنقسم إلى قسمين: غنيمة وفىء: الفئ: ويذهب الماوردي إلى أن الفئ ((كل ما وصل من المشركين عفواً من غيرقتال، ودون إيجاف خيل ولا ركاب، ومثل له بمال الهدنة والجزية والعشور والخراج، ثم تكلم الماوردي عن كيفية تقسيم الفئ، سواء في خمسة أو على حسب نص الآية في أربعة أخماسهالباقية على قول من قال إنها للجيش خاصة، وعلى رأي من قال أنها تصرف على مصالح المسلمين التي منها أرزاق الجيش، ومنها ما لا غنى للمسلمين عنه.
ولما كثرت الفتوح في عهدعمر بن الخطاب أنشأ ديوان العطاء، وفرض فيه فروضاً لأصحاب الرسول، وللمهاجرين والأنصار، ولأمراء الجيش، وللفقراء، بل لكل مولود، ولما رأى المال قد كثر قال:((لئن عشت إلىمثل هذه الليلة من قابل لألحقن أخرى الناس بأولاهم حتى يكونوا في العطاء سواء)).
فكان صنيع عمر أساساً لإنشاء بيت مال المسلمين ((خزانة الدولة)).
ويكون الفئ إما مالامنقولا أو عقاراً، فإن كان عقاراً هل يقسم كما يقسم المال المنقول؟ قال أبو يوسف ما معناه: إنه لا يقسم عيناً، وإنما يكون الفئ في ريعه، أي في خراج الأرض، وعلل ذلك بأن اللهسبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:
(1) الآيتان 91، 92 سورة التوبة.