ملامح الغرائز الانسانیة فی ضوء الایات القرآنیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ملامح الغرائز الانسانیة فی ضوء الایات القرآنیة - نسخه متنی

عبدالوهاب حموده

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ملامح الغرائز الإنسانية




في ضوء الآيات القرآنية

للأستاذ عبدالوهاب حموده

إن القرآن معجز من نواح متعددة،وجوانب متفرقة، من أهمها الجانب النفسي فهو من حيث هو كتاب هدى وبيان لن يدار الأمر فيه إلا على سياسة النفوس، ومخاطبة القلوب، ومناجاة الأرواح، يقول علماء النفس:

إنعقدة النقص، أو مركب النقص كما يسمونه أحيانا هو الشعور بالنقص في ناحية من النواحي التي يحاول الشخص بطريقة لا شعورية أن يعوضها.

فمن منا لا يحاول من حيث لا يشعر أنيصرف عن النواحي التي يشعر أنه أقل من غيره فيها.

ذلك أن كل شخص يشعر بتفوقه في ناحية من النواحي يحاول بطريقة قد تكون لا شعورية أن يقنع العالم أن هذا هو الشئ الوحيدالذي يهم، فإن كان متفوقاً في الجسم اعتقد وحاول أن يقنع غيره أن صلاح الجسم وقوته هما في آخر الأمر المقياس الذي تقاس به قيمة الإنسان.

أما إذا كان ناقصا في الناحيةالجسمانية ـ وكان متفوقاً في الناحية العقلية ـ فإنه يميل إلى الحط من قدر القوة الجسمية وتأكيد أهميته القدرة العقلية.

فإن كان عاملا غير حاذق، أو فلاحا غير موفقحاول أن يظهر بمظهر القادر على التحدث في الأمور السياسية.

وإذا لم يكن قد أخذ نصيبه من التربية، ولكنه عصامي الثروة لم تكن للتربية فائدة في نظره، وقال إن التعليم لمينجح إلا في إفساد الناس.

/ صفحه 61/

وإذا كان العكس، وكان الرجل قد أخذ بنصيبه من التربية، ولكنه لم ينجح في الحياة فإنه لا يترك فرصة تسنح دون أن يقلل من قيمةالنجاح في الأعمال.

وهناك خرافة تسمى خرافة ((إيزوب)) عن الثعلب الذي عجز عن الوصول إلى عنقود العنب المتدلي من كرمة على الحائط، فانصرف عنه وهو يعزي نفسه بقوله:((ربماكان العنب حصرما)).

كثيراً ما نرى هذا في بني الإنسان رجالهم ونسائهم، فالجبان غالبا ما يستهزئ بالشجاعة، ويصغر من شأنها، أليس هذا بعينه هو ((العنب الحصرم)).

والمصاب بهذه العقيدة إذا كان ذا روح عدائية فقد يحاول قهر الشعور بالنقص بالظهور بالسيطرة والغطرسة والمكابرة وغير ذلك من المواقف التي تندرج عادة تحت اسم الغرور،فالتظاهر بالكمال والتفرد ليس إلا انعكاساً للشعور بالنقص، وعلى ضوء هذا الجانب النفسي نفهم سر قوله تعالى في وصف المنافقين:((وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلواإلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون)).

فالمنافق يعيب ويستهزئ بالمؤمن ليخفي ما في نفسه من مركب النقص، ويقهر الشعور بالضعف والقصور.

ومثل ذلك:((وإذا قيللهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء)).

ومن أعراض عقدة النقص قلق مبعثه شعور بالخوف من افتضاح أمره واكتشاف نقصه، فيتخذ لذلك مسلكا يعوض به نقصه ويخفيبه قلقه، وهذا هو سر الحلف والتاكيد فيما حكاه الله عن المنافقين، فقال تعالى:((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله)) ففي هذه الآية جملة تأكيدات لتعوض شعورهمبالنقص ولتستر خوفهم من فضيحة أمرهم.

أول تلك التأكيدات قولهم:((نشهد)) قال أبو حيان:((نشهد)) يجري مجرى اليمين، ولذلك تلقى بما يتلقى به القسم، فقالوا:((نشهد إنك لرسولالله)).

ثانيها:((إن)) في صدر جملة جواب القسم.

ثالثها:((اللام)) في خبر ((إن)).

رابعها: الجملة الاسمية.

/ صفحه 62/

وراء كل هذه التأكيدات تحصن المنافقونليخفوا شعورهم بعقدة النقص، ولذلك قال تعالى:((والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)) فلم تواطىء قلوبهم ألسنتهم، وهم كاذبون حتى أمام أنفسهم، وإنما لجئوا إلى الحلف ليتخذوامنه جنة يستترون بها، ومسلكا يعوضون به شعورهم بالنقص، فقال تعالى:((اتخذوا أيمانهم جنة)).

ومن أعراض عقدة النقص التظاهر بالكمال والبعد عن النقص، وهذا واضح في جوابالمنافقين للمؤمنين، قال تعالى:((وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض)).

فالتهمة هنا الإفساد في الأرض، فكان الجواب الطبيعي لرد هذه التهمة أن يقولوا ـ لو كانوا أبرياءحسنى النية ـ: نحن لا نفسد في الأرض، ولكنهم تظاهروا بما هو أسمى من ذلك، ووصفوا أنفسهم بالكمال والإصلاح فضلا عن تبرئهم من الإفساد، فقالوا في صيغة التأكيد والحصر:((إنمانحن مصلحون)) ولا عمل لنا إلا الإصلاح.

كل ذلك استجابة لعقدة النقص، وتغطية لشعور الضعة، فإن التكلم بلهجة التعالي والتفاخر تعويض ملازم لمن ابتلوا بمركب النقص،فمثلهم في ذلك مثل من يغالي في الزينة ذكراً كان أو انثى ليغطي قبحه ويستر عيبه.

ويقول علماء النفس: إن كل غريزة يمكن أن تتوجه إلى ناحية الشر فتصبح وبالا على الفرد أوالمجتمع، وقد تتوجه إلى الخير فتصبح مفيدة لهما.

وتوجيه الغريزة إلى إحدى الناحيتين هو ما يسمى بالتحول والتعلية في الغرائز.

فتعلية الغريزة إذن هي ترقية شأنهاوتهذيبها وإبلاغها درجة الكمال، والسلوك بها مسلكاً من شأنه أن ينفع الفرد والمجتمع ولا يجلب لهما الضرر.

وطرق تعلية الغرائز شتى، نذكر منها ثلاثاً:

(1) القمع:ومعناه القضاء على غريزة من الغرائز وإماتتها لعدم موافقة نزعاتها للحياة الاجتماعية، وذلك بالضغط عليها وكبح جماحها، كما هو الحال في الغريزة الجنسية.

وهذهالطريقة ليست مفيدة في تعلية الغرائز، بل إنها كثيراً ما تضر بالشخص أو المجتمع، لأن الغريزة المكبوتة تحاول أن تظهر وتسعي سعياً حثيثاً في فك

/ صفحه 63/

أسرها،فإذا أفلتت من عقالها بطرق غير مشروعة فعلت، فإن لم تستطع هذا أضرت بالشخص جسمياً أو عقلياً. وهذه الوسيلة ابتعد عنها القرآن ولم يتخذها طريقا من طرق معالجةالغريزة وتعليتها.

/ صفحه 63/

(2) الخضوع للقوانين الشرعية والاجتماعية، وهو يسمى أحياناً: بالإشباع، وذلك كما في الغريزة الجنسية التي تحصل على رغباتها وتعليشأنها بالزواج الذي يبرره الشرع، ويعضده القانون الاجتماعي.

وكما في غريزة السيطرة وحب الظهور حيث تستخدم في حيازة الأشياء المشروعة النافعة ابتعاداً بها عن مواطنالضرر والاستغلال. وهذه الطريقة تسمى أحياناً بالتحويل.

(3) الثواب والعقاب: فالإنسان يقدم على العمل الغريزي الذي يترتب عليه ثواب، ويتباعد عن ذلك الذي ينشأ عنهعقاب، فالثواب والعقاب يحملان المرء على أن يجعل غريزته تسلك سلوكاً حسنا، وتجتنب السلوك القبيح.

فمحاولة قمع الغريزة وإخمادها وكتمانها في اللاشعور يجعلها تؤثر فيسلوك الإنسان وأعصابه أثراً غير حميد.

وإن إتاحة الفرصة لظهورها قد يقلل من أثرها السئ، ويخضد من شوكتها، ويطهر النفس منها.

ويشبه الأستاذ ((طمسن)) الغرائز بنهرمتدفق، والقيود والحواجز التي حتمتها الحياة الاجتماعية ووضعتها أمام الغرائز بسد ضخم يعترض مجرى النهر، فماذا يحدث إذا تعسفت هذه القيود وبقي السد أمام المياةالمتدفقة مصمتا لا منافذ فيه؟

فهناك احتمالات ثلاثة:

(1) إما أن تندفع المياه بشدة وتحطم السد، أو تعلو فوقه وتفيض على الجانبين كما يحدث لدى الأفراد الذين لايعبأون بعرف ولا قانون في الجرائم الخلقية والقانونية على السواء.

(2) وإما أن يتجلى الصراع بين الماء المتدفق والحاجز عن قنوات خفية آسنة يتسرب فيها الماء من تحتالسد، والمجتمع ملىء بهذه الأساليب المموهة

/ صفحه 64/

الخادعة التي يلجأ إليها بعض الأفراد ليستروا نزوعهم الخفي الجائر الذي لا يقره العرف أو القانون.

(3)وإما أن يكون الحاجز من القوة وعمق الأساس والماء المتدفق والوفرة بحيث تظل المعركة قائمة ويشتد الفوران، وتكثر الدوامات، وليس ذلك بالطبع إلا على حساب الصحة النفسيةلأولئك الأفراد الذين يعجزون بحكم الطبيعة والتربية عن انتهاك القواعد وإسكات الغرائز.

ولا جدال في أن الأسلوب السليم هو أن نسمح للغرائز ببعض الإشباع، لأن اقتلاعهامستحيل، وكبتها يحولها إلى طاقات ضارة في اللاشعور، وكأننا بذلك نبقي على مجرى السد، ونفتح فيه منفذاً وقائياً للتنفيس الذي يمكن أن يأخذ صورتين هما: الإبدال والإعلاء.

وهذا هو معنى قوله تعالى:((وكذلك جعلناكم أمة وسطا)).

فبالإبدال نحول الطاقة القوية للغريزة إلى أساليب متنوعة من النشاط الفردي والاجتماعي.

وبالإعلاء نسموبدافع الغريزة ونعلو به إلى المستوى المشروع معنيواً كان أو مادياً، كما نفعل في تسخير غريزة الاستطلاع في خدمة البشرية بدلا من الوقوف على أسرار الناس والاتجار بها،وفي إشباع الغريزة الجنسية بالزواج، وهو نظام مشروع.

فلنطبق هذه المبادئ النفسية عند تفسيرنا لقوله تعالى:((زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة)) إليط قوله تعالى:((والله عنده حسن المآب)).

قد اختلف المفسرون في إسناد التزيين في هذا المقام، فأسنده بعضهم إلى الشيطان.

ولكن الرأيالذي نرجحه ونميل إليه هو إسناد التزيين إلى الله تعالى بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، فأباح الزينة والطيبات من الرزق، وأنكر على من حرم ذلك بقوله تعالى:((قل من حرم زينةالله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)).

ففي التعبير في قوله تعالى زُين بالبناء للمجهول إنما يراد به أن تركيبهم الفطري

/ صفحه 65/

قد تضمن هذا الميل،فهو أصيل فطرة الإنسان، فهو جزء غريزي من تكوينه الأصيل لا حاجة إلى إنكاره، فهو ضروري للحياة البشرية كي تتأصل وتنمو وتطرد ولكن الواقع يشهد كذلك بأن في فطرة الإنساناستعداداً آخر للتسامي بغرائزه، هذا الاستعداد الثاني يهذب الاستعداد الأول، وينقيه من الشوائب، ويجعله في الحدود المأمونة التي لا يطغى فيها جانب اللذة الحسيةونزعاتها الغريبة على الروح الإنسانية وأشواقها البعيدة، والاتجاه إلى الله وتقواه هو خيط الصعود والتسامي والتعلية لتلك الغرائز الإنسانية.

وهنا يمتاز الإسلامبمراعاته للفطرة، وقبولها بواقعها، ومحاولة تهذيبها لا كبتها وقمعها، تجنباً لما يحدثه الكبت من العقد النفسية والصرعات الباطنية.

ثم ختمت الآية بقوله تعالى:((ذلكمتاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)).

ذلك كله الذي عرضه السياق من اللذائذ المحبة، ذلك كله متاع الحياة، لا الحياة السامية الرفيعة.

ثم أردف هذه الآية بمايعلي هذه الغرائز ويتسامى بها ليضمن سلامة الكائن الإنساني من هذا الصراع بين شطري النفس الإنسانية، فقال تعالى:((قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجريمن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد)).

/ 1