إسلام فی الولایات المتحدة الامریکیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إسلام فی الولایات المتحدة الامریکیة - نسخه متنی

محمد البهی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الإسلام في الولايات المتحدة الامريكية

الإسلام في الولايات المتحدة الامريكية

لحضرة الكاتب الفاضل الدكتور محمد البهي

أستاذالفلسفة في كلية اللغة العربية

1 - الإسلام في المؤتمر الثقافى الاسلامى بجامعة

برينستون (الذي انعقد في شهر يستمبر؟؟؟ سنة 1953):

لا أود أن أنقل هنا صورة كاملةعما دار بين المؤتمرين في المؤتمر الثقافى الاسلامى الذي انعقد في شهر سبتمبر سنة 1953 في جامعة برينستون ثم في مكتبة الكونجرس الامريكى بواشنطن. لا أود ذلك لان ما دار فيهيمثل في واقع ا لامر اختلاف المسلمين اليوم في الشرق في تقدير الإسلام و مدى الافادة منه، ولكن على أرض أمريكية: فالأختلاف الرئيسى في وجهات النظر إلى الإسلام كان بينالمسلمين أنفسهم هناك، و ليس بينهم و بين العلماء الامريكان، أو بينهم و بين العلماء الاوربيين، و خاصة الانجليز الذين حضرو إلي المؤتمر و ساهموا فيه مع غيرهم منالمستشرقين الامريكان.

والاختلاف هنا في مصرفى فهم الإسلام و في تحديد دائرته في الحياة الانسانية، و كذا الاختلاف في ذلك الذي نسمع

عنه في إيران أو الباكستان أوإندونيسيا، هو بعينه الذي كون من المؤتمرين المسلمين في جامعة برينستون جبهات متقابلة: فالبعض كان يرى أن الإسلام دين يحدد علاقة الفرد بربه فقط، و لا شأن له

 

/ صفحه 168/

بالجماعة الانسانية في جوانبها المختلفة، أو هو يجب أن يقصر على ذلك حتي لا يتخلف ركب المسلمين في الحضارة الصناعية و المدنية الحديثة عن غيرهم، والبعض الاخر كان يحتفظ بالرأى الذي يقدر الإسلام على أنه جملة من التعاليم و المبادىء جاءت بها رسالة الرسول محمد صلي الله عليه و سلم لمعالجة جوانب الحياة الانسانيةالمختلفة: فهي كما تتناول الفرد في سلوكه نحو نفسه و في عبادته لخالقه تتناوله في سلوكه مع غيره في أسرته،

و في ا لسلم و الحرب، وفي علاقته بأخيه المسلم أو بشريكه فيالوطن أو العالم كله.

ولهذا أرجع هذا البعض تخلف المسملين في الاونة الحاضرة أو قبل ذلك فى القرن التاسع عشر على الاخص إلى الاستعمار الغربي و ليس ا لي مبدأ أو مبادىءفي الإسلام، و أرجعه كذلك إلى تنكب المسلمين عن طريق الإسلام، لا إلي تمسكهم به.

ولكن أود أن أنقل إليكم خاتمة المطاف في الجدل بين المؤتمرين في هذا المؤتمر فيمايتعلق بقيمة الثقافة الاسلامية في حياة المسلمين و في صلاتهم بغيرهم: المؤتمر و صل إلى النتيجة التالية: و هي أن الغالبية من العلماء في المؤتمر ترى أن الثقافة الاسلاميةالاصيلة لها قيمتها الفعلية في توجيه المسلمين و ربط صلاتهم بغيرهم، و أنها ثقافة إيجابية بنائية لمجتمع إنساني فاضل حديث، و أنها فقط يجب أن تعرض في صورة توافق العقليةالمعاصرة حتى تكون ا لافادة منها في نطاق واسع، و حتى يتيسر للانسان المسلم في ا لوقت الحاضر أن يلائم بينها و بين الحضارة الحديثة في حياته الخاصة و العامة. فالذى طلبهالمؤتمر من العلماء المشتغلين بالثقافة الاسلامية في العالم كله جدة العرض، و ليس وضع هذه الثقافة في ميزان التقدير.

وبقدر حرص علماء المسلمين أنفسهم و جدهم في عرضالإسلام و مبادئه في جوانب الحياة الانسانية المتعددة في

صور توافق عقلية الانسان المعاصرـ بقدر ما يقيمون من أدلة عملية على جدارة الإسلام كنظام عام شامل في معالجةالمشاكل الانسانية:

 

/ صفحه 169/

السياسية، و الاجتماعية، و الاقتصادية، و كتوجيه سليم لتهذيب الفرد واشعاره بكرامته الانسانية، و قيمته الذاتية فيمجتمعه الصغير و المجتمع العالمي الكبير.

2 - الإسلام في الجامعات الامريكية:

أتيحت لي الفرصة ـ بفضل المعونة القيمة التي قدمها معهد دراسات الشرق الاوسط بواشنطنـ للعلماء الذين حضروا المؤتمر: أن أزور جامعات برينستون بنيوجرسي: مارى لند، و هو بكنز بواشنطن، و كولومبيا بنيويورك، و هارفارد ببوسطن، و وين بدتربت، و ميتشجن في آنآربر، و شيكاغو بمدينة شيكاغو، و كليسة برينسيپيا بالزا، و أنديانا ببلو من تون، و أوكلاهوما بنورما أو كلاهوما، و كلية رولينس يوينتر بارك بفلوريدا، كلية ما كاليستر فيسان پول، لوس انجلس بلوس انجيس، استان فورد ببالو ألتو، كاليفورينا بسان فرانسيسكو و غيرها...

وبعض هذه الجامعات يقع في شرق أو شمال الولايات المتحدة الامريكيةبالقرب من المحيط الاطلسي، و بعضها في غرب هذه الولايات على المحيط الهادى، و بعض آخر في الولايات الوسطى، و بعض رابع في الولايات الجنوبية بالقرب من خليج المكسيك.

كما أتيحت لي الفرصة في أثناء زيارة هذه الجامعات و الكليات أن أتصل اتصالا و ثيقاً بالاساتذة، و خاصة أساتذة الدراسات العربية و الاسلامية و الاسيوية و الفلسفية، وأتصل بالطلاب و الطالبات في هذه الجامعات عن طريق المحاضرة، أو تبادل الحديث الشفوى في المناقشات العامة، أو الاجابة على أسئلة بعض الطلاب و الاساتذة. فقد ألقيت:

1 -في معهد العلاقات السياسية بجامعة كولومبيا محاضرة: عما يجب أن يعرفه الدبلوماسى الامريكى في الشرق

الاسلامي و في مصر خاصة، عن الاتجاهات الفكرية السائدة في الوقتالحاضر.

 

/ صفحه 170/

«نصيب الفكر الاسلامي في توجيه الحياة الحديثة في البلاد الاسلامية».

3 - و محاضرة ثالثة في جامعة أو كلا هو ما في قسم الدراساتالفلسفية عن:

2 - و محاضرة أخرى في كلية «برينسيپيا» عن:

«بين الفلسفة الاسلامية و الفكر الاغريقي القديم، و أثر هذه الفلسفة في الفكر الاوربى منذ عصر النهضةالاوربية».

واشتركت في مناقشات عامة أخرى دارت في ندوات بينى و بين الطلاب و الاستاتذة في جامعة شيكاغو، و في كلية رو لينس، و جامعة استان فورد، و معهد العلاقاتالسياسية الخارجية بسان فرانسيسكو، و جامعة أو كلاهما.

ولست بصدد الحديث عن النصيب الذي قمت به في رحلتى هذه كعالم أزهرى في الجامعات الامريكية أو في المجتمعاتالاسلامية هناك، و إنما أنا بصدد بيان الصورة التي التقيت فيها بالعقلية الاكادمية التمريكية ; عقيلة الطلاب و الاساتذة.

و هو التقاء كان حتما حول الإسلام نفسه، والدراسات الاسلامية، و العقلية الاسلامية وفي ماضيها و حاضرها، لان زائراً أجنبياً هو عالم من علماء الازهر و مدعو للمساهمة في مؤتمر إسلامى عقد في أمريكا، و قد ضم إلىثقافته الاسلامية الشرقية ثقافة الجامعة الحديثة في أوربا، و في ألمانيا على وجه الخصوص ـ ينتظر منه الطالب الأمر يكى والاستاذ الامريكي أن يطلعه على صورة الإسلام والعقلية الاسلامية بأسلوب الباحثين المحدثين في الجامعات الامريكية و الاوربية، و لا ينتظران منه شيئاً آخر يتعلق بمواد الثقافة الحديثة أو الاثار الفرعونية القديمة.

وجدت عقيلة الطالب الامريكي تعيش في الاونة الحاضرة أكثر مما تعيش في الماضى. فما يوجهه من أسئلة أو استفهامات تتعلق بمشاكل الحاضر و حضارة الوقت، و المدينة السائدة.و لعل سبب هذه الظاهرة أن الحياة الامريكية ليس لها ماض طويل، ثم ليس فيها كذلك فراغ تشغله بما يتصل بماضيها أو بماضي حياة أخرى. فالطابع العملي يسود

هذه الحياة، والغد قبل اليوم يجذب العقل

 

/ صفحه 171/

الامريكي لاستغلال الثروة الفسيحة في رقعة هذه البلاد و الانتفاع بها في رفع مستواه الصحي و الاجتماعي.

ولهذا يهم الطالب الأمريكي ـ إن سأل عن الإسلام ـ أن يعرف: إلي أى مدى يستطيع ا لمسلم أن يتفاهم مع الغربي أو الامريكي، و إلي أي مدى يمكن للإسلام أن يساهم في الحياة الحديثةو في حضارتها الصناعية، و إلى أي مدى تستطيع الشعوب الاسلامية مع احتفاظها بالاسلام كعقيدة أن تساير ركب الحياة اليوم و تأخذ بمقوماتها في حياتها؟

و إذا كانت عقليةالطالب الامريكي تحدد له نوعا خاصاً من الاسئلة عن الإسلام، فرغبته في معرفة أجوبتها تلفت نظر مشاركه في الحديث و المناقشة من أصحاب الثقافة الاسلامية. يسأل في شوق، ويسترسل في السؤال لا ليجادل و إنما ليقتنع. إذ الجدل لذات الجدل ظاهرة من ظواهر العقلية النظرية. أما العقيلة العملية فرغبتها في الجدل لذات الجدل محدودة.

وكما يستشفمن عقلية الطالب الجامعي الامريكي الرغبة الشديدة فى معرفة رأي السلام في مشاكل الوقت، و في تحديد مظاهر الحياة الاسلامية الحاضرة، فإنه يستشف منها أيضاً جهله بالاسلامو بالصورة الصحيحة لحياة الشعوب الاسلامية الحاضرة، أو سوء فهمه للاسلام و لحياة المسلمين. و قد ينحرف فى فهمه للاسلام إلي أنه دين يعادى الانسانية، كما قد ينحرف فهمهلحياة الشعوب الاسلامية الحاضرة إلي أن المسلمين بحكم مبادى ء دينهم يعادون الحضارة الصناعية، و ينظرون إلي غيرهم بروح العداء البغيض.

و لهذا لا يلقي المتحدث عناضطهاد الاقليات في البلاد الاسلامية، أو عن تشويه الإسلام إذا ما أراد أن يصور المسلمين بغير صورتهم الصحيحة، أو يسيء إلي الإسلام ـ عناءً من عقلية الطالب الامريكي فيتصديقه و مد يد المساعدة إليه كذلك. و الدعاية اليهودية المغرضة تلقي رواجا هناك. لالان العلماء اليهود في الجامعات الامريكية ـ و هم كثيرون ـ يشجعونها، أو لان الصحافة ودور الاعلان تعتمد

 

/ صفحه 172/

على الرأسمالية اليهودية ; بل لانه مع ذلك يوجد هذا الاستعداد لسماع الروايات المشوهة عن الإسلام و المسلمين.

ولوفتشنا في العوامل التي كونت هذا الاستعداد لدى طلاب الجامعات الامريكة لو جدناها قبل كل شىء في «كتاب المكتبة الجامعية».

فكتب الدراسات الاسلامية و العربية:

1 -إما أنها من تأليف المستشرقين ا لاوربيين الذين بقوا في أوربا.

2 - أو من وضع المهاجرين المسيحين أو اليهود الذين أصبحوا أساتذة هذه الدراسات في الجامعات الامريكية.

3 - أو أنها مترجمة عن العربية و غيرها من لغات العالم الاسلامي اليوم.

و الاستشراق في أساسه محاولة باسم العلم لتصوير الشرقيين و المسلمين في حياتهم و عقيدتهمتصويراً يتيح للمستعمر الاوربي أن يتمكن بسلطانه المادى و توجيه العقلي الخاص من استغلال ثروة البلاد الاسلامية بأيدى المسلمين أنفسهم و برضاً من رؤسائهم و زعمائهم.فالاشتشراق بحث، و لكن ليس هدفه المعرفة من حيث إنها معرفة تعين على الفهم الصحيح و خلق جو من التفاهم الانساني، بل هو معرفة موصلة إلي نتيجة معينة و محددة قبل القيامبالبحث و التفتيش. هذه النتيجة هي:

إفهام المسلمين أنفسهم أن ليس لهم «أصالة» في تاريخ الحركات الفكرية، و ليست لهم «إيجابية» في حياتهم أو الحياة الإنسانية العامة.

و كذلك إفهام الاوربيين المستعمرين أن خصائص «السيادة» في الحياة من المقومات العقلية الاوربية، و أن الاوربيين هم الاجدار بالحياة الرفيعة، و بالبقاء في الجماعةالانسانية.

ولذا نرى الدول الاوربية العريقة في الاستعمار ـ و هي التي تقوم حياتها على المستعمرات ـ تبذل الكثير في تقوية حركات الاستشراق، و بالتالي تبرز في اتجاههاالاستشراقى هذه النتيجة المحددة السالفة الذكر.

 

/ صفحه 173/

كما نرى علماء الدول الاخرى التي لها صلة ضعيفة بالاستعمار يحاولون الحيدة في استشراقهم، ولكن قلما يتأثرون فيه بثقافتهم الدينية الخاصة.

و الأمريكان لقرب عهدهم بالعالم القديم ـ و بالاخص بالشرقين الاوسط و ا لادني ـ اعتمدوا في جامعاتهم عند ما اتجهوالبحث الثقافة الاسلامية كمصدر أصيل في توجيه شعوب الشرق الاوسط و الادنى ـ إلى علماء الاستشراق في أوربا و ساروا في نفس اتجاهم بعد أن تتلمذوا عليهم، كما كونوا نواةمكتباتهم في مصادر النزاث الاسلامى الروحى و العقلي من تأليف هؤلاء بجانب الدراسات المتعلقة بالانجيل و التوراة، و هي دراسات ا لعهدين القديم و الجديد.

وعند ما هاجربعض الشرقيين من العرب المسيحين، و بعض اليهود من العلماء الاوربيين، و استوطنوا جميعاً الولايات المتحدة الامريكية، واتصلوا بجامعاتها و معاهدها و طلب منهم أن يساهموافي الدراسات الشرقية الاكاديمية، احتلوا بعد فترة و جيزة من الزمن رياسة الاقسام الدراسية في الثفافة الاسلامية و العربية.

و أصبح لهم توجيه ملحوظ في دراسة هذهالثقافه و أصبح لهم تلاميذ تولوا فيما بعد مباشرة النشاط الامريكى الخارجى في البلاد العربية و الاسلامية، و تولوا مساعدتهم في تصوير الإسلام و المسلمين للطالبالامريكى.

فالمسيحيون و اليهود من هؤلاء المهاجرين المستوطنين أضافوا في المكتبات الجامعية في أمريكا إلى كتب المستشرقين الاوربيين كتبهم الحاصة. و فيها توجيهاتهمالتي قد تختلف عن توجيهات هؤلاء الاوربيين. و لكنها تشاركها كثيراً في تصوير الدعوة الاسلامية، و حياة الرسول محمد صلي الله عليه و سلم، وصحابته رضوان الله عليهم الذينقاموا بعبء الخلافة الاسلامية بعده، و بيان كيف أن الإسلام اعتمد في انتشاره على الدفع المادى: بالسيف مرة، و بفرض ا لجزية مرة أخرى...

إلي غير ذلك من الموضوعات التييبعث سوء القصد في تصويرها التشكك في قيمة الإسلام، و الريب فى نظرة غير المسلمين إلي المسلمين.

و بالإضافة إلي مجهود المستشرقين الاوربيين، و المهاجرين المستوطنينمن

 

/ صفحه 174/

المسيحيين و اليهود في تكوين مكتبة الدراسات الاسلامية و العربية بالجامعات الامريكية ـ يذكر أيضا ذلك المجهود الذي تقوم به بعضالمؤسسات العلمية و التعليمية الامريكية في نقل بعض المؤلفات المعاصرة من اللغة العربية و غيرها من لغات العالم الاسلامى اليوم إلى اللغة الانجليزية.

و هذه المؤسساتتعتمد في اختيار ما يعد للنقل من مؤلفات المعاصرين المصريين أو العرب أو غيرهم في رقعة العالم الاسلامي ـ إما على شهرة المؤلف نفسه أو على مشورة بعض الدوائر الرسمية أوالشخصيات المعروفة في بلاد هذا العالم.

ولا أستطيع هنا أن أقول: إن سوء القصد هو الباعث على عملية النقل هذه ; بل ربما أقول، العكس هو واقع الامر. فإذا وجدنا لهذا فيمكتبات الجامعات الامريكية ترجمات لبعض كتب المعاصرين في العالم الاسلامى كان أجدر أن لا تترجم لسب أو لآخر ـ فالخطأ في ذلك راجع لمشورة الجهة الرسمية.

أو بعضالشخصيات المعروفة، أو لان شهرة المؤلف نفسه قد جاوزت بالراغب في الترجمة دائرة المشورة أو القراءة الذاتية الكتاب.

فمثلا كتاب: «من هنانبدأ» خالد محمد خالد، و كتاب:«مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين من الكتب المترجمة، و بجانب هذا نجد كتاب: «العدالة الاجتماعية» في الإسلام لسيد قطب في عداد هذه الكتب المترجمة التي زودت بها مصادرالبحث عن الثقافه الاسلامية.

وقد أتيحت لي الفرصة و أنا مشرف على مراقبة البحوث و الثقافة بالازهر أن أبدى الرأى في كثير من الكتب المعاصرة. و أخذ برأيي إيجاباً أوسلباً في بعض ما عرض على، و في البعض الاخر منها تعذر تنفيذ الرأى، لان الترجمة بالفعل كانت أخذت طريقها إلي الظهور.

و هناك عامل آخر غير الكتاب له أهميته في توجيهالطالب الامريكى توجيهاً خاصاً في فهم الإسلام، و الحضارة الاسلامية، و عقلية الشعوب الاسلامية المعاصرة ـ هو اتصال العلماء و الطلاب المصريين و العرب به في الجامعةالامريكية عن طريق المحاضرات و الاشتراك في المناقشات.

 

/ صفحه 175/

فبعد هذه الحرب العالمية ازداد سفر العلماء المصريين والعرب إلي أمريكا عن طريقالتبادل الثقافي لالقاء سلسلة من المحاضرات في فنزة محدودة، كما ازداد التحاق الطلاب المصريين و العرب بالجامعات الامريكية كمبعوثين حكوميين، أو على مشروعات خاصةكمشروع فول بريت أو مشروع النقطة الرابعة. و قليل من هؤلاء الطلاب من هو على حسابه الخاص.

الطالب الامريكي، كما ذكرت سابقا، تحمله الرغبة القوية إذا ما التقي بطالب أوبعالم من البلاد الاسلامية ـ في أن يعرف منه شيئاً عن الإسلام و عن الحياة الاسلامية، لان ذلك هو الشيء المجهول له في حياته هناك.

وهذه الرغبة تبدو من الطالبالامريكي، و لو كان المحاضر يحاضر في شيء فنى آخر لا صلة له بالتعبير عن التعاليم الاسلامية. فطالما المحاضر أو الطالب الغريب من بلد إسلامي فمركز الاستفهام و السؤال فينظر الطالب الامريكى هو:

الإسلام والمسلمون

وقد لمست ذلك في وضوح و غير مرة: فقد كان الاستاذ محمد خلف الله أحمد و قد صحبنى في زيارة الجامعات الامريكية التيزرتها يلقى بعض محاضرات عن الادب العربى، ويتحدث في الادب العربى المعاصر عن فن المسرحيات و عن الكتاب المحدثين. فالاسئلة ـ التي أعقبت المحاضرة و قد استغرق وقتها ضعفوقت المحاضرة اتجهت من جميع السائلين فجأة إلي مقاييس الإسلام الخلفية، و مبادئه في السياسة الدولية، و تنظيمه للاسرة، و علاجه للفجوة بين الطبقات، و معالم العدالةالاجتماعية في نظره... و هلم جرا; اتجهت إلى الموضوعات التي تبعد كل البعد من الوجهة العلمية البحثة عن موضوع المحاضرة.

و كثير من هؤلاء العلماء و الطلاب ذهب إلي أمريكاو معه صورة مهوشة عن الإسلام، و ربما كانت حياة المسلمين الحاضرة في البلاد الاسلامية هي مصدر معرفته بالتعاليم الاسلامية. فيستوحى من حياة المسلمين ليرسم للطالبالامريكي صورة هي أبعد ما تكون عن الإسلام، ولكنه بقدمها إليه على أنها تعبير صادق للمبادىء الاسلامية.

 

/ صفحه 176/

و بعض هؤلاء العلماء و الطلاب يحملفي رحلته إلى الجامعات الامريكية شعور البغض و الكراهية للاسلام، أو شعور الاستخفاف بتعاليمه و مقاييسه في الحياة. و هناك المجال الفسيح لا براز هذا الشعور، مستعينا فيتأكيده بالقصص المختلفة و التفسيرات المغرضة للأحداث التاريخية و ظواهر علاقات المسلمين بغيرهم في تاريخ الجماعة الاسلامية الطويل.

فقد سمعت في غير جامعة منالجامعات التي زرتها أن بعض العلماء المصريين هيئت له الفرصة لالقاء بعض المحاضرات عن «الإسلام في مصر» ـ فكان العمود الفقرى لهذه المحاضرات هو: أن الإسلام اسعان بالسيفوبفرض الجزية على حمل الناس على اعتناق الإسلام، و على طمس الحضارة القبطية العريقة، و على أنه حول المجتمع المصرى المتحضر إلي مجتمع يسوده الاضطهاد و الارهاب.

كماسمعت أن واحداً آخر من العلماء المصريين حاضر عن الفلسفة الاسلامية في بعض الجامعات الامريكية فذكر: أن المسلمين بتفكيرهم الديني المحدود أسموا إلي الفكر الاغريقيالقديم، و أن هذا الفكر لم يشع إلا بعد أن عاد إلي خلفاء الاغريق الاوربيين من جديد، و إلا بعد أن أبعد عنه الاوربيون الصور المحرفة التي أضافها المسلمون إليه. و أرجع عملالمسلمين إزاء الفكر الاغريقي إلي سطحيتهم و عدم قدرتهم على الانتاج العقلي ، كي يخلص من ذلك إلي أن النهضة في الشرق مرهونة بالافادة من الثقافة الغربية، و الفكر العلمىالطبيعى الغربى.

ويقل بين العلماء و الطلاب من البلاد الاسلامية في الولايات المتحدة الامريكية من له معرفة حسنة وفهم واضح للاسلام.

كما يوجد بينهم من يتحولعملياً إلي إنسان صاحب تفكير مسيحي في صورة مسلم موفد من مصر أو غيرها إلى الجامعات الامريكية، و ذلك بحكم العادة القائمة في هذه الجامعات وقت الاحتفالات الجامعية و فيالمناسبات الدينية.

فمع كثرة الجامعات الامريكية التي زرتها لم أرى جامعة واحدة خلت من كنيسة احتلت مكان الصدارة في أبنيتها الجامعية. لا على أنها رمز فحسب، بل علىأنها

 

/ صفحه 177/

مصدر التهذيب للطلاب و الطالبات، و كثيراً ما يقرأ هذه العبارة: «الدين و المعرفة» على واجهة البناء الرئيسي من أبنية الجامعة كشعارلهذه الجامعة.

و قد أصغيت إلي حديث طالب مصرى هو ابن لتاجر غلال في مصر عن مدى مشاركته لزملائه و زميلاته في الطقوس الدينية المسيحية التي يفتتح و يختتم بها اليومالجامعى في كلية رو لينس بفلوريدا. و أنه لم يجد بدا من المشاركة في القيام بهذه الطقوس نظراً لحداثة سنه، و لعدم معرفته بالاسلام في بيئته المصرية و للإلف و العادة في هذهالكلية.

فالطالب الامريكي إذن فلما يجد مصدراً محايداً يتحدث عن الإسلام و عهد الثقافة الاسلامية.

فالكتاب الجامعي لدراسة هذه الثقافة على نحو ما شرحت و الزائر منبلد إسلامي للجامعات الامريكية تعوزه صحة المعلومات أو دقتها عن الإسلام، أو يعوزه القصد العلمي السليم في عرضه للثقافة الاسلامية.

و من مميزات الطالب الامريكي أنهلا يصر على رأى بأن له خطؤه، فالعقلية الرياضية و العقل العملي في الحياة يسيطران على توجيه في جدله أو سلوكه.

وقد يكون من العوامل في ذلك ـ وإن كان عاملا سلبيا ـ عدمرسم سياسة مصرية ثقافية خارجية. ففى سنة 1951 طلبت الاكاديمية الامريكية للدراسات الاسيوية بسان فرانسسكو عالما من علماء الازهر ممن يجيدون لغة أوربية حديثة و درسوا فيإحدى الجامعات الاوربية ليشرف على قسم الدراسات الاسلامية المنشأ حديثاً في هذه الاكاديمية.

فحرصت و أنا في مراقبة البحوث و الثقافة بالازهر على أن تجيب المشيخة هذاالطلب. و وقع الاختيار على عالم من علماء الازهر ممن سافروا إلي ألمانيا للدراسة و هو يجيد اللغة الانجليزية و يقوم بالتدريس الآن في جامعة القاهرة، و كتبت المشيخة إليوزارة المعارف و الجامعة تطلب إليهما الموافقة على إعارة هذا الاستاذ للازهر

 

/ صفحه 178/

مدة سنتين والازهر بدوره يوجهه إلي الاشراف على العمل بسانفرنسسكو.

فطلبت المعارف من الازهر نظير ذلك أن توافق على إعارة مدرس بإحدى كلياته لها كي توجه هي أيضا في مهمة إلى الخارج. و بعد أن وافق الازهر على طلب المعارف أجابتالمعارف ـ و كان وزيرها الدكتور طه حسين ـ بأنها لا تستطيع التدخل في شئون الجامعة لانها مستقلة. و حاولت الاتصال شخصياً ببعض زملائى هناك بكلية الاداب لتوافق الكلية علىطلب الازهر. ولكن كان ذلك بدون جدوى. واستقر في ذهنى من الآحاديث التي دارت حول هذه المسألة، أن العامل الطائفي في الثقافة كان سبباً خفياً في ذلك، فكيف يسافر أزهرى إلىأمريكا في مثل هذه المهمة؟

وبجانب هذا المثل أذكر أن السفارة المصرية بواشنطن عن طريق الملحق الثقافي هناك، و كذا عن طريق الا دارة الثقافية هنا بوزاة المعارف لوعرضت بعض الجامعات أو المعاهد الامريكية شغل بعض و ظائف التدريس بقسم الدراسات الاسلامية أو العربية ببعض العلماء المصريين ـ تتجه الرغبة أولا و بالذات إلي الجامعاتالمصرية الحديثة دون الازهر. و ربما يكون هذا الاتجاه بعض العذر لان دائرة الاختيار من بين علماء الازهر ضيقة نظراً لعدم شيوع تمكنهم في اللغات الاوربية الحديثة. ولكنذلك يمكن للازهر أن يساهم و أن تجدى كساهمته لصالح الثفافة الاسلامية و لصالح مصر.

وعن طريقي تقدمت بعض الجامعات وقت زيارتي إياها أو بعد عودتي مباشرة تطلب مني أنأدلها على بعض العلماء ممن يجيدون اللغة الاجنبية، و لهم دراسات عليا حديثة في الثفاقة الاسلاميه.

فلو أن لمصر ـ عن طريق الازهر أو غيره من الجامعات ـ سياسة يقافيةخارجية مرسومة لاستطاعت ـ كما استطاع اليهود مثلا هناك ـ أن تساهم في عرض الثقافة الاسلامية بالجامعات الامريكية عرضا ً صحيحاً تفيد منه، و يفيد منه العلم

كذلك.

 

/ صفحه 179/

3 - الإسلام بين المسلمين اكمقيمين في الولايات المتحدة:

الغالبية العظمي من المسلمين في الولايات الامريكية المتحدة من المهاجرين العربمن سوريا و فلسطين و شرق الاردن و لبنان.

وهؤلاء يعيشون في ولايات: أيوه ـ ميتشجن (ديترويت) ـ أوهايو ـ شيكاغو ـ نيوجرسى ـ فيلاديلفيا ـ نيومكسيكو ـ كولورادو ـ تيكساس ـو في مدن: سيوسيتى ـ سان پول ـ ميتشجان سيتى ـ نيويورك سيتى ـ لوس أنجلس. و في هذه المدينة الاخيرة و في ولاية كاليفورنيا على العموم، ينتسب المسلمون هناك إلى بلاد الشرقالاقصى كإندونيسيا و الملايو، أو الشرق الاوسط كبلاد الهند و الباكستان.

و قد زرت أكثر هذه الجاليات الاسلامية و عشت في جماعتهم فترة من الوقت.

و قد سهل لي هذهالزيارة و عاونني على الاتصال بالمجموعات الاسلامية في الولايات المتحدة عامة «معهد دراسات الشرق الاوسط، بواشنطن أيضا و هو مشكور لذلك.

يعيش هؤلاء المسلمونكتجاراً أو كعمال صناعيين. و قليل منهم من ينتسب إلي بيئة الفن أو العلم، لانهم هاجروا من أحل الكسب المادى، و بينهم عدد غير قليل من الاميين أو أنصاف المثقفين.

وأكبرجالية عربية إسلامية تسكن مدينة ديترويت في ولاية ميتشجن. فربما يصل عددها إلى ما فوق العشرة الآلاف، و لها في هذه المدينة ثلاثة مساجد: واحد للجالية الالبانية، و آخرللمسلمين العرب من السنيين، و الثالث للشيعة من الايرانيين و العراقيين.

و الذي لا حظته بين الجاليات الاسلامية عامة قلة تمكنهم من اللغة العربية، مع أن معظمهم منالعرب، و ضآلة حظهم من الثقافة الاسلامية إلي درجة أنهم لا يعرفون السنة الصحيحة في تغسيل الموتى ولا الصلاة عليهم، و تشييع جنازتهم،

ثم جهل ناشئيهم ذكوراً و إناثاجهلا مطبقاً بتعاليم الإسلام و باللغة العربية. ولانهم يجهلون الإسلام، يخفون بين زملاتهم أو زميلانهم في الدراسة أو المصنع أنهم مسلمون، كما أنهم يطلقون على أنفسهم فيخارج المنزل أسماء تعتبر مسيحية، على

 

/ صفحه 180/

أن ينادوا بأسمائهم الاسلامية في منازلهم بين أهليهم فقط: فسعيد يسمى ب «چون» و فارس يطلق عليه«ألبير» و حسين ينادى ب «سام» و شريفة تسمي «نيف»... و هكذا.

وهذا التبديل في الاسماء إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الشخصية ـ و هي الشخصية الاسلامية هنا ـ و على تمكنمركب النقص في نفوس هؤلاء المختربين.

و مع جهل الناشئة بالاسلام و باللغة العربية، يلاحظ الزائر رغبة دفينة في نفوس هذه الناشئة: و هي أن تبقى مسلمة. ولكن كيف، و أنيلها أن تصبح مسلمة في حقيقة الامر. ثم تحرص على أن تبقى مسلمة لاحظت ذلك في اجتماعين كبيرين: أحدهما في ديتريت، و الاخر في سوسيتى. و كانت هذه الرغبة الدفينة تتجلى بينالاناث أكثر منها عند الذكور.

وإذا كان جهل الناشئة هناك بالاسلام أوحى اليها بتغيير الاسماء فإنه أيضا دفعها إلي الزواج بغير المسلم من المسيحيين واليهود. و تقلصبالتدريج لهذا عدد المسلمين المهاجرين إلي الولايات المتحدة. وحُكي إلي من بعض المسلمين في «ساتت پول» و في غير هذه المدينة أن عدد المسلمين الذين استوطنوا أمريكا منالبلاد العربية، و البلاد الاسلامية الاخرى في الشرق الادنى و الاسط، كان قبل خمسين سنة مضت، يقرب من المائة و الخمسين ألفا، و أصبح الآن لا يتجاوز الخمسين ألفا.

وربما كان ذلك يطابق الواقع: لان الجبل الاول و هو جيل المهاجرين قل عدده بالموت، و الاجيال الناشئة عنه تقلص عددها بالفناء الادبي و اضمحلال عوامل البقاء المميزة لهم وهي إسلامهم و لغتهم و عاداتهم الاصيلة.

وكما تبدو عند هؤلاء المسلمين النازحين الرغبة في تعرف الإسلام، يدرك زائرهم من أحاديثهم صلتهم الوطيدة بوطنهم

الاصلي،رغم أن القانون الامريكي يعتبرهم أمريكين، و قد يعبرون عن وطنهم بالاسلام، و قد يجعلون الإسلام الشعار المميز لهم.

و لهذا التعلق بالوطن و بالاسلام يعلن زعماؤهم ورجال الاعمال منهم من كبير استعدادهم المادى و حمايتهم الادبية لمن يأتي إليهم من علماء الازهر خاصة

 

/ صفحه 181/

يفقه أولادهم في الدين و يعلمهمالعربية. و منطقهم في ذلك ـ كما شرحه غير واحد منهم ـ أنهم حضروا إلي الولايات المتحدة الامريكية للاثراء، و لكنهم بعد أن أثروا وجدوا أنهم فقدوا ثروتهم الحقيقة و هيتنشئة أولادهم تنشئة إسلامية، و أن ثراءهم المادى لا يقيهم من آلامهم النفسية عندما يرون بناتهم تتزوج مسيحيين أو يهود، و تساهم في إفناء عنصرهم و شخصيتهم هناك، و هيالشخصية الاسلامية.

وقد حدثني في مدينة سوسيتى أب لاربع بنات و ابن واحد بأنه أخذ يصفى متجره ـ مع ربحه الطائل ـ منذ العام الماضي على أن يعود إلي دمشق هربا من المصيرالمنتظر لهؤلاء البنات و الابن. و هذا الاب من الشخصيات الاسلامية المحترمة في المجتمع الامريكى هناك، كما لاحظت في الاجتماع الذي أعده احتفاء بنا أنه كان من شهود هذاالاجتماع رئيس الولاية و عمدة المدينة و الممثلون للولاية في الكونجرس الامريكى بواشنطن، عدا كبار رحال التعليم و رجال المال و التجارة.

إن هذا الوالد ذكر لي: إنه كانعلى استعداد تام لان يرسل بجميع أولاده إلي واشنطن في أشهر الصيف لتعلم الدين و اللغة العربية في المركز الثقافى الاسلامى هناك، و ذكر لى مثل هذا ا لرأي مالى إيرانى كبيريعيش في لوس أنجلس بكاليفورنيا و آخرون في شيكاغو، و سيدارابس في ولاية أيوه. لو أن المركز هيأ لهم مثل هذه الدراسة.

4 ـ الاسلام بين الملونين في الولايات المتحدةالامريكية:

لوانتقلنا مما لا حظناه على حال المسلمين المهاجرين هناك من الرغبة الشديدة في تعلم الإسلام مع عدم استطاعتهم

تحقيق هذه الرغبة ـ إلي حال الامريكانالملونين لوجدنا أن رغبة هؤلاء في اعتناق الاسلام و فهم مبادئه لا تقل عن رغبة أولئكم، ولوجدنا السبب عند هؤلاء يشبه السبب عند أولئكم، و إن اختلف تعبير الطرفين عنه.

هذا السبب هو «حفظ البقاء» و الكفاح ضد الفناء الادبي: زرت المسلمين الملونين فى نيويورك، و في كليفلند، و رأيت بعد ذلك الملونين في الولايات الوسطى و الجنوبية، رأيتهمفي أطلانتا و في جورجيا و فلوريدا و تكساس و استطعت

 

/ صفحه 182/

أن أفهم: لماذا يقبل الملونون على اعتناق الإسلام؟. إن الملونين لا يثقون في الكنيسة، ولا يرون في المسيحية أنها دين الحياة. لان أى دين ينبغي أن يسيطر على التوجيه في الحياة يجب أن يكون متضمنا للمبادىء الانسانية الطبيعة التي يقوم عليها السير الطبيعيللحياة.

كثير من الملونين في أمريكا ـ و بالاخص في الولايات الوسطى و الجنوبية يعامل من بقية الامريكان البيض معاملة الانسان صاحب الدرجة الثانية. و هذه المعاملةترجمت في تشريعات هذه الولايات و قوانينها. و المظهر الدال عليها هو «الفصل» بين البيض و السود في الحياة العملية، و الفرق في العقوبة بين النوعين في قوانين المخالفات والجنح و الجنايات.

المطعم في محطات السكك الحديدية يقسم إلى قسمين، و دورات المياه العامة بها تقسم إلى قسمين، و قطارات السكك الحديدية و عربات النقل المشترك تقسمإلي قسمين، و كثير من الفنادق لا يسمح بدخول الملونين كنزلاء فيها. و يخصص في ا لتعليم في مراحله المتعددة بعض المدارس للملونين. و للملونين جامعة خاصة في ضواحى و اشنطن، ولكنها من أحدث الجامعات الامريكية نظاما و منهجاً و أسلوباً في التربية.

هذا الفصل في الحياة العملية، و هذه التفرقة القانونية في العقوبات أوحيا للملونين بالشك فيالكنيسة كهيئة مشرفة على التهذيب الروحي. لان التهذيب الروحي لا يفاضل بين إنسان و آخر، و بالشك في صلاحية المسيحية للحياة، لان الصالح للحياة يجب أن يكون له طابعالمبادىء العامة، و في صلاحيتها كدين لانها لمن تنل من نفوس معتنقيها في

السلوك و المعاملة ما يدل على أنها عقيدة تستوجب تصرفات خاصة، و تمطا معينا في المعاملة.

وإذ شكوا في الكنيسة و قيمة المسيحية، لم يؤمنوا كذلك بالاديان السلبية كالبوذية. لان الحياة الامريكية تعتبر النموذج العملي للحياة الايجابية، و هم خاضعون لقوانينالايجابية فيها، و وجدوا في الإسلام العقيدة الدينية التي تجمع بين دعوة

 

/ صفحه 183/

المساواة في المعاملة، و الدعوة إلى العمل الايجابى في الحياة، وكان الإسلام في نظرهم مركز التوفيق بين شعورهم النفسي الداخلي، و ما تفرضه سنة الحياة الامريكية من وجوب السعي فيها و الانتاج المثمر المستمر.

يحدثني أحد الملونين فيكليفلاند و هو إمام الجالية الاسلامية الملونة فيها: أنه لا يجد عناء في إقناع الملونين بالاسلام رغم أن معرفته بالاسلام قليلة، و قد أخذه عن أحد أصوله من الصوماليين، ويبدى أن السبب في يسر إقناع الملوتين بالاسلام بساطته في تأدية أنواع العبادة، و في صلة الانسان بخالقة، و في تسويته في الحقوق و الواجبات بين الناس جميعاً، و في دفعةالناس إلى العمل، و في عدم وجود سلطة دينية فيه قد يساء استعمالها و قد يتجر بها القائمون عليها، و يستطرد في حديثه فيذكر من العقبات عدم تفقهه في الدين التفقه الكافى حتىيستطيع محاجة المبشرين الذين يشككون المسلمين من فريقه في الإسلام و قيمته و يضللونهم بقصص بعيدة عن الواقع و عن هدف الرسالة الاسلامية. و ذكر لي بعض هذه القصص، فذكر«الحريم و الجوارى» و حث الإسلام على «العرى» كما يصور الحج، و تحريم الاستمتاع بمظاهر الحضارة الحديثة كركوب السيارات و الاستماع إلي الراديو و التلفزيون، على نحو مايحكى هناك عن المملكة العربية السعودية... و غير ذلك مما يعتمد فيه المبشرون على قول غير متفقه، أو على ظاهرة في جماعة إسلامية معاصرة أو شرح عبارة على غير وجهها الصحيح.

وعرفت من المسلمين الملونين في نيويورك أن طريقهم إلى معرفة الإسلام هي أقوال المهاجرين العرب الذين يشاركونهم العمل في المصنع أو الخدمة في المطاعم و الفنادق، أوالذين يتصلون بهم في الاعمال التجارية الصغيرة.

ولما أرشدتهم إلي ترجمة «معاني القرآن العظيم» لمحمد بتكتال (انجليزى أسلم) المطبوعة في نيويورك، أجابونى كما أجابنيغيرهم من المسلمين العرب من مدن أخرى أنهم سمعوا: أن شيخ الإسلام في القاهرة يحرم ا لترجمة.

وأعتقد أن شيخ الازهر الحالي لو عرف حال المسلمين في الحارج، و عرف

 

/ صفحه 184/

أن هناك 28 ترجمة للقرآن الكريم من اللغة اليابانية إلي اللغة الانجليزية ـ كما رأيتها في مكتبة كليفلند ـ و أن معظم هذه الترجمات تنطوى علىأخطاء جسيمة في تصوير رسالة الإسلام أو تصوير حياة رسول الله صلي الله عليه و سم، و أنها منتشرة بين المسلمين الاجانب، أعتقد أنه لو عرف ذلك لما أدلي بما ذكره في حديثه إلىجريدة الاهرام بتاريخ 14/2/1954إجابة عن أهمية ترجمة معانى القرآن إلي اللغات الحية:

من قوله: «إني أرى أنه من الخير لنا و لمن نريد أن ندعوهم إلي الإسلام أن نترجم لهممبادىء الإسلام و أحكامه في رسالة موجزة» و لبادر إلي إقرار مثل هذه الترجمة التي تعد أصح و أوضح ترجمة لمعانى القرآن الكريم باللغة الا نجليزية.

5 - الإسلام في المركزالثقانى الاسلامى بواشنطن:

هذه هي حال المسلمين المهاجرين و الملونين في الولايات المتحدة الامريكية.

و قبل ذلك وقفنا على حال الإسلام و على الصورة التي يعرضفيها بالجامعات الامريكية، و بخاصة في المعاهد القائمة على شئون الدراسات الاسلامية بينها.

المركز الثقافي الاسلامى بواشنطن عبارة عن مسجد لم يكتمل بناؤه بعد، و إناكتملت مئذنته، كما لم يكتمل الجناحان الملحقان به في رسمه.

و تحت هذا المسجد طابق أرضي اتخذ منه الآن صالة للمحاضرات ولاقامة الصلاة في المناسبات الدينية. و في زوايةمن هذه الصالة أقيم جداران يفتح في أحدهما باب لتكوين حجرة خصصت لمدير هذا ا لمركز و إمام مسجده.

وهو من الزملاء الافاضل الذين درسوا في لندن بعد الازهر الشريف، و أوقدفي بعثة واحدة مع شيخ الازهر الحالى: هذا إلي باريس و ذاك إلي لندن، و هي بعثة فؤاد الاول التي أرسلها الازهر في سنة 1935، بعد ما أرسل مجلس مديرية البحيرة بعثة تخليد ذكرىالامام الشيخ محمد عبده سنة 1931. التي أتشرف بالانتساب إليها.

موقع بناء المركز من أحسن المواقع في عاصمة الولايات المتحدة الامريكية.

وارتفاع مئذنة الجامع يرى منبعيد، و يدل الناظر على مظهر إسلامي واضح.

 

/ صفحه 185/

ولكن عند ما يزوره الزائر يدرك أن عدم إتمام بناء هذا المركز و مسجده يشبه إلي حد كبير خيبة الاملفي إنقاذ فلسطين:

فمن أجل المركز الثقافي الاسلامى اشترك في تنفيذه جميع حكومات البلاد الاسلامية حتى تركيا، و مع ذلك لم يتم، و في حرب فلسطين اشتركت جميع حكوماتالبلاد العربية، و مع ذلك لم تنقذ فلسطين.

و هذا المظهر في عدم إتمام المركز الثقافى بواشنطن يدل مرة أخرى على أن تكتل المسلمين إن اتجه إلى الارهاب لا يرهب، و إن انجهإلي الانتاج و الاثمار لا ينتج و لا يثمر.

الدكتور محمد حب الله يعيش في هذا البناء وحده، يدرك كما أدرك أنا، أنه كان يمكن أن يكون لهذا المركز نشاط أكاديمي في الاتصالبالجامعات الامريكية و معاهد الدراسات الاسلامية فيها: يكون حلقة الاتصال بينها و بين علماء البلاد الاسلامية إذا مارغبت إحدى هذه الجامعات في استقدام عالم أو أكثر منالعلماء المشتغلين بالدراسات الاجنبية، يكون المعقب و الناقد لما تخرجه هذه الجامعات من كتب عن الثقافة الاسلامية.

وكان يمكن أن يكون لهذا المركز نشاط تعليمي إسلاميو عربي لابناء المسلمين إما عن طريق المدارس المتنقلة، أو عن طريق فصل دراسي وقت عطلة المدارس الامريكية يقام في المركز نفسه لا بناء المسلمين في أنحاء الولايات المتحدة.

وكان يمكن أن يكون لهذا المركز نشاط توجيهي لطلاب البعثات الحكومبين و غير الحكوميين من العرب و غيرهم من المسلمين ممن يفدون على الولايات المتحدة يتعلق بالثقافةالاسلامية و بآراء الإسلام في الحياة، و الحضارة، و الاسرة،

والمجتمع، و العلاقات الخارجية. و غير ذلك من الموضوعات التي يتعلق بها الطالب الامريكي، و المجتمعالامريكي، و التي كان توضيحها يخلق جواً لمصر و البلاد الاسلامية في هذه الولايات، لا تستطيع الدبلوماسية للدول الاسلامية هناك أن تكونه.

كنت أفهم أن مصر يمكنها عنطريق المركز الثقافي الاسلامى بواشنطن أن تلغى و ظيفة الملحق الثقافي بالسفارة المصرية، و وظيفة مدير إدارة البعثة المصرية من الطلاب في السفارة المصرية أيضاً، حتىيتركز التوجيه في إشراف واحد،

 

/ صفحه 186/

و حتي يمكن أن يكون للدبلوماسية المصرية في أمريكا اتجاه محدد واضح هو كسب جانب كبير من الرأى العام الامريكيسواء في الجامعة أو المصنع أو الحياة العامة لمصر و البلاد الاسلامية.

المركز الثقافي الاسلامى في واشنطن كما أفهمه ليس داراً للتبشير، و إنما هو معهد لتيسير أمرالمسلمين عليهم فيما يعتقدونه و يؤمنون به، و لتوضيح التعاليم الاسلامية و أنها كفيلة ببناء مجتمع قوى في خلقه و في توجيه، و في إفادته من الحياة و في نفعه للحياة والمجتمع البشرى كله، و أنها كفيلة بدعم صلة الاخوة في الانسانية بين الشعوب، و أنها تهدف في النهاية إلى طمأنينة الناس، و تأمينهم من الخوف في جميع مظاهره.

وهذهالرسالة يؤديها المركز الثقافي، لا الملحق الثقافي، و لا مدير البعثة التعليمية المصرية.

هذا ما أدركه في وظيفة المركز الثقافى بواشنطن، و إن خالفنى فيما أدركه شيخالازهر الحالى كما جاء في حديثه في أهرام 14/5/1954 من أن الفائدة التي تحصل من هذا المركز و من المركز الاخر في لندن لا تساوى عشرة جنيهات رغم أنه يصرف عليهما عشرة آلاف منالجنيهات.

ولكن ماذا يصنع مدير المركز الاسلامي في واشنطن، وليس لمثلى الحكومات الاسلامية هناك أى عون مادى أو أدبى؟ماذا يصنع و هو وحده و عمل المركز ـ كما ينبغي ـيتطلب عدداً من العلماء الباحثين و المعلمين و الموجهين؟ و يتطلب

مالا للانفاق على البحث و النشر و الاتصال؟

6 - الازهر و رسالة في الخارج:

إن الحديث عن«الإسلام في أمريكا» أو عن الإسلام في أى بلد خارجى يدفع صاحب الحديث و سامعه إلى الازهر إذ أصبح هناك تلازم في عصرنا الحاضر بين الازهر و أداء رسالة الإسلام . وليس هذاالتلازم في ذهنى لانى أزهرى، ولكنه أيضاً في أذهان الا جانب ديناً أو بلداً. مازرت جامعة إلا وسئلت عن الازهر، و ما زرت مجتمعاً إسلامياً إلا و أبديت رغبة أو رغبات فيتقديمها للازهر، و ما زرت مكتبة من المكتبات الجامعية أو العامة في أمريكا، إلا طلب

 

/ صفحه 187/

إلى تبادل الكتب و المجلات العلمية، و مقالات العلماءالازهريين. و ما حضرت جلسة من جلسات المؤتمر الاسلامي في جامعة برينستون إلا و نظر اليّ على أني المقدم من علماء البلاد الاسلامية لاني أزهرى النشأة و الثقافة.

الازهرالذي يعيش في رمال المقطم الآن، و يعيش أبناؤه في قبور الاحياء و بالقرب من مساكن الاموات مصدر فخار و مجد لمصر في الخارج.

الازهر الذي أصحبت كلياته الثلاث معهداًلتخريج المدرس العربي في مدارس وزارة المعارف، يعرف عنه الامريكيون و الاوربيون أنه الجامعة الاسلامية الوحيدة التي حفظت التراث الاسلامى قرابة ألف عام، والتي ساهمت فيالحركات الاسلامية و بالتالي في الحركات القومية في الشرق الاسلامى.

لمصلحة مصر أولا، و لمصلحة العالم الاسلامي ثانياً: يجب أن يعمل أولوا الأمر فينا على أن يؤدىالازهر رسالته كجامعة و كمركز دولي للاسلام و لرسالته.

إن مصر في سياستها الخارجية الواقعية في حاجة ماسة إلى كسب شعور المسلمين في الخارج، و في حاجة ماسة إلى توضيحمصر ا لاسلامية بين غير المسلمين في البلاد الاخرى. و الازهر وحده لا غيره. هو الكفيل بالمساهمة الفعالة في تحقيق نصيب كبير من السياسة الخارجية لمصر.

لمصر أن تعرض منالتحف القديمة ما تشاء في أوربا و أمريكا، و أن تعرض من صور المنشآت الحديثة في القاهرة و الاسكندرية و على النيل ما تشاء في أوربا و أمريكا، و للمصريين أن يتزيوا نساءً ورجالا يزى الاوربيين و الامريكيين ولكن الاوربيين و الأمريكيين لايفهمون المصريين والمصريات على حقيقتهم إلا إذا زال من تصوراتهم تلك الصور المشينة البغيضة عن الإسلامالتي رسمها الاستعمار في الشرق السلامى منذء أجيال طويلة.

الاستعمار الذي نحاربه حارب الازهر و التقافة الاسلامية و نال منهما في فترات متعددة. و اليوم الذي بحثوالازهر فيه على قدميه ـ لا قدر الله ـ هو اليوم الذي ينقطع فيه الشرق الاسلامي عن ماضيه الثقافي، و هو اليوم الذي يفقد فيه هذا الشرق أخص مقوماته، و هو اليوم الذي تفقد فيهمصر مصدر القوة الروحية فيها.

/ 1