أبو فراس الحمداني مقاربة في دارسة مدحه وهجائه
الدكتور محمّد علي آذرشب «ملخص»
المدح والهجاء فنان من فنون الشعر العربي لهما قيمتهما الأدبية حينما يبتعدان عن التكسب وفي بلاط سيف الدولة نرى مثل هذا الاتجاه في المدح والهجاء ،خاصة عند الأمير أبي فراس الحمداني فهو يترفع عن الإسفاف ، وله أسلوبه الخاص في المدح وخاصة في مدح سيف الدولة ، ويموج مدحه بالطهر والعفاف خاصة في مدح المرأة ، ويبلغ أبوفراس ذروة مدحه وهجائه في إطار رساليته ، ويبتكر أجمل الفنون لمدح أوليائه من آل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ويقارن بينهم وبين معارضيهم في أسلوب فريد في الأدبالعربي ، وتشيع في شعره قيم إنسانية سامية نحن بأمس الحاجة إليها اليوم . ـ دراسة مقدمة إلى ندوة الحياة الأدبية في رحاب سيف الدولة ،حلب 29 ـ 30/4/ 2000.
ـ جامعة طهران.
(207)
موضوع المدح والهجاء له قيمته الفنية والاجتماعية المتمثلة في استجلاء طريقة تناول الأنا والآخر ،لأن الشاعر في مدحه أو هجائه يسعى إلى تبين مظاهر القوة أو الضعف في نفسه أو قومه أو في شخص آخر أو قوم آخرين.
وليس من موضوع استأثر باهتمام الشعر العربي اكثر منالمدح والهجاء ، وذلك يعود لتوظيف الشعر في الصراع ، وتاريخ العرب كله صراع ، وهذا الصراع له جانب سلبي حين يكون من أجل الاستعلاء القبلي ، وله جانب إيجابي حين يتجه إلىرفض الواقع السيء والى محاولة تقديم النموذج الأفضل للحياة.
موضوع المدح والهجاء إذن تغذيه المواقف الساخنة أو العصبيات ، وتحدد اتجاهه نوع تلك المواقف ،ويرتفع فنياً كلما صدر عن شعور صادق لا يشوبه تكسب.
وبسبب ارتباط الشعر العربي على مر التاريخ برزق الشاعر ، فقد شاع التكسب في المدح والهجاء ، وبذلك خسر قسم كبيرمن الشعر العربي تلك القيمة الفنية التي اتصف بها في موضوعات الغزل والوصف والتأمل في الكون والموت والحياة وحتى لا أدخل في تطور المدح والهجاء في الشعر العربي ، وهوموضوع يستحق دراسة مستفيضة لما يفرزه من تداعيات ، أشير فقط إلى أن موضوع المدح والهجاء يتطور كلما ابتعد عن التكسب ، ولكما نما في بيئة قادرة على أن تفجر طاقات الشاعرالفنية وتفتح ذهنه على آفاق جديدة ومعان مبتكرة .
وبلاط سيف الدولة يمثل النموذج الأسمى في البيئة التي توفرت لتطور موضوع المدح والهجاء للأسباب التالية :
1 ـ كثرة الاحتكاكات بين هذا البلاط وغيره من الخصوم السياسيين أو
(208)
الفكريين أو الطامعين.
2 ـ شخصية سيف الدولة الأدبية المرموقة التياجتذبت إليها الشعراء ، وجعلت الشاعر يرى نفسه في محيط أدبي أكثر مما هو في محيط حكم وحاكم . 3 ـ شخصية سيف الدولة القتالية التي صيرت منه بطلاً أسطورياً يقارعالخصوم ببسالة تستثير مشاعر الشعراء .
4 ـ ارتباط هذا البلاط بآل بيت رسول الله فكرياً وعاطفياً مما جعله يرتبط بتاريخ الأدب المقاوم المناضل الرافض للظلموالظالمين (1).
بعد هذه المقدمة ألقي الضوء على موضوع المديح والهجاء عند الأمير أبي فراس الحمداني:
خصائص المدح والهجاء عند أبي فراس الحمداني
1 ـ الترفع عن الإسفاف في الهجاء: نرى في هجاء أبي فراس نوعاً حضارياً من الهجاء ينبو عن ذكر المثالب والأعراض ، ويعبر عن نوع من الألم والمضاضةتجاه إساءات الآخرين ، وكأنه لا يريد أن يطعن بمن يهجوه بقدر ما يريد صرفه عن غيه ، وقد تكون نتف من هذا اللون من الهجاء موجودة في الشعر العربي ، لكن الذي يميز أبا فراس أنهجاءه يقتصر على هذا اللون الرائع المتزن ، مما يبين أن علاقته بالآخر في مجتمعه علاقة إصلاح لا طعن حتّى ولو أساء إليه يقول معلقاً على إساءة صاحبه:
صاحب لماأساء
رب داء لا أرى منه
أحمد الله على ما
سرّ من أمري وساء (2)
اتبع الدلو الرشاء
سوى الصبر الشفاء
سرّ من أمري وساء (2)
سرّ من أمري وساء (2)
ويخاطب الذين ناصبوهالعداوة بالقوة:
أيا قومنا لا تنشبوا الحرب بيننا
عداوة ذي القربى أشد مضاضة
فياليت داني الرحم منا ومنكم
إذا لم يقرب بيننا لم يبعد (3)
أيا قومنا لا تقطعوا اليد باليد
على المرء من وقع الحسامالمهند
إذا لم يقرب بيننا لم يبعد (3)
إذا لم يقرب بيننا لم يبعد (3)
ثم نراهيهجوهم بعد أن استفزه قائد الروم الدمستق إذا قال له : إنّما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب . فأجابه أبو فراس.
أتزعم يا ضخم اللغاديد أننا
فويلك من للحرب إن لم نكن لها
ومن ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا
ونحن أسود الحرب لانعرف الحربا
ومن ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا
ومن ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا
بأقلامنا أحجرت أم بسيوفنا
واسد الشرى قدنا إليك أم الكتبا ؟
واسد الشرى قدنا إليك أم الكتبا ؟
واسد الشرى قدنا إليك أم الكتبا ؟
رعى الله أوفانا إذا قال ذمة
وجدت أباك العلج لما خبرته
أقلكم خيراً وأكثركم عجبا (4)
وأنفذنا طعناً ، وأثبتنا قلبا
أقلكم خيراً وأكثركم عجبا (4)
أقلكم خيراً وأكثركم عجبا (4)
2 ـ أسلوب خاص بالمدح :
بسبب شيوعالمداحين والهجائين المتكسبين يحاول أبو فراس أن ينفي عنه أن يكون مداحاً أو هجاءً ، ولكنه يقر بأنه مدح نفسه وآباءه ، وأن أكثر شعره كان في هذا اللون من المدح ، يقول : (210)
الشعر ديوان العرب
لم أعدُ فيه مفاخري
ومقطعات ربما
لا في المديح ولا الهجاء
ولا المجون ولا اللعب (5)
أبداً وعنوان الأدب
ومديح آبائي النجب
حليتمنهن الكتب
ولا المجون ولا اللعب (5)
ولا المجون ولا اللعب (5)
نطقت بفضلي وامتدحت عشرتي
وهل تجحد الشمس المنيرة ضوءها
ويستر نور البدر والبدر زاهر
وما أنا مداح ولا أنا شاعر
ويستر نور البدر والبدر زاهر
ويستر نور البدر والبدر زاهر
وهذه الخصائص في مدحأبي فرانس أبعدت مدحه عن المبالغات الشديدة التي ابتلى بها هذا اللون الأدبي . وصيرت من المدح عند شاعرنا ديواناً يسجل فيه الوقائع ويصف فيه المعارك لا على طريقة المؤرخين، بل بأسلوب فني يصف فيه رجولة الأبطال وشهامتهم ورفعتهم وفق معايير إنسانية وإسلامية .
نراه ـ على سبيل المثال ـ حين يذكر مفاخر الماضي يقدم لها بالقول : إن مفاخرالحاضر أهم ، دفعاً لتوهم قد يساور المستمع أن الشاعر يجتر أمجاد الماضي يقول:
أتسمو بما شادت أوائل وائل
أيشغلكموصف القديم ؟ ودونه
وهل يطلب العز الذي هو غائب
ويترك ذا العز الذي هو حاضر ؟ (6)
وقد غمرت تلك الأوالي الأواخر؟
مفاخر فيها شاغل ومآثر
ويترك ذا العز الذي هو حاضر ؟ (6)
ويترك ذا العز الذي هو حاضر ؟ (6)
(211)
في أبياته يذكر موقفين متضادين عن علاقة قومه ببني العباس : موقف المدافع عن بني العباس ، وموقف المهاجمالمنتقم من العباسيين ، ويبين سبب هذا التضاد وفق معايير خاصة . فيذكر عمّه الحسين بن حمدان ودفاعه عن الخليفة العباسي، ثم هجومه في وقت آخر على دار الخلافة، يقول:
نطيعهُمُ ما أصبح العدل فيهمُ
لنا في خلاف الناس عثمان أسوةُ
وسار إلى دار الخلافةعنوةً
فحرّقها ، والجيش بالدار دائرُ (7)
ولا طاعةَ للمرء والمرء جائرُ
وقد جرت البلوى عليه الجرائر
فحرّقها ، والجيش بالدار دائرُ (7)
فحرّقها ، والجيش بالدار دائرُ (7)
3 ـ أسلوب مدحه سيف الدولة:
أكثر مدح أبي فراس في سيف الدولة علاقة أبي فراس بسيف الدولة علاقة نسب وإمارة وشجاعة ورجولة وطريقته في مدحه لها أسلوب خاص . تراه كلما مدحه كأنه يريد أن يفخر بنفسهوبهذه الطريقة يدفع عن نفسه أن يكون محترفاً للمدح ثم إنه يمدحه معدداً صفاته في النسب والشجاعة والبأس والرجولة ، وهذه هي المشتركات بينه وبين أبي فراس . ولا نرى لهمدحاً في سخاء سيف الدولة ولا في قصوره ولهوه وقصفه ، لأن مثل هذا المدح من شؤون المتكسبين ، ولا تتناسب مع شخصية سيف الدولة في رجولته وبطولته وترفعه عن ترف العيش. ومما أنشد في سيف الدولة وأشرك فيه نفسه قوله:
ألا قل لسيف الدولة القرم : إنني على كلّ شيء غير وصفك قادرُ
(212)
فلا تلزمني خطة لا أطيقها
ولو لم يكن فخري وفخرك واحداً
ولكنني لا أغفل القول عن فتى
أساهم في عليائه وأشاطر (8)
فمجدك غلاب وفضلك باهر
لما سار عني بالمدائح سائر
أساهم في عليائه وأشاطر (8)
أساهم في عليائه وأشاطر (8)
وقد كنت أخشى الهجرو الشملجامع
فكيف وفيما بيننا ملك قيصر
أمن بعد بذل النفس فيما تريده
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب (9)
وفي كلّ يوم لفتة وخطاب
وللبحر حولي زخرة وعباب
أثاب بمر العتب حينأثاب
وبيني وبين العالمين خراب (9)
وبيني وبين العالمين خراب (9)
4 ـ المدح بالطهر والعفاف :
أذكر أولاً أنني أعتبر الفخر من المدح لأنه يعبر عن المعايير التي يراهاالشاعر حسناً في نفسه أو قومه ، فهو يدخل في موضوع المدح الذي حدّدته في بداية هذا البحث . والحديث عن الطهر والعفاف قد نجده في الغزل العذري ، لكن قلما نجده فيالمدح وأبو فراس بارز في هذا المجال في أسلوب رائع يجسد دور النفس اللوامة في ضبط تصرفات الإنسان والتحكم في نزواته وشهواته (10) ، يقول :
فيا نفس ما لاقيت من لا عجالهوى
كان الحجا والصون والعقل والتقى
وهن ـ وإن جانبت ما يشتهينه
وكم ليلة خضت الأسنة نحوها
فلما خلونا يعلم الله وحده
لقد كرمت نجوى وعفت سرائر
ويا قلب ما جرت عليك النواظر
لدي لربات الخدور ضرائر
حبائب عندي منذكن أثائر
وما هدأت عين ولا نام سامر
لقد كرمت نجوى وعفت سرائر
لقد كرمت نجوى وعفت سرائر
ولي فيك ، من فرط الصبابة ، آمر
عفافك غي ، إنّما عفة الفتى
إذا عف عن لذاته وهو قادر (11).
ودونك ، من حسن الصيانة ، زاجر
إذا عف عن لذاته وهو قادر (11).
إذا عف عن لذاته وهو قادر (11).
والشاعر يؤرقه شوقه إلى المحبوب ، ويلتهب صدره بحب الحبيب ، لكنه حب شريف عفيف السريرة ، يقول :
كيف السبيل إلى طيف يزاوره
الحب آمره والصون زاجره
أنا الذي إن صبا أو شفه غزل
وأشرف الناسأهل الحب منزلة
وأشرف الحب ما عفت سرائره (12)
والنوم في جملةالأحباب هاجره ؟
والصبر أول ما تأتي أواخره
فللعفاف وللتقوى مآزره
وأشرف الحب ما عفت سرائره (12)
وأشرف الحب ما عفت سرائره (12)
5 ـ هجاء الأوضاع الاجتماعية
شاعرنا حساس يرى بواطن الأمور ولا ينخدع بالظاهر ، ويرىالناس على حقيقتهم والأوضاع الاجتماعية على حقيقتها ، فيسوءه ما يرى من مظاهر النفاق والدجل في المجتمع ، وهي مظاهر موجودة دائماً بدرجة وأخرى في (214)
المجتمعات البشرية خاصة حينما تختل الموازين الاجتماعية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المهيمنة.
ويظهر أن عصر أبي فراس كان يضج بهذا الاختلال نتيجةالاحتكاكات القبلية المستمرة والاشتباكات الحربية المتواصلة وضعف الخلافة المركزية ، والحكومات المتعاصرة . غير أن هذا الوضع لم يؤد إلى انفعال شاعرنا وسخطه بقدر ماأدى إلى أن يتخذ موقف الحكيم الناقد لهذه الأوضاع ، يقول:
وقور وأحداث الزمان تنوشني
وألحظ أحوال الزمان بمقلة
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه
وقد صار هذا الناس إلاّ أقلهم
تغابيت عن قومي فظنوا غباوتي
ولو عرفوني حق معرفتي بهم
وما كلّ فعال يجازى بفعله
ورب كلام مر فوق مسامعي
كما طن في لوح الهجير ذباب (13)
وللموت حولي جيئة وذهاب
بهاالصدق صدق والكذاب كذاب
ومن أين للحر الكريم صحاب
ذئاباً على أجسادهن ثياب
بمفرق أغبانا حصئ وتراب
إذا علموا أني شهدت وغابوا
ولاكلّ قوال لدي يجاب
كما طن في لوح الهجير ذباب (13)
كما طن في لوح الهجير ذباب (13)
أقمت بأرض الروم عامين لا أرى
إذا خفت من أخوالي الروم خطة
وإن أوجعتني من أعادي شمية
لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا (14)
من الناس محزوناً ولا متصنعا
تخوفت من أعماميالعرب أربعا
لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا (14)
لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا (14)
(215)
الإصلاحية وفهمه لواقعه السيء ، وجرأته على نقد هذه الأوضاع.
ومن هذا النقد ما يوجهه إلى الخلافة العباسية لتعاملها السيء مع أبناء عليالّذين يمثلون في رأي الشاعر رمز الدين والتقى في المجتمع يقول :
الدين مخترم ، والحق مهتضم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم
سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
وفيء آل رسول الله مقتسم
سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
يا للرجال أما لله منتصف
بنو علي رعايا في ديارهم
محلؤون فأصفى شربهم وشل
فالأرض إلاّ على ملاكها سعة
وماالسعيد بها إلاّ الذي ظلموا
للمتقين من الدنيا عواقبها
وإن تعجل منها الظالم الأثم (15)
من الطغاة ؟ أما للدين منتقم؟
والأمرتملكه النسوان والخدم
عند الورود وأوفى ودهم لمم
والمال إلاّ على أربابه ديم
وما الغني بها إلاّ الذي حرموا
وإن تعجل منها الظالم الأثم (15)
وإن تعجل منها الظالم الأثم (15)
6 ـ مدح المرأة
الشعر العربي تغزل بالمرأة ورثاها وقلما خصص مدحاً لها ، لأنها ليست مصدراً للصلات أما أبو فراس فقد اتجه إلى مدح بعض النساء كما يمدح الرجل ففي قصيدة يمدح فيها امرأةشيعها في يوم ثلج يبدأ بمقدمة غزلية تقليدية ثم ينتقل إلى الفخر ، وبعده يقول :
ويوم كأن الأرض شابت لهوله
تسير على مثلالملاء منشراً
وآثارها طرز لأطرافها حمر
قطعت بخيل حشو فرسانها صبر
وآثارها طرز لأطرافها حمر
وآثارها طرز لأطرافها حمر
أشيعه والدمع من شدة الأسى
وعدت وقلبي في سجاف غبيطه
ولي لفتاتنحو هودجه كثر
على خده نظم على نحره نثر
ولي لفتاتنحو هودجه كثر
ولي لفتاتنحو هودجه كثر
وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة
وفي الكم كف لا يراها عديلها
وفي الخدر وجه ليس يعرفه الخدر
لهادون عطف الستر من صونها ستر
وفي الخدر وجه ليس يعرفه الخدر
وفي الخدر وجه ليس يعرفه الخدر
فهل عرفات عارفات بزورها
أما أخضر من بطنانمكة ما ذوى ؟
سقى الله قوماً حل قومك فيهم
سحائب لاقل جداها ولا نزر (16)
وهل شعرت تلك المشاعر والحجر
أما عشب الوادي أما أنبت الصخر
سحائب لاقل جداها ولا نزر (16)
سحائب لاقل جداها ولا نزر (16)
وأديبة اخترتها عربية
محجوبة لم تبتذل ، أمارة
لو لم يكن لي فيكألا أنني
ولقد نزلت فلا تظني غيره
مني بمنزلة المحب المكرم
تعزى إلى الجد الكريم وتنتمي
لم تأتمر ، مخدومة لم تخدم
بك قد غنيت عن ارتكاب المحرم
مني بمنزلة المحب المكرم
مني بمنزلة المحب المكرم
7 ـ الرسالية في المدح والهجاء
المقصود بالرسالية ما اتجه إلى مدح أو هجاء منطلق من إيمان برسالة سامية ، وهو شائع لدى شعراء الشيعه بشكل خاص ، ويتميز أبو فراس بالتركيز على هذا الجانب حتّى أنّه خصصقطعة من شعره ليذكر كلّ أئمة أهل البيت الاثنى عشر ، وكأنه يريد أن يعلن عقيدته الاثني عشرية بكل وضوح وقل أن نرى (217)
ذلك عند غيره من شعراء الشيعة يقول :
لست أرجو النجاة ، من كلّ ما أخشاه ، إلاّ بأحمد وعلي
وببنت الرسول فاطمة الطهر
والتقي النقي ، باقر علم الله
وابنه جعفر وموسى ومولانا
وأبي جعفر سمي رسول الله
وابنه العسكري والقائمالمظهر ،
بهم أرتجي بلوغ الأماني
يوم عرضي على الإله العلي (17)
وسبطيه والإمام علي
فينا محمّد بن علي
علي ، أكرم به من علي !
ثم ابنه الزكي علي
حقي محمّد بن علي
يوم عرضي على الإله العلي (17)
يوم عرضي على الإله العلي (17)
خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا
ما في ديارهم للخمر معتصر
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم
الركن والبيت والأستار منزلهم
صلى الإلهعليهم أينما ذكروا
لأنهم للورى كهف ومعتصم (18)
يوم السؤال ، وعمالين إن علموا
ولا يضيعون حكم الله إن حكموا ..
ولا بيوتهم للسوءمعتصم
ولا يرى لهم قرد له حشم
وزمزم والصفا والحجر والحرم
لأنهم للورى كهف ومعتصم (18)
لأنهم للورى كهف ومعتصم (18)
8 ـ أسلوب المقارنة في المدح والهجاء:
يشاهد في شعر أبي فراس جمعاً بين المدح والهجاءبصورة مقارنة بين الممدوح والمهجو. نقف على سبيل المثال عند قصيدته المذكورة في مدح آل البيت وفيها يقارن
(218)
بين العباسيين والعلويين . يقارنبينهما في الشرف والمكانة:
لا يطغين بني العباس ملكهم
بنو علي مواليهم وإن زعموا
بنو علي مواليهم وإن زعموا
بنو علي مواليهم وإن زعموا
أتفخرون عليهم لا أبا لكم
حتّى كأنرسول الله جدكم
حتّى كأنرسول الله جدكم
حتّى كأنرسول الله جدكم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل ولا لجدكم مسعاة جدهم
وفي العرق والرحم :
ولا لعرقكم من عرقهم شبه ولا نفيلتكم منأمهم أمم
وفي الصفح عن الأسرى:
هلاّ صفحتم عن الأسرى بلا سبب
للصافحين ببدر عن أسيركم ؟
للصافحين ببدر عن أسيركم ؟
للصافحين ببدر عن أسيركم ؟
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا
مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
تبدو التلاوةمن أبياتهم أبداً
وفي بيوتكم الأوتار والنغم
وفي بيوتكم الأوتار والنغم
وفي بيوتكم الأوتار والنغم
منكم علية أم منهم ؟ وكان لهم شيخ المغنين إبراهيم أم لكم ؟
وهذا الأسلوبفي المقارنة طريقة بديعة في المدح والهجاء قل أن نجد له نظيراً في الشعر العربي .
9 ـ أسلوب الحوار في التمدح:
هذا الأسلوب نجده بوضوح في قصيدة«أراك عصي الدمع» وفي هذه (219)
القصيدة يبدو على الظاهر أنّه يتغزل ، ولكن لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أنّه يتحدث عن نفسه بأنه : صابر ـ حافظ للعهد ـ حبهلا يتزعزع ـ معروف غير مغمور ـ قائد كتائب القتال ـ مقتحم لكل الأهوال ـ محارب لا يهدأ ـ صاحب رجولة امام طلب النساء ـ كريم ـ يتخير أصعب الطرق ـ لا يرضخ للذل ـ لا يستغنيعنه أهله ـ لا يتخير إلاّ الصدر ـ تهون عليه نفسه في طلب المعالي.
إذن هو يمتدح نفسه في هذه القصيدة أي يفخر بها وهو في أسره ، والمحاور في القصيدة لا يبدو أنّه امرأة يتغزل بها ، بل مثل أعلى يتعشقه ، والدليل على ذلك أن هذه المحاورة تعرف كلّ فتى مثل أبي فراس ولا تنكره ، وأن قتلاها كثيرون ، فهو إذن يتحدث مع محاورة تحاول أنتتجاهله وهو ينكر عليها هذا التجاهل ، وليس ببعيد أن تكون حريته أو سيف الدولة كما ذهب إلى ذلك بعضهم . لأنه كان يتوق إليهما وهو في أسره ، بينما كان سيف الدولة ـ في ظن أبيفراس ـ يتجاهله ، فهو يرد على هذا التجاهل بذكر كلّ الصفات الكريمة التي يتحلى بها.
والجميل في أسلوب القصيدة هو ذكر هذه الصفات الحميدة على شكل حوار : (19)
ـ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
ـ بلى أنا مشتاق وعندي لوعة
ـ تسائلني من أنت ؟ وهي عليمة
ـ فقلت: كما شاءت وشاء لها الهوى
ـ فقلت لها : لو شئت لم تتعنتي
ـ فقالت : لقد أزرى بك الدهر بعدنا
فقلت : معاذ الله بل أنت لا الدهر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر ؟
ولكن مثلي لا يذاع له سرّ..
وهل بفتى مثلي على حالها نكر؟!
فتيلك ! قالت : أيهم فهو كثر!
ولم تسألي عني وعندك بيخبر!
فقلت : معاذ الله بل أنت لا الدهر
فقلت : معاذ الله بل أنت لا الدهر
ـ قال أصيحابي : الفرار أو الروى
ـ يقولون لي : بعت السلامة بالردى
ـ فقلت : أما والله ما نالني خسر
ـ فقلت: هما أمران أحلاهما مرّ
ـ فقلت : أما والله ما نالني خسر
ـ فقلت : أما والله ما نالني خسر
إن أبا فراس من نوادر الشعراء العربالّذين عزفوا على قيثارة قلوبهم ، فما كان يصطنع الشعر كسباً للمال ، ولا كان يهتم بكسب ود هذا وذاك ، ولكنه كان في شعره يعبر أصدق تعبير عن تجربته الشعورية ، ثم إن الرجلتوفرت له بيئة رفعته من الانشداد بهمومه الذاتية وعواطفه الفردية ، فعاش لهم كبير هو الدفاع عن دولة ارتبط بها نسباً وقيادة وعقيدة ، فكان يهمه أن يرى هذه الدولة منسجمةموحدة قوية في داخلها ، صامدة منتصرة أمام أعدائها ، من هنا اتجه مدحه إلى كلّ ما يحقق آماله وطموحاته ، واتجه هجاؤه إلى كلّ ظاهرة من شأنها إضعاف شوكة هذه الدولة ومصادرةعزتها وكرامتها.
ونحن اليوم ـ في اعتقادي ـ بأمس الحاجة إلى تعميم القيم التي تغنى بها أبو فراس من رجولة وكرامة ووحدة وانسجام ، ومن رفض لك التحديات التي تواجهشخصية الأمة .
(221)
1 ـ انظر : أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ج 18 ، ط دمشق 1364 هـ ، ص 29 ـ 289 ؛ وسيف الدولة وعصر الحمدانيين ، ساميالكيالي ، حلب 1939م ؛ وشاعر بني حمدان ، أحمد أحمد بدوي ، القاهرة ، 1952 م.
2 ـ ديوان أبي فراس الحمداني ، شرح علي العسيلي ، بيروت ، 1418 هـ. ص 11 .
3 ـ الديوان ، ص83 .
4 ـ الديوان ص 39 ـ 41.
5 ـ الديوان ، ص 24 .
6 ـ الديوان 90.
7 ـ الديوان 92 .
8 ـ الديوان ص 96.
9 ـ الديوان ص 28 .
10 ـ انظر :أبو فراس فارسى بني حمدان ، عمر فروخ ، ط 2 ، بيروت 1408 هـ . ويرى المؤلف أن مجون أبي فراس لم يكن صادقا ، بل كان مجاراة لمذهب الشعراء في عصره.
11 ـ الديوان ، ص 86 ـ 87. 12 ـ الديوان ، ص 108.
13 ـ الديوان ، ص 26.
14 ـ الديوان ، ص 152 .
15 ـ انظر : الادب في بلاد الشام ، د . عمر موسى باشا ، ص 281 ، والديوان ، ص 211 وما بعدها.
16 ـ الديوان، ص 112 وما بعدها.
17 ـ الديوان ص 259.
18 ـ الديوان ، ص 216.
19 ـ الديوان ، 129 وما بعدها.