إدارة الصراع الفكري في الساحة الدينية
أ. الشيخ حسن الصفار مفكر اسلامي من السعودية
تمييزاً للإنسان عن بقية المخلوقات، وتفضيلاً له عليهم، وهب الله له عقلاً يمتلك به قدرة التفكير وصنع الرأي، ومنحه إرادة يتمكن بها مناتخاذ القرار وحرية الاختيار.
وبذلك أصبح أهلاً للتكليف والخطاب الإلهي، وكان مؤهلاً للثواب عند الطاعة، مستحقاً للعقاب على المعصية، وبعقله وإرادته يستطيعالإنسان القيام بمهمة عمارة الأرض وتسخير إمكانيات الحياة، واستثمار خيرات الكون.
هكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يكون الإنسان مفكراً مريداً له حرية القراروالاختيار، لكن بعض الإرادات الشريرة في عالم الإنسان نفسه، ومن وسط أبناء جنسه، تحاول حرمانه من هذه الميزة العظيمة التي منحها الله تعالى إياه.
(60)
حيثيسعى بعض الأفراد والفئات لممارسة الهيمنة والتسلط على من حولهم من البشر، ويصادرون حريتهم في التفكير وحقهم في الاختيار.
لقد عانى الإنسان ولا زال يعاني مننوعين من محاولات الاستعباد والتسلط. استعباد لجسمه يقيّد حركته ونشاطه، وتسلط على فكره يصادر حرية رأيه، وحقه في التعبير عنه.
وإذا كانت مظاهر الاستعباد الماديقد تقلصت، فإن ممارسات الوصاية الفكرية لا تزال واسعة النطاق، خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
وتعني الوصاية الفكرية: أن جهة ما تعطي لنفسها الحق في تحديدساحة التفكير أمام الناس، وتسعى لإلزامهم بآرائها وأفكارها عن طريق الفرض والهيمنة.
ومن أبرز مظاهر الوصاية الفكرية ما يلي:
1ـ فرض الرأي على الآخرينبالقوة، ومصادرة حريتهم في الاختيار. 2- النيل من الحقوق المادية والمعنوية للآخرين بسبب اختياراتهم الفكرية .
3- الاحتقار وسوء التعامل مع ذوي الرأيالآخر.
لماذا الوصاية الفكرية؟
إذا كان الله تعالى قد منح الإنسان عقلاً ليفكر به، وإرادة ليقرر ويختار، وليتحمل مسؤولية قراره واختياره، فلماذايحاول البعض حرمان الآخرين من استخدام هذه المنحة الإلهية واستثمارها، فيمارسون الوصاية على عقول الآخرين وإراداتهم، فهم يفكرون نيابة عن الناس، وعلى الناس أن يقبلواآراءهم. ومن تجرأ على المخالفة، ومارس حرية التفكير وحق الاختيار لما اقتنع به من (61)
رأي، فله منهم الويل والأذى!! حيث يستخدمون ضد المتمردين على هيمنتهمالفكرية، كل وسائل الضغط والتنكيل المادية والمعنوية.
إن الدافع الحقيقي لهؤلاء في ممارسة الوصاية الفكرية، هو في الغالب دافع مصلحي، بهدف تحقيق الهيمنة علىالآخرين، واستتباعهم للذات.
لكنهم يتحدثون عن دافع آخر يبررون به ممارساتهم للوصاية الفكرية، وهو دافع الإخلاص للحق الذي يعتقدونه في رأيهم، والرغبة في نشرالحق وهداية الآخرين إليه.
وإذا ما تأملنا هذا الإدعاء، وناقشنا هذا التبرير على ضوء العقل والشرع، فسنجده إدعاءً زائفاً، وتبريراً خاطئاً.
ذلك أنإدعاءهم أحقية رأيهم يقابله إدعاء مماثل من الآخرين، فكل صاحب دين أو مذهب أو رأي، يرى أحقية مسلكه، فهل يقبلون محاولة الآخرين لفرض رأيهم عليهم؟
إن اعتقادالإنسان بصوابية رأيه، وإخلاصه لذلك الرأي، ورغبته في إتباع الآخرين له، كل ذلك أمر مشروع، ولكن ليس عبر الفرض والوصاية، وإنما عن طريق إقناع الآخرين بذلك الرأي، ومنيرفض الاقتناع فهو حر في اختياره محقاً كان أو مبطلاً، وليس من العقل والمنطق إجباره.
ولأن الساحة الدينية عادة ما تبتلى بوجود فئات وجهات تمارس الوصايةالفكرية، وتسعى لفرض آرائها، باعتبار ذلك وظيفة دينية، وتكليفاً شرعياً، كان لابد من مناقشة هذه الممارسة على ضوء تعاليم الدين ومفاهيمه.
فهل يشرّع الدينلممارسة الوصاية الفكرية بمعنى فرض الرأي بالقوة، والنيل من حقوق المخالفين، وسوء التعامل معهم؟
(62)
إن القراءة الواعية لآيات القرآن الكريم، ونصوصالسنة والسيرة النبوية الشريفة، وأقوال وسيرة أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، تكشف عن منظومة من المفاهيم والتعاليم الدينية تؤكد على حرية الإنسان وحقه في الاختيار،وأنه يتحمل مسؤولية قراره واختياره أمام الله تعالى، وترفض الاستعباد والوصاية الفكرية على الناس.
الخالق لم يفرض الإيمان به
لتقرير حرية الإنسانوتأصيل وجودها، تؤكد كثير من آيات القرآن الكريم، أن الله تعالى لم يشأ أن يفرض الإيمان به على خلقه بالإجبار والقوة، بل أودعهم عقولاً تقودهم نحوه وفطرة ترشدهم إليه،وبعث لهم أنبياء يدعونهم إلى الإيمان به، ثم ترك للناس حرية الاختيار في هذه الحياة. يقول تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَنشَاء فَلْيَكْفُرْ)(1).
ويقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)(2).
وتشير آيات أخرى في القرآن الكريم إلى أن اللهتعالى جعل فرص الحياة متساوية بين المؤمنين والكافرين، يقول تعالى: (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا(3)).
وإذا كان الله تعالى لم يفرض على عباده الإيمان به قسراً، لتكون الحياة دار اختيار واختبار، كما شاءت حكمته، فكيف يحق لأحد أن يمارس فرض الإيمان على الناس باسمالله ونيابة عنه؟
إنه تعالى لا يريد الإيمان به عن طريق القوة والقسر، لأنه حينذٍ لن يكون إيماناً حقيقياً، ولو أراد الله تعالى إخضاع الإنسان للإيمان قسراًلكان ذلك ميسوراً
(63)
عليه. يقول تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىيَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)(4).
وبضرس قاطع ورفض صريح يقول تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ(5))، وقد ورد في سبب نزول هذه الآية إنها نزلت في رجل من الأنصار من بنيسالم بن عوف يقال له: الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً فقال للنبي (ص) : ألا استكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك(6).
الأنبياء لا يحق لهم الفرض
لو كان الاعتقاد بحقانية الرأي، والإخلاص للفكرة، مبرراً مقبولا للفرض على الآخرين، وممارسة الوصاية الفكرية، لما حظر الله تعالىذلك على رسله وأنبيائه. فهم يحملون رسالة الله للناس، وهي حق لا ريب فيه، ولا يمكن أن يزايد عليهم أحد في الإخلاص للحق والاجتهاد في نصرته، ولكن الله تعالى لم يأذن لهمبفرض دعوتهم على الناس قسراً، ولم يسمح لأحد من أنبيائه ورسله أن يمارس الوصاية والهيمنة على اتجاهات الناس وأختياراتهم. حيث ينص القرآن الكريم على أن وظيفة رسلالله تنحصر في حدود إبلاغ الرسالة، لا فرضها بالقوة، يقول تعالى: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(7).
وحين يرفض الناس دعوة الحق، فإن الرسوليتركهم وشأنهم، وليس مكلفاً بإجبارهم أو الضغط عليهم، يقول تعالى: (وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِاهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(8).
(64)
وقد تكررت هذه العبارة في آيات القرآن الكريمثلاثة عشر مرة، كقوله تعالى: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ(9))، وقولـه تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّاالْبَلَاغُ الْمُبِينُ)(10).
وتنص آيات أخرى في القرآن الكريم على أنه لا يحق للنبي أن يمارس أي وصاية أو هيمنة على أفكار الناس وآرائهم، يقول تعالى: (فَذَكِّرْإِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)(11).
والخطاب لرسول الله محمد(ص) أفضل الأنبياء والرسل، والذي بعثه الله تعالى بأكمل الأديانوخاتمها، بأن وظيفته الإلهية هي الدعوة والتذكير، وليس له حق السيطرة والهيمنة على من لا يقبل دعوته.
وفي مورد آخر يخاطب الله تعالى نبيه محمداً (ص) والذي كانيؤلمه رفض المشركين لدعوته واتهاماتهم الباطلة له، يقول تعالى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنيَخَافُ وَعِيدِ)(12).
فالنبي ليس جباراً يمارس الهيمنة والفرض على الناس.
وهو ليس مكلفاً بالوصاية والرقابة عليهم يقول تعالى: (وَمَن تَوَلَّى فَمَاأَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا(13)).
وإذا كان الأنبياء المرسلون من قبل الله تعالى، وهم يحملون الحق الذي لا ريب فيه، لا يجوز لهم ممارسة الفرض والوصاية علىأفكار الناس، ترى هل يحق لأي جهة أخرى اقتراف هذه الممارسة باسم الربّ وباسم الدين؟
من يحاسب الناس؟
ليس هناك جهة مخولة بمحاسبة الناس على أديانهمومعتقداتهم في الدنيا، فحساب الخلق على الله تعالى يوم القيامة. (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم
(65)
بِمُصَيْطِرٍ)، يقولتعالى: (إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(14)).
ورغم أن بعض المفسرين اعتبر الاستثناء (إلا من تَوَلَّى وكَفَرَ) متصلاً بما قبله، فيكون المعنى ( لسْتَ عليهِم بمُصَيْطرِ إلا مَن تَوَلَّى وكَفَرَ) أن لك السيطرة علىمن تولى وكفر بمجاهدته ومقاتلته، لكن الرأي الذي يتبناه مفسرون آخرون هو أن الاستثناء منفصل، لا ربط له بما قبله بل بما بعده. وهذا الرأي هو ما يتناسب مع سياق هذه الآيات،ومفاد الآيات الأخرى.
وكما تقرر في أبحاث المحققين والباحثين في السيرة النبوية الشريفة، فإن حروب رسول الله(ص) كانت دفاعية، ولم تكن لفرض الإسلام على الآخرينبقوة السيف، ولذلك كان يقبل منهم الجزية والبقاء على أديانهم في ظل الحكم الإسلامي.
وتؤكد آيات أخرى في القرآن الكريم على أن الله تعالى وحده هو الذي يتولى حسابالعباد على أديانهم ومعتقداتهم، وليس الأنبياء ولا أي أحد آخر منها قوله تعالى: )فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ((15)، وقوله تعالى: )وَمَن يَدْعُمَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ((16).
وفي سياق آخر، حين تتحدث آيات من القرآن الكريم عن تعدد الدياناتواختلاف المعتقدات بين بني البشر، فإنها تحيل مهمة الحسم والفصل النهائي بين أتباع الديانات إلى خالق البشر يوم القيامة، وكأن مفهوم هذه الآيات: أن الحياة الدنيا هي دارتعايش وتعامل بين بني البشر على اختلاف أديانهم وآرائهم، وليس من حق أحد منهم أن ينهي ويلغي وجود الآخر، فذلك من اختصاص الخالق وحده.
(66)
يقول تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17)).
فهل هناك رؤية أجلى من هذه الرؤية؟ وهل هناك موقف تجاه حرية الاختيار العقدي في الدنيا أوضح من هذاالموقف؟
وجاء التأكيد على هذه الحقيقة في موارد أخرى كقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِيَخْتَلِفُونَ(18)). وضمير هو في قوله (هُوَ يَفْصِلُ) ضمير فصل، لقصر الفصل عليه تعالى دون غيره.
وتعالج آيات أخرى في القرآن الكريم موضوع النزاعات الدينية بدعوةالناس إلى تجاوزها وتجميدها، حتى لا تكون سبباً للاحتراب والنزاع، وأن الله تعالى سيقضي في هذه الاختلافات يوم القيامة، وسيعلم الجميع حكمه وقضاءه في خلافاتهم الدينية.
يقول تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمفَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(19)).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي:«فاستبقوا الخيرات وهي الأحكام والتكاليف، ولا تنشغلوا بأمر هذه الاختلافات التي بينكم وبين غيركم فإن مرجعكم إلى ربكم تعالى فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون، ويحكم بينكمحكماً فصلاً، ويقضي قضاءً عدلاً»(20).
وقد ورد ذات التعبير في الآية 164 من سورة الأنعام: (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِتَخْتَلِفُونَ).
(67)
المواجهة الفكرية
حين يتبنى الإنسان رأياً باعتباره صوابا، ويرفض رأياً آخر باعتباره باطلاً وخطأً، فإنه غالباً مايندفع للانتصار للرأي الذي يؤمن به ويسعى لنشره، كما يهتم بإضعاف جبهة الرأي الآخر، وخاصة على مستوى الرأي الديني والمعتقدات الفكرية. ومن المشروع أن يجتهدالإنسان في خدمة متبنياته الفكرية، فذلك هو ما يخلق الحراك الفكري في المجتمع البشري، عبر حالة التنافس، واستثارة العقول، وكشف ثغرات الآراء، وإذا لم يهتم أصحاب الآراءبطرح أفكارهم والدفاع عنها تسود حالة الركود الفكري، والجمود المعرفي.
لكن هناك نهجين في الانتصار للرأي:
نهج العنف والقمع لأصحاب الرأي الآخر،بمحاصرتهم والتضييق عليهم، والتنكيل بهم، ليتراجعوا عن آرائهم، ولمنع انتشارها في المجتمع. نهج المواجهة الفكرية بالاجتهاد في تبيين الرأي وإثبات صحته وأحقيتهبالدليل العلمي والبرهان المنطقي، ونقد الرأي الآخر بكشف نقاط ضعفه، ومكامن الخطأ فيه، وإبطال حججه ومستنداته.
نهج الجبابرة
استخدام العنف ضد الرأيالآخر نهج خاطئ فاشل ، فهو مصادرة لحرية الإنسان في أعمق دوائرها، وانتهاك لأقدس حقوقه وأهمها، كما أن تجارب التاريخ قد أثبتت فشل أسلوب العنف في القضاء على الفكر وإنهاءالرأي. وعادة ما يستخدم الجبابرة الظلمة هذا الأسلوب، حيث يمارسون العنف والقمع ضد أصحاب الرأي الآخر، حين يكون فيه مساس بمصالح سلطتهم، أو
(68)
لأنهم يريدون التظاهر بحماية الدين، أو لمجرد فرض هيبتهم وتسلطهم وإرعاب الناس.
ومن المؤسف أن كثيرين من الحكام في تاريخ الأمة الإسلامية قد سلكوا هذا النهج،ليس فقط ضد أصحاب الرأي السياسي المعارض، وإنما ضد الآراء الدينية والفكرية، تارة بعنوان الحرب على الزندقة والإلحاد، وأخرى بعنوان التصدي للبدع والأفكار المنحرفة فيالساحة الدينية.
لقد رفع الخليفة المهدي العباسي، والذي حكم الأمة من سنة 158 حتى مات سنة 169 هـ ، شعار محاربة الزنادقة، حيث بدأت تنتشر بعض أفكار التشكيك في الدين،وبدلاً من مواجهتها بالعلم والمنطق، شهر الحاكم في وجوههم السيف، وكان هناك تسرع كثير في إراقة الدماء واستخدام العنف.
جاء في تاريخ الدولة العباسية للشيخ محمدالخضري بك:
وكان المهدي مغرى بالزنادقة الذين يرفع إليه أمرهم، فكان دائماً يعاقبهم بالقتل، ولذلك كانت هذه التهمة في زمنه وسيلة إلى تشفي من يحب أن يتشفى من عدوأو خصم.
كان كاتب الدنيا وأوحد الناس حذقاً وعلماً وخبرة الوزير أبو عبيد الله معاوية بن يسار مولى الأشعريين، وكان متقدماً في صناعته، وله ترتيبات في الدولة،وصنف كتاباً في الخراج وهو أول من صنف فيه.
حصل حقد عليه من الربيع الحاجب، فوشى عليه عند المهدي بأن ابنه محمداً متهم في دينه، فأمر المهدي بإحضاره (الولد) وقال:يا محمد اقرأ فذهب ليقرأ فاستعجم عليه القرآن، فقال المهدي لأبيه الوزير أبي عبيد الله معاوية بن يسار: يا معاوية ألم تخبرني أن ابنك جامع للقرآن؟ فقال: بلى يا أميرالمؤمنين، ولكنه فارقني منذ سنين وفي هذه المدة نسي القرآن.
(69)
فقال المهدي: قم فتقرب إلى الله بدمه. فذهب ليقوم فوقع.
فقال العباس بن محمد: ياأمير المؤمنين إن شئت أن تعفي الشيخ، ففعل، وأمر المهدي بابنه فضرب عنقه(21).
هكذا يكون مجرد الاتهام في الدين، والارتباك في قراءة القرآن مبرراً لقتل هذاالإنسان، وأن يُطلب من أبيه مباشرة عملية القتل!!
وخلفاء آخرون مارسوا العنف والقمع تجاه من يقولون برأي مخالف في مسألة عقدية جزئية، كما حصل في ما عرف بمحنةالقول بخلق القرآن.
فقد كان الخليفة هارون الرشيد يتبنى القول أن القرآن ليس مخلوقاً، ويقمع القائلين بفكرة خلق القرآن، حتى قال يوماً: بلغني أن بشر المريسييقول: القرآن مخلوق. والله والله لئن أظفرني الله به لاقتلنه ما قتلها أحد. ولما علم بشر ظل متوارياً أيام الرشيد.
وقال بعضهم: دخلت على الرشيد وبين يديه رجل مضروبالعنق، والسياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول، فقال الرشيد: قتلته لأنه قال: القرآن مخلوق.
وفي عهد الخليفة الواثق العباسي تغير رأي الحاكم، فتعرض من يقول بأنالقرآن ليس مخلوقاً للقتل والتنكيل، كما حصل لأحمد بن نصر الخزاعي الذي قبض عليه والي بغداد، وامتحنه الواثق فأصر على رأيه أن القرآن ليس بمخلوق، وأن الله يُرى فيالآخرة، فدعا الخليفة بالسيف، وقال: إني احتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده، وضرب عنقه، وأمر به فحمل رأسه فنصب بالجانب الشرقي أياماً، ثم بالجانب الغربيأياماً، وعلقت برأسه ورقة «هذا رأس أحمد بن نصر الذي دعاه الإمام الواثق إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه، فأبى إلا المعاندة، فعجل الله به إلى ناره»(22).
(70)
طريق الأنبياء
إن الطريق المشروع والنهج الصحيح لنشر أي فكرة ومبدأ، هو عرضها بأحسن بيان، والدعوة إليها بالمنطق والبرهان، والجدال عنها بأفضل أساليبالتخاطب مع العقول والنفوس، وذلك هو النهج الإلهي الذي قرره القرآن الكريم، يقول تعالى: ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( (23). كذلك فإن مواجهة الأفكار الباطلة، والآراء الخاطئة، يكون بنقدها ومناقشتها، وتسليط الأضواء على مكامن انحرافها،ونقاط ضعفها.
إن الرسالات الإلهية تتعامل مع الإنسان باعتباره كائناً عاقلاً مريداً، ولذلك تحترم عقله وتتخاطب معه، وتراهن على الثقة به وحسن اختياره.
كما ترفض أساليب الهيمنة وممارسة الوصاية الفكرية، بما تعني من تجاهل لدور العقل، ومصادرة لحرية الإنسان.
فالتخاطب مع العقل لا يكون بلغة العنف والقمع، وإنمابمنطق الحجة والبرهان: )قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ((24). )قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُلَنَا(25)).
(لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍوَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ(26)). (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ(27)).
تلك هي المبادئ الناظمة للمواجهة الفكرية،لإثبات حقانية الدين وبطلان ما عداه.
ولا يقبل الإسلام الإساءة إلى المخالف في الدين والرأي لمجرد مخالفته، ما لم يمارس عدواناً يستلزم الردّ والردع.
(71)
كما لا ينصح الإسلام بالقطيعة مع المخالفين، بفصل وشائج العلاقات الإنسانية والاجتماعية معهم. بل على العكس من ذلك يوصي بالبر بهم والإحسان إليهم ما داموامسالمين غير معتدين.
يقول تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَنتَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(28)).
وقد ورد في أسباب نزول هذه الآية أن أسماء بنت أبي بكر، قدمت عليها أمها وكانأبو بكر طلقها في الجاهلية، فقدمت على ابنتها أسماء بهدايا: زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، وأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله(ص)، فقال:«لتدخلها». وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله(ص) فاستفتيت رسول الله(ص) قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: «نعمصلي أمك»(29).
وفي وصية القرآن الكريم بالبر بالوالدين، يشير إلى أن البر بهما واجب، وحسن العلاقة معهما، لا يتأثر بالاختلاف الديني معهما، حتى وإن كانا يضغطانعلى الولد باتجاه الشرك بالله، يقول تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَامَعْرُوفًا(30)).
وكذلك الحال بالنسبة إلى الأرحام والأقرباء، فإن الاختلاف الديني والفكري لا ينبغي أن يؤثر على مستوى التواصل معهم كأرحام، جاء عن الإمام جعفرالصادق(ع) أنه سأله الجهم بن حميد قائلاً: يكون لي القرابة على غير أمري ألهم عليّ حق؟ قال: «نعم حق الرحمن لا يقطعه شيء»(31).
(72)
إن على المسلم أن يلتزم حسنالخلق مع كل من يتعامل ويتعاطى معه، حيث ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: «أحسن صحبة من صاحبك تكن مسلما»(32)، وجاء عن حفيده الإمام جعفر الصادق(ع): «ليس منا من لم يحسن صحبة منصحبه، ومرافقة من رافقه»(33).
مرض الساحة الدينية
من أسوأ أمراض الساحة الدينية في مجتمعاتنا، ما يسود معظم أجوائها من حالات الصراع والخصام الداخلي،وسعي بعض الجهات لممارسة دور الوصاية على أفكار الآخرين. فما تراه هي هو الحق المطلق الذي لا يجوز لأحد الخروج عليه، وإلا استحق النبذ والطرد، والمحاصرة والإلغاء، وأصبحمستهدفاً في وجوده المادي والمعنوي. نجد ذلك على صعيد الخلافات المذهبية، حيث تتبادل الأطراف مع بعضها تهم التكفير والتبديع والمروق من الدين، ويجري التحريضعلى الكراهية في أوساط الأتباع، وقد يصل الأمر إلى إباحة هدر الدماء وانتهاك الحقوق والأعراض.
كما نجد ذلك على مستوى الخلافات داخل المذهب الواحد، حين تتعددالمدارس، وتختلف الآراء في بعض التفاصيل العقيدية والفقهية في إطار المذهب نفسه.
إن اعتقاد كل طرف صوابية رأيه وخطأ الرأي الآخر أمر مقبول، بناءً على مشروعية حقالاجتهاد، لكن إنكار حق الطرف الآخر في الاجتهاد وإبداء الرأي، والتعبئة ضده بالتشكيك في دينه واتهام نواياه، هو مزلق خطير يؤدي إلى تمزيق الساحة الدينية، وتشويهسمعتها، ودفع أبنائها إلى الصراع والاحتراب، كما حصل بالفعل.
(73)
إن التعبير عن الرأي الاجتهادي عقدياً وفقهياً ضمن الضوابط المقررة أمر مشروع، وحقمكفول للجميع، ولا يصح أن تحتكره جهة وتصادره من الآخرين، فإن ذلك إرهاب فكري، وإغلاق فعلي لباب الاجتهاد، وحرمان للساحة العلمية من الثراء المعرفي.
أما الحذرمن وجود آراء خاطئة، وطروحات منحرفة، تخالف المعتقدات السائدة، والاتجاهات الفقهية المشهورة، فهذا لا يقف أمامه القمع والتهريج، وإنما المواجهة العلمية الفكرية، التيتثبت ضعف الرأي الآخر وخطأه، ومكامن الانحراف والثغرات فيه، وتظهر صحة الرأي المتين وأصالته، وتعالج الإشكالات المثارة حوله.
إن أساليب القمع والإرهاب الفكريلا تستطيع أن توقف زحف الرأي الآخر، بل قد تخدمه بإثارة الاهتمام به، وتكتل أتباعه للدفاع عنه، ولتعاطف الكثيرين مع ظلامتهم بسبب ما يستهدفهم من قمع وتشويه. وخاصة في هذاالعصر الذي سادت فيه شعارات الحرية والانفتاح، وتطلعات التغيير والتجديد.
إن تمزيق صفوف المؤمنين وتحويل ساحتهم إلى خنادق للصراع والاحتراب، ودفعهم إلى انتهاكحرمات بعضهم بعضا، وإسقاط كل طرف وتشويهه لرموز وشخصيات الطرف الآخر، جريمة أكبر وخطر أعظم من وجود رأي في قضية جزئية نعتبره خاطئاً باطلا.
ثم إن تعاليم الإسلاموأخلاقياته، وسيرة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لا تقبل مثل هذه الأساليب ولا تتطابق معها.
وهناك روايات وردت عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) يحذرون فيهاشيعتهم وأتباعهم من نهج الإقصاء والإلغاء لبعضهم بعضا على أساس الاختلاف في بعض الجزئيات العقدية.
(74)
جاء في الكافي عن يعقوب بن الضحاك، عن رجل منأصحابنا سرّاج وكان خادماً لأبي عبدالله (عليه السلام) قال: جرى ذكر قوم عند أبي عبدالله جعفر الصادق (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك إنّا نبرأ منهم، إنهم لا يقولون مانقول.
قال: فقال (ع): يتولّونا ولا يقولون ما تقول تبرؤون منهم؟
قال: قلت: نعم
قال (ع): فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟ قال: قلت:لا - جعلت فداك - قال: وهو ذا عند الله ما ليس عندنا أفتراه أطرحنا؟ قال: قلت: لا والله جعلت فداك، ما نفعل؟
قال(ع) : فتولّوهم ولا تبرؤوا منهم، إن من المسلمين من لهسهم، ومنهم من له سهمان، ومنهم من له ثلاثة أسهم، ومنهم من له أربعة أسهم، ومنهم من له خمسة أسهم، ومنهم من له ستة أسهم، ومنهم من له سبعة أسهم، فليس ينبغي أن يحمل صاحبالسهم على ما عليه صاحب السهمين، ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة، ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة، ولاصاحب الخمسة على ما عليه صاحب الستة، ولا صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة(34).
وقد عقب العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) على العبارة الواردة في الرواية «إنهملا يقولون ما نقول» بقولـه: «أي من مراتب فضائل الائمة (عليهم السلام) وكمالاتهم ومراتب معرفة الله تعالى، ودقائق مسائل القضاء والقدر، وأمثال ذلك مما يختلف تكاليفالعباد فيها، بحسب افهامهم واستعداداتهم، لا في أصل المسائل الأصولية، أو المراد اختلافهم في المسائل الفرعية، والأول أظهر»(35).
(75)
وفي الكافي أيضاً عنعبدالعزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبد الله(ع) : يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لستعلى شيء، حتّى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فأرفعه إليك برفق، ولا تحملنّ عليه مالا يطيق فتكسره، فإنّ من كسرمؤمناً فعليه جبره(36).
وعن الصباح بن سيابة، عن أبي عبدالله(ع): قال: ما أنتم والبراءة، يبرء بعضكم من بعض، إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، وبعضهم أكثر صلاة من بعض،وبعضهم أنفذ بصراً من بعض، وهي الدّرجات(37).
وفي بحار الأنوار عن كتاب الخصال عن عمار بن أبي الأحوص قال: قلت لأبي عبد الله(ع): إن عندنا أقواماً يقولون بأميرالمؤمنين(ع) ويفضلونه على الناس كلّهم، وليس يصفون ما نصف من فضلكم أنتولاهم؟ فقال لي: نعم، في الجملة، أليس عند الله ما لم يكن عند رسول الله، ولرسول الله(ص) [من] عند اللهما ليس لنا، وعندنا ما ليس عندكم، وعندكم ما ليس عند غيركم؟(38).
وجاء عن زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال : قلنا له: من وافقنا من علوي أو غيره تولّيناه، ومن خالفنا برئنامنه من علوي أو غيره، قال: يا زرارة قول الله أصدق من قولك، أين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً(39).
وعن محمد بن عيسى، عن القاسم الصيقل رفع الحديث إلى أبيعبدالله(ع) قال: كنّا جلوساً عنده، فتذاكرنا رجلاً من أصحابنا، فقال بعضنا: ذلك ضعيف، فقال أبو عبد الله (ع): إن كان لا يقبل ممن دونكم حتى يكون مثلكم لم يقبل منكم حتىتكونوا مثلنا(40).
(76)
إنارة العقول أو تجييش العواطف
في مواجهة التحديات المعرفية الخطيرة أمام الفكر الديني، وفي مقابل الطوفان الثقافي العالميالجارف الذي يقتحم كل زوايا مجتمعنا وغرف بيوتنا، ويستقطب بوسائله الإعلامية والمعلوماتية المتطورة اهتمامات أبنائنا وبناتنا، هناك حاجة ماسة لتكثيف العطاء الفكريوالثقافي من قبل المرجعيات والجهات الدينية. كما أن تطور الحياة وتقدم مستوى العلم والمعرفة يستوجب تطوير استراتيجيات الطرح الديني، وتجديد خطط التثقيفوالتوجيه.
إن على الساحة الدينية أن تثبت قدرتها على مواكبة التغيرات والاستجابة للتحديات. وذلك لا يتحقق إلا بتوجيه الاهتمام نحو التحديات الكبيرة، وبتضافرالجهود نحو الأهداف المشتركة، أما الانشغال بالخلافات الجانبية والقضايا الجزئية، فإنه يشكل هروباً من المعركة الأساسية، ويضعف كل القوى الدينية.
لقد أصبحتحرية الرأي شعاراً ومطلباً لكل المجتمعات والشعوب، وأصبح الانفتاح والحوار بين الحضارات والثقافات نهجاً يتطلع إليه عقلاء البشر على مستوى العالم، فكيف سيقدمالمتدينون أنفسهم أمام الآخرين، وهم لا يتحملون بعضهم بعضا، ولا يحتكمون للحوار في خلافاتهم، ولا يستطيعون التعايش فيما بينهم واحترام بعضهم بعضا؟
إن السمةالغالبة على من يمارسون الوصاية الفكرية استثارتهم لانفعالات المتدينين وتجييشهم لعواطفهم، بعنوان حماية العقيدة والدفاع عن الثوابت والمقدسات، لكنهم لا يبذلون جهداًيناسب التحديات المعاصرة في تبيين أصول العقيدة، وكأن العقيدة تتلخص عندهم في القضايا الجزئية التي يختلفون فيها
(77)
مع الآخرين، كما أن بعضهم يخلطونالأوراق في تحديد الثوابت والمقدسات، وكأنها قضايا اعتبارية، فالثابت والمقدس ما يعتبرونه هم كذلك دون مقاييس واضحة متفق عليها.
إننا بحاجة إلى تنوير العقولبالبحث العلمي والطرح المنطقي، وليس مجرد تجييش العواطف وإثارة الأحاسيس.
1 - الكهف/ 29.
2- الإنسان/ 3.
3- الإسراء/ 20.
4- يونس/ 99.
5-البقرة/ 256.
6- الطباطبائي: محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 351، الطبعة الأولى 1991م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
7- النحل/ 35.
8- آل عمران/ 20.
9-المائدة/ 92.
10- النور/ 54.
11- الغاشية/ 21 - 22.
12- ق / 45.
13- النساء/ 80.
14- الغاشية/ 23 - 26.
15- الرعد/ 40.
16- المؤمنون/ 117.
17- الحج/ 17.
18- السجدة/ 25.
19-المائدة/ 48.
20- الطباطبائي: محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 362.
21- الخضر بك: محمد، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية)، ص 89، المكتبةالتجارية الكبرى بمصر 1970م.
22- حيدر: أسد، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج 4، ص 443، الطبعة الخامسة 2001م، دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
23- النحل/ 125.
24- النمل/64.
25- الأنعام/ 148.
26- الأنفال/ 42.
27- البقرة/ 256.
28- الممتحنة/ 8.
29- البخاري: محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 2620.
30- لقمان/ 15.
31- المجلسي: محمدباقر، بحار الأنوار، ج 71، ص 131، الطبعة الثانية 1983م ، دار التراث العربي، بيروت.
32- المصدر السابق، ص 159.
33- المصدر السابق، ص 161.
34- الكليني: محمد بن يعقوب،الكافي، ج 2، ص 42، دار الأضواء، بيروت.
35- المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج 66، ص 163، الطبعة الثانية 1983م دار التراث العربي، بيروت.
36- الكليني: محمد بن يعقوب،الكافي، ج 2، ص 45.
37- المصدر السابق.
38- المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج 66، ص 169.
39- المصدر السابق، ص 174.
40- المصدر السابق.