الاجتهاد في نظر الاسلام
لحضرة صاحب السعادة على عبدالرازق باشا
قرأت في العدد الأخير من مجلة(رسالةالاسلام) المؤرخ جمادى الآخرة سنة 1370 هـ، ابريل سنة 1951 م، بحثا قيما لحضرة صاحب العزة الكتاب الكبير الأستاد الدكتور أحمد أمين بك تحت عنوان :«الاجتهاد في نظر الاسلام» وقد جاء في صدر هذا البحث أنه كان يتجادل معى، و كنا نستعرض حال المسلمين و ما صاروا اليه من جمود ; فقلت فيما قلت:«ان دواء ذلك أن نرجع الى ما نشر ته قديماً من أن رسالةالاسلام روحانية فقط، و لنا الحق فيما عدا ذلك من مسائل و مشاكل....الخ.
وقفت أمام ناظرى كلمة «رسالة الاسلام روحانية فقط» و لم تشأ أن تمر من غير أن تثير ذكرى قصة قديمةلهذه الكلمة معى، و تبعث من جديد في خاطى صوراً من هذا الصراع الذى احتدم يوم نشرت كتاب «الاسلام و أصول الحكم» فقد زعم الطاعنون الذين جعلوا في قلوبهم الحمية يومئذ: أننىفي ذلك البحث قد جعلت الشريعة الاسلامية شريعة روحية محضة، ورتبوا على ذلك ما طوعت
لهم أنفسهم أن يفعلوا، أما أنا فقد رددت ذلك عليهم وقلت لهم يومئذ صادقا و مخلصاً:«اننى لم أقل ذلك مطلقاً لا في هذا الكتاب و لا في غيره، ولا قلت شيئا يشبه ذلك الرأى أو يدانيه» ثم كان ما كان من لدد في الخصومة، و تماد في الحق و في الباطل، و مصابرة فيالهجوم و في الدفاع الى أن قامت هدنة طال أمدها، و الله وحده يعلم هل تمت الرواية أم لم تتم فصولا!.
أسوق هذا الحديث ليذكر الأستاذ الكاتب الكبير أن فكرة روحانيةالاسلام لم تكن رأياً لى يوم نشرت البحث المشار اليه، و أننى رفضت يومئذ رفضاً باتاً أن يكون ذلك رأيى، فما ينبغى ـ و ذلك موقفى ـ أن أعود اليوم فأقول اننى أدعو الى أن نرجعالى ما نشرته قديما من «أن رسالة الاسلام روحانية فقط» لأن ذلك لم يكن رأيى في تلك الرساله و لا في غيرها.
أرجو ألا يظن صديقى أحمد أمين بك أو من يقرأ كلمتى هذه أننىامارى من قريب أو من بعيد في صحة الحديث الذى رواه عنى، فانى لأذكر هذا الحديث نفسه، و أذكر أين و متى كان؟ و ما ينبغى لشى ء يرويه الدكتور أحمد بك امين أن يكون موضعاًللمراء.
و ما أرى في الأمر الا أن هناك خطأ في التعبير جرى به لسانى في المجلس الذى كنا نتجادل فيه و نستعرض حال المسلمين، و ما أدرى كيف تسربت كلمة روحانية الاسلام الى لسانى يومئذ، و لم أرد معناها، و لم يكن يخطر لى ببال؟ بل لعله الشيطان ألقى في حديثى بتلك الكلمة ليعيدها جذعة تلك الملحمة التى كانت حول كتاب «الاسلام وأصول الحكم» و التى أشرت اليها آنفا، و للشيطان أحيانا كلمات يلقيها على ألسنة بعض الناس.
هذه كلمة غير ذات بال لا تمس موضوع المقال، و لكنها تصحح وضعاً شخصيا أرى منالانصاف أن يصحح، أما الموضوع في ذاته فقد رأى الأستاذ الكاتب الكبير:«أن نظريته تؤدى الى نفس النتيجة التى أراها» و انه ليشرح صدرى أن يرى الأستاذ الكبير أن غايته تتفق وغايتى، و ذلك فضل من الله كبير، و ما يسرنى أن لى به حمر النعم. و من يدرى؟ فلعلنا لو حققنا النظر فيما يظنه الأستاد الكبير خلافا بيننا في المدقات لا في النتائج
لوجدنا أكثره يرجع الى اختلاف في الأسماء و في تحديد ما تحمل من معان، و لعلنا لو استطعنا أن نحدد الكلمات التى يقوم اخلاف حول معانيها و مدلو لاتها مثل كلمات روحانيةالاسلام، و الاجتهاد المطلق الخ لو جدنا بعون الله الاتفاق تاماً بيننا في المقدمات و النتائج و في المبادى ء و الغايات ؟