البيان الختامي للمؤتمر الدولي السادس عشر للوحدة الاسلامية
(العالمية الاسلامية والعولمة)(1) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين محمدوآله الطاهرين وصحبه الكرام وبعد،
فانه بمناسبة مولد الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله) وحفيده الامام الصادق(عليه السلام) عقد المجمع العالمي للتقريب بينالمذاهب الاسلامية مؤتمره السنوي، وهو المؤتمر السادس عشر للوحدة الاسلامية، في الفترة مابين 14 - 17 ربيع الاول 1424هـ الموافق 16-19 مايو 2003م وموضوعه هذا العام هو (العالميةالاسلامية والعولمة)، لما يمر به العالم والامة الاسلامية بالخصوص من تحديات هائلة في هذا المجال.
وقد حضره جمع غفير ضم العلماء والمفكرين من شتى انحاء العالمالاسلامي.
وقد افتتح المؤتمر سماحة آية الله الشيخ الهاشمي الرفسنجاني بكلمة ضافية تناول فيها الموضوع من جوانبه المتعددة.
كما حُظي المؤتمرون بلقاءالامام الخامنئي قائد الجمهورية الاسلامية الايرانية واستمعوا الى كلمته التوجيهية القيمة.
وقد تدارس المؤتمرون الموضوع في ابعاده الثقافية والاقتصاديةوالاجتماعية والسياسية في جلساتهم العامة، ومنها جلسة عقدت خصيصا لدراسة قضايا العالم الاسلامي، وفي مقدمتها قضية المسلمين الاولى (القضية الفلسطينية)، وكذلك (قضيةالاحتلال الامريكي - الانكليزي للعراق)، كما بحثوا الامر في لجان تخصصية علمية اربع. وفي ختام المؤتمر توصل المؤتمر الى مايلي:-
اولا: في مجال العالميةالاسلامية:
1- ان الاسلام وهو الرسالة التوحيدية الالهية الخاتمة والخالدة يدعو اتباعه الى منطق الحوار والتواصل الفكري والتآلف القلبي والعمل على تحقيق وحدةالمجتمع الانساني. 2- ولما كانت الرسالة الاسلامية الخالدة رسالة منسجمة مع الفطرة الانسانية - وهي العنصر الاصيل الذي يشترك فيه جميع افراد البشر - فانها تعتمدمنطق الاقناع وحرية الاختيار العقدي لتنفذ الى واقع النفس الانسانية وتحقق الايمان الكامل بها ،كما تعتمد في نظامها الاجتماعي منطق العدالة - وهو المطلوب المشترك لكلالانسانية - ليجعلها محور التآلف والتعاون المشترك لها.
كما اتصفت بالمرونة اللازمة التي تستوعب مختلف العصور وانماط التنوع الثقافي والاجتماعي في اطارهاالقيمي العام، وتجيب عن كل متطلبات المسيرة الانسانية العادلة والحاجات المعنوية بشكل كامل.
3- يملك الاسلام نظرة ايجابية لمستقبل العالم. ويدعم الاتجاه العالمينحو التقارب الانساني والفطري ونظام الحق والعدالة، ويؤكد انتصار الحق على الباطل في النهاية
ثانياً - الاتجاه الانساني والتقني نحو العالمية:
1- ان التقدم التقني للمعلومات والعلاقات والممهد للتطورات الاساسية للعلاقات الانسانية في ابعادها المختلفة ظاهرة ايجابية تستطيع من خلال تأكيدها على العدالةوالحرية والقيم الاخلاقية ان توجد حركة انسانية مشتركة، وتنمية حقيقية شاملة للمجتمع الانساني. 2- ان اتساع العلاقة بين اسواق السلع والعمالة وراس المال، ونموالتجارة والاستثمار العالمي، وتوفر أنماط واسعة من التعاون العلمي والتقني، يجب ان لا يدخل في اطار الاحتكار، وان ياخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التي تتطلبها عمليةالتنمية للاقطار النامية ، وهو بذلك يوفر فرصا و تحديات جديدة للبلدان الاسلامية لتحتل موقعها اللائق بها في منظومة الاقتصاد العالمي بفضل تعاونها الشامل واعتمادهاسياسات منسقة ومتكاملة.
3- ان رفع مستوى التوعية المتبادلة لدى شعوب العالم في الموضوعات المختلفة، وتصعيد الرغبة في اشباع الحاجات المعنوية والاخلاقية من قبلالمثقفين والشرائح الاجتماعية المتنوعة سيوفر القاعدة الصالحة لتنمية شعور مشترك واستجابات فعالة في الوعي الانساني العام بما يحقق رفضا لعوامل الظلم والفسادوتمهيداً لسيطرة القيم الاخلاقية العامة.
ثالثاً - العولمة المادية Materialistic Globaliz ation
1- ان النظرة المصلحية الضيقة، والنزعة المادية الجشعة،والاستغلال النفعي اللااخلاقي، لتحقيق التسلط السياسي الاقتصادي ، وفرض النمط الثقافي الاحادي على الآخر يعوّق المسيرة الانسانية العالمية نحو الوحدة والكمال . وانالفلسفة المادية المنهزمة التي تهبط بالهوية الانسانية السامية الى الحضيض، وعبر التحويل النسبي القيمي الى مطلق، تعمل على اختلاط الحق بالباطل، والتعامل مع القيمالاخلاقية والحقوق الانسانية على اساس من منطق القوة، فهي تفقد الصلاحية والاعتبار المنطقي والعلمي الضروري لهداية المسيرة الانسانية العالمية، وهو الامر الذي يجبالوقوف بوجهه لكي تبقى المسيرة الانسانية في خطها المستقيم. 2- من الخصائص السيئة للعولمة المادية اتساع الظلم في العالم، والفوارق في الدخل بين الاقطار الفقيرةوالغنية، والطبقات المحرومة والمرفهة، وعدم منح الفرص المتكافئة والمساعدة لنمو الاقطار النامية، وفرض السياسات التمييزية، وتشديد الاحتكارات التقنية والعلمية.
3- ان العولمة المادية بدلاً من تقبل المشاركة والتنوع الثقافي تعمل على فرض ثقافتها المادية، واضعاف القيم الاخلاقية، ومحو الهويات الثقافية للشعوب، وفرض التسويةالثقافية من خلال استثمار الانحصار الاعلامي. وان اتساع الرفض العالمي للعولمة المادية دفاعا عن الثقافات المحلية يعبر عن الفشل الذريع لهذا الهجوم الثقافي، لانالعولمة المادية ترفض المشاركة والتنوع الثقافي وتعمل على فرض ثقافتها المادية، واضعاف القيم الاخلاقية، ومحو الهويات الثقافية للشعوب، وفرض التسوية الثقافية من خلالاستثمار الاحتكار الاعلامي.
4- ان العولمة المادية تسير باتجاه فرض النفوذ السياسي للقوى العظمى ونفي السيادة الوطنية. وان التسلط العولمي سواء كان من خلالالشركات المتعددة الجنسية غير المسؤولة بالنسبة للمصالح العامة، او كان من خلال احتكار عدد من القوى الكبرى، هذا التسلط يحجم كل مبادئ الحرية والديمقراطية وبالتاليسيبقى محكوما بالفشل لنقضه الحقوق التي قررها الله ـ تعالى ـ للبشرية ،مثله مثل كل الامبراطوريات العالمية المستبدة في تاريخ الانسان.
رابعا - ضرورةالمواجهة:
رغم ان التطورات التقنية فرضت اتساع ظاهرة العولمة في العلاقات الانسانية الا ان القبول بالعولمة المادية ليس امرا لا مفر منه. في حين تستطيع كلالشعوب المشاركة في صياغة الماهية العالمية والابداع فيها. فان المسيرة الحالية تحتاج الى تصحيح، وعلى المجتمعات ـ وخصوصا الاسلامية ـ ومثقفيها ورجالها المسؤولين انيعملوا على التصحيح المطلوب بالاستعانة بما تملك من امكانات ثقافية غنية . خامسا - اساليب العمل الاقتصادي:
1- ان الاقطار الاسلامية تستطيع منخلال رفع مستوى التعاون الاقتصادي المتعدد الجوانب فيما بينها، والاستفادة من امكانات التعاون الاقليمي في اطار القوانين الدولية، ان تحقق استعدادا اكبر لاستغلالالفرص ومقاومة تحديات العولمة المادية بالتخطيط الجاد والمرحلي لتأسيس السوق الاسلامية المشتركة الذي تمت الموافقة عليه قبل (5) سنوات في مؤتمر القمة الثامن بطهران. 2- ان التعاون التام بين النظام المصرفي فيها وتجمع الرساميل الاسلامية، له دوره في دعم المشاريع التنموية المشتركة، لكي تتم السيطرة على نقص الرساميل في مجالالتنمية الاقتصادية للاقطار الاسلامية. 3- ان التعاون العلمي والتقني بين الجامعات والمراكز البحثية في الاقطار الاسلامية، وتخصيص الارصدة المالية للبحوثوالتنمية لتنفيذ المشاريع الاقتصادية المشتركة، والتعاون في اعداد الكوادر والكفاءات اللازمة وتأسيس مراكز للمعلومات، وتركيز العلاقة بين النخب والكوادر، ذلك كلهضروري لتعزيز التنمية المستدامة.
سادساً ـ اساليب العمل الثقافي
1- عرض ونشر الصورة الاسلامية للثقافة العالمية المشتركة واجب العلماءوالمفكرين المسلمين، وان تدوين الاعلان الاخلاقي العالمي على اساس من التعاليم الانسانية للانبياء الالهيين يشكل محوراً مشتركاً لكل المتدينين والساعين نحو المعنوياتفي سبيل قيام اتجاه انساني سليم. 2- ان التأكيد على العناصر الثقافية الغنية للحضارة الاسلامية، وتقوية عناصر الهوية الواحدة للامة الاسلامية، والسعي لوحدتها ،يقوي من قدرة الجيل الشاب المتطلع التعرف على هويته المستقلة.
3- ان التعريف بحقيقة الصور المغرضة والمشوهة المعروضة عن الاسلام، واحلال الصورة الواقعيةوالانسانية للتعليمات الالهية محلها وبالتالي عرض (العالمية الاسلامية) من الضروري يتطلب التعاون بين وكالات الانباء، ووسائل الاعلام الاسلامية المسموعة والمرئيةوالمقروءة بالتعاون الوثيق والعمل الجاد لايجاد شبكات اسلامية مستقلة لتحقيق هذا الغرض.
4- العمل على الاستفادة الصحيحة والاخلاقية من تقنية المعلوماتوالاتصالات الحديثة، والتخطيط للاستفادة منها في مجال التربية والتعليم العام والجامعي للاقطار الاسلامية وتوفير الارض الصالحة للاستفادة العلمية والتجارية السليمةمن الانترنت.
5- يستطيع الكتـّاب والمحققون، والفنانون ان يسهموا في رفع مستوى الوعي والمعرفة لدى جيل الشباب المسلم عبر عرض النماذج الاسلامية الثقافيةالرائعة، وانتاج الآثار الغنية بشتى انواعها. وينبغي ان يزامن تطور التخطيط التأكيد على الاصالة الثقافية والتاريخية واعتبارها من اولويات مهمات الحكومات الاسلامية.
6- ان من واجب العلماء والمفكرين المسلمين اليوم بذل اقصى الجهود للتوعية بالتحديات الفكرية في العالم من قبيل: العولمة، والتخلف الاقتصادي، والعلمانية وحقوقالانسان والموقف من الارهاب، والسيادة الشعبية في اطار القيم الدينية، والتعريف باساليب العمل الاسلامي تجاهها، وان اتساع التعاون الفكري واقامة المؤتمرات الدوليةيمكنهما تسريع وتعميق الحركة المنتجة للفكر الاسلامي .
7- ان الحوار بين الثقافات والتواصل الفكري بين الاديان، والتقريب بين المذاهب الاسلامية يعد تحركاًواعداً يسهم في تحقيق (العالمية الانسانية) ويفضح التحرك المتمحور حول ادعاء صراع الحضارات، واحياء الحروب باسم الدين والنزاعات الطائفية.
8- ان التوسع فياستخدام الانترنت يشكل حالة جديدة لتبادل المعلومات وتواصل الثقافات ، ولكي نضمن الحرية والمساواة في الاستفادة من ذلك والخلاص من الاحتكار والتعدي على خصوصياتالافراد وحقوقهم الشخصية، بل والاعتداء على الاخلاقية الانسانية من اللازم ان يتم توافق عالمي لتعريف ورسم وتنفيذ برنامج الحقوق والاخلاق في الانترنت ويمكن ان تكونمقترحات المفكرين المسلمين خطوة على هذا الطريق .
9- ان مواجهة (العولمة المادية) لا تقتصر على المفكرين المسلمين فالكثير من الحركات القومية والاجتماعيةوالفكرية عملت على الوقوف بوجه آثارها السلبية، وان التعاون المبدئي مع المعارضين الذين يدعون الى عالمية انسانية يمكنه ان يترك أثره في التفهم الاوسع لرسالة الاسلامالعالمية.
سابعاً ـ اساليب العمل السياسي
1- ان فرض نظام القطب الواحد في السياسة العالمية يعد حركة رجعية تتنافى مع العالمية الانسانية. وكذلك فان الموقف المنحاز في العلاقات الدولية ، الذي بلغ بعدا جديدا عبر الاعتماد على القوة العسكرية التي تركت آثارها السلبية على دور الامم المتحدة والمنظماتالدولية على اساس احترام حق السيادة للشعوب، الامر الذي يشكل خطراً محققا على حقوق الانسان والعالمية الانسانية، وان طرح فكرة الحرب الاستباقية لتبرير أي مغامرة عسكريةيمثل مؤشرا الى خطر حقيقي يهدد الاخلاق والحقوق الانسانية.
2- ان الارهاب بكافة اشكاله ـ بما في ذلك ارهاب الدولة ـ مدان اسلامياً لانه يشكل اعتداءً على الحريةوالحقوق الانسانية، والصورة المغرضة التي تنسب اساليب الارهابيين الاجرامية الى الاسلام وهو دين السلام والحرية، تشكل كذبةً كبرى تبرر الاقدام على ضرب الحريةوالاعتداء على الحقوق الانسانية للمسلمين، بما يتطلب مواجهة كل الاساليب الارهابية والمبررة للارهاب.
3- ان كفاح الشعوب لتحقيق استقلالها، وتقرير مصيرها،ومقاومة الظلم والاحتلال امر مشروع تقره الاديان الالهية، والاعراف والقوانين الدولية.
4- ان العمل على صيانة حقوق الاقليات الاسلامية التي تقع ضحية الارهابالاعلامي ضد الاسلام وتتعرض حقوقها المدنية للاعتداء الفردي والاجتماعي امر ضروري.
5- يـجب العمل الجاد على إثارة الضمير العالمي ضد الجرائم التي يتعرض لهاالشعب الفلسطيني لعقود من الزمن على يد العصابات الصهيونية المدعومة من قبل امريكا وباقي القوى الشيطانية ، كما يجب تقديم كل انماط الدعم لهذا الشعب المناضل وجهادمقاومته وانتفاضته المباركة.
6- ان الشعب العراقي المسلم الذي عانى طويلا من نظام صدام الفاسد المعادي للاسلام ليستحق اليوم ان يتمتع بحقوقه الاساسية فيالاستقلال وتقرير المصير واختيار حكومته المنسجمة مع قيمه ومبادئه الاسلامية بعيداً عن اية سلطة او احتلال غاشم.
7- إن صمود الجمهورية الاسلامية الايرانية بوجهالتآمر وانواع الحصار خلال 24 عاما، وتاكيدها على مواقفها العادلة يشكل نموذجا للمواقف المبدئية التي يمكنها ان تمثل قدوة تحتذى للوقوف بوجه الاعتداء على هوية الامةواستقلالها .
8- ان المؤتمرين ليقدّرون الجهــود
العظيمة والمخلصة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية والقائمين عليه والتي تعدخطوة ايجابية كبرى على طريق توحيد الامة وتحقيق العالمية الاسلامية. وان المؤتمر ليشكر الجمهورية الاسلامية الايرانية ومؤسسها الراحل وقيادتها الحكيمة على دعمهاالمتواصل، ويدعون المجمع لمضاعفة هذه الجهود على صعيد الاعمال النخبوية والجماهيرية، ويدعون الحكومات والمراكز الاسلامية والمؤسسات الدولية للتعاون معه
(1) - عقد في طهران في ربيع الاول 1424هـ مايو 2003م