ثابت و المتغیر فی الفکر الدینی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ثابت و المتغیر فی الفکر الدینی - نسخه متنی

کامل الهاشمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الثابت والمتغير في الفكر الديني

الأستاذ كامل الهاشمي

مقدمة:

البحث في إشكاليةالثابت والمتغير بحث مهم وخطير في الوقت نفسه، ورغم أهمية البحث إلا أن الباحث يتردد ويتأمل كثيراً حينما يريد الحديث عن إشكالية الثبات والتغير في 'الدين' أو في 'الفكرالديني'، وذلك لأن الحديث في الثابت والمتغير حديث غير محدد الأبعاد وغير واضح المعالم، أضف إلى ذلك أن أية نتيجة يتوصل إليها الباحث من وراء دراسته لإشكالية الثابتوالمتغير سيكون لها انعكاساتها الكلية على مجمل تصوراته الدينية ومفاهيمه العقيدية ومواقفه التشريعية.

وفي الحديث عن الثابت والمتغير تواجه الباحثأسئلة واستفسارات عديدة لا يمكنه التجاوز والأعراض عنها أو التقليل من أهميتها، من قبيل: هل أن في الدين أو الشريعة ثابت ومتغير؟ وما معنى الثبات والتغير فيهما؟ وما هيمجالات الثبات ومجالات التغير؟ والاهم من ذلك كله لمن تكون صلاحية تحديد الثابت من المتغير؟ .. إذ ليس من المعقول أن يفتح الباب على مصراعيه لكل أحد من أجل أن يقرر أن هذاالأمر ثابت لا يقبل التغيير وأن الآخر متغير لا يقبل الثبات.

ومما ينبغي الالتفات إليه أن إشكالية الثابت والمتغير ترتبط أشد الارتباط بإشكالية تجديد الفكرالديني، بل تعد بُعداً رئيسياً من أبعادها، لأن أيّة خطوة يراد إنجازها في مهمة التجديد لابد أن يسبقها موقف محدد من مسألة الثابت والمتغير. ومن الواضح أن عملية التجديدلا يمكن قبولها إلاّ في ظل التسليم بإمكانية التغيير ولو بأدنى مستوياته.

ورغم ما كتب عن إشكالية الثابت والمتغير في 'الدين' أو في 'الفكر الديني' فإنه يبقى البحثمحتاجاً إلى مزيد من النظر والتدقيق، لأن المحصلة النهائية للبحث لا يمكن أن تبقى مبهمة وغير مضبوطة، في الوقت الذي يتحرك الكثيرون لحذف الكثير من الثوابت الدينية علىأساس قابلية الدين أو الفكر الديني للتغيير، وأن الثبات المطلق أو المقيد على أصول الدين أو فروعه يفقد الدين والفكر الديني قدرة الفاعلية والتأثير في الأوضاع المتغيرةوالمتحركة التي يعيشها الإنسان المعاصر. وفي الجهة المقابلة هناك من يصرّ على أن لا متغير في الدين وأن حلال الدين حلال إلى يوم القيامة وأن حرامه حرام إلى يوم القيامةأيضاً، وأن لا مجال أبداً لأي تغير أو تغيير في أحكام الله سبحانه وتعالى، وربما يعمم بعض أصحاب هذا الرأي هذا الحكم على كلّ معارف الإسلام وعلوم الدين، من دون الالتفافإلى ضرورة التمييز بين الدين والفكر الديني.

ومهما يكن من أمر فقد حاولنا في هذا البحث أن نقدم بعض الأفكار المتواضعة في هذا المجال، سائلين الله تعالىأن يوفقنا للصواب وأن يهدينا طريق الرشاد، وما نأمله من وراء هذا البحث أن نساهم ولو بعض المساهمة في حلّ بعض أبعاد وجوانب هذه المشكلة القائمة.

وأما الأفكارالتي نرغب في بيانها في هذا البحث فهي كالتالي:

الفكرة الأولى: منطلقا الإشكالية

الذي نراه أن إشكالية الثابت والمتغير تنطلق من جهتين أوجنبتين رئيسيتين:

الأولى: تتعلق بفهم الإسلام فهي 'جنبه مفهومية'، ومبدأ وأساس هذه الجنبة هو القول بأن الإسلام الذي يراد له أن يكون خالداً فاعلاً مؤثراً في حياةالإنسان في كلّ الأزمنة والعصور، لا يمكن لعطائه الفكري وثرائه المعرفي أن يتوقف عند حدّ معين وأفق محدد، لأن البشرية تعيش على الدوام تجدداً في أفكارها واتساعا فيمداركها، وليس من المعقول لدين يبتغي الخلود والاستمرار فاعلا مؤثراً في حياة الإنسان أن يعجز في وقت من الأوقات عن تقديم ما يساهم في فتح آفاق مستجدة من التفكير والوعيلمعتنقيه ومتبعيه.

الثانية: تتعلق بفاعلية الإسلام ودوره في الحياة فهي 'جنبة عملية'، ومبدأ هذه الجنبة هو القول بأن فاعلية الدين الإسلامي والفكر الديني علىالبقاء والاستمرار والتأثير في الممارسات العملية للناس، مرهونة بقدرتها على الاستجابة لتغيرات الظروف الإنسانية التي تتسم بدوام التطور والتبدل والتجدد. والأمر الذييستدعي إجابات وحلولاً متطورة ومتغيرة لمشاكل ومستجدات كلّ عصر من

العصور، وليس من المقبول أبداً أن تتغير الظروف والأحوال البشرية في الوقت الذي تتوقف أجوبةالإسلام وحلول الفكر الديني عند إثارات الماضي ومشاكل السابقين.

والذي نستطيع قوله في الإجابة على هاتين الاثارتين هو التالي:

أما بالنسبة إلى الإثارةالأولى: أعني 'الجنبة المفهومية' فإن ما يمكن قوله هو أن هذه الجنبة أو الإثارة وإن غفل أو تغافل بعض المفكرين عن بيانها وإستثارتها، إلاّ أن الكثير من تعابير النصوصالإسلاميّة تدلنا على اهتمام بالغ بضرورة استجابة الدين لتطورات الوعي البشري وقدرة الدين الإسلامي بشكل خاص على القيام بها الأمر.

وما تطرحه النصوصالإسلاميّة في هذا الشأن هو أن دلالات النص لا تتوقف عند مستوى واحد من الفهم، بل هي تعدد وتتنوع بتعدد وتنوع الأزمان والأشخاص ومستويات الفهم والإدراك. وأن النص لهقابلية الانفتاح على قراءات مختلفة، تتجدد وتتسع بتجدد أفكار البشر واتساع مداركهم المعرفية. ويمكننا القول أن النصوص الإسلاميّة جعلت انفتاح النص على الأفهامالمختلفة وقابليته للقراءات المتنوعة ميزة أساسية وحيوية من ميزات النص الديني.

وهذا ما يفيدنا إياه الإمام علي ـ عليه السلام ـ في حديثه عن القرآن الكريم حينمايصفه بالقول: (وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به)، وفي قوله ـ عليه السلام ـ : (واعلموا أنّ هذا القرآن هوالناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب. وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى أو نقصان من عمى).

ونشير إلىهذه القابلية التي يتمتع بها النص الديني في ما روى العيّاشي

وغيره عن جابر، قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن شيء من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألت ثانيةفأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك .. كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم!

فقال لي: (يا جابر، إنّ للقرآن بطناً وللبطن بطناً وظهراً، وللظهر ظهراً ..يا جابر وليس شيء، وهو كلام متصل ينصرف على وجوه).(1)

ونتفهم هذه القابلية أيضاً في قول الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : (ولو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلكالرجل ماتت الآية لمات الكتاب، ولكنه حيّ يجري في من بقي كما جرى في من مضى).(2)

وهكذا تعطينا هذه النصوص الإسلاميّة فهماً واقعياً للدور الذي يقوم به النص الدينيفي فتح آفاق الناس بشكل دائم ومستمر على الجديد والمتغير في فهم خطاب الدين وكلماته.

وأما بالنسبة إلى الإثارة الثانية، أغني 'الجنبة العملية' فإن بقاء بابالاجتهاد مفتوحاً يمثل أفضل حلّ لمعالجة مشاكل الحياة المتجددة، ومن المعلوم أن الإسلام حينما سمح بل أوجب على بعض المسلمين الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية فإنمااستهدف بذلك تواصل المسلمين مع مشاكل العصر المستجدة عبر ما يقوم به الفقيه والمجتهد من تعرّف ودراسة لهذه المشاكل المستحدثة ومن ثمّ استنباط الرأي فيها على ضوء القواعدالشرعية المقررة.

ومن الواضح أن الفقيه حينما يقوم بمهمة الاستنباط لا يمكن أن يتغافل عن

حيثيات الزمان والمكان والتغيرات التي تطرأ على مجمل الأوضاعالاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها. وعلى هذا الأساس يمكن للفقيه أن يختلف مع غيره من الفقهاء السابقين في حكم مسئلة من المسائل الشرعية، وربما أثر تغير الأوضاعوتبدل الظروف في الأسس التي يراعيها الفقيه في عملية الاستنباط نفسها، إذ أننا نلاحظ أن طريقة ومنهجية الاستنباط نفسها كانت تتطور وتنمو بحكم تأثر الفقيه بما يحيط به منظروف وما يعاصره من قضايا متنوعة.

نعم .. يبقى من اللازم أن نشير في هذا المجال إلى التقصيرات التي ربما تنشأ وقد نشأت في بعض الممارسات الفقهية حينما يبتعد البعضمن الفقهاء عن تفهم مشاكل العصر فيعجزون عن تقديم حلول لها، أو يقدمون الحلول التي يعجز الواقع عن قبولها، وبذلك يبقى المكلف تتجاذبه من جهة رغبته في إطاعة الحكم الشرعي،ومن جهة أخرى ضغوطات الواقع التي تمنعه من تحقيق رغبته في امتثال الحكم الشرعي.

وعلى هذا الأساس نستشعر ضرورة أن يفكر المهتمون بالشأن الفقهي الإسلامي في مسئلةتطبيق الإسلام وفاعليته في الحياة بالمستوى الذي يفكرون فيه في الإجابة على أية قضية مستحدثة أو مشكلة مستجدة. لأن الله تعالى لم يرد للإسلام أن يبقي أفكاراً ونظرات فيبطون الكتب والأسفار من دون أن يتجسد في الواقع ويشق طريقه إلى حياة الناس وممارساتهم اليومية.

الفكرة الثانية: الثابت والمتغير في الدين والفكرالديني

يبدو من المهم جداً في الحديث عن الثابت والمتغير التفريق بين مجالين مختلفين أشد الاختلاف بينما هما مترابطان أشد الترابط، وهذان المجالان هما:

الدين أولاً، والفكر الديني ثانياً. ونحن إذ نقول باختلاف المجالين لأننا نعي أن الدين يختلف في كثير من سماته عن الفكر الديني، إذ الدين هو تنزيل سماوي من قبل اللهسبحانه وتعالى على رسول من رسله أو نبي من أنبيائه، فهو على هذا الأساس يتمتع بقدسية وصيانة يتوفر عليهما بحكم كون المنزل للدين هو الله تعالى الذي ينزهه العقل السليم عنكلّ موجبات التقصير والقصور، وتبرّىء الفطرة المستقيمة ساحته عن كلّ مقتضيات الغفلة والسهو والنسيان والخطأ والاشتباه. والمنزل عليه الدين هو الرسول أو النبي الذي ضمنالله عزّ وجلّ عصمته وأمانته على تبليغ أحكام الدين ومعارفه إلى الخلق.

وبالإضافة إلى حكم العقل الذي يدلنا على ضرورة تنزيه الله سبحانه عن كلّ نقص، وضرورة تنزيهالأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة والسلام عن كلّ تقصير وقصور في تأدية وإبلاغ رسالاتهم الإلهية إلى الخلق، فإن القرآن المجيد يحفل بما يؤيد هذه الحقائق.

كقوله تعالى: وبالحق أنزلناه وبالحق نزل(3)

وقولـه سبحانه: وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قبلك لتكون من المنذرين(4)

وقولـه عزّ شأنهفي حق المرسلين (ع) بشكل عام: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبماكنتم تدرسون(5)

وقولـه سبحانه في حق خاتم النبيين ـ صلى الله عليه وآله ـ بشكل خاص: إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون. ولا بقول كاهن قليلاً ما

تذكّرون. تنزيل من ربّ العالمين. ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين.(6)

وهذه البياناتالتي يقدمها الدين عن نفسه تدلنا على أن ثمة فرقاً واختلافاً بين الدين والفكر الديني، لأن الفكر الديني وإن اتخذ من الدين منطلقاً وأساساً في ما يريد تبنيه من أفكارومفاهيم إلا أنه لا يعدو أن يكون قراءة بشرية للدين قابلة لأن تصيب حيناً وتخطىء أحياناً أخرى، وأن تعي مضمون الدين مرة وتنحرف عنه مرة أخرى. وهذا الأمر يجعل الفكر الدينيلا يرقى إلى مستوى الدين إلا بمقدار ما يصيب من حقيقة الدين وواقعيته.

ولقد كنا بحاجة إلى التنبيه على هذا الفرق بين الدين والفكر الديني لشدة الارتباط والتداخلبينهما مما يجعل مسألة التفريق بينهما في كثير من الأحيان مسألة معقدة لا يتيسر خلالها التمييز بين ما هو من الدين وما هو فهم بشري للدين. وهذا ما يؤكده التحسس الشديد منقبل بعض المتدينين للحديث عن إشكالية الثابت والمتغير، على أساس الاعتقاد بأن الكثير من الأفكار التي يجري الحديث عن قابليتها للتغيير أو التطوير هي أفكار من صميم الدينلا تقبل النقاش والمجادلة، ولا يتورع البعض عن وصم كل من أراد مناقشة تلك الأفكار بالخروج عن الدين ومحاولة إفساد عقائد المسلمين.

في الوقت الذي ينبغي أن يعيهؤلاء الأشخاص أن القول بوجود متغيرات في الدين أو في الشريعة لا يعني بحال من الأحوال أن لا ثابت في الدين أو الشريعة، لأن الدين إذا ما فسرناه بمجموع التعاليم والأحكاموالعقائد والحقائق الوجودية التي يأتي بها النبي (ع) من قبل الله سبحانه وتعالى مباشرة بواسطة

الوحي الإلهي، أو عن طريق أحاديث النبي أو الرسول الخاصة والتي لاتكون وحياً سماوياً، ولكنها تكتسب مصونية وقدسية بحكم ارتباط النبي أو الرسول بالله تعالى ارتباطاً يمنعه من التحدث بغير ما يرتضيه الله سبحانه، ومن هنا يكون كلامالمرسل من قبل الله تعالى كله حجة لأنه يتحدث عن الله جل جلاله وينقل مراده إلى خلقه، وهو ما نعيه من قوله تعالى في شأن نبيه الكريم محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ : ما ضلّصاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إنّ هو إلاّ وحي يوحي.(7)

نقول إذا فسرنا الدين بهذا التفسير الواسع فإننا نلاحظ أن الدين يحتوي حينئذ على أحكام شرعية قابلة فيبعض مجالاتها للتغير على أساس تغير الظروف وتبدل الموضوعات الخارجية كما سيأتي توضيحه في الفكرة الثالثة بإذنه تعالى.

وبهذا التفسير للدين يحوي الدين متبنياتعقيدية ورؤى فلسفية، وهذه الجنبة من الدين وإن كانت لا تقبل التغير بلحاظ ما تكشف عنه من واقع وجودي لا يقبل التبدل والتغير، إلا أنها قابلة للتغير على ضوء اتساع آفاقالفكر البشري وتجدد فهمه للدين واكتشافه أبعاداً في الدين لم يكتشفها السابقون ولم يتعرفوا عليها. وهذا ما سنتحدث عنه بشكل مفصل في الفكرة الثالثة أيضاً.

ومن هناندرك أن القول بوجود مجالات قابلة للتغير في الدين ـ على ضوء التفسير المتقدم ـ لا يعني أننا لا نمتلك ثوابت دينية غير قابلة للتغيير والتحويل، إذ الدين قد جاء لإصلاحالوضع الإنساني في جوانبه المتغيرة والثابتة فلابدّ أن يحمل جنبة ثبات وجنبة تغير.

وبطبيعة الحال حينما نقول بتغيّر الفهم الديني فهذا لا يعني أن لا ثوابت فيالفهم الديني، فكما أن الدين يحوي حقائق غير قابلة للتغيير والتبديل فكذا الفهم

الديني فيه الكثير من الحقائق التي لا يمكن اعتبارها حقائق زمانية قابلة لأن تلغىأو تبدل. ولا يستطيع أحد أن يزعم أن لا حقائق ثابتة في فهمنا الديني، وذلك لأننا نجزم أن لبنى الإنسان عقولاً تدرك بها العديد من الحقائق والمعارف، وجملة غير يسيرة من هذهالحقائق والمعارف تتطابق فيها الحقيقة الدينية مع الفهم البشري.

الفكرة الثالثة: مجالات الثبات والتغير في الدين

من أجل أن يكون الحديث فيالثابت والمتغير حديثاً محدد الأبعاد واضح المعالم كنا بحاجة إلى الحديث عن مجالات الثبات والتغير بشكل مفصل، وإلاّ يبقى الحديث في العديد من جوانبه يكتنفه الغموضوالإبهام، في الوقت الذي يكون عرضة لسوء الفهم من قبل البعض.

والذي نود قوله في هذا المقام أن الدين ـ بما ذكرنا له من تفسير متقدم ـ يمكن اعتباره منظومة فكريةشاملة وواسعة، لا يمكن اختزالها في بعد واحد أو جنبة معينة من أبعاد وجوانب الحياة والمعرفة. وسنتكلم عن كل الأبعاد الرئيسية في الدين مع الإشارة إلى طبيعة الثبات أوالتغير التي تحكم كل بعد من الأبعاد المذكورة، وما يمكن ذكره من أبعاد رئيسية في الدين هو:

أولاً: البعد العقيدي

إذ الدين يشتمل أول ما يشتمل علىرؤية كونية وجودية تستهدف تقديم صورة جلية عن جملة من الحقائق الوجودية، وفي مقدمة تلك الحقائق التي يبينها الدين حقيقة الخالق والرب المطلق وأنه واحد لا شريك له، وأن منصفاته العلم

والحياة والقدرة ... إلى غير ذلك من الصفات الكمالية الوجودية التي لا يمكن أن نتفك ذات الباري سبحانه وتعالى عنها.

ومما يعني الدين ببيانه فيهذا المجال جملة من المعارف المتعلقة ببدء عالم الخلقة وكيفية صنع الله عزّ وجلّ وإتقانه لعالم التكوين، وبدء خلقة الإنسان باعتباره أشرف مخلوق خلقه الله تعالى بيده،وسخر كل ما في الكون لأجله وفي خدمته. ويهتم الدين في هذا المجال بتعريف الإنسان بكثير من الغيبيات التي يعجز عقل وإدراك البشر عن فهمها والإحاطة بكنهها والاطلاع علىحقيقتها، من قبيل تعريفه على تفاصيل المستقبل الأخروي للإنسان، وإطلاعه على كنه الموجودات الأخرى التي يعجز حسه المباشر عن إدراكها كالملائكة والجن والشياطين.

وهذه المعارف وما شابهها هي ما يمكن أن تمثل 'البعد العقيدي' في الدين، باعتبارها تكشف عن مجموعة من المعارف التي يلزم الإنسان المؤمن الاعتقاد والتصديق بها، وجملة منوهذه المعارف يكون دور الدين فيها هو دور الهداية والإرشاد لأن العقل الفطري المودع في الإنسان يستقل بإدراكها.

وحينما نريد أن نبحث عن مجالات التغير والثبات فيالبعد العقيدي فإننا سنجد أن الحقيقة التي يكشف عنها الدين في المجال العقيدي تحكي عن واقع لا يقبل التغير في ذاته، فالوحدة والخالقية والرازقية والقدرة وغير ذلك منالكمالات الوجودية التي يثبتها الدين للخالق عزّ وجلّ غير قابلة لأن تنفى عنه في وقت من الأوقات، وكذا الأمر في بقية الحقائق الكونية التي أشار إليها الدين. نعم ما يقبلالتغير هو مستوى فهمنا وإدراكنا ـ نحن البشر ـ لهذه الحقائق، فعلى سبيل المثال ربما كان بعض الأوائل يعي أن الله سبحانه واحد بالوحدة العددية، ولكننا اليوم نرى أنه تعالىواحد بالوحدة الحقة الحقيقة وليس واحداً عددياً، وهكذا الأمر في جملة من الحقائق الدينية التي يتغير فهم البشر لكنهها ويتبدل وعيهم

لحقيقتها على ضوء ما يستجدلهم من وعي وما يتطور لهم من معارف وما ينفتح لهم من آفاق.

وتطور الفهم الإنساني وتغير وعي البشر بهذه الحقائق الدينية ربما نلمح الإشارة إليه في ما روي عن الإمامعلي بن الحسين السجاد ـ عليه السلام ـ من أنه سئل عن التوحيد فقال: (إن الله عزّ وجلّ علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعال: قل هو الله أحد، والآيات منسورة الحديد إلى قوله: عليم بذات الصدور. فمن رام وراء ذلك فقد هلك).(8)

ثانياً: البعد التشريعي الثابت

جاء الدين يحمل الكثير من التشريعاتوالقوانين التي استهدفت تنظيم حياة الإنسان وعلاقاته في ما يرتبط بعلاقته مع ربه ومبدعه، وفي ما يرتبط بعلاقته مع الآخرين من بني جنسه، وفي ما يرتبط بعلاقته مع الطبيعةوما سخر الله له من نعم ومخلوقات. وهذه التشريعات تتأسس على مبدأين رئيسيين هما:

مبدأ الولاية الإلهية: والذي على أساسه يشرع الله سبحانه التشريعات لعبادهباعتباره الولي الحقيقي لهم، ولا ولاية لأحد من الخلق على غيره إلاّ بتبع ولا يته عزّ وجلّ. وإلى هذا المبدأ أشارت العديد من آيات الذكر الحكيم، كقوله تعالى: ألم تعلم أنالله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير.(9)

وقوله: إنّ الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من

دون الله من ولي ولانصير.(10)

وقوله: وهو الذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد.(11)

مبدأ الحكمة والغائية: والذي يعني في ما يعنيه أن الله عزّ شأنه لميخلق الخلق عبثاً وبلا غاية، وأن فعل ذلك في حقه مستحيل. والى تثبيت مبدأ الغائية ونفي مبدأ العبثية أشار تعالى بقوله: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لاترجعون.(12)

ومن المعلوم أن الحياة الإنسانية لا تستقيم من دون تشريع قانون يحدد للناس وظائفهم ويبين حقوق كل فرد منهم بحيث لا يلزم تصادم وتضارب في المصالح،والمبدأ المذكور يستدعي أن يشرع الله سبحانه وتعالى للناس مثل هذا القانون، وهو الأمر الذي تعهد الباري عزّ اسمه به عن طريق إرسال الرسل والأنبياء 'عليهم أفضل الصلاةوالسلام' بالرسالات السماوية التي اهتمت بتحقيق هذا الأمر.

وفي هذا المجال نجد أن كل رسالة من الرسالات السماوية جاءت بتشريعات معينة، وكانت تلك التشريعات تبقىسارية المفعول في حق أتباع الرسالة إلى أن تاتي شريعة إلهية أخرى ناسخة لها، ولكن مع ذلك كله فقد بقيت الكثير من التشريعات مشتركة بين كل الشرائع الإلهية ولم تكن تتبدل أوتتغير، وبمقتضى الأصل الأولي فإن كل تشريع ثبت أن الله تعالى شرعه فهو حجة على العباد لا يجوز لهم مخالفته وتغييره عما هو عليه.

وفي الدين الإسلامي توجد الكثير منالتشريعات ـ سواء المتعلق منها

بالجانب العبادي أو غيره ـ تتمتع بصفة الثبات والاستقرار، ولم تكن هذه التشريعات مرتبطة في تشريعها بمصلحة آنية حتى يقالبإمكانية انتفاء ذلك التشريع بانتفاء تلك المصلحة، وربما كانت بعض التشريعات ليس وراءها من غاية غير امتحان العباد في الطاعة والتسليم لله وأمره، فلا معنى للبحث عنقابلية مثل هذه التشريعات للتغيير على أساس القول بوجود مصالح معينة قد استنفذتها تلك التشريعات. فالأصل الأولي يقتضي إذن الالتزام بمضمون كل تشريع إلهي إلاّ أن يثبتنسخه أو انتهاء أمده أو تغير موضوعه أو طروء تخصيص أو تقييد له، وهذه أمور يقررها من نظر في أحكام الله تعالى واستكمل كل ماله مدخلية في معرفة الأحكام الشرعية.

ثالثاً: البعد التشريعي المتغير

ذكرنا فيما سبق أن للإنسان جنبتين: 'جنبة ثبات' و 'جنبة تغير'، ومن الطبيعي أن تراعي الشريعة الإلهية الجنبتين معاً، فتشرعمن التشريعات ما يتوافق وثوابت الإنسان، وهو ما اصطلحنا عليه بـ'البعد التشريعي الثابت'، وتشرع من التشريعات ما يراعي الظروف والأحوال والمصالح المتغيرة للإنسان، وهوما يمكننا أن نصطلح عليه بـ'البعد التشريعي المتغير'، وتسليم كل فقهاء الإسلام بوجود أحكام أولية وأحكام ثانوية في التشريع الإسلامي يعد تسليماً بهذه الحقيقة وإذعاناًلها. ونحن نجد في بعض الممارسات التاريخية للأئمة ـ عليهم السلام ـ ولبعض فقهاء الإسلام ما يدلل على قابلية بعض التشريعات للتعيير على ضوء المصالح والمفاسد المتجددة.وعلى هذا الأساس لا نعتقد أن أصل المسألة يقبل التشكيك أو الرفض، وإنما الكلام في الجزئيات وكون التشريع الكذائي له قابلية الخضوع للتغيير أو التعطيل المؤقت أم أنه لايقبل التغيير والتعطيل على كل حال،

ومهما حصل من اختلاف بين الفقهاء في مثل هذه الأمور فهو اختلاف طبيعي تقتضيه طبيعة الوسائل المعرفية المتوفرة للفقيه والتيعلى أساسها يقرر رأيه الفقهي في أيّة مسألة حياتية تواجهه أو تواجه أحداً من المكلفين. ولا يلام الفقيه في أيّ حكم يتوصل إليه مادام قد استفرغ جهده وبدل سعيه في البحث عنالحق والأخذ بما قام عليه الدليل والبرهان.

نعم ما يلزم الفقيه الانتباه إليه في عملية الاستنباط هو عدم إمكانية فصل استحصال الرأي في المسائل الشرعية عن محاولةالتعرف على حيثيات الواقع وملابساته، إذ أن تعرف الفقيه على هذه الحيثيات وتلك الملابسات يساهم أولاً في تأسيس عملية الاجتهاد على اطلاع مفصل على كل ما من شأنه أن يكوندخيلاً في استحصال الرأي الشرعي في المسألة مورد البحث، ويساهم ثانياً في ابتعاد الفقيه عن فرض حكم على المكلف يعجز عن امتثاله فيلجأ إلى التحايل على الشرع والتلاعببأحكامه.

صحيح أن الوظيفة الرئيسية للفقيه هي بيان الحكم الشرعي للمكلف وليس من وظيفته مراقبة امتثال المكلف للحكم الشرعي وعدمه، ولكن ليس من المعقول أن يتجردالفقيه لإصدار الأحكام الشرعية بحق المكلفين من دون مراعاة لظروفهم الخاصة ومن دون تفهم للإمكانيات المتاحة في الواقع لامتثال الحكم الشرعي من قبل المكلف.

ومماله دلالته الخاصة في اعتراف الإسلام بالبعد المتغير في حياة الإنسان ومراعاته لهذا الأمر هو مبدأ الاجتهاد الذي حث الإسلام على ممارسته حتى أن فقهاء المسلمين اعتبروهواجباً كفائياً لابد أن يتفرغ للقيام به بعض المسلمين شأنه شأن أيّة وظيفة حياتية لا يستغني الناس عمّن يقوم بها. وهذا الشأن الذي أعطي لمهمة الاجتهاد من قبل الإسلام ليسلغرض جعل الشرعية حيّة فعالة في حياة

الناس وممارساتهم العملية، ومن أجل أن لا تتحول قوانين الشريعة إلى مقررات جامدة تفتقد الفاعلية والتأثير.

وخلاصةما يمكن قوله في هذه النقطة من البحث أن إثبات أو نفي قابلية حكم من الأحكام للتغير مرهون بما يستفيده الفقيه من أدلة إثبات الحكم المعني بالبحث، فهل أن الحكم وارد موردالتعبد المحض بحيث لا يمكن أن يطلع الفقيه على ملاك تشريع الحكم؟ أم أن الحكم في تشريعه وإثباته خضع لمراعاة مصلحة آنيّة معنية بحيث يطمئن الفقيه بأن الحكم يدور مدارهانفياً وثبوتاً؟

فإن كان الحكم من القبيل الأول فلا يمكن للفقيه أن يخضع هذا الحكم للتغيير إلا بعنوان ثانوي آخر يدعي الفقيه حكومته على العنوان المثبت للحكمالشرعي المنظور، كعناوين نفي العسر والحرج والضرر.

وإن كان الحكم الشرعي من القبيل الثاني الفقيه لا يمتنع عليه أن ينفي أو يغير الحكم الشرعي على ضوء انتفاءالمصلحة المثبتة له أو تبدلها إلى مفسدة لا يرضى الشارع بتحققها في الخارج، وفي واقع الأمر أن الفقيه لا يقوم بأيّ تغيير لحكم من أحكام الله تعالى، وإنما هو يشخص أن موضوعالحكم المعين قد تغير عما هو عليه فمن الطبيعي أن يتغير الحكم لأن الحكم يتبع موضوعه نفياً وثبوتاً.

رابعاً: البعد الاجتماعي

الحديث عن الثابتوالمتغير في البعد الاجتماعي من الدين حديث له أهميته الخاصة باعتبار أن البعد الاجتماعي يستوعب قسطاً كبيراً من تعاليم الدين، إذ أن جميع الممارسات السلوكية والآدابالخلقية ومظاهر التعامل الاجتماعي التي يتميز بها المجتمع المسلم وتمثل تشخصه الاجتماعي العام تندرج ضمن هذا البعد.

ولقد حرص الإسلام على صبغ المجتمع المسلمبصبغة متميزة تعكس طبيعة القيم الدينية والإنسانية والخلقية التي يؤمن بها هذا المجتمع، وهذه الصبغة التي أراد الإسلام أن يصبغ بها المجتمع المسلم لم تكن تستهدف إيجادقطعية وانفصال بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ممن يعايشون المسلمين ويجاورونهم، وإنما استهدف الإسلام إظهار المجتمع المسلم بمظهر اجتماعي وخلقيوإنساني يجسد من خلال نوعية علاقاته الاجتماعية طبيعة القيم الخلقية التي أراد الدين الإسلامي أن يدعو البشرية إليها، وبذلك يتحول المجتمع بوصفه كتلة اجتماعية متناسقةومتوافقة إلى أمة واحدة تدعو الآخرين إلى قيم الإسلام والسماء بما تمثله من سلوكيات وممارسات على أرض الواقع. ومن هنا تتعدد الدعوات الإلهية لأفراد المجتمع الإسلاميبوصفه أمة واحدة تتحمل مسؤولية تسجسيد قيم رسالة ربانية قيمة بضرورة امتثال وتحقيق تلك القيم في حياتهم الاجتماعية من أجل أن يمثلوا القدوة للآخرين على مستوى الأمة كمايرغبون أن يمثلوها على مستوياتهم الفردية والذاتية. وهناك العديد من الخطابات الإلهية التي وجهت إلى المسلمين بوصفهم أمة واحدة، كقولـه تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلىالخير ويأمرون بالمعروف ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم.(13)

وقولـه سبحانه:يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.(14)

ولقد سعى الإسلام لإعطاء المجتمع الإسلامي تمايزاً خاصاً على أساس استشعار أفراده بأنهم أمة واحدة يتحد جميع أفرادها في المصير ويشتركون في تحمل المسؤولية الإلهية فيالاستخلاف على الأرض وأعمارها وإصلاحها وهداية البشرية إلى الصراط المستقيم فقال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله....(15)

وقال عز شأنه: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس.(16)

وقال جل جلاله إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون.(17)

وقالسبحانه: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكممنها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.(18)

وعلى هذا الأساس ندرك أن الأمة الإسلامية تتحمل مسؤولية عظيمة في تجسيد القيم والمثل الأخلاقية والإنسانية التيدعى إليها الإسلام على أرض الواقع، ومن الضروري لهذه الأمة التي تريد النهوض بهذه المهمة الثقيلة أن تعي متطلبات الدور التاريخي الذي تريد الحركة والانطلاق في أجوائه،والذي يعطي للأمة هذا المستوى من الوعي هو معرفتها بخصائص المجتمع ونوعية القيم والأفكار التي تتحكم في صياغة مواقف أفراده وردود أفعالهم، والمرونة في التعامل معالمجتمع وتفهم الأساليب المناسبة لتغييره وتطويره، والانفتاح على مشاكل كل عصر وظروفه الخاصة به هي الأمور التي تمنح من يرغب في تغيير مجتمعه إلى الأفضل، القدرة علىإنجاز هذه المهمة.

ومراعاة تغيرات الأحوال والظروف الاجتماعية في الأداء الاجتماعي

التغييري نلمح إشارات جزئية إليه في بعض مواقف أئمة أهل البيت ـعليهم السلام ـ من بعض قضايا عصرهم، كما في موقف الإمام علي ـ عليه السلام ـ من إصرار بعض المسلمين على خضب لحاهم باعتباره سنة كان يمارسها رسول الله (ص)، بينما رأى أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ أن مبررات الالتزام بهذه السنة والإصرار عليها بوصفها مظهرً اجتماعياً يميز المسلمين عن غيرهم قد انتفت، فقد سئل ـ عليه السلام ـ عن قول رسولالله (ص): (غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود).

فقال ـ عليه السلام ـ : (إنما قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ذلك والدين قلّ، فأما الآن وقد استع نطاقه، وضرب بجرانه،فامرؤ وما اختار).

ففي هذا الإرشاد الاجتماعي من قبل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ نلاحظ استجابة مرنة لمقتضيات الزمان، فإذا كان ما يبرر في زمن رسول الله (ص)الاهتمام بتغيير الشيب وإخفائه وهو إخفائه وهو إظهار المسلمين بمظهر الشباب المقتدرين في مواجهة الأعداء المحيطين بهم مما يساهم في إضعاف حالة الاستقواء لدى العدوالحاصلة من موقع الشعور بقلة عدد المسلمين وندرة الشباب المجاهدين بينهم، فإن هذه الحالة قد انتفت وصار المسلمون هم الكثرة المسيطرة والفاعلة في المجالات الاجتماعيةالعامة، مما يدفع الحاجة للتظاهر بمظهر القوة والاقتدار أمام الأعداء بعد أن اتسع نطاق الإسلام وقويت شوكة المسلمين وكثّر الله قلتهم وأظهرهم على عدوهم.

وعلى كلحال فان الاستلهام من موقف أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ هذا يهدينا إلى مجالات التغيير التي يمكن لنا الانفتاح عليها في تفعيل عملية التغيير الاجتماعي على ضوء وعيوإدراك المقاصد الكلية للإسلام وشريعته السمحاء.


1 ـ أبو الحسن العاملي: مقدمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، المطبوعة فيمقدمة البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، ص4 ، مؤسسة مطبوعاتى اسماعيليان، إيران ـ قم، بلا تاريخ.

2 ـ نفس المصدر، ص5.

3 ـ الإسراء: 105.

4 ـ الشعراء: 192 ـ 194.

5 ـ آل عمران: 79.

6 ـ الحاقة: 40 ـ 47.

7 ـ النجم: 2 ـ 4.

8 ـ عبد علي بن جمعة الحويزي: تفسير نور الثقلين، ج5 ، ص706، المطبعةالعلمية، إيران ـ قم، بلا تاريخ.

9 ـ البقرة: 107.

10 ـ التوبة: 116.

11 ـ الشورى: 28.

12 ـ المؤمنون: 115.

13 ـ آل عمران: 104 و 105.

14 ـالمائدة: 8.

15 ـ آل عمران: 110.

16 ـ البقرة: 143.

17 ـ الأنبياء: 92.

18 ـ آل عمران: 103.


/ 1