الحوار الاسلامي الاسلامي 03 إحياء الاسلام أولاً
إحياء الاسلام أولاً
الدكتور محمد علي آذرشب من المهم جداً لدعاة 'التقريب' أن يدرسوا العلل والاسبابالعميقة لحالة التفرقة الاجتماعية، وبدون هذه الدراسة لايمكن وضع خطة صحيحة ومنهج عملي فاعل لوحدة الامة.
والملاحظ أن دعاة وحدة الامة الاسلامية يختلفونكثيرا في مشاريعهم الوحدوية، بعضهم يركّز على المشروع القومي أو الاقليمي باعتباره مقدمة للمشروع الاسلامي، وآخرون يرفعون شعار وحدة العالم الاسلامي، وهؤلاء منهم منيرى أن الوحدة يجب أن تعالج في الاطار السياسي دون غيره، بينما آخرون يتناولون مسألة التقريب العقائدي والتشريعي بين المذاهب. وهذا الاختلاف في الرؤى يدلّ على عدم وحدةالمنهج، وعدم وجود منهجية واحدة يدل بدوره على عدم فهم الاسباب الحقيقية لحالة التمزّق القائمة.
الوضع القائم
لو ألقينا نظرة على عالمناالاسلامي عامة، وعلى كل واحد من أقطاره لرأينا في كل فصائله حالة الانشقاق والنزاع، فلا يخلو اتجاه سياسي أو ديني أو اجتماعي أو أدبي أو فكري من ظاهرة الانشقاق والتنازعوالتناحر الى حدّ الاسقاط. ظهر الاسلام في الجزيرة العربية فوحّدها ، ولكن نشاهد في العالم الاسلامي كل يوم انشقاقا وانشعابا باسم الاسلام، وظهرت فكرةالقومية في أوروبا فوحّدتها لكننا نرى عشرات بل مئات الاحزاب القومية المتناحرة ظهرت في العالم الإسلامي فزدات الطين بلة والطنبور نقرة، وفكرة التطوير والتحديث طوّرتأمما في العالم ودفعتها على ارتقاء سلم المدنية والحضارة، غير أن أفكار الحداثة في عالمنا الاسلامي لا تتعدى أن تكون معولا لمزيد من التمزيق والتشتيت.
والاغرب من كل هذا أن العدوّ يسبّبُ عادة وحدة الصفّ، ولكنه في عالمنا الاسلامي يؤدي الى مزيد من التفرقة والاختلاف كما هو واضح اليوم في ساحة الموقف من العدوّ الصهيوني.
والاحزاب تعلن كل يوم عن انشقاق جديد، وهكذا الحركات، والقيادات، والمدارس الفكرية والتيارات الادبية، ولا يعني هذا ظهور اجتهادات جديدة داخل المدرسةالواحدة، بل يعني ظهور متصارعين جدد على الحلبة، كل يريد إسقاط الآخر وإنهاءه.
نحن إذن أمام 'ظاهرة مرضية' لا يقتصر وجودها على الساحة الدينية، بل تشمل كلتوجهاتنا الفكرية والعملية، ولابد من التعمّق فيها بجدّ، كي تبذل الجهود نحو معالجتها، وتصان الطاقات المخلصة المتجهة الى الوحدة من الهدر والضياع.
أسباب حالة التشرذم
لا أدعي في مقالي هذا أنني أقدم أسباب حالة التشرذم المرضية في عالمنا الاسلامي ، بل أريــد أن أفتـح الباب أمــام كــل المخلصيـنليفكروا بجدّ ولكي لا يكتفوا بالوعظ والارشاد ورفع شعارات الوحدة وإقامة الندوات والمؤتمرات للحوار وتأسيس الجامعات ومراكز الدراسات في هذا المجال، لأن هذهوحدها لايمكن أن تعالج المشلكة، اللهم إلا إذا اعتقدنا أن سبب هذه الحالة المرضية يعود الى الجهل، عندئذ سيكون تنوير الاذهان بالخطب والدراسات علاجا لهذه الحالة. ولكنالواقع يشهد وجود هذه الحالة المرضية بين العلماء والمفكرين والمثقفين والقيادات أكثر مما يجدها بين القواعد وعامة الناس، مما يدلّ على أن الجهل وحده ليس هو العامل، بلثمة عامل أعمق.
استقراء بعض النصوص الدينية
في القرآن الكريم نصوص تدلّ على أن التفرّق لايحدث دائما بسب غموض المفاهيم والجهل بها، بل قدتكون التفرقة مقرونة بالبيّنة: (ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات)(1). (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءتهم البينة)(2). ثميوضح القرآن سبب التفرقة بين من جاءهم العلم فيقول: (وما تفرّقوا إلا من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم)(3).
فالبغي إذن هو السبب وليس الجهل، والبغي: هو الظلموالفساد، وأصله مجاوزة الحدّ(4) ودافعه دون شك الذاتية الطاغية التي تتحول الى مثل أعلى يعبده الفرد من دون أي مثل أعلى آخر.
ويقول في آية أخرى: (واعتصموا بحبلالله جميعا ولا تفرّقوا)(5) فعدم الاعتصام بحبل الله هو سبب التفرّق. وهذا الاعتصام يعني التزام الانسان
1- آل عمران / 105 .
2-البينة / 4 .
3- الشورى / 14 .
4- لسان العرب، مادة بغا.
5- آل عمران / 103 .