الحوار الاسلامي - الغربي
بعد انتشار نظرية 'صراع الحضارات'، ظهرت في العالم الاسلامي موجة 'حوارالحضارات' منطلقة من روح الاسلام التي تدعو الى الحوار الحضاري. غير أن هذه الموجة بحاجة الى تأصيل نظري ومنهجة عملية، كي لا يقع المسلمون في مطبات وهميواجهون حضارة لها هيلها وهيلمانها، وبريقها وسلطانها. ولكي لا يدخلون في مشروع لا يعرفون أشواطه ونهايته.
لا يمكن الانعزال والانغلاق أمام العالم الآخر،ولكن كيف نتعامل معه؟ وكيف ندخل معه في حوار متكافئ؟ وكيف ننفتح مع المحافظة على هويتنا وكرامتنا؟
هناك من يدعو الى الحوار مع الغرب مندفعا بروح الهزيمة،وهناك من يدعو الى هذا بثقة الانسان المؤمن بعقيدته ورسالته وهويته.
لذلك التقت مجلة 'رسالة التقريب' بالاستاذ الدكتور عبد اللّه النفيسي فحاورته عن الممكنوغير الممكن في الحوار مع الغرب وعن طبيعة هذا الحوار ومنعطفاته.
الممكن وغير الممكن في الحوار مع الغرب
مقابلة مع الاستاذ الدكتورعبد اللّه النفيسي
عُرف الدكتور النفيسي في العالم العربي والاسلامي بمواقفه المتميّزة بالجمع بين الاكاديمية والدقة العلمية، والصراحة والجرأةالكاملة، والالتزام الاسلامي. ولأنه درس في الغرب ودرّس فيه، وخبر مشكلة العالم الاسلامي في مواجهة الغرب، التقته مجلة 'رسالة التقريب' وأجرت معه المقابلةالتالية حول الحوار مع الغرب.
طلبنا منه أولا أن يعرّف نفسه فقال:
بسم اللّه الرحمن الرحيم. أنا عبد اللّه فهد عبد العزيز النفيسي، مسلم من الكويت،كنت أعمل رئيسا لقسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، وكنت عضوا في مجلس الامة الكويتي، ثم مستشارا سياسياً للمجلس، لي بعض المؤلفات المتعلقة بشأن الكويت والجزيرةوالحركات الاسلامية، نشر معظمها في العاصمة البريطانية. وأنا الآن حريص على الاتصال بكل الجهات الاسلامية في العالم أجمع لبث بعض الافكار التي أؤمن بها، وهي وحدة الامةالاسلامية، وضرورة ارتكازها على الاسلام كنظام للحياة، وضرورة بناء الآلة الدولية الاسلامية.
' السؤال الموجه الى الدكتور النفيسي هو مدى إمكانيةالحوار مع الغرب.
¨ أقول وباللّه التوفيق ، إن لكل حركة حوارية شروطها الفنية والموضوعية. سواء كانت بين فردين أو جهتين. لابد من توفر الشروط الموضوعيةوالشروط الفنية. الشرط الموضوعي أن تكون هناك نية صادقة للحوار بين الطرفين. وإذا لم تتوفر هذه النية والخلوص الصادق لقيام هذا الحوار، سوف تتحول هذه الحركة الى حركةمحاكمة، أكثر منها حوار، والمحاكمة تختلف عن الحوار، والموجود اليوم في الصحافة الغربية تجاهنا هو المحاكمة. لانا نحن في منظورهم ارهابيون متخلفون متهمون يجب أن نثبتبراءتنا، إذن لا يتوفر الشرط الموضوعي في الحوار. الشرط الفني غير متوفر أيضا، لأن الغرب لايرغب بنا كوجود في قاراته. الذي يراجع السياسات الاوربيةوالسياسات الامريكية تجاه الاقليات الاسلامية سيلحظ أن هناك اتجاها منذ 15، 18، 20 سنة للتضييق على المسلمين في أوروبا وأمريكا ومحاصرتهم هناك. وهم مواطنون، عندهمالجنسية، وعندهم الحماية القانونية المفترضة، وعندهم الحقوق الدستورية المفترضة، ومع ذلك هناك شيء من التضييق المتدرج إزاء الاقليات الاسلامية في أوربا والولاياتالمتحدة وكندا.
أنا عشت في أوربا. عملت ودرّست. قمت بالتدريس في الولايات المتحدة ، لم أدرُس هناك، بل درّست في مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة هارفارد سنة75، ودرّست في معهد هوفر لمناطق النزاع، وفي جامعة استانفورد في كاليفورنيا وهي من أشهر الجامعات في الغرب الامريكي. وبالمناسبة أنا لم أطلب العمل هناك، هم الذين طلبونيمن جامعة الكويت، وقالوا: نطلب أن يأتينا النفيسي للاشراف على سلسلة رسائل ماجستير في مسائل المنطقة.
أعود وأقول ليس هناك الشرط الفني للحوار، ولكن مع ذلكأقول: من مصلحتنا نحن تهيئة الاجواء الموضوعية والفنية للحوار مع بعض التنبيهات والتحذيرات.
' حبذا لو أكملت حديثك ببيان هذه التحذيرات التي أشرتاليها في حديثك عن الحوار مع الغرب.
¨ التحذير الاول: أن لا نتوقع من الطرف الآخر أي من الغرب أن يكون بريئا مخلصا في تطلعاته وحواره، ومقبلا علينا بصدق.
وهذا التحذير والتنبية مبني على منظومة معلومات وأفكار. ينبغي ونحن نقبل على الحوار مع الغرب أن نأخذ بنظر الاعتبار المراحل التي مررنا فيها مع الغرب. لابد أن نستحضرالحملات الصليبية ، وهي حملات غربية استمرت ضدنا قرونا من الزمان. وكانت تستهدف أولا التصدي الفكري للاسلام، ثانيا: الاختراق الثقافي لامة الاسلام، وثالثا: الاحتواءالحضاري لأمة الاسلام وعزل الاسلام.
ينبغي أن نستحضر هذا، ونستحضر العنف التاريخي الذي اشتملت عليه الحروب الصليبية. لقد ارتكبوا مذابح رهيبة ضد المسلمين،هؤلاء الغربيون الذين نحرص على التحاور معهم هم أحفاد هؤلاء. هؤلاء جيّشوا الجيوش وعسكروا العساكر سيّروا الاساطيل وقصفوا المدن الاسلامية، وقطّعوا أوصال الامةالاسلامية، ودمّروا مقوماتها الاقتصادية وأسسوا الكيان الصهيوني. هذه جريمتهم (أي تأسيس الكيان الصهيوني) ولايزالون يصرون على استمرارها بل وعلى ضمانها في المستقبل. إذن يجب أن نستحضر هذه الشخصية الغربية في ذهننا ونحن نتوجه الى
الحوار مع الغرب. هذا تنبيه يجب أن نضعه في الاعتبار.
التنبيه الثاني: يجب أننتخيّر مَـنْ يقوم بالحوار مع الغرب، لكي تكون حركة الحوار متكافئة. لابد من اختيار كادر مميّز في معرفته بالغرب وبشخصية الغرب وبتراث الغرب وبمسارات الفكر الغربي، يجبأن يكون مستوعبا لهذا حتى نضعه في الحوار مع الغرب. أما أن نضع أمام الغرب من لا يعرف الغرب ومن يؤخذ ويُبهر أمام الغرب دون فحص وتمحيص وتدقيق فان الحوار يكون غيرمتكافيء. ثالثا - محاور الحوار ، على ماذا نتحاور، لابد أن نقرر سلسلة ثوابت، نقول للغرب ابتداء لايجوز الحوار حولها، نحن عرب، أو نحن ايرانيون أو نحن مسلمون،هذه ثوابت. ونحن من حقنا كأمة إسلامية أن تكون لنا ثوابت كما للغرب ثوابت. عندئذ يكون الحوار متكافئا. هذا الغربي الذي يفد الى عواصمنا، ويستغرب لماذا لاتوجد الكحولوالمراقص. ويتأفف من هذا الوضع. يجب أن نلقمه حجرا، ونقول له: هذه من ثوابتنا، تقبل ذلك والا فارحل، لا أن نعتذر له، ونبرر له، ونقول له : معذرة إننا لم نستطع أن نفيبمتطلباتك!! إطلاقا، يجب أن نلقمه حجرا. عندئذ سيحترمنا أكثر، وسيحرص على التعامل معنا أكثر.
حين كنت طالبا في جامعة كمبرج كان يدرس معي أيضا مجموعة من الطلبةالمسلمين، ولم يكن لنا مكان نصلي فيه جماعة، رحنا نبحث عن مكان لاداء الصلاة، وعلى الاقل صلاة الجمعة. اتصلنا بادارة الجامعة فحولونا على المجلس البلدي للمدينة، ذهبناالى المجلس البلدي، فقالوا لنا: لايوجد عندنا أماكن للعبادة سوى الكنيسة، بامكانكم أن تتحدثوا مع المسؤولين فيها لاداء صلاتكم. ذهبنا، وتحدثنا معهم، وقلنا لهم نحنمسلمون ونريد أن نصلي يوم الجمعة في بهو الكنيسة، وطبعا صلاتنا يسبقها أذان يجب أن يرفع عند باب
الكنيسة، ثم فيها خطبة يجب أن تلقى قبل الصلاة. وافقوا على ذلك،وقالوا نوافق شرط أن تتركوا كل شيء في الكنيسة على ماهو عليه. قلنا لهم: لا هذا لايمكن، هذا يتعارض مع عبادتنا، لايمكن أن نصلي أمام تماثيل وصلبان قائمة في الكنيسة،أصررنا على موقفنا. فحضر القسّ، وتحدثنا معه وبينا له مانريد وطال الحديث مع القسّ، وتحولت الجلسة الى جلسة دعوة الرجل الى الاسلام، لاجلسه إقناعه بالصلاة في الكنيسةعلى النحو الذي نريد. وهناك شعرنا بالعزّة، هذا الاحساس نتيجة إصرارنا على مبادئنا وثوابتنا.
وما كان من الرجل في نهاية الجلسة إلا أن أبدى إعجابه الشديد بنا،حينما رآنا شبابا متحمسين لديننا، متمكسين بأصول عباداتنا. ووافق على أن تكون الكنيسة تحت تصرفنا من العاشرة حتى الثالثة بعد الظهر من كل يوم جمعة. وباستمرار نشأت بينناوبين أبناء المنطقة المسيحيين علاقات حميمة، وكانوا يحترموننا كثيرا، وقالوا لنا لقد تغيرت الصورة التي في ذهننا عن الاسلام والمسلمين. وكنا طوال المدة نستلم الكنيسةمنهم نظيفة ونسلمها لهم أنظف، وهكذا كبرنا في أعينهم.
لذلك فاننا بحاجة الى أن نصرّ على ثوابتنا ولا نتقهقر، ولا نتراجع عنها، ونصرّ على أخلاقيتنا. والا فانالغرب سوف يفرض علينا مايشاء.
إذا وفينا بهذه التنبيهات والتحذيرات فان الحوار سيقوم على أسس سليمة. أن نحدد ثوابتنا وأن نختار الكادر الذي يتحاور مع الغرباختيارا دقيقا مفحوصا، وأن نعرف الغرب من هو.
هذه الاشتراطات الثلاثة يجب أن نفي بها تماما ونتأكد منها تماما قبل الولوج في الحوار مع الغرب.
' ماهي موضوعات الحوار مع الغرب في رأيك وماهو مفتاح الدخول في هذا الحوار؟
¨ بشأن الموضوعات التي نتحدث فيها مع الغرب. لابد أن أقول إن الغرب ماديّ فينظرته. ولايؤمن الا بالمادة ، ولا يعترف بقيمة الثقافة ولا قيمة ما يرتبط بالثقافة. أولا المادة. فاذا وفيت بالتزامك المادي معه، فهو على استعداد أن يفهم التزامه غيرالمادي معك.
أما قبل أن تفي بالتزاماتك المادية معه فانه لن يفهمك إطلاقا. وهذه شخصية الانسان الغربي. في كل طبقاته وفلسفاته ومن يمينه الى يساره الى وسطه.. أناأعتقد أن هذا مفتاح الشخصية الغربية، أن تعرف اشتراطاته في التعامل معك: أن تعطيه حقه المادي أولا، ثم أن تتكلم في حقوقك غير المادية معه.
أيضا في هذه سقف وفيهذه أرضية. على سبيل المثال إذا قال لك: نريد نفطا بأسعار شبه مجانية نقول له: لا. نفضل أن يبقى مخزونا في الارض على أن نبيعه لك بهذه الشروط. حرب، فلتكن حربا. عندما يرىالطرف المقابل مستعداً للدخول معه الى نهايات الطريق، فانه يتفاوض معه. شخصية الغرب ليست بالجسورة ، وبالفدائية. دخلوا الصومال بشعارات ضخمة وعندما فقدوا 14 جندياغادروها في لحظة واحدة. دخلوا لبنان بشعارات ضخمة، وعندما فجرت هذه الفتاة الشهيدة الكريمة الطيبة مقر المارينز تركوا لبنان في لحظة واحدة.
وقال ريغان فيالكونغرس نحن نستطيع أن نواجه كل شيء الا إنسانا يريد الموت. لايريد الحياة.. إختار الموت بطيب خاطر.. مثل هذا الانسان لا تستطيع كل جيوشنا أن تقاومه.. قال هذا في الكونغرسبعد تفجير مقر المارينز.
مفتاح فهم الغرب إذن: أنه مادي وأنه يخاف الموت. فينبغي أن نبين له من خلال حركة الحوار نقطتين: أننا نحن لسنا ماديين، ولا نهاب الموت..أي عكسه
تماما.
هذه نقطة هامة جدا.. لأن الغرب يريد أن يحولنا الى 'ملاحق' اقتصادية. يريد العنب الجزائري لصناعة النبيذ في سوقه، وعلى هذا يريد الفلاحالجزائري عبدا منتجا للكروم، كي ينتج المصنع الفرنسي الانبذة من هذه الكروم، ويبيعها الى العالم.
يريد أن يحول الفلاح المصري الذي يزرع القطن المصري، وهوأفضل أنواع القطن في العالم، الى عبد ينتج له ما تستهلكه مصانع النسيج في لانكشاير ومانجستر. يريد تسخير نفط العرب وغير العرب لتغذية اقتصاده، ويرفض أن يتحول النفط الىوسيلة تنموية في البلدان المنتجة.
هذا إذن مفرق أساسي بيننا وبينهم. هذه الخامات والمنتجات نحن نريدها لتنمية بلادنا، وهو يريدها له، لكي يحولنا الى سوقمرتبطة بالسوق الغربي.
التناقض بيننا وبين الغرب كبير جدا، تناقض في الشخصية.. تناقض فيما نريده ومالا نريده، وتناقض في الثوابت وتناقض على مدى التاريخ.
والاحتكاك اليوم بيننا وبين الغرب إعلاميا واستراتيجيا على أشده. فانا - بناء على هذا - غير متفائل بحركة الحوار. مع التأكيد على أهمية أن الباب يضل مفتوحا عندناللحوار معهم، لا أن نعلّق آمالا كبيرة على هذه الحركة.
' من أجل أن نفهم الغرب ونحن نتحاور معه، هل تعتقد أن الغرب قد تخلّى عن الدين تماما؟
¨ هذه نقطة جديرة بالتوقف. إن الغرب في مخيلة المسلمين علماني لا يحفل بدين . وهذا خطأ كبير ناتج عن تجهيل إعلامي مارسه الغرب علينا على مدى عشرات بل مئات السنين. قال لناإنه لا يحفل بالدين وترك الاديان وترك حتى
المسيحية ، ولذلك يجب أن لا تكون للاسلام قيمة عند المسلمين.. وأمثال هذا من الزيف الاعلامي.
الاصوليةالمسيحية الموجودة الآن في أوربا وأمريكا أثرها كبير جدا على القرار السياسي الامريكي والاوربي. ومن يدرس المدارس الاصولية المسيحية، ومؤسساتها الاسلامية في أورباوأمريكا، وبنوكها وجامعاتها ومحطاتها التلفزيونية يجد العجب العجاب.
يوجد شخص اسمه جري فالول Falwell، وهو قسّ مسيحي عنده برنامج يبث على 352 محطة تلفزيونيةيوميا. يتحدث عن حق اسرائيل لافي البقاء فقط، بل في السيطرة، وهو قس كبير، وعنده كنائس ومحطات تلفزيونية وشبكات إذاعات. والذين يشاهدون هذا البرنامج في الولايات المتحدةفقط شهريا يبلغون ستة ملايين ونصف المليون مشاهد. والذين يتبرعون له سنويا واحد وعشرون مليون أمريكي مسيحي.
يقول جري فالول ، وهو كما ذكرت أصولي مسيحي: إنأمريكا يجب أن لا تضمن فقط أمن إسرائيل، بل تضمن أيضا توسع اسرائيل.
ويقول : يجب أن تمتد اسرائيل كما هو في العهد القديم من الفرات الى النيل. وأن الانسانالمسيحي المتدين كما يصلي في الكنيسة يجب أن يساعد اسرائيل.
وأنا أريد أن أنبّه قاريء مجلة 'رسالة التقريب' أن يقرأ أطروحة دكتوراه أعدها إماراتي يعمل فيوزارة الخارجية في الامارات وهو الدكتور يوسف الحسن موضوعها: 'البعد الديني للسياسة الامريكية' وهي مطبوعة. ونشرها مركز دراسات الوحدة العربية.
ولو قرأت هذاالكتاب لعرفت أن الاصولية المسيحية متلازمة تارخيا مع
الاصولية اليهودية الصهيونية. وأن الصهيونية يتم الترويج لها حتى في كنائس الغرب. وهذا يرتبط باعتقادهم أنبناء الهيكل في القدس وهدم الاقصى يعجّل من عودة المسيح التي يؤمنون بها. ثم إن من أحرق المسجد الاقصى سنة 69 لم يكن يهوديا، كان مسيحيا أصوليا من استراليا اسمه مايكل روهانعمل مؤتمرا صحفيا قال فيه: أنا أحرقت الاقصى، وأنا أمثل الاصولية المسيحية، ولم يعلق أحد عليه. معنى ذلك أن الاصولية المسيحية رديفة للصهيونية. فالكلام الذييروج له في عالمنا الاسلامي بأن الغرب لا يحفل بالدين، وأن القرار السياسي بعيد عن الدين، هو كلام غير صحيح. ولا أدل على ذلك من موقفهم من البوسنة والهرسك وكوزوفا. موقفهمواضح الانحياز ضد المسلمين. حظروا السلاح عن المسلمين وأباحوه للصرب. ولولا تدخل بعض الدول الاسلامية ومنها الجمهورية الاسلامية في ايران لأُبيد المسلمون. ينبغي إذن أننتنبه لهذا البعد الديني للغرب، فهو لايزال قائما.
الاستراتيجيون الامريكان حين يجلسون حول طاولة واحدة ويخططون لسياسة الولايات المتحدة إزاء المسلمينمثلا، لا يعترفون بنا كشعوب لها دين ولها ثقافة ولها لغة ولها تاريخ، ولها حق في الحياة.. ينظرون الى الكرة الارضية بأنها حزام من النفط وحزام من الخشب وحزام من المطاطوحزام من النحاس وحزام من القصدير.
إقرأ تاريخ الغرب في جنوب أمريكا.. في جمهوريات الموز.. وانظر كم عدد الانقلابات العسكرية التي دبرتها أمريكا في هذهالجمهوريات للسيطرة على محصول الموز. ففي سبيل الموز قمع الناس وفتحت أبواب السجون وأزهقت الارواح.. في سبيل الموز.
هذا الموز الذي نستورده في العالم العربي،يأتينا وهو يحمل كتابة تقول إنه
من كاليفورنيا، بينما هو لم يزرع في كاليفورنيا، بل هو مزروع في تشيلي، أو غواتيمالا.. وفيهما توجد شركة الفواكه الامريكيةالمسيطرة على فاكهة الموز. الموز في هذه الجمهوريات كالنفط لدينا. إنه محصول استراتيجي . فيؤخذ كل هذا المحصول الذي زرعه الفلاح الغواتيمالي، وينقل بالقطارات الىالموانيء، ومنه الى كاليفورنيا، ويلصقون عليه عبارة: انتاج كاليفورنيا، ويصدرونه الينا ويبيعونه بأغلى الاسعار. وهكذا كل المحاصيل الاخرى. حتى التمر يخططون للاستيلاءعليه. هؤلاء ينظرون الى أراضينا وكأنها بلا شعوب .
' يبدو أن بعض الاسباب في وجود هذه الصورة، وبعض الاسباب فيما يقوله الغرب عنّا يعود الى مشاكلقائمة حقيقية في العالم الاسلامي، فما رأيك في ذلك؟
¨ أنا أعتقد أن العالم الاسلامي يعاني من ثلاث مشاكل. المشكلة الاولى: الطغيان السياسي، والثانية: سوءتوزيع الثروة، والثالثة: التحلل الاجتماعي ، ولا أقصد الاخلاقي فحسب، بل أيضا المؤسسي.
أقصد بالطغيان السياسي في تصوري: استئثار القلة بالقرار السياسي، دونأي اعتبار للاكثرية. وهذا موجود عندنا في العالم الاسلامي. عائلة تملك وتحكم وتعدم وتمنح وتمنع. مجموعة ضباط قاموا باستلام الحكم، ولايزالون في الحكم 25، 30 سنة. يهرسون كلالحقوق هرسا، ويدوسون كل البشر دوسا، هذا استئثار بالقرار السياسي.
هذه القضية تنعكس على حقوق الناس، وعلى أمن الناس وعلى مستقبل الناس، وعلى احترام العالمالغربي للاسلام أو عدمه، ولذلك إذا أردنا كأمة أن ننهض بالاسلام ونصحح كثيرا من المفاهيم الخاطئة عن هذه الامة أن نعالج هذا الموضوع.. موضوع الطغيان السياسي. وأن يكونعندنا بديل حضاري
لهذا الطغيان السياسي. يعتني برأي الاكثرية وبحقوق الاكثرية وبذات الاكثرية وبتطلعات الاكثرية.. وفق نظام يحفظ كرامة الاكثرية.
والنقطة الثانية سوء توزيع الثروة، هناك تفاوت في الدخول بين المسلمين رهيب جدا ومخيف. أمير من الامراء يعطي هدية عيد ميلاد ابنه شيكا بمبلغ 500 مليون دولار. هدية عيدالميلاد لابنه البالغ من العمر 14 عاما!! 500 مليون دولار. بينما يوجد في العالم الاسلامي من لايجد مضغة لبن يشربها، أو كسرة خبز يأكلها. هذا وضع مشين، ومخيف، وسيعاقبنا عليهاللّه سبحانه وتعالى. ولذلك لابد أن نفكر بمعيارية جديدة بمسطرة جديدة تعيد النظر في توزيع الثروة التي منحها اللّه إيانا ونحن نفرط بها ونلعب بها ونلهو بها.
هذا الفقر والشظف الذي تعيش فيه غالبية المسلمين سوف يسائلنا اللّه عليه.
أما الانحلال الاجتماعي فمرده الى الاستئثار السياسي وسوء توزيع الثروة، وهذانالعاملان يؤديان الى أن الفرد لا يحسّ بالانتماء الى المؤسسة التي يفترض أن يكون منتميا اليها. لذلك تجد أن الاستاذ الجامعي لا يخلص في عمله، لانه لايجد حقوقه قد استوفيت.الطالب لا يتقن دراسته لانه لايجد أمامه مستقبلا يستثمر جهده الدراسي.. العامل لا يتقن عمله.. المهندس يغشّ في خلط نسب الاسمنت والتراب ومواد البناء.. لانه حتى ولو أتقنعمله فانه لاينال حقوقه.
الطغيان السياسي وسوء توزيع الثروة يؤدي الى التحلل الاجتماعي. البنت إذا أرادت أن تتزوج تنظر الى الرجل الذي في جيبه مزيد من المالوالثروة. هذه المسطرة.. مسطرة المال هي السائدة.. تقول : أريد بيتا فخيما، ومركبا وطيئا وأكلا رهيفا وملبسا ناعما. ولذلك تبحث عن صاحب الفلوس ولو كان لصّا. أتزوج من لص ولكنهثري. هذا هو التحلل الاجتماعي الذي أقصده. اهتراء الثوابت وغيابها وعدم الانتماء للامة والدولة والمؤسسة والجامعة والمهنة.
الطبيب يغش في الدواء وفي التشخيص وفيالعمليات لانه يريد المال.. وهذا ناتج عن سوء توزيع الثروة، وسوء توزيع الثروة يحميه الطغيان السياسي.
ولذلك ما يقوله الغربيون عنا قد يكون بعضه صحيحا. حينيقولون إن حقوق الانسان مهدرة. . نعم.. ونحن ننادي من منطلق اسلامي لا من منطلق غربي بتصحيح ذلك.