مجتمع الانسانی فی القرآن الکریم (2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مجتمع الانسانی فی القرآن الکریم (2) - نسخه متنی

السید محمدباقر الحکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المجتمع الانساني في القرآن الكريم

أ. السيد محمد باقر الحكيم

رئيس المجلس الاعلى للمجمعالعالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية

خلافة آدم والإنسان

تمهيد

( وَإِذْ قالَ رَبّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الاْرْضِخَلِيفَةً قَالُواْ أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَتَعْلَمُونَ * وَعَلّمَ ءَادَمَ الاْ سْمآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَـدِقِينَ*قالُواْ سُبْحَـانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاّ مَا عَلّمْتَنَآ إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يَــَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمّاأَنْبَأَهُمْ بِأَسْمآئِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السّمـوَ تِ وَالأرْض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْقُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَـافِرِينَ * وَقُلْنَا يَــَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَوَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِمِينَ * فَأَزَلّهُمَا الشّيْطانُ عَنْهَافَأَخْرَجَهُمَا مِمّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الاْرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَـعٌ إِلَى حِين * فَتَلَقّى ءَادَمُمِنْ رَبّهِ كَلمَـات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنّكُمْ مِنّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَهُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِـَآيَـتِنَا أُولائِكَ أَصْحَـبُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ )(1).

هذه الآيات العشر تتحدث عن قضية استخلاف الله سبحانه لآدم على الأرض ، وهو استخلاف للنوع الإنساني في الأرض ـ كما سوف نعرف ذلك ـ وقضية الإستخلاف هذه تشتمل علىجانبين وفصلين :

الفصل الأول : يتناول معنى الإستخلاف ، والحكمة ، والعلة فيه ومبرراته ، وهذا الجانب من قصة آدم يشير إليه القرآن الكريم في عدة مواضع ، ولكنأكثرها تفصيلاً ووضوحاً الآيات الأربع الأولى من هذا المقطع الشريف ، وذلك لأن جميع آيات الإستخلاف تتحدث عن هذا الموضوع ـ أيضاً ـ إلا أنها تتحدث عن استخلاف الإنسانعموماً ، مثل قوله تعالى : ( وَهُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْض وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَـات لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ ءَاتَـكُمْ إِنّ رَبّكَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )(2) .

وقوله تعالى : ( هُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْض فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَيَزِيدُ الْكَـفِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِلاّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الْكَـافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاّ خَسَاراً )(3).

وقوله تعالى : ( وَلَقَدْأَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيّنَـتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَالْمُـجْرِمِينَ * ثُمّ جَعَلْنَـاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْض مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )(4) .

وقوله تعالى : ( إِنّا عَرَضْنَا الأمَانَةَعَلَى السّمـاواتِ وَالأرْض وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاْنسَـانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )(5) .

وسوف نلاحظ أن هذه الآيات الكريمة الاُخرى تكمل الصورة في فهم هذه الخلافة ومبرراتها ، التي لا تختص بشخص آدم .

والفصل الثاني : يتناول مسيرة الخلافة من الخلقإلى الأرض ، والعملية التي تم بها انجاز هذا الاستخلاف خارجاً ، وهذا الجانب تحدث عنه القرآن في مواضع متعددة منها ما ورد في هذا المقطع الشريف من سورة البقرة من الآية (30)إلى(39) ، ومنها ما ورد في سورة الأعراف من قوله تعالى : ( وَلَقَدْ مَكّنّـاكُمْ فِي الأرْض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـايِشَ قَلِيلاً مَاتَشْكُرُونَ * وَلَقَدْخَلَقْنَـاكُمْ ثُمّ صَوّرْنَـاكُمْ ثُمّ قُلْنَا لِلْمَلائكَةِ اسْجُدُواْ لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِنَ السّـاجِدِينَ * قالَ مَا مَنَعَكَأَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين * قالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبّرَفِيهَا فَاخْرُجْ إِنّكَ مِنَ الصّـاغِرِينَ * قالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قالَ فَبِمَـآ أَغْوَيْتَنِي لاَقْعُدَنّلَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمّ لاَتِيَنّهُم مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُأَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ * قالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لاَمْلاَنّ جَهَنّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَـاَآدَمُ اسْكُنْأَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَـا وَلاَ تَقْرَبَا هذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظّـالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطَـانُلِيُبْدِيَ لَهُمَا مَاوُرِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقالَ مَا نَهَـاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَـالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النّـاصِحِينَ * فَدَلّـهُمَا بِغُرُور فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَاوَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لَكُمَآ إِنّ الشّيْطَـانَلَكُمَا عَدُوّ مُبِينٌ * قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنْفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ * قالَ اهْبِطُوابَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرْض مُسْتَقَرّ وَمَتَـعٌ إِلَى حِين * قالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ *يَـبَنِيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَـاتِ اللهِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ *يَـبَنِي ءَادَمَ لاَيَفْتِنَنّكُمُ الشّيْطَـانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِنَ الْجَنّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنّهُيَرَ كُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَتَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشّيَـاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ )(6) .

وكذلك ما ورد في سورة طه فيالآية 115 ـ 123 ، وغيرها من الآيات ، ولابد من دراستها بشكل عام .

الفصل الأول

في مبررات الخلافة والحكمة في استخلاف آدم (عليه السلام) :

إنما يعنينا من دراسته في هذا الفصل ، هو الآيات الأربع الأولى من هذا المقطع القرآني الشريف ، والآيات الاُخرى المشابهة السابقة .

والبحث فيها ، وما تضمنته منمعلومات ومفاهيم له عدة جوانب :

الأول : تحديد الموقف العام تجاه دراسة هذه الآيات من هذا المقطع القرآني ، وتصوير ما يعنيه القرآن الكريم منها .

الثاني :تحديد الموقف القرآني والإسلامي تجاه بعض المفاهيم التي جاءت في هذا المقطع ، بالشكل الذي ينسجم مع المسلّمات القرآنية ، والظهور اللفظي لهذا المقطع بالخصوص .

وقد اختص هذان الأمران بهذا المقطع ، لما ذكرناه من وضوحه وتفصيله.

الثالث : بيان الصورة الكاملة حول الاستخلاف ، التي يمكن استفادتها من مجموع الآيات القرآنيةالشريفة المتشابهة .

وفيما يتعلق بالجانب الأول نجد الشيخ محمد عبده تبعاً لبعض الدارسين المتقدمين يذكر رأيين مختلفين بحسب الشكل وان كانا يتفقان في النهاية ،حسب ما يقول :

الرأي الأول : هو الذي سار عليه السلف واختاره الشيخ محمد عبده نفسه أيضاً ، حيث يقول : ' وأما ذلك الحوار في الآيات فهو شأن من شؤون الله مع ملائكته ،صوره لنا في هذه الفصول بالقول والمراجعة والسؤال والجواب ، ونحن لا نعرف حقيقة ذلك القول ، ولكننا نعلم أنّه ليس كما يكون منا ، وان هناك معاني قصدت افادتها بهذهالعبارات ، وهي عبارة عن شأن من شؤونه تعالى قبل خلق آدم وأنّه كان يعد له الكون ، وشأن مع الملائكة يتعلق بخلق نوع الانسان ، وشأن آخر في بيان كرامة هذا النوع وفضله '(7) .

والرأي الثاني : الرأي الذي سار عليه الخلف من المحققين وعلماء الإسلام الذين بذلوا جهدهم في دراسة القرآن والتعرف على مقاصده وتأويله على أساس العقل ، فإذا جزمالعقل بشيء وورد النقل خلافه ، يكون حكم العقل القطعي قرينة على أن النقل لا يراد به ظاهره ، حيث يرون أنّ هذه القصة بمواقفها المختلفة انما جاءت على شكل التمثيل ومحاولةتقريب النشأة الآدمية الانسانية واهميتها وفضيلتها ، وأنّ جميع المواقف والمفاهيم التي جاءت فيها لا يمكن فهم حقيقة المعاني والاهداف التي قصدت منها ، بل يأتينا الله فيذلك ما يقرّب المعاني من عقولنا ومخيلتنا(8) .

فالرأي الأول والثاني وان كانا يلتقيان في حقيقة تنزيه الله سبحانه وتعالى وعالم الغيب عن مشابهة المخلوقات الماديةالمحسوسة في مثل هذه المشاهد والمواقف المختلفة ، وكادا يتفقان ـ أيضاً ـ في الاهداف والغايات العامة المقصودة من هذا المقطع القرآني ، ولكنهما مع ذلك يختلفان فيامكانية تحديد بعض المفاهيم التي وردت في المقطع ، كما سوف يتضح ذلك عند معالجتنا للمقطع القرآني من جانبه الآخر .

وفيما يتعلق بالجانب الثاني نجد السلف انسجاماًمع موقفهم في الجانب الأول يقفون من دراسة المقطع موقفاً سلبياً ، ويكتفون ـ في بعض حالات الانفتاح ـ بذكر الفوائد الدينية التي تترتب على ذكر القرآن لهذا المقطع القرآني( المتشابه ) الذي لا يمكن فهم حقيقة المعاني فيه .

وقد أشار الشيخ محمد عبده إلى بعض هذه الفوائد ، ونكتفي بذكر فائدتين مـنها :

الاُولى : أنّ الله سبحانهوتعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده ان يسألوه عن حكمته في صنعه وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه(9) .

الثانية : أنّ الله سبحانه لطيف بعباده رحيم بهم ، يعمل علىمعالجتهم بوجوه اللطف والرحمة ، فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ويجيبهم عن سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجة بعد ان يرشدهم إلى واجبهم من الخضوع والتسليم : ( ... إِنّيأَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلّمَ ءَادَمَ اْلأَسْماءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ... )(10) .

واما الخلف فقد حاولوا إيضاح المفاهيم التيوردت في هذا المقطع القرآني ليتجلى بذلك معنى استخلاف الله سبحانه وتعالى لآدم .

وعلى أساس منهج الخلف نرى في المقطع القرآني عدة مواضيع للحديث ترتبط بقضيةالاستخلاف ، يحسن بنا الإشارة إليها ، والوقوف عندها ، ثم الحديث عن المعنى العام للمقطع القرآني :

1 ـ الخلافة :

الخليفة بحسب اللغة : من خلف منكان قبله ، وقام مقامه ، وسد مسده ، وتستعمل ـ أيضاً ـ بمعنى النيابة(11) ، ومن هذا المنطلق يطرح هذا السؤال : لماذا سمي آدم خليفة ؟ وما هو المضمون القرآني لهذا اللفظ ؟

توجد هنا عدة مذاهب :

الأول : أنّ آدم سُميّ خليفة لأنّه خلف مخلوقات الله سبحانه في الأرض ، وهذه المخلوقات إما أن تكون ملائكة أو يكونوا من الجن الذينكانوا قد أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء ، كما روي عن ابن عباس ، أو يكونوا آدميين آخرين قبل آدم هذا(12) .

الثاني : أنه سميّ خليفة لانه وأبناءه يخلف بعضهمبعضاً ، فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها البعض الآخر ، وقد نسب هذا المذهب إلى الحسن البصري(13) .

الثالث : أنه سميّ خليفة لانه يخلف الله سبحانه في الأرض .

وفي تفسير هذه الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللغوي تعددت الآراء واختلفت ، ومن أهم هذه الآراء :

أ ـ أنه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق ، لأن اللهقد اعطاه حق القضاء وحل الاختلافات ، وهو المروي عن ابن مسعود(14) .

ب ـ يخلف الله سبحانه في عمارة الارض واستثمارها ، من انبات الزرع ، واخراج الثمار ، وشق الانهار ،وغير ذلك(15) .

ج ـ يخلف الله سبحانه في العلم بالاسماء ، كما ذهب إلى ذلك العلامة الطباطبائي(16) .

د ـ يخلف الله سبحانه في الارض بما نفخ الله فيه من روحهووهبه من قوة غير محدودة ، سواء في قابليتها أو شهواتها أو علومها ، كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد عبده(17) .

ولعل المذهب الثالث من هذه المذاهب الثلاثة ، هو الصحيح ،لظهور النص القرآني فيه ، ولما ذكرته بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الشأن(18) .

ويكون ما ذكر في القول الأول والثاني ، إنّما هو من آثار هذهالخلافة ومترتباتها .

كما يمكن أن ما ذكره الشيخ محمد عبده في القول الرابع هو بيان السر في منح الإنسان هذه الخلافة ، لأنّه يتميز بهذه المواهب والقوىوالقابليات ، ولا يمثل رأياً قبال الآراء الاُخرى في تفسير معنى الخلافة ، وإنّما هو بيان السر والعلة لهذه الخلافة .

وبذلك يمكن أن نجمع بين هذه الأقوال .

2ـ كيف عرف الملائكة أن الخليفة يفسد في الأرض ؟

لقد ذكر المقطع القرآني أن جواب الملائكة على إخبار الله تعالى لهم بجعل آدم خليفة في الأرض ، أنّهمتساءلوا عن سبب اصطفاء هذا المخلوق ، ووصفوه بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، فكيف عرف الملائكة هذه الصفة في هذا الخليفة ؟

وهنا عدة آراء :

الأول : أنالله سبحانه وتعالى أعلمهم بذلك ، لأن الملائكة لايمكن أن يقولوا هذا القول رجماً بالغيب وعملاً بالظن(19) ، فلابد لهم من العلم ; والعلم مصدره هو الله تعالى ، غاية الأمرأن هذا الإعلام لم يذكر في الآيات الشريفة ، وإنّما تم بطريقة ما ، فكأنه تعالى قال : إني جاعل في الأرض خليفة يكون من ولده افساد في الأرض وسفك الدماء .

الثاني :أنهم قاسوا ذلك على المخلوقات التي سبقت هذا الخليفة ـ من الآدميين أو الجن ـ الذي سوف يقوم مقامها ، كما يشير إلى ذلك بعض الروايات والتفاسير ، فعن ابن عباس ، وابن مسعود، وقتادة : إنّما أخبروا بذلك عن ظنهم وتوهمهم لأنّهم رأوا الجن من قبلهم قد افسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فتصوروا أنه إن استخلف غيرهم كانوا مثلهم(20) .

وإلى مثلهذا تشير بعض الروايات ، مثل ما رواه العياشي ، عن الصادق (علي2ه السلام)قال : ' وما علم الملائكة بقولهم : ( أتجعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاءَ )لولا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء '(21) .

الثالث : أنّ طبيعة الخلافة تكشف عن ذلك بناء على الرأي الأول من المذهب الثالث في معنى الخلافة ، حيث أنالفصل والحكم يفترض وجود الاختلاف والنزاع ، ولازمه الفساد في الأرض وسفك الدماء .

الرابع : أنّ طبيعة الخليفة نفسه تقتضي ذلك ، وهنا رأيان :

أ ـ انالمزاج المادي والروحي لهذا المخلوق الذي يريد ان يجعله الله خليفة ، والاساس الاجتماعي للعلاقات الأرضية التي سوف تحصل بين ابناء هذه المخلوقات ، هي التي جعلت الملائكةيعرفون ذلك ، يقول العلامة الطباطبائي ' ان الموجود الأرضي بما انه مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية والدار دار التزاحم محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، مركباتها فيمعرض الإنحلال وإنتظاماتها واصطلاحاتها مظنة الفساد ومصب البطلان ، لا تتم الحياة فيها الا بالحياة النوعية ولا يكمل البقاء فيها الا بالاجتماع والتعاون فلا تخلو منالفساد وسفك الدماء'(22) .

ب ـ ان الارادة الانسانية بما اُعطيت من اختيار يتحكم في توجيهه العقل بمعلوماته الناقصة ، هي التي تؤدي بالإنسان إلى أن يفسد في الأرضويسفك الدماء ، قال محمد عبده : ' اخبر الله الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة ، نفهم من ذلك أنّ الله يودع في فطرة هذا النوع الذي يجعله خليفة أن يكون ذا ارادة مطلقةوأختيار في عمله غير محدود ، وإن الترجيح بين ما يتعارض من الأعمال التي تعن له تكون بحسـب علمه ، وان العلم اذا لم يكن محيطاً بوجوه المصالح والمنافع فقد يوجه الإرادةإلى خلاف المصلحة والحكمة ، وذلك هو الفساد ، وهو معين لازم الوقوع ، لان العلم المحيط لا يكون إلا لله تعالى '(23) .

ويبدو أنّ الرأي الأول هو الصحيح ، حيث إنّهتعالى لا بد وأنّه قد أعلم الملائكة بذلك ، ولو عن طريق إعلامهم بحال وطبيعة هذا المخلوق الذي ينتهي به الحال إلى هذه النتائج .

وأما ما بُيّنَ من هذهالطبيعة فلعل الصحيح هو بيان أمرين :

أحدهما : الخصوصية المادية الغضبية والشهوية ، التي أشار اليها العلامة الطباطبائي وهي الهوى في طبيعة هذا الخليفة .

والآخر : هو أنّ هذا الانسان مريد ومختار يعمل بارادته ، كما ذكر الشيخ محمد عبده ، ويمكن أن نفهم ذلك من قرينة قول الملائكة ( وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُلَكَ ) ، حيث أن هذا التسبيح والتقديس أمر لازم في الملائكة لاينفك عنهم ; لأنّهم غير مختارين ، بل يفعلون ما يأمرون ، بخلافه في الإنسان باعتبار إرادته ، الأمر الذياستدعى التوضيح الالهي ، الذي يشتمل على بيان الخصوصية التي تجعل هذا الموجود مستحقاً لهذه الخلافة وهو العلم .

وقد تحدث القرآن الكريم في وصف الإنسان بكلتاالخصوصيتين والصفتين ، فقد قال تعالى في وصف الإنسان في خصوصيته المادية : ( زُيّنَ لِلنّاسِ حُبّ الشّهَوَاتِ مِنَ النّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَـاطِيرِالْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ وَالاْ نْعَـامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَـعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُالْمَـَآبِ)(24) .

كما تحدث عن اختياره فقال : ( إِنّا خَلَقْنَا الاْنسَـانَ مِن نُطْفَة أَمْشَاج نّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـاهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنّاهَدَيْنَـاهُ السّبِيلَ إِمّا شَاكِراً وَإِمّا كَفُوراً )(25) .

3 ـ الأسماء :

والأسماء من المفاهيم التي وقع الخلاف فيها بين علماء التفسير حولحقيقتها والمراد منها ، والآراء فيها تسير في الاتجاهين التاليين :

الأول : أنّ المراد من الأسماء الألفاظ التي سمّى الله سبحانه بها ما خلقه من أجناس وأنواعالمحدثات وفي جميع اللغات ، وهذا الرأي هو المذهب السائد عند علماء التفسير ، ونسب إلى ابن عباس ، وبعض التابعين(26) .

وينطلق أصحاب هذا المذهب من فكرة أنّ اللهسبحانه كان قد علّم آدم جميع اللغات الرئيسة ; وقد كان ولده على هذه المعرفة ، ثم تشعبت بعد ذلك واختص كل جماعة منهم بلغة غير لغة الجماعة الاُخرى .

الثاني : أنّالمراد من الأسماء : المسميات ، أو صفاتها وخصائصها ، لا الألفاظ ، وحينئذ فنحن بحاجة إلى القرينة القرآنية أو العقلية التي تصرف اللفظ إلى هذا المعنى الذي قد يبدو أنّهيخالف ظاهر الاطلاق القرآني لكلمة ( الأسماء ) الدالة على الالفاظ .

والقرينة الدالة على استعمال لفظ ( الأسماء ) في ( المسميات ) ، يمكن أن نتصورها في الأمورالتالية :

أ ـ كلمة ( علم ) التي تدل على أنّ الله سبحانه منح آدم ( العلم ) وبما ' أن العلم الحقيقي انما هو ادراك المعلومات أنفسها ، لأن الألفاظ الدالة عليها تختلفباختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح فهي تتغير وتختلف ، والعلم الحقيقي بالشيء لايتغير ، وهذا بخلاف المعنى فأنه لا تغيير فيه ولا اختلاف '(27) ، فلابد أن يكونهو المسميات التي هي المعلومات الحقيقية .

ب ـ قضية التحدي المطروحة في الآيات الكريمة ، ذلك أنّ الأسماء حين يقصد منها الألفاظ واللغات ، فهي اذن من الأشياء التيلا يمكن تحصيلها إلا بالتعليم والاكتساب ، فلا يحسن تحدي الملائكة بها ، إذ لا دلالة في تعليمها آدم على وجود موهبة خاصة فيه يتمكن بها من معرفة الأسماء ، بل علمهابالتعليم الذي كان يمكن للملائكة أن يعلموا من خلاله ، وهذا على خلاف ما اذا قلنا : إنّ المقصود منها المسميات ، فانها مما يمكن ادراكه ـ ولو جزئياً ـ عن طريق إعمال العقلالذي يُعدّ موهبة خاصة فيكون لمعرفة آدم بها دلالة على موهبة خاصة منحه الله اياها .

قال الطوسي : ' إنّ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ولا وجه لايثاره الفضيلةبها '(28) .

وقال الرازي : ' وذلك لان العقل لا طريق له إلى معرفة اللغات البتة ، بل ذلك لا يحصل الا بالتعليم ، فان حصل التعليم حصل العلم به والا فلا ، اما العلمبحقائق الأشياء ، فالعقل متمكن من تحصيله فصح وقوع التحدي فيه '(29) .

ج ـ عجز الملائكة عن مواجهة التحدي ، لأن هذه الأسماء لو كانت الفاظاً لتوصل الملائكة إلىمعرفتها بانباء آدم لهم بها ، وهم بذلك يتساوون مع آدم فلا تبقى له مزية وفضيلة عليهم ، فلابد لنا من ان نلتزم بأنّها أشياء تختلف مراتب العلم بها ، الأمر الذي أدى إلى أنيعرفها آدم معرفة خاصة تختلف عن معرفة الملائكة لها حين اخباره لهم بها ، وهذا يدعونا لان نقول إنّها عبارة عن المسميات لا الألفاظ .

قال العلامة الطباطبائي بصددشرح هذه الفكرة : ' أن قوله تعالى : ( ... وَعَلّمَ ءَادَمَ الأَ سْماءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ ... ) ، يشعر بان هذه الأسماء ـ أو ان مسمياتها ـ كانت موجودات احياء عقلاءمحجوبين تحت حجاب الغيب ، وان العلم بأسمائهم كان غير العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء ، والاّ كانت بإنباء آدم إياهم بها عالمين بها وصائرين مثل آدم مساوين معه '(30) .

ولكن ما هي العلاقة المعنوية التي صححت استعمال لفظ ( الأسماء ) مجازاً من ( المسميات ) ؟

وحين يصل اصحاب هذا الاتجاه إلى هذه النقطة نجدهم يحاولون أنْ يتعرفواعلى هذه العلاقة ويذكرون لذلك قرائن متعددة :

1 ـ فالرازي يرى هذه المناسبة والعلاقة في مصدر اشتقاق الاسم ، فان هذا الأشتقاق إما أن يكون من السمة أو السمو ' فانكان من السمة كان الأسم هو العلامة ، وصفات الأشياء خصائصها دالة على ماهياتها ، فصح أن يكون المراد من الأسماء : ( الصفات ) . وإن كان من السمو فكذلك ، لأنّ دليل الشيءكالمرتفع على ذلك الشيء ، فان العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول '(31) ، والصفات تدل على الموصوف ، وهي كالظاهر المرتفع بالنسبة إلى الشيء .

2 ـ والشيخ محمدعبده يرى هذه العلاقة في ' شدة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له وسرعة الانتقال من أحدهما إلى الآخر ' .

3 ـ كما أنّه يرى في ذلك وجهاً آخر ، يكاد يغنيه عن هذهالعلاقة حيث : إنّ الأسم قد يطلق اطلاقاً صحيحاً على صورة المعلوم الذهنية ( اي ما به يعلم الشيء عند العالم ) فأسم الله مثلاً هو ما به عرفناه في أذهاننا لا نفس اللفظ ،بحيث يقال : إننا نؤمن بوجوده ونسند إليه صفاته ، فالأسماء هي ما يعلم بها الأشياء في الصور الذهنية وهي العلوم المطابقة للحقائق الخارجية الموضوعية ، والأسم بهذاالمعنى ، هو الذي جرى الخلاف بين الفلاسفة ، في انه عين المسمى أو غيره ، الأمر الذي يدعونا لأن نقول : إنّ للإسم معنى آخر غير اللفظ ، اذ لا شك بان اللفظ غير المعنى .

والأسم بهذا الاطلاق ـ أيضاً ـ هو الذي يتبارك ويتقدس : ( سبـّحِ اسْمَ رَبّكَ الاْعْلَى )(32) ، اذ لا معنى لان يكون اللفظ هو الذي يتبارك ويتقدس(33) .

كما أنه هوالذي يوصف بالحسنى ( ... لهُ الأسْمآءُ الْحُسْنَى )(34) ، بما يعبر هذا الأسم عن الأوصاف الحسنة .

وهذا هو ما نفهمه ، مما في دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله :' وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء ' ، فأن هذه الأسماء إنّما هي مظاهر الأوصاف الإلهية الحقيقية التي تجلت في كل الوجود ، من القدرة والحكمة والرحمة والجود والكرم... الخ .

فتعليم آدم الأسماء كلها ، هو تعليمه الصفات والخصائص التي تتصف بها الأشياء .

ماهي حقيقة هذه الأسماء ؟

وبعد هذا كله نجدهم يختلفون في حقيقة هذهالمسميات والمراد منها في الآية الكريمة .

وهناك اتجاهان رئيسيان يطرحان في هذا المجال :

الأول : إن هذه المسميات موجودات أحياء عقلاء وهي إما :

أـ عبارة عن أسماء العناصر والذوات الانسانية الموجودة في سلسلة امتداد الجنس البشري من الأنبياء والربانيين والأحبار الذين جعلهم الله تعالى شهوداً على البشريةوالانسانية ، واستحفظهم الله تعالى على كتبه ورسالاته ( إِنّآ أَنْزَلْنَا التّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُواْ للذِينَهَادُوا وَالرّبّـانِيّونَ وَالاْ حْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَـابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ... )(35) ، ويكون وجود هذا الخط الإنساني الإلهيالكامل ، هو الضمان الذي أعده الله تعالى لهداية البشرية والسيطرة على الهوى ، وتوجيه الإرادة نحو الخير والصلاح والكمال .

وقد ورد هذا الإتجاه في روايات أهلالبيت (عليهم السلام) ، فعن الصادق (عليه السلام) : 'إن الله تبارك وتعالى علم آدم (عليه السلام) اسماء حجج الله كلها ثم عرضهم ـ وهم أرواح ـ على الملائكة ( فقالَأَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَـادِقِينَ ) ، بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم (عليه السلام) ( قالوا سبحـانَكَ لاَ عِلْمَلَنَآ إِلاّ مَا عَلّمْتَنَآ إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )قال الله تبارك وتعالى : ( يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمّآ أَنْبَأَهُمْبِأَسْمآئِهِمْ ) ، وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته '(36) .

فكأنه اُريد بهذا التعليمبيان الخلفاء الحقيقيين والذوات الطاهرة النقية من عباد الله الصالحين ، الذين أستحق بهم الجنس البشري صلاحية الخلافة على الأرض ، باعتبارهم المسبحين المقدسين لله معالإرادة والعلم ، وبذلك يفضلون على الملائكة .

ويكون العلم بهذه الأسماء معناه تحقق وجودها في الخارج باعتبار مطابقة العلم للمعلوم ، وتعليم آدم الأسماء إنّماهو اخباره بوجودها ، أو إداعها في صلبه .

أو يكون العلم بالأسماء معناه إيداع هذه الكمالات التي يتصف بها هؤلاء المخلوقون في خلقته وتأهيله للوصول إليها بإرادته، وهي صفات وكمالات تمثل نفحة من الصفات والكمالات الإلهية ، ولاسيما إذا أخذنـا بنظر الاعتبار أنّ كلمة الأسماء في القرآن الكريم تطلق على الصفات الإلهية بنحو منالاطلاق .

وقد مال أستاذنا الشهيد الصدر (قدس سره) إلى هذا الرأي ، حيث أفترض بأن الملائكة حين أخبرهم الله تعالى بإرادته في أن يجعل آدم خليفة في الأرض ، ثارت فينفوسهم مخاوف أن يفسد هذا الخليفة الذي يتمتع بالإرادة والأختيار ، وعندما أخبرهم الله تعالى بوجود الأنبياء والأولياء والأوصياء ، أي بوجود هذا الخط الذي يعبر عنه بخطالشهادة الذي يكون مقتضاه شهادة أصحاب هذا الخط على الناس والنظارة على حركتهم وتعليمهم وهدايتهم ، وحينئذ استقرت نفوس الملائكة ، وذهبت عنهم الحيرة والخوف بعد معرفتهملهذه الحقيقة(37) .

ب ـ أو هي أسماء ذرية آدم وأسماء الملائكة ، كما ورد ذلك عن الربيع بن زيد(38) .

ج ـ ويرى العلامة الطباطبائي أنها موجودات عاقلة لها مراتبمن الوجود ، ويمكن من خلال العلم بها أن يسير الأنسان في طريق التكامل .

وكأن أصحاب هذا الاتجاه أستفادوا ثبوت الحياة والعقل ، لهذه الموجودات من قوله تعالى : ( ...ثمّ عَرَضَهُمْ ... ) ، حيث استخدم ضمير الجماعة المختص بمن يعقل(39) .

ولكن الشيخ الطوسي يناقش فكرة الإعتماد على الضمير بقوله : ( وهذا غلط لما بيناه من التغليبللعاقل على غيره وحسنه ، كما قال تعالى : ' وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّة مّن مّآء فَمِنْهُم مّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِوَمِنْهُم مّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَع ... '(40) ، فحينما يكون المورد شاملاً للعقلاء وغيرهم يغلّب ضمير العقلاء .

الثاني : أن هذه المسميات تعني الحقائق والأشياء فيهذا الكون وما يتعلق بعمارة الدين والدنيا من غير تحديد ولا تعيين .

وقد تبنى هذا الإتجاه عدد كبير من المفسرين ، وهو الظاهر من كلام الشيخ الطوسي(41) ، والرازي(42) ،في تفسيرهما ، والشيخ محمد عبده(43) ، وحكاه الطبرسي(44) ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعن أكثر المتأخرين .

وهذا الإتجاه مروي عن أهل البيت (عليهم السلام)أيضاً ، فقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمي ، عن الصادق (عليه السلام) ، في تفسير قوله : ( وَعَلّمَ ءَادَمَ الاسْمآءَ كُلّهَا ... ) ، قال : ' أسماء الجبال والبحاروالأودية والنبات والحيوان '(45) .

وفي مجمع البيان عن الصادق (عليه السلام) ـ أيضاً ـ أنه سئل عن هذه الآية فقال : ' الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلىبساط تحته فقال : وهذا البساط مما علمه '(46) .

وفي تفسير العياشي ، عن ابي عبد الله (عليه السلام) سألته عن قول الله : ( وَعَلّمَ ءَادَمَ الاسْمآءَ كُلّهَا ... )ماذاعلمه ؟ قال : ' الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال : وهذا البساط مما علمه '(47) .

وهذا الرأي هو الصحيح لما عرفت من عدم اختصاص المسمياتبالوجودات العاقلة بدعوى قرينة ( ضمير الجمع للعاقل ) المدفوعة ، كما أنه الرأي الذي ينسجم مع واقع الإنسان من ناحية ، لأن الله تعالى اعطى الإنسان قدرة الإدراك وموهبةالعلم بالحقائق ، ولم يجعل ذلك مختصاً بالعقلاء من الموجودات ، بل هي شاملة وغير محدودة وقابلة للنمو والتطور ، وبذلك أمتاز الإنسان على الملائكة .



1- البقرة : 30 ـ 39 .

2- الأنعام : 165 .

3- فاطر : 39 .

4- يونس : 13 ـ 14 .

5- الأحزاب : 72 .

6- الأعراف : 10 ـ 27 .

7-المنار 1 : 254 .

8- المصدر السابق : 255 .

9- وهذا يعني توجيه الإنسان للبحث والتدبر في خلق الإنسان والكون .

10- البقرة : 30 ـ 31 ، المنار 1 : 254 ـ 255 .

11- مفردات الراغب : 156 ـ 157 ، مادة ( خلف ) .

12- التبيان للطوسي 1 : 131 .

13- المصدر السابق .

14- المصدر السابق .

15- المصدر السابق .

16-الميزان 1 : 118 .

17- المنار 1 : 260 .

18- تفسير القمي 1 : 36 ـ 37 ، فقد روى جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر(عليه السلام) ، عن آبائه(عليهم السلام) ، عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) : ' إنّ الله تبارك وتعالى لما أحبّ أن يخلق خلقاً بيده .. قال : إني جاعل في الأرض خليفة لي عليهم ، فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي ... ' ، وكذلك فيعلل الشرائع 1 : 129 ، حديث : 1 ، وعنه تفسير نور الثقلين 1 : 51 ـ 52 ، حديث :80 .

19- التبيان 1 : 132 .

20- المصدر السابق .

21- تفسير العياشي 1 : 29 ، وعنه البحار 11 : 117 ، حديث : 47 .

22- الميزان 1 : 115 و 119 ، والتفسير الكبير 1 : 121 .

23- المنار 1 : 256 .

24- آل عمران : 14 .

25- الإنسان : 2 ـ 3 .

26- التبيان 1 : 138 .

27- المنار 1 : 262 .

28- التبيان 1 : 138 .

29- التفسير الكبير 2 : 176 .

30- الميزان 1 : 117 .

31- المصدر السابق : الموضوع نفسه .

32- الأعلى :1 .

33- المنار 1 : 262.

34- طه : 8 .

35- المائدة : 44 .

36- كمال الدين للصدوق 1 : 25 ، رواه بطريقين ضعيفين ، ط الاعلمي .

37- خلافة الإنسان وشهادةالأنبياء :

38- التبيان للطوسي 1 : 138 .

39- الميزان 1 : 117 .

40- النور : 45 ، التبيان للطوسي 1 : 138 .

41- المصدر السابق .

42- التفسير الكبير 3 : 176 .

43- المنار 1 : 262 .

44- مجمع البيان 1 : 152 ، ط الاعلمي .

45- تفسير القمي 1 : 56 .

46- مجمع البيان 1 : 152 .

47- العياشي 1 : 51 .


/ 1