دکتور حسین علی محفوظ و نظریة التقریب بین المذاهب الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دکتور حسین علی محفوظ و نظریة التقریب بین المذاهب الاسلامیة - نسخه متنی

جودت القزوینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الدكتور حسين علي محفوظ ونظرية التقريب بين المذاهب الاسلامية

أ.د. جودتالقزويني

كاتب من العراق

هذه ورقة قدّمها العلامة الدكتور حسين علي محفوظ صيف عام 1402هـ/ 1982م إلى الملتقى السادس عشر للفكر الإسلامي في مدينةتلمسان بالجزائر، وهي بعنوان «جوانب منسية في دراسة السنة النبوية»، وقد جعلها بمثابة التتمة لمؤلفات كثيرة كتبت للتعريف بعلماء الحديث والمؤلفين فيه، والمصادروالأصول الحديثية.

وقد اختار نموذجين من هذه الكتب الوافرة وهما كتاب (الرسالة المستطرفة) للسيد محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة 1345هـ / 1927م، و(فهرس الفهارسوالأثبات) للسيد محمد عبد الحي الحسني الأدريسي، المحدّث المغربي المتوفى سنة 1382هـ / 1962م.

وكان الدكتور محفوظ يقصد سدّ الفراغ الذي لم تتوفر عليه أقلام هذهالمؤلفات في دراسة تاريخ علم الحديث الإمامي، والتعريف بالمصادر الحديثيّة، والأصول عند الشيعة الإمامية.

وكان في الوقت نفسه يسعى إلى تشكيل منظومة توحيديةتكون

مدخلا لحل أزمة الاختلافات بين المذاهب والفرق الإسلامية ولكن عن طريق علم الحديث، وتحمل الإجازة هذه المرة.

الدكتور حسين علي محفوظ منأشهر علماء العراق المعاصرين، مؤلّف موسوعي، كَتـَب في التاريخ، والأدب، والأنساب، واللغة، وفقه اللغة المقارن، وله الصدارة في علم الرواية وإجازة نقل الحديث بينمحدّثي العصر، كما أن له آراء ومقترحات في كثير من المسائل المتعلقة بشؤون الثقافة العامة كآرائه بقدم الخط العربي، وأنّه مشتق من خط عربي أقدم، وإشارة الألفاظ الى قدمدلالاتها ومعانيها، ورأيه حول دور العروض العربي في ظهور العروض في الآداب الشرقية، كما أنّ له ملاحظات معتبرة في التقاويم الإسلامية، وعلم الفلك، وفقه اللغة المقارن.

والدكتور حسين محفوظ هو إبن الشيخ علي ابن الشيخ محمد جواد بن الشيخ موسى بن الشيخ حسين بن علي بن محمد آل محفوظ الوشاحي الأسدي.

ينتهي نسبه إلى شمس الدينمحفوظ بن وشاح بن محمد المتوفى سنة 690هـ / 1291م من بيت أبي العز الأسدي الحلّي(1).

ولد بالكاظمية يوم الاثنين 20 شوال سنة 1344هـ ، الموافق 3 أيار 1926م. وتعلّم في مدارسالكاظمية وبغداد. ثم تخرّج بدار المعلمين العالية ببغداد، وحصل ليسانس الآداب في اللغة العربية صيف سنة 1367هـ / 1948م، بدرجة الامتياز. وقد نال دكتوراه الدولة في الآدابالشرقية (الأدب المقارن)، خريف سنة 1374هـ / 1955م.

توفي والده، وهو طفل، وحرم ظل الأبوة وهو صبي. وقد رعاه عمه

(179)

محمد محفوظ واعتنى بتنشئته وتربيته،وكانت أمة، وأهل بيته، ومكتبة عمه المدرسة الأولى التي تعلم منها، واطلع على التراث. كما كانت لمجالس العلم ومواسم الأدب، وصحبة العلماء بالكاظمية الأثر البالغ فينشأته، واتجاهه إلى طريق العلم والتحقيق والأدب، والولع بالتراث.

جمع الدكتور محفوظ الدراستين القديمة والحديثة. وأطلع على أصول التاريخ والأدب والثقافة فيبيته، وتتلمذ على أفاضل أسرته، وقرأ مقدمات المنطق والأصول على العلماء من أهله، وطالع شيئا من كتب الأدب واللغة والبلاغة والتفسير والتجويد، وعلوم القرآن، وعلومالحديث، والفقه، والعربية، والفلسفة، والحساب والفلك، والطب، والأخلاق، والآداب، وبعض العلوم، والمعارف القديمة والحديثة في خزائن والده، وعمه، وأقاربه.

وروىالحديث إجازة وتدبيجا، وسماعاً، وقراءة عن جماعة من علماء الأمة ومشايخ المحدثين أنافت عدتهم على السبعين في المشرق والمغرب. وروى قراءة عاصم من مشيخة القراءة والإجازة،ولاسيّما شيخ القرّاء بالموصل.

عين مدرساً في دار المعلمين العالية ببغداد سنة 1956م. ومفتشاً إختصاصياً للغة العربية في وزارة المعارف حتى 1378هـ / 1959م ثم انتقل إلىكلية الآداب بجامعة بغداد.

ودرّس اللغة العربية وآدابها في الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورغ منذ سنة 1380هـ / 1961م حتى سنة 1383هـ / 1963م. وحاز على لقب أستاذ المستشرقين،كما منح منشور التقدير الذي وقعّه الأستاذة والمدرّسون في قسم اللغة العربية.

(180)

أسّس قسم الدراسات الشرقية في كلية الآداب بجامعة بغداد سنة 1389هـ/ 1969م،ورأسه حتى سنة 1393هـ / 1973م. ثم بقي أستاذاً للدراسات الشرقية في جامعة بغداد.

نشر أكثر من أربعمائة أثر بين كتاب، ورسالة، ودراسة، وبحث، ومقالة، ونصّ، تأليفاوتحقيقا في مختلف حقول العلم والأدب واللغة والثقافة والمعرفة والفن مضافاً إلى مئات النقول عنه في المصادر والمراجع والأبحاث والدراسات والموسوعات. ولـه في خدمةالتراث العربي والإسلامي وتحقيقه والتعريف به وفهرسته وإحيائه ونشره ماينيف على مائتي أثر.

وقد أنجزَ العديد من الدراسات التراثية في مختلف الموضوعات، منها:محو الأمية، العمارة، الفلك، التقويم، الطفل، التعليم، الزراعة، الطب، الكيمياء، الجواهر، النقود، الأوزان والمقادير والمقاييس والمكاييل، والمصطلحات والمعرَّبات ،علم الوثقائق والخط، تقسيم العلوم، المكتبة، الأخلاق، المرأة، الحرب، الفولكلور، والعرب والعربية خارج الوطن العربي.

كما جمع سنة 1395هـ / 1975م ضوابط علمالمخطوطات، وقواعده، ومسائله، ومصطلحاته وتعريفاته. وألف مصطلحات المخطوطات، ومصطلحات المكتبة العربية.

وفي سنة 1401هـ / 1981م وضعَ (نظرية التأصيل)، في تأصيلالتراث العربي والإسلامي، بأسلوب منهجي، وابتكر (دائرة التأصيل) للتطبيق والايضاح.

إبتكر (دائرة الأهلة) سنة 1398هـ / 1978م، و(دائرة التقويم)، و(تقويم القرن الخامسعشر الهجري) في سنة 1399هـ / 1979م. وأردفها بابتكار (أوائل

(181)

الشهور الاثني عشر في القرن الخامس عشر) في سنة 1981م.

وقد تتبع المصادر الشرقية للدراسةالعربية وأحصاها وصنّفها وحلّلها، وعرّف بها واهتم بالتراجم الباقية عن المؤلفات العربية الضائعة. ودرس أثر اللغة العربية في اللغات الشرقية، وبعض اللغات الأفريقيةوالأوروبية. واستقصى فضل العرب والعربية والأدب العربي على اللغات والشعوب الشرقية ولاسيّما اللغات الأربعة الرئيسية المعروفة. وبين أنّ نسبة الألفاظ العربية في اللغةالأوردية هي (95،41%)، وفي اللغة التاجيكية (39،46%)، وفي اللغة التركية (70،49%)، وفي اللغة الفارسية (67،60%).

وأحصى الألفاظ العربية في الآثار الباقية من نتاج (134* شاعراً،و(160) كاتباً ومؤلفا في اللغات الشرقية، ووحّد نسبها المئوية، وهي تبلغ أحياناً (52%) من الشعر، و(70%) من النثر.

ألّف عدّة معاجم منها (معجم الآلات والأدوات)، و(معجمالعلامات والرموز)، و(معجم الأضداد)، و(معجم الألوان)، و(مصطلحات النقود)، و(معجم المترادفات)، و(قاموس التراث).

كما إهتم بدراسة تواريخ البلدان العربيةوالاسلامية المهمة لاسيما المدن التسعة المشهورة. وجمع النصوص المتعلّقة ببعضها في المراجع العربية ورتّبها على القرون والسنين والمصادر. وقد طبعت في سبعة مجلدات من(موسوعة العتبات المقدسة) بين سنة 1965 و1967م.

واهتم بالتراجم والطبقات والوفيات والإجازات والرجال وضبط وفيات المشاهير. واقترح تأليف (تقويم الخالدين) سنة 1960ملتكريم العلماء، والأدباء والنوابغ والمشاهير والأعلام قديماً وحديثاً، وإحياء ذكراهم

(182)

وآثارهم، وكان قد اقترح منذ سنة 1950 إحياء الذكرى الالفية،والمئوية، والألماسية، والذهبية، والفضيّة، والعشرية للأعلام والمشاهير والمدن والحوادث.

ومن أعماله المهمة: إضافة كبيسة واحدة في الدور الرابع والثمانين منأدوار الكبائس، وقد قرّر كبس سنة 2505هـ . وهي الكبيسة «المحفوظية» نسبة إليه. و(التقويم المقارن)، و(الدلائل الأدبية على قدمية الخط العربي). وقد حقّق أنّ الخط العربي هو خطسدس لغات العالم الراقية تقريباً. وله (الوفاق بين المذاهب الإسلامية) بَيّنَ فيه دلائل الوفاق في مسائل الخلاف، وأثبت أن نسبة الخلاف لا تزيد على (6%) من مسائل الخلاف لامن مجموع مسائل الفقه، وكتب الرسالة الفلسفية (من أجل الإنسان) سنة 1959م.

ومن أعماله أيضا، دراسة إحصاء المسلمين، وتراث المقادسة، وسجل الأيام والوقائع والحروب،وتقويم حياة النبي(ص) من الولادة حتى الوفاة، وإحصاء أحاديث الأخلاق في السنة واستخراج المقاييس الإنسانية في التراث العربي والإسلامي، ورسالة العرب، واللغة العربيةوبراءتها من النقص، وجوانب منسية في دراسة السنة النبوية.

نال وسام (الثناء) في الثقافة سنة 1376هـ / 1957م، و(وسام إقبال الذهبي) سنة 1398هـ / 1978م. وفاز كتابه (المتنبيوسعدي) بجائزة (أحسن كتب العام) سنة 1377هـ / 1958م، ورشَّحته جامعة بغداد، وكلية الآداب لعدة جوائز علمية وعالمية.

يبدأ عمله المجمعي في الخمسينيات فقد انتخب عضواباللجنة الأدبية في بعض المجامع العلمية في الشرق سنة 1371هـ / 1952م، وفي الجمعية

(183)

مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1375هـ / 1956م، والمجمع العلمي الهندي فيعليگرة سنة 1396هـ / 1976م.

وهو أول عضو في اللجنة الثقافية باللجنة الوطنية العراقية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري (1979 - 1982) ومن أعضاء المجلس الإسلاميالأعلى المؤسسين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ببغداد سنة 1401هـ / 1981م، وعضو لجنة التقويم الهجري الموحّد سنة 1402هـ / 1982م.

شارك ومثّل العراق في عشراتالمؤتمرات العالمية والاستشراقية، والندوات والمجالس العلمية، والحلقات الدراسية، والمهرجانات الأدبية، بالعراق والبلاد العربية والأجنبية، منذ سنة 1373هـ / 1954م.

من مؤلفات الدكتور حسين علي محفوظ ومحققاته ودراساته

1ـ أمّهات النبي(ص)، ابن حبيب - 1952.

2- رسالة الفراسة لابن الخوام البغدادي - 1954.

3- شرحعينيّة ابن سينا للسيد نعمة الله الجزائري - 1954.

4- المنتخب من أدب البحرين - 1954.

5- سيرة الكليني - 1955.

6- رسالة في الهداية والضلالة للصاحب بن عباد -1955.

7- رسالة في تحقيق لفظ الزنديق لابن كمال باشا - 1956، و1962.

8- المتنبي وسعدي - (مجلدان) - 1957.

9- أربعون حديثاً للشيخ حسين عبد الصمد الحارثي - 1957.

10- صحيفة الرضا (ع) من الأحاديث النبوية - 1957، و1971.

(184)

11- ديوان ابن سينا - 1957.

12- فتيا فقيه العرب لابن فارس - 1958.

13- فضولي البغدادي - 1959.

14- عراقيات الكاظمي - 1960.

15- ابن الكوفي - 1961.

16- كتاب الأدوار في معرفة النغم والأدوار لصفي الدين الأموي - 1961.

17- حمزة بن الحسن الأصفهانيسيرته وآثاره - 1962.

18- سعدي خريج بغداد في العصر العباسي الأخير - 1963.

19- آراء حمزة بن الحسن الأصفهاني في اللغة والتاريخ والبلدان - 1964.

20- معجمالموسيقى العربية - 1964.

21- العلاقات والرموز عند المؤلفين العرب قديماً وحديثاً - 1964.

22- الشيخ محمد عياد الطنطاوي - 1964.

23- أثر اللغة العربية فياللغة التاجيكية - 1964 و1965 و1982.

24- الورقات في أصول الفقه لإمام الحرمين الجويني - 1970.

25- الحدود والحقائق للبريدي الآبي - 1970.

26- مختار ديوان ابنالخيمي - 1970.

27- قواعد الفارسية (بالاشتراك مع د. زهتابي) - 1972.

28- شعر جلال الدين الدواني - 1972.

29- نظرة في تراث البحرين - 1972.

30- معجم الأضداد -1973.

31- مختصر معجم الأضداد - 1973 .

(185)

32- الصنعاني - 1974.

33- أثر اللغة العربية في اللغة الفاسية - 1974 و1982.

34- آثار جيش التفليسي - 1975.

35- تأثير اللغة العربية في اللغة التركية - 1975.

36- الفارابي في المراجع العربية - 1975.

37- مؤلفات الفارابي (بالاشتراك مع د. جعفر آل ياسين) - 1975.

38-العناصر العربية في حياة الفارابي وثقافته ونتاجه - 1975 و1979.

39- علم المخطوطات - 1976.

40- مصادقة الاخوان لابن بابويه - 1976.

41- أثر اللغة العربية فياللغة الأوردية - 1977.

42- دوائر المعارف والموسوعات العربية - 1977.

43- قاموس الموسيقى العربية - 1977.

44- نظرة في تراث إقبال - 1977.

45- فهرس مخطوطاتكلية الآداب (بالاشتراك مع الدكتورة نبيلة عبد المنعم داود) - 1977.

46- مصادر دراسة تراث البحرين - 1977.

47- تقريب العامية من الفصحى - 1978.

48- نظرة فيتاريخ البحث والتأليف والاستشراق - 1978.

49- تأثير المتنبي في الأدب الفارسي - 1978 و1979.

50- نظرات متفرقة في حياة الصافي وتراثه وأدبه - 1978.

51- طرائف منسيرة الحبوبي وأدبه - 1978.

(186)

52- الاسطرلاب العربي - 1978.

53- سعة اللغة العربية وغناها وأصالتها - 1979.

54- ذكرى الزيتونة - 1979.

55- نثرالفارابي - 1980.

56- التخريج في التحقيق - 1980.

57- فصول في علم المخطوطات - 1980.

58- المصطلحات المعمارية في التراث العربي - 1980.

59- المصطلحاتالموسيقية في التراث العربي - 1980 و1983.

60- مشروع أسس تحقيق التراث العربي ومناهجه - 1980.

61 - أثر اللغة العربية في الشعوب الشرقية - 1981.

62- أبناء الأثيرفي المراجع العربية - 1982.

63- دراسة مظاهر تأثير اللغة العربية في اللغة الفارسية - 1982.

64- الطفل في التراث العربي - 1982.

65- قواعد التحقيق واصولهوضوابطه - 1983.

66- مشروع تحقيق ذخائر التراث - 1983.

67- صورة الاستاذ في التراث - 1983.

68- خمسة عشر قرناً من تاريخ التراث العربي في البحرين - 1983.

إهتمامه بدراسة الاختلاف بين الفرق والمذاهب الإسلامية

وقد كتب مقالات وفيرة عالج فيها مختلف شؤون المعرفة الإنسانية، وخصّ الإختلاف والإتفاق بين المذاهببكتابات لها اهميّتها في هذا المجال.

(187)

وتـُعتبر مقالته الوفاق بين المذاهب الإسلامية (حقائق الوفاق في ظواهر الخلاف) إحدى الجهود الساعية إلى تشخيصموارد الإختلاف، وردم الهوّة بين أصحاب الدين الواحد الذين تفرّقت بهم السبل، وساقتهم إلى القطيعة.

وقد أثبت آراءه وتصوراته بما كتبه عن مصادر الحديث عندالإمامية موضحاً أطروحته التوحيدية التي تسهم من خلال علم الحديث في جمع علماء الأمة الإسلامية على تصوّر منهج يعتمد الرواية وإجازة نقل الحديث إطاراً جامعاً وموحّداً.

إتجاهات التقريب بين المذاهب الإسلامية

شغلت مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية أذهان الساعين إلى الإصلاح بين أبناء الدين الواحد الذين أبعدتهماجتهاداتهم النظرية وممارساتهم السياسية عن بعضهم الآخر. فبمقدار المحاولات الداعية إلى النفرة والاختلاف في مؤلفات المتقدمين أو المتأخرين على حدّ سواء وجدت محاولاتالإلفة والتقارب، وإن أخذت أشكالاً متعددة إلا أنّها تقوم على التقارب القائم على منطق الجدل والحوار الذي يتلخّص بمحاولة دراسة أسباب الاختلاف، ووضع الأصول المشتركةللإتفاق للوصول إلى نتائج تجمع الأطراف على قبولها.

ولا يعني أن تكون النتائج هذه من المسلمات لدى الأطراف المتنازعة وإنّما يمكن أن تكون خلاصة لما تهدف إليه هذهالاتجاهات، حسبما يراها أصحابها. ويمكن أن تصنف على هذه الشاكلة:

1ـ الإتجاه السياسي. حيث أنّ الجدل الطائفي يقوم بالأساس على عوامل

الاختلافالخارجي (الواقع) الذي يقود إلى تفسير النصوص (النظرية) حسبما يقتضي هذا الواقع تفسيرها. وليست هناك مشكلة أكبر من مشكلة السياسة والتنافس في الادارة والسلطة. فقد تلازمالجدل الطائفي بالاختلاف السياسي، كما ترافق التسامح الطائفي بحالة الهدنة السياسية خصوصاً بين الدول، ومراكز القرار.

وقد انعكست مظاهر هذا الإتجاه، علىالمستوى الرسمي بمبادرة السلطان نادر شاه الأفشاري (قتل سنة 1160هـ / 1747م) لحل الخلاف السياسي بين دولته إيران، والدولة العثمانية باللجوء إلى مدينة النجف الأشرف، عاصمةالعلم الشيعية، وعقد مؤتمر كبير سنة 1156هـ / 1743م جمع فيه علماء الشيعة الذين استقدمهم من بلاده إلى العراق، وعلماء السنة الذين رشحتهم السلطة العثمانية للمساههمة في هذاالمؤتمر، وإنجاحه.

وبغض النظر عن النتائج التي توصل لها المؤتمرون أولا، وعدم استمرار تحقق نجاح مثل هذه المبادرات الرسمية، فإنّ هذه المحاولة بحد ذاتها تكشفبعمق أن العامل الطائفي هو من أفتك الأسلحة التي تساعد على إذكاء المبررات الطائفية في تعبئة الأطراف للتوصل إلى مقاصد بعيدة في السلطة والحكم وتغيير الأنظمة والحكام.

2- الاتجاه القائم على التسامح الروحي. وقد ظهر من خلال التشكيلة التي حاول بعض أصحاب الطرق الصوفية من خلالها توحيد الفرق الإسلامية بالاعتماد على التسامحالروحي، والتعالي على التصنيف العقائدي القائم على التعصب.

ومن شروط أرباب هذه الطرق الاجتماع على محبة آل البيت، واتخاذ

(189)

شخصيّة الإمام عليبن ابي طالب(ع) مثالاً يحتذى به مقدّماً على الخلفاء الراشدين الثلاثة باعتبار سند حديث الغدير الذي يقرّون دلالاته، مضافاً إلى جامعيته للحقائق الثلاثة، الخلافة،والوراثة، والولاية.

كما أدانوا في الوقت نفسه التعرّض إلى الصحابة، أو الإنتقاص منهم، والتجرّؤ عليهم بأيّ شكل من أشكال الانتقاد.

3- الإتجاه القائم علىالحوار. ويُراد به التقارب القائم على الحوار الشخصي الذي يعتبر من أهم مظاهر تسوية النزاع القائم على الاختلاف العقائدي بين الفرق والملل والنحل.

وغالباً تكوندوافع هذا الحوار مدعاة لوضع حلول يتـّفق عليها الطرفان هي بمثابة قواسم مشتركة بينهما.

ومن مظاهر هذا التقارب المراسلات الشخصية التي دارت بين عالم سنّي بغداديهو الشيخ إبراهيم الراوي المتوفى سنة 1365هـ / 1946م، وبين السيد محمد مهدي السبزواري أحد شباب الروحانيين الشيعة المتوفى بإيران شاباً سنة 1350هـ / 1931م. أي بعد نشر هذا الحواربأقلّ من عام واحد.

كان المحفّز لهذا الحوار تقهقهر الدولة العثمانية بعد سقوط البلدان الإسلامية بيد القوات الإنكليزية بعد الحرب العالمية الأولى. وكان يهدفبمجمله - من خلال الدعوة لتسوية الخلافات الطائفية بين المذاهب الإسلامية، إلى عودة الخلافة الإسلامية، وتصدرها للحكم مرّة أخرى.

وقد أعدَّ الراوي بعض نصوصالرسائل المتبادلة بينه، وبين السبزواري، والتي تمثـّل حصيلة جهود سنتين كاملتين من المكاتبة، ومواصلة الحوار - في كتيّب نشره ببغداد سنة 1349هـ / 1930م بعنوان «داعي الرشادإلى

(190)

سبيل الاتحاد».

وتعتبر هذه الرسائل من الحوارات الساعية إلى تسوية النزاعات الطائفية المتنازع حولها تاريخيّا، وإعادة قراءة تفسيرالنصوص التي انبثقت عنها.

وجديّة (داعي الرشاد) انّه كتاب حوار مفتوح لا يتبنّى تفسيراً احادياً للأحداث، بل يترك الباب مفتوحاً للرأي والرأي الآخر، بخلاف غيرهمن المؤلفات الداعية إلى تسوية الخلاف الطائفي بالرجوع إلى رؤية واحدة يجهد صاحبها للبرهان على أحقيتها دون غيرها من المناهج والرؤى، كما يتجلّى ذلك بمحاولة الإمامالسيد عبد الحسين شرف الدين الذي الّف مطارحاته مع شيخ الأزهر الإمام سليم البشري (ت: 1335هـ / 1916م) في كتاب شهير طبع باسم «المراجعات» أوّل مرة بمدينة صيدا سنة 1355هـ / 1936م،وزادت طبعاته على الخمسين.

والسبب في اختلاف المحاولتين أن المراجعات بين شرف الدين والبشري كانت قد بدأت في ظلّ سيطرة الدولة العثمانية عندما حلّ شرف الدينبمصر عام 1329هـ / 1911م. لذا فإن همّ المتحاورين كان منصبا على الجدل الطائفي، ومناقشة حوادث التأريخ لإثبات ما علق بها من خطأ، وما بقي فيها من نصاعة لغرض رفضها أو قبولها.

أمّا مطارحات داعي الرشاد فقد انبثقت كردّة فعل لسقوط الخلافة الإسلامية، وان كانت المبادرة بحدّ ذاتها شخصيّة بحتة.

وقد امتازت هذه المحاولة بالنضجوالموضوعية والصراحة في تشخيص الأوضاع ونقدها، والخروج بنتائج هي في تصور المتحاورين يمكن أن تكون طريقا لإنهاء الصراعات المبنية على التعصب الطائفي.

(191)

وكان الطرفان الراوي والسبزواري قد تبادلا مؤلفات كل منهما، وأبديا ملاحظاتهما عليها مدحا وثناء، أو قدحاً وانتقاداً. وخرجا بوصايا عامة يمكن أن تنصب على هذهالشاكلة:

1ـ ترك التعصب المتوارث، وإعادة قراءة الأحداث بعينين لا عين واحدة.

2- الابتعاد عن المجادلات الطائفية، أو نقل الوقائع الماضية إلى الحاضر،ليكون الماضي أباً للحاضر.

3- إيقاف أي نوع من أنواع التشهير الطائفي بين الفرق والملل والنحل خصوصاً فيما يتعلق بالمستحبّات والمندوبات الواردة عند بعض المذاهبكما في مثال تعرّض الوهابيين لهدم قبور الأئمة والمشاهير، وتهديم الأماكن الإسلامية بحجة أنها جزء يدخل بنظام الشرك طبقاً لتفسير النصوص.

4- ترك الحرية الشخصيةللاعتقاد، وعدم جعل المذهبية محورا للتنافس، أو التعصب الطائفي. وذلك برفع المصطلحات التي إصطبغت بها هذه المذاهب (لمصطلح سنّي، شيعي، زيدي، وهابي)، أو عدم جعل هذهالمصطلحات موضوعاً للاختلاف فيما إذا تعذّر تحقيق ذلك.

أمّا النماذج الأخرى أمثال نموذج (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) التي أسّسها بالقاهرة سنة 1366هـ / 1947مالشيخ محمد تقي القمي (المتوفى: 1410هـ / 1990م) فهي وإن كانت محاولة تسالم عليها أغلب علماء المذاهب بالإكبار والاعجاب إلا أنّها يمكن أن تعد من النماذج الخاضعة لإراداتسياسية تتعلق بالأوضاع التي قرّرتها المرحلة يومذاك، وضرورة توجيه الأحداث الطائفية بما يوافق سيرها الزمني الخاضع للمتغيرات.

(192)

وقد أصدرت جماعةالتقريب مجلّة باسم «رسالة الاسلام» صدر العدد الأول منها سنة 1368هـ / 1949م، وتوقّفت في شهر رمضان سنة 1392هـ / اكتوبر 1972م بعدما صدر ستون عدداً اعتنى بأدب التقريب بينالمذاهب.

وكان هدف الجماعة عدم استغلال الفوارق المذهبية، والاختلاف بين المسلمين في شقّ صفوفهم، وإضعافهم بالتناحر، كما كانت دعوتهم إلى التقريب بين المذاهبفي قراءة المشتركات بينهم، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض، فهي بعبارة اخرى تسعى إلى إبقاء المسلمين كلّ على مذهبه، وعدم جمعهم على مذهب واحد.

4-الاتجاه القائم على إجازة رواية الحديث. وتكشف عنه هذه الدراسة التي وضعها مؤلفها الدكتور حسين علي محفوظ، ونظر لها.

تعتبر الإجازة بتحمل الحديث، وروايةالمسانيد، والكتب، من الوسائل المعتمدة في حفظ المأثورات، والاسانيد، والتعرّف على المؤلفين، والرواة، وحملة الأخبار.

وقد دأب مشايخ الرواية على حفظ سلاسلالسند المتصلة إلى النبي، أو الثقاة الراوين عنه، أو عن الأئمة، والاعتناء بضبط الرواة.

وكانت هذه الطريقة، طريقة تحمّل الرواية ونقلها، والحفاظ على وثاقتها،من الطرق المحافظة على سلامة المرويات خصوصا في عصر لم تكن به وسائل نشر المؤلفات وطباعتها معروفة بالشكل الذي هي عليه الآن. فتتم حينئذ المحافظة على تسالم المؤلّفاتجيلا بعد جيل باجازة مؤلفيها مباشرة لتلامذتهم، أو ممن قرأ عليهم، إجازة تؤهلهم لنقل محتويات هذه المؤلفات، والتأكد من نسبة الرسائل والأصول، والأسانيد إلى مؤلفيها أو

(193)

قائليها، أو ممن يروي عنهم مباشرة.

وقد بقيت هذه الطريقة قائمة في أوساط المحدثين حتى اليوم في جميع أنحاء المعمورة دون انقطاع سلسلة الروايةوالأسانيد.

وفي زماننا اشتهر بالعراق جملة من مشايخ الإجازة، وحملة الحديث كان أشهرهم شيخ المحدّثين محسن الشهير بالشيخ أغا بزرك الطهراني المتوفى سنة 1389هـ /1970م، حيث ملأت إجازاته الآفاق، وعدّت سلسلة رواته من الأسانيد التي يفتخر بها الإسناد، وتقرُّ بها عيون الرواة والمحدّثين، والمجازين منه.

وعلى نهجه فقد اقتعدالأستاذ العلامة الدكتور حسين علي محفوظ عرش الإسناد فأصبحت إجازته من الأعلاق التي يتنافس للظفر بها من يهتم بمثل هذه الاختصاصات التي تقرّبه إلى التاريخ والرجالوالسيرة والأدب وعلم الكلام وفنون العلوم، ومداليل الأخبار والحديث والحكمة. فقد حرّر عشرات الإجازات المختصرة والمطوّلة، الشفاهية والتحريرية، وأجاز واستجاز جملة منحَمَلة الفكر والثقافة وأعيان العلم من مختلف الجنسيات والمشارب والمذاهب والفرق والنِحل.

وهو بذلك خلص إلى أنّ تحمل الحديث عن طريق علم الإجازة - إن صح التعبير -هو في حدّ ذاته تشكيلة تشجّع على التقريب والتوحد، على توحد الطرائق إلى طريقة واحدة تتصل بمنهج السلف الصالح عن طريق الرواية، وتحمّلها ليكون صاحب الإجازة أحد حلقاتالسلسلة التاريخية التي تربط المتأخرين بالمتقدمين، وتجعلهم جزءاً منهم. وعلى هذه الطريقة يمكن خلق منظومة قائمة على التسامح بين بني البشر.

(194)

درسمحفوظ بواعث الاختلاف الطائفي وشخص أسبابه، ووضع تصوراته لتلافي الاختلاف، وردم هوّة القطيعة.

وقد أرجع أسباب الإختلاف إلى اختلاف العلماء، وتنظيرهم لسبلهتبعاً للعصبيات المتوارثة، والأقوال التي تلقّوها بالظن أو المسالك التي سلكوا بها سبيل الحكّام خلافاً وطمعاً.

وقد عاب على هذه الطرائق إتجاهاتها، ولم يقبلبدعوة الاختلاف التي يقودها نفر من علماء الأمّة الذين يُفترض بهم أن ينظروا للإصلاح بدل الفرقة والتناحر والاختلاف. فلا يعقل أن إختلاف الأمة وتفرّقها، وهي زهاء ألفمليون، يقرّون جميعهم بمعبود واحد، وكتاب واحد، وقبلة واحدة، يقع من أجل اختلاف اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو سبعة من العلماء في هذه المسألة، أو تلك.

وقد انطلقمن مقولته: (الانسان بنيان الله في الأرض)، و(إنّ النفس هي الناس جميعا) إلى أن رسالة الأنبياء هي رسالة إنسانية عالمية أخلاقية، وكل ما يقف حيالها من مبدأ يغاير أهدافهافهو خارج عنها.

أراد الدكتور محفوظ أن يعيد من خلال منظومة التآلف المبتنية على مدخل علم الإجازة وتحمل رواية الحديث، هيكلية التوحيد العملي والتواصل الدائم بينالعالم الثقافي النظري والواقعي.

فهو سعى إلى التجديد في المنهج تبعاً لتطور العصور، ولم يرتض أن يكون الماضي بما فيه من تبعات مستقبلاً للحاضر. وعليه فإن الواقعالثقافي خصوصا العقيدي منه يجب أن يكون واقعاً يخدم الحاضر، ويجدد المستقبل لا أن يكون واقعاً ثقافياً وهمياً لا علاقة له بالحاضر الذي هو فيه. وهذا هو مكمن النكوص فيدراسة المنهج العقائدي المتخذ من مسائل الفروع مسائل

(195)

كلية تحل محل المنهج الأصلي المفترض أن يكون منهجاً ثقافياً في التربية وإعداد الأمّة إعداداًحيوياً يدفع بها للمستقبل، لا أن يوقعها في براثن العصور المتآكلة ليكون مستقبل الأمة جزءاً من الماضي الذي سقطت فيه.

حقّق الدكتور محفوظ، كمثال على غرابةالاختلاف بين المذاهب، ما انفردت به بعض المذاهب، فأحصى من مسائل الفقه 253 مسألة فقط من مسائل الخلاف بين المذاهب، لا من مجموع مسائل الفقه. وقد لاحظ أن هذه النسبة لاتساوي إلا 6%، أي إثنان في الألف من مسائل الفقه. وهي نسبة لا تحتاج إلى القطيعة، ووضع الحواجز النفسية بين أصحاب الدين الواحد.

أمّا مقترحه في أساس التوحيد بينالمذاهب بشكل عام فقد إبتني على قواعد عقلية لا تجعل من مسائل الاختلاف النظري سبيلاً للاختلاف العملي في الممارسة والأداء. وملخص أفكاره تندرج بما يلي:

1ـ إنموضوعات كتب الخلاف في الفقه هي مادة توافق، وإن علم الحديث يشدّ بنيان الأمة، ويجمع أمرها، ويمهد وحدتها.

2- ترك كتب الخلاف، وعدم التعويل على كتب الملل والنحلالمثيرة للفتن.

3- الاشتغال بالعلوم الحقيقية، والتعويل عليها بدلاً عن الاستغراق في الخلاف والمجادلات التي لا توصل إلى نتيجة.

4- إتفقت الأمة على أنّأصول أدلة الأحكام الشرعية أربعة؛ الكتاب، السنة، الإجماع، العقل، وإنّ منهاج الأمة واحد، وطريقها واحدة، وسنّتها واحدة، ومذهبها واحد.

وإنّ الخلاف في آراءالعلماء هو نقطة البداية نحو توحيدها.


1 -. كان محفوظ من أعيان العلماء، وأكابر الفقهاء، ومن سادةالعرب بالعراق في عصره. وهو من الشعراء، وأئمة الفتوى والتدريس والكلام واللغة والنحو والعروض في القرن السابع الهجري.

قطنت الأسرة الحجاز. وهاجر فرع منها إلى الكوفةأوائل القرن الأول للهجرة. واستقر بمدينة الحلة أواخر القرن الخامس الهجري/ الثاني عشر الميلادي تبعاً للمتغيرات السياسية التي طرأت على الحلة يومذاك. وقد رجع جدهمالأعلى الشيخ حسين محفوظ إلى العراق حوالي سنة 1184هـ / 1770م وسكن محلة التل وهي محلة العلماء، والسادة، والأشراف بالكاظمية شمالي بغداد.

وكان الشيخ حسين من مجتهدي عصرهالمعروف بالزهادة. وقد تناقل معاصروه مناقبه وفضائله، ورووا خصاله وكراماته.

ويرجع الدكتور محفوظ من جهة الأم إلى السادة آل الوردي البغداديين الذين يرجعون بنسبهمالى الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).

/ 1