الرسول الاعظم ومكارم الاخلاق
أ.د كامل ابو بكر الشريف باحث ومفكر اسلامي من اثيوبيا
منطلق للتقريب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على صاحب الخلق الكريمة ورائد الوحدة الإسلامية وحامللوائها، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ومتمما للأخلاق الكريمة محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
المقدمة
أهداف هذا البحث
هو إبراز دور الأخلاق الكريمة في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية. وتجسيد الوحدة الإسلامية التي أمر الله جل وتعالى بهاالمؤمنين في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميع ولا تفرقوا) وقال تعالى : (إنما المؤمنون إخوة). 106-
هذه الآيات البينات تحمل أمرا إلهيا بالوحدة وعدمالتفريط بها وقال الرسول الأعظم سيدنا وقدوتنا معلنا سر بعثته ( إنما بعثت لأ تمم مكارم الأخلاق )
الإسلام دين ارتضاه الله، فهو دين تكافل وتعاون، دين إخوةوتضامن، دين عز وسعادة، دين يصلح لكل زمان ومكان وأمة، وفي كل يوم يثبت هذا الدين القيم قدرته على اصلاح العالم واحلال السلام والوئام بين بني البشر. ولا صلاح ولا أمانللعالم إلا به ، فيه النفع للفرد والمجتمع والدولة لأنه لم يترك فضيلة إلا حث على اتباعها ولا رذيلة إلا أمر باجتنابها.
لقد صاغ هذا الدين المسلمين جميعا علىاختلاف أجناسهم وألوانهم ولغتهم وعاداتهم وتباعد أمصارهم في قالب واحد وألف بين قلوبهم وجعلهم أمة واحدة، راقية في أفكارها سليمة في عقيد تها متحدة الكلمة ملتئمةالصفوف متعاونة متضامنة : كلمتها لا اله الا الله محمد رسول الله (ص) كتابها القرآن الكريم، نبيها خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (ص)، رسالتها خاتم الرسالات الالهية،قبلتها الكعبة المشرفة ، تحيتها وشعارها السلام وخلقها القرآ ن.
فكانوا أمة شديدة البأس عظيمة القوة مسموعة الكلمة واسعة السلطان، قلمهم يكتب ويطاع، وحسامهمينفض ويهاب، ورايتهم تحلق عالية فوق ربا الكون، فتجري تحتها العدل والمساواة والسلام. وبنوا بفضل تمسكهم بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى (ص)، وتماسكهم واخلاصهم وحسن خلقهممجدا وسيادة وحضارة ذات أخلاق كريمة، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. يصفهم القرآن الكريم ويقول: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفاررحماء بينهم) صدق الله العظيم .
قد يتساءل المرء عن سر هذه العظمة ومصدرها، ولن يطول التفكير لمن يبحث عنه ليجد الجواب : إنها الأخلاق الإسلامية الكريمة المقرونة بالإيمان الصادق وخشية اللهوافراده بالعبودية، إنها الأخلاق الإسلامية بكل معانيها
107-
وصورها , ومصدرالعظمة هو التزامهم بتعاليم الإسلام الذي جاء به القرآن الكريم وسنة سيدالمرسلين محمد (ص).
القسم الأول
الأخلاق في الإسلام
يحض الإسلام على التحلي بالأخلاق الكريمة التي تهذب النفس، وتجعلها نقية زكية؛ وتوصلهاإلى درجة الكمال وترفع مستوى عقيدة الإنسان وعبوديته لله الواحد القهار إلى أعلى مرتبة؛ وهي مرتبة الصالحين والصديقين والشهداء. ويحارب هذا الدين الحنيف الأخلاقالفاسدة التي تؤدي إلى الضياع والهلاك وفقدان الذات , وتدفعه إلى الدرك الأسفل من النار . إن من مزايا حسن الخلق هو تأثيره القاطع والطيب في إيجاد التوفيق والفلاحللإفراد والمجتمع في الحياة . إذ أن أي شخص يتحلى بالأخلاق الكريمة يكون محبوبا لدى الإفراد والمجتمع فالناس في طبيعتهم الفطرية يميلون نحو الشخص الذي يتمتع بالأخلاقالحميدة، ولا يتحملون سوء الخلق مهما كانت مكانته . أما سوء الخلق فهو من العيب أوالمرض العضال الذي لاشفاء له وهو يسبب البغض والكراهية والنفور ويجر صاحبه إلى انقطاعالمودة بينه وبين مجتمعه ، فإن الشخص سيّئ الخلق الفظ الغليظ القلب الذي لا يألف ولا يُؤلف، يجد بين نفسه والآخرين متاعب كثيرة، ولا يمكنه أن يرى فضائل المودة والرحمةوالتعاون لأنه جلب على القساوة معاملة الناس بالسوء , كما يحطم صاحب سوء الخلق من قيمة العيش حتى في نطاق أسرته .
فاالصدق والأمانة والعدالة والوفاء بالعهد منالصفات الحميدة التي أوجبها الله، وكذلك المواساة والتراحم والسخاء وسعة الصدر والتعاون والتسامح والأخوة الصادقة ينظر اليها الإسلام نظرة تقدير وإجلال، كما ينظر إلىالصبر
والإنابة والثبات والحلم وعلو الهمة والبسالة نظرة تعظيم واستحسان. ويعد ضبط النفس والعفو، وتجنب الرذائل من مكارم الأخلاق التي يستحسنهاالإسلام ويحض على التحلي بها .
وأما اتباع الهوى والنذالة وقلة الأدب مع الله والناس وسوء الخلق وقساوة القلب والبخل وضيق الصدر والكذب والخداع والحسد والرياءوالغيبة والنميمة والجبن فقد نهى الله عنها فليس لها مكان فى الإسلام .
المصدر الرئيسي للأخلاق الكريمة
المصدر الرئيسي الذي يحوي أسس ومبادئالأخلاق الكريمة ويأمر بالتحلي بها هو القرآن الكريم، فيه منهج قويم وتوجيهات إلهية لبناء البشرية عامة أفراد وأسرة ومجتمعا ودولة نحو الصلاح والكمال ويبين الله سبحانهوتعالى في عدة آيات بينات مزايا الأخلاق الكريمة ووجوب التحلي بها ويحذر من الخلق الكريه، ويبين سوء عاقبتها كما أن الأحاديث النبوية وسيرة النبي العاطرة هي الأخرىبستان حافل بكل ما ينفع الناس في الحياة الدنيا والآخرة، فيها الإرشادات والتوجيهات التي توجه البشرية نحو الخير والفلاح . لقد تضمن الاسلام شرائع عديدة فيالعقيدة والعبادات وسلوك الفرد والجماعات كلها تهدف فيما تهدف إليه، تربية النفس الإنسانية تربية سوية قوامها عبادة الله وحده، والتحلي بالأخلاق الحميدة التي تجعلالإنسان مثلا حيا للعبد الصالح المستقيم على أمر ربه متعاونا ومتحابا مع بني إخوانه في الله أولا وقبل كل شيء والعيش في وئام وسلام مع بني جنسه .
ولقد دعا القرآنالكريم إلى توحيد الله وعدم الشرك به والإخلاص في عبادته والخوف من سوء العاقبة، وعدم ارتكاب المعاصي وخشيته، وهو الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .وهذا هو الأدب المطلوب مع الله الواحد
القهار عالم الأسرار . أما الكفر والعصيان والفسوق واتباع الهوى فهو من سوء الخلق . والإسلام إذ يثبت العقيدة فيقلب الإنسان ويدعو إلى حسن الخلق يضع في نفس الإنسان حارسا خلقيا يدفعه إلى التأدب مع الله أولا واطاعته، والإئتمار بأوامر الله وتجنب المعاصي، يقول الحق تبارك وتعالى :
(وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) . وفي آية أخرى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) .
مدرسة الرسول الأعظم (ص)
مدرسة الرسول (ص) التي ينبوعها منالمنابع العالية؛ الوحي والإلهام الالهي التي تستند الى التوجيهات الالهية، قدمت للبشرية أسمى وأفضل منهج متكامل للتكامل الإنساني وتهذيب النفس واصلاحها، تدعوالإنسان إلى أن يتجه بروحه إلى الكمال إلى المراتب العالية والى التحلي بالأخلاق الكريمة التي ترفع من مرتبته وتجعله انسانا متكاملا: 1ـ أن أسس الدين الخالد الذيمن ينبوعه أسست مبادئ الأخلاق الكريمة الفاضلة على يد أكبر وأعظم شخصية أخلا قية في التاريخ محمد (ص) الذي وصفه خالقه ومربيه في كتابه العزيز بقوله: وإنك لعلى خلق عظيم.تدعوا الأمة الإسلامية إلى اتباع هدي الرسول (ص) ويقول جل وتعالى (لقدكان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وهذه الأسس الأخلاقية تضمن للبشرية السعادة والرخاء والأخوةالصادقة، كما هي وسيلة للسعادة في الدارين وهي في نفس الوقت وسيلة فعالة للتقريب بين الأمة الإسلامية وتجسيد وحدتها .2- إن أهم عوامل انتشار الإسلام تكمن في حسن اخلاقالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ومن بعده اهل بيته وأصحابه الكرام والدعاة المخلصين، قال الله عز وجل مبينا سر انتشار الإسلام وكثرة أتباعه مخبرا رسوله الكريم (ص) صاحبالأخلاق الكريمة (ولوكنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك)
وكان الرسول (ص) يذم سوء الخلق فيقول: (سوء الخلق شؤم وشراركم أسوؤكم خلقا) وقال أيضا:(أكثرماتلج به امتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق) وقال أيضا: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
3- حياة الرسول الأعظم (ص) كانت مثالا ونموذجا واضحا للحياة الإسلامية فهوالإنسان الكامل المختار من قبل رب العباد لإيصال رسالته الخالدة والخاتمة إلى الناس أجمعين، وهو المرسل رحمة للعالمين قال الله عنه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهوالإنسان النموذجي والمربي المرشد لأتباعه وللإنسانية جمعاء وارشاداته القيمة كانت تشمل جميع الناس في السلم والحرب فالرسول عليه افضل الصلاة والسلام هو ذروة الإنسانالكامل وأحسن الناس خلقا وخلقا .
يؤكد سيد المربين محمد (ص) أهمية الأخلاق الكريمة في بناء الإنسان الكامل، مبينا سر بعثته الى الناس فيقول: (إنما بعثت لأتمم مكارمالأخلاق).
ولقد عبر ابن عم الرسول (ص) جعفر ابن ابي طالب الطيار رضي الله عنه وأرضاه في حديثه أمام ملك الحبشة النجاشي، في اسلوب رائع بيّن فيه ميزة الأخلاقالإسلامية التي أتى بها رسول الأخلاق والفضيلة والسلام محمد (ص) لانقاذ البشرية من هاوية الفساد والانحلال الخلقي والجهل المطبق ومن عبادة الأوثان إلى عبادة رب العبادحيث قال:
(كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينارسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ماكنا نعبد نحن وأباؤنا من الحجارة والأوثان وامرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم،وحسن الجوار، والكف عن المحارم وسفك الدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم وقذف
المحصنات، وامرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك بهشيئا وأمرنا بالصلاة والصيام والزكاة فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله).
القسم الثاني
الأخلاق والسلوك الفردي
تستهدف تربيةالإسلام روح الفرد وسلوكه لإيصال الفرد إلى درجة الكمال ليعبد الله مخلصا له الدين، ويبني مجتمعا فاضلا نقيا من الرذائل متآخ ومتعاون أساسه الحب والايثار والإخلاص؛ لأنالفرد هو قوام المجتمع إذا صلح صلح المجتمع كله وإذ فسد فسد المجتمع كله . والمسلم المسؤول عن نفسه أمام الله فيما طولب به من تزكية نفسه وكفها عن شهوتها والوقوففي طريق غوايتها والحيلولة بينها وبين الفجور حتى تصير نفسا زكية صالحة نقية يقول الله عز وجل : (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قدأفلح من زكاها وقد خاب من دساها)ويقر الإسلام مسؤولية الفرد في اصلاح نفسه بتحملها تبعة ما يكسبه من خير أو شر فيقول الله عزوجل : (كل نفس بما كسبت رهينة)
تمثل العبادة في الإسلام الجانب المهم فيتربية الفرد واصلاح المجتمع الإسلامي وتوحيد كلمته وما من عبادة إلا وتحمل في طياتها معنى يهدف إلى اشاعة الروح الإجتماعية المتعاونة والسعي نحو ترابط بين أبناءالمسلمين وتكامل انساني رصين.
فالمسلم يصلي خمسة مرات في اليوم الواحد ليقف بين يدي ربه الواحد القهار، خاشعا حامدا ومستغفرا ذاكرا ربه الى جانب أخيه في صف واحدمتراص ''صفا كأنهم بنيان مرصوص'' وراء إمام واحد يأتم به في قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه، متجها نحو الكعبة المشرفة يقول: ''إياك نعبد
وإياك نستعين اهدناالصرط المستقيم'' . ''ربنا ولك الحمد، وفي جلوسه يقول :السلام علينا وعلى عباد الله الصلحين .هنا تتجلى معالم الوحدة بكل معانيها، الإقرار بالعبودية والإستعانة باللهالواحد القهار يقولها المسلمون معا كما تظهر روح الوحدة أمام رب الواحد القهار.
والزكاة تقتلع من النفس جذور الشح وعبادة المال والحرص على الدنيا، وتخلق فيالنفس دعائم التعاون بين الغني والفقير وتجعلها تشعر بوجوب تكافل الجماعة ويخرجها من ضيق الأثر والانفراد بالنعمة .
والحج هجرة الى الله تروض النفس على المشقةوتفتح بصيرتها على بديع صنع الله في خلقه؛ حيث يجتمع الناس الذين يأتون من كل فج على صعيد واحد، وفي أيام معدودة يتعارفون ويتشاورون ويتعاونون ويلبون ويكبرون ويهللون،والكل إخوة في الله وفي رحاب الله وفي مؤتمر اسلامي دعا اليه رب العباد.
والصيام ضبط للنفس وتقوية للإرادة وحبس للشهوات وهو مظهر اجتماعي فريد يعيش فيه المسلمونشهرا كاملا على نظام واحد كما تعيش الأسرة في بيت واحد .
إن القيام بهذه العبادات المفروضة تربي المسلم على الإلتزام بما أمر به الله من طاعته وتجنب المحرماتوالتحلي بالأخلاق الحسنة وتقرب بين المؤمن وتجسد الوحدة الإسلامية .
القسم الثالث
الأخلاق الإسلامية وتوجيه الأسرة
وينتقل الإسلام منتربية الفرد وتنمية الأخلاق الكريمة في نفسه إلى تربية الأسرة لأنها نواة المجتمع واللبنة الأولى في بنائه , وبعبارة أخرى الأسرة هي المجتمع الصغيرالذي تنمو في ظله العلاقات الإجتماعية التي تساعد على بناء المجتمع الإسلامي الكبير (الدولة) على أساس مبادئ الأخلاق السامية، وكيان الأسرة يحتاج إلى قوامة تحكم أمرهموتنظم شؤنهم حتى تصونهم من الاضطراب والفوضى وفساد الخلق، وفي اختيار الزوجة الصالحة ضمان حقيقية لسلوك أفراد الأسرة من البنين والبنات، إذ لا يمكن بناء أسرة على أركانمهدمة خلقيا لذا يقول الرسول (ص): (فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
والعلاقة بين الزوجين هي السكن السليم لتنمية عواطف الود والرحمة بين الأبناء يقول الله عز وجل:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
ويضع الإسلام مبادئ وأسس أخلاقية كفيلة لمعالجة المشاكل الزوجية لكي يتم عن طريقالإحسان والعدل والرحمة في مساعدة كلا الجانبين على تجنب الخلافات الكبيرة وتعويدهم على ضبط النفس وقبول الحل الأمثل الذي يحافظ على كيان الأسرة وتماسكها، يقول الله عزوجل: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).
ويأمر الله عز وجل بمراعاة الأدب والخلق الكريمة مع الوالدين،ومعاملتهما باللين والحسنى والطاعة والصبر، وخاصة عندما يكبران لأن الإنسان عندما يكبر ويصل سن الشيخوخة يرجع مرة أخرى إلى حالة الضعف كما لوكان طفلا من حيث التصرفوالإصرار على الرأي حتى وإن كان مخطئا مما يجعل طاعتهما من أصعب الأمور ولذاقال الله عزوجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهماأوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماو اخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)، ويجعل التواضع لهما ومخاطبتهما بخطاب اللين
والقول الحسن واجبا يجب على الأولاد مراعاته، كما يوجب الترحم عليهما والدعاء لهما .
القسم الرابع
دور الأخلاق في تحسين وتوطيدالعلاقات الإجتماعية
لقد وضع الله سبحانه وتعالى منهجا كاملا وخا لدا في التربية النفسية والخلقية والإجتماعية، الذي يكفل اصلاح الفرد وقيام مجتمع رفيع كريمنظيف وسليم من كل النواحي كما يكفل صيانته واستمراريته قويا نظيفا، فيه يتعاون الضمير الحي المؤدب مع التشريع الآلهي كما يتعاون فيه الفرد مع نظم الدولة واجراءاتها،ويكفل للمجتمع وحدته في آياته البينات في سورة الحجرات : 1ـ ( يآأيهاالذين آمنوا إن جاء كم فاسق بنبأفتبينوا أن تصيبوا قوما بجها لة فتصبحوا على ما فعلتم نا دمين).
هذه الآية الكريمة تعلم المؤمنين طريق التثبت من الأقوال والأفعال والتأكد من مصدرها قبل الحكم عليها أوالإعلان عنها . وهذا مبدأ أخلاقي أساسي لما يجب أن يكونفيه الآعلام الإسلامي أولا كما يوجب على كل من أفراد المجتمع الإسلامي التثبت في الأقوال والأفعال التي يروجها المروجون، وأن يكون الإعلام في الإسلا م مبرّأ من نشرالأكاذيب والإفتراءات والأراجيف والتشهير الذي سيؤدي إلى الشقاق بين المسلمين وبين الأ سر، وبين الأزواج كما تبين الآية عاقبة عدم التأكد من الخبر وهو الندم وإفسادالعلاقات كما يؤثر عدم التثبت على الوحدة وتما سك الأمة.
2- (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهماعلى الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتىتفيئ الى أمر الله فإن فاءت
فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين).
هذه الآية الكريمة فيهادعوة كريمة أخلاقية ورائدة تبينأوجه العلاج الصحيح إذا وقع خلاف واقتتال بين المؤمنين، حرصا على وحدة الأمة الإسلامية، ألا وهي الإسراع إلى إقامة الصلح بين المتقاتلين وإزالة الجفوة التي بينهمابالتي هي أحسن، ومناصرة الحق والعدل في الحكم وإقرار السلام والأمن واعادة المياه إلى مجاريها .
3- (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكمترحمون ) .
هذه الآية الكريمة الراشدة تبين حقيقة العلاقة بين المسلمين وهي كون المسلمين أيا كانوا وأين ما كانوا إخوة في الله، والحفاظ على هذه الإخوة التي فرضهاالله واجب على المجتمع الإسلامي كله، والله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين بإزالة الخلاف بين المتخاصمين وإعادت المودة والتراحم بينهما، وذلك حرصا على سلامة المجتمعالإسلامي ووحدته .
4- ( يآأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوابالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) .
تنهى هذه الآية الكريمة عن السخرية والإستهزاء أيا كان نوعه لأنها من الأخلاق الذميمةالتي تسيء الى الفرد كما تنهى عن اللمز والتنابز بالألقاب؛ وهي ذكر بعض الأفراد بلقب السوء الذي يكرهه وهذه العادات هي من عادات الجاهلية لها جوانب سيئة وسلبية فيالمجتمع . لذا نهى الله عنها حفظا على سلامة المجتمع وحرصا على تجسيد المعاملة الطيبة الأخوية المتساوية.
5- (يآأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعضالظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب يعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب الرحيم)
تدعو هذه الآية الكريمةالمؤمنين إلى الإبتعاد عن الأسباب التي تؤدي إلى التباغض والعداوة حتى لايقع بين المسلمين ما يعكر صفوة العلاقات الأخوية أويضعف ما بينهم من المودة والتراباط والتراحم .إن تعاليم هذه الآية الكريمة هي الإبقاء على الوحدة الإسلامية والمودة والترابط فيمابين الأسرة والمجتمع ويأمر جل وتعالى :
1ـ الإبتعاد عن الظن ويحذر من عاقبةسوء الظن وكون سوء الظن بالإضافة إلى أثره السيئ في روح صاحبه وحياته يكون سببا لقطع أواصر الأخوة وتوتر العلاقات.
2- ألا يتجسس المسلم على أخيه المسلم .
5-ألا يغتاب المسلم اخيه المسلم مبينا حقيقة الغيبة وكونها من أقبح الصفات في جملة واضحة وكافية وصف فيها الخالق المغتاب كالذي يأكل لحم أخيه ميتا وهو عمل مشين تشمئز منهالأنفس: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) إذا إن الذي يغتاب الناس هو آكل لحم أخيه ميتا وهذا التمثيل كفيل من أن يجعل المؤمن بعيدا عن هذه الطبيعة الكريهة التيتحطم صرح الفضيلة وتفقد الإنسان مكانته وتجعله منحط المنزلة . وبعد التوجيه الإلهي يعظنا الله سبحانه وتعالى ويأمرنا بالتقوى كما يبين لنا أنه تواب رحيم.
6-( ياأيها الناس إناخلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم إن الله عليم خبير)
هذه الآية الكريمة تهتف بالإنسانية جمعاء علىإختلاف أجناسها وتباعد أنصارها لتردها إلى أصل واحد وإلى ميزان واحد وأن الله جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعرف بعضهم على بعض، ويؤاخي كل منهما الآخر ويتعاون ويعمر الأرضويعبدالله وحده، وأن الميزان الذي يقوم به الإنسان هو خشية الله والعمل الصالح والله يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية يقول الرسول الأعظم في هذا
الصدد وهوالمفسرللقرآن الكريم: (ليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي فضل إلا بالتقوى) وهذا هو الدستورالإ لهي لتحقيق وضمان حقوق الإنسان أياكان .
هذه الآياتالكريمة الراشدة كلها تمثل الهدف السامي من أهداف التربية الخلقية الإسلامية التي جاء بها القرآن ا لكريم لإصلاح الفرد والمجتمع والحكومات، كما تبين آداب السلوك وحسنالمعاملة والحرص على تقوية أواصر الأخوة والمودة والتعاون والوحدة الشاملة. والحق أن هذه الآيات البينات والمرشدة تمثل دستورا عالميا أخلاقيا تعالج المشكلات وترسم لهاالحلول وتربي في نفس المؤمن الخلق الحسنه وخشية الله ومعاملة أخيه بالخلق الحسنه، وتجنب المجتمع من التشتت والأنانية وسوء الظن وتجعله مجتمعا نقيا متحابا متعاوناومتحدا، إذا اهتدى بهديها ورسم خطوط حياته على نهجها القويم. والخلق الحسن هو الوسيلة لحفظ الوحدة الإسلامية وتجسيدها .
القسم الخامس
الأخلاقالإسلامية الكريمة وبناء المجتمع الموحد
في بناء المجتمع الإسلامي الكبير، خير امة أخرجت للناس فالإسلام له منهج قويم ونظرة بعيدة المدى يتسع آفاقها أقطارالأرض وتضم تحت لوائهاكل أجناس البشربغض النظرعن الجنس واللغة والوطن .لأن الإسلام دين سماوي عالمي يدعو البشرية كلها الى عبادة الله الواحد القهاروإلى التحلي بالأخلاقالكريمة التي تكفل لها السعادة والإستقراروالأمن والمساواة. من المعلوم إن العلاقات والروبط الإجتماعية في المجتمع الإسلامي مرتبطة بالرابطة الأخويةالإسلامية؛ رابطة الدين التي تقضي أن يكون المسلمون إخوة في الله يوصي بعضهم بعضا بالخير والتقوى والأعمال الصالحة ويساعد بعضهم
الآخر لايجاد مجتمعمتعاون فاضل يتعاون على البر والتقوى، يقول الله تبارك وتعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ) (وتواصو بالحق وتواصوبالصبر). سئل الرسول الكريم من أحب الناس إلىالله؟قال:أنفع الناس للناس (حديث شريف) .
وفيما يلي نضع الركائزالأخلاقية التي تضمن للمجتمع الإسلامي تعاونه ووحدته المنشودة وقوته فيكون مهابا مسموع الكلمةيبني حضارته الإسلامية المبنية على الأخلاق الكريمة وتكون خيرأمة أخرجت للناس كما أرادها الله لها.
الإخاء في الإسلام
يوحد الإسلام بين الذين آمنواأيا كانوا جنسا وأينما كانوا فكل من آمن بعقيدة الإسلام والتزم حدودها ورضي بها منهجا عمليا لحياته ومنهجا قويما لعبادة الله وحده، فقد أصبح عضوا من أعضاء المجتمعالإسلامي العالمي وفردا من أفراده، يستوي في هذا الأفريقي والآسيوي والعربي والأوروبي على أساس مبدأ الأخوة الإسلامية: (إنما المؤمنون إخوة ). ومثل هذالمجتمع الإسلاميالموحد الذي يعبد ربا واحدا دون سواه مؤمنا بما جاء به الرسل وما جاء به خاتم المرسلين محمد (ص)، ويلتزم بشريعة الإسلام وهديه القويم يتجاوز الحدود المصطنعة وحواجز الجنسواللون، فلاعصبية ولا عنصرية في الإسلام يعلن للبشرية كافة تمسكه بمدأ الأخوة الإسلامية فيناصر أخاه المسلم ويقف الى جانبه ويضحي في سبيل وحدته. وقد غلبت الأخوةالدينية في الإسلام كل صلة سواها من صلة النسب فهي أقوى من صلة العرق، فتبرأ المسلم من قبيلته وخرج عن عشيرته وخاصم الولد أباه وقاتل الأخ أخاه من أجل الإسلام في سبيل اللهوفي سبيل الوحدة الإسلامية، قال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألآإن حزب الله هم المفلحون).
والإخاء في الإسلام هو اللبنة الأولى التي أقامها وغرسها سيد المرسلين في بنائه للمجتمع الإسلامي الأول في المدينة المنورة عند الهجرة، حيث آخى بين المهاجرينوالأنصار، وبلغ هذا الإخاء درجة عالية في الإيثار فآثر الأنصار المهاجرين على أنفسهم في كل ما يحتاجون إليه، ويقول الله عز وجل عنهم في كتابه العزيز (والذين تبوءو الداروالإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاؤلئك هم المفلحون).
هذاالإخاءكان إسلاميا وإنسانيا وشاملا، وكان في سموه وكماله يشمل كل أفراد المجتمع الإسلامي، إذ عاش المسلمون في جو هذا الإخاء متعاونين، وكان كل فرد يحب لأخيه ما يحب لنفسه،ويكره له ما يكره لنفسه، فالعلاقة بين الحاكم (الراعي) والمحكوم (الرعايا) في الإسلام كانت علاقة أخوة واحترام متبادل لأنها علاقة رعاية ومسؤولية من جانب الحاكم (الراعي)ووفاء وطاعة من جانب المحكوم (الرعايا).
تستوجب الأخوة الإسلامية التواصي بالحق والتواصي بالصبر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء واجب النصيحة لأخيهالمسلم يقول الله عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وفي آيةأخرى يقول الله عزوجل: (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
تستوجب الأخوة الإسلامية أن يرعى المسلم أخاه؛ يمد إليه يد المساعدة ويشد عضده ويخفف عنه وطأة النكبات ويشاركه في السراء والضراء حتى
يكون المجتمعالإسلامي مجتمعا متكاملا ومتعاونا ورحيما قال الله تعالى:
( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ).
تستوجب الأخوة الإسلاميةرعاية الضعفاء واليتامى والصغارفعلى ولي اليتيم تنمية ثروات اليتيم والحفاظ على أمواله والعناية به في كل شأن من الشؤون الذي فيه صلاح له من تعليم وتربية حسنة وتوجيهه،حتى يعدّه للحياة الملائمة لمستوى أمثاله.
وتعتبر مبدأ الأخوة الإسلامية أساس من أسس إقامة دولة الإسلام وقاعدة من قواعده المتينة في بناء أمة واحدة، قال اللهعز وجل : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا ) .
وينهى عن التنازع لأنه يصدع الو حدة ويضعف القوة ويقطع راوبط الأخوة يقول الله عزوجل: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ).
وحرصا على استمرارية الوحدة والإخاء بين المسلمين تستوجب الأخوة الإسلامية ألا يبيع المسلم على بيع أخيه، ولا يخطب إمرأة قدسبق أخ له في خطبتها؛ يقول سيد المرسلين وواضع مبدأ الأخوة الإسلامية: (كل المسلم على المسلم حرام - دمه وماله - وعرضه) وفي حديث آخر يقول الرسول (ص): (لا تحاسدوا ولا تباغضواولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونواعباد الله إخوانا).
ويشرع الخالق الوقاية التي تدرأ عن الإسلام سوء العاقبة إذا حصل الخلاف أو النزاع فيما بينهم، يقولالله عز وجل: (يآأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذالك خيروأحسن تأويلا) وبهذا التحكيم يتحقق العدل والخير ويضمن العاقبة الطيبة والعلاج الناجح للمشكلة.
تلك هي مبادئ الأخوة في الإسلام بصورة فاضلة تظهر فيهمدى علاقة الأخ المسلم بأخيه المسلم كما تضمن سلامة الوحدة الإسلامية وتجسيدها وهي من دعائم الوحدة الإسلامية .
التعاون والتكافل الإجتماعي بين المسلمين
عندما نذكر التعاون والتكافل الإجتماعي يتبادر إلى الأذهان على أنه مساعدات مالية تعطى للفقراء والمحتاجين على وجه الإحسان والصدقة والبر، ولكن مفهوم التعاونوالتكافل في الإسلام أوسع من هذه المدلولات المحدودة في المساعدات المالية التي يتصدق بها الناس والتي لا تغني من جوع . كما يراه المفكرون الإسلاميون . يوجهالإسلام أتباعه إلى التعاون على الخير والبر والسير بالمجتمع قدما إلى الأمام في مدارج الرقي يقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثموالعدوان) ويقول الرسول (ص) (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) والمفهوم من قول الله عزوجل ومن تفسير الرسول لمفهوم الآية هو: أن العلاقة التي تربط المؤمن بالمؤمن يجبأن تكون قوية لا تنفك عراها في حالتي العسر واليسر.
ومن مدرسة الرسول (ص) الغنية بالمواقف الإجتماعية السامية نجد المثل الرائع في التعاون والتكافل الإجتماعي فيموقف الأنصار المشرف في استقبال من هاجر إليهم , لقد قاسموا ما لديهم من الأرزاق وديارهم للمهاجرين الذين قدموا إلى ديارهم وفيهم نزلت الآية الكريمة: (للفقراء المهاجرينالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصديقون . والذين تبوء الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا
يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) هنا تتجلى عظمة الأنصار في استقبالهم لإخوةالإسلام المهاجرين إليهم ، عظمة في التضحية والإيثار، عظمة في التعاون والعطاء. وقد أكد الله هذه العظمة في قوله تعالى فألئك هم المفلحون .
التعاون والتكافلفي القرابة والرحم والجيران
ليس الناس كلهم على درجة واحدة في الكسب والقدرة على العمل وقد يتعرض الواحد لعوائق تقعده عن العمل والكسب فلا يجدما ينفقه على نفسهوأسرته.والإسلا م لايترك أمثال هؤلاء بدون عائل بل يوجب نفقتهم على من يمت إليهم بصلة من أواصرالأبوة أوالأ خوة تحقيقا للتعا ون والتكافل، ومثل هذا التكافل يشمل الأقاربالأصول على فروعهم والفروع على أصولهم. يأمر الإسلام معاملة الأقارب وذوي الرحم معاملة كريمة ويحث على مساعدتهم والعطف عليهم في ملماتهم ودفع الفقرعنهم يقولتبارك وتعالى: (وآتي ذاالقربى حقه والمسكين وابن السبيل) يقول الرسول (ص) (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه) ويأتي الإحسان إلى الوالدين ومراعاةحقوقهما في المرتبة الأولى يقول الله عز وجل : (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين...)
ويحث الإسلام على حسن معاملة الجيران والإحسان إليهم والعطفعليهم ويعتبر حقهم من مقتضيات الإيمان , يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم : (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) وفي حديث آخر يقل الرسول (ص) : (مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنهسيورثه).
التعاون والتكافل بين المجتمع
ينتقل الإسلام من التعاون والتكافل بين الأقارب والجيران الى وجوب التكافل والتعاون العام بينأفراد المجتمع الإسلامي، ويحث على التعاون فيما بينهم بالقضاء على مظاهرالبؤس والفاقة متعاونين بالزكاة والصرف في أوجه البر ومساعدة الضعفاء . ويجعل المجتمع الإسلاميمسؤولا عن فقرائه ومعوزيه وذي العاهاة والمديونين . يقول الله تبارك وتعالى: ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وفي آية أخرى يأمر الله عز وجل أصحاب الإرث بأنيمدوا يد المساعدة للقربى واليتامى والمساكين أثناء تقسيم الإرث ويقول : (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منها واكسوهم) هذا هو الإسلام وخلقالإسلام . ويتجاوز مبدأ التعاون والتكافل حدود المال ويحث الجماعة المسلمة على حماية المجتمع الإسلامي من الرذيلة والفسادوالمنكر حماية لكيان الأمة الإسلامية.يقول الرسول (ص) (من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).
وبهذه النظرة الى مفهوم التعاون والتكافلالإجتماعي في الإسلام يكون المجتمع الإسلامي مسؤولا عن أي فرد من أفراده الذي يعوقه العجزعن الكسب أوتنتابه كارثة أوينحرف في سلوكه .
فالجماعة المسلمة أسرةكبيرة والصورة الحقيقية لها نراه في المثل الرائع الذي ضربه رسول الله (ص) في قوله: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعىله سائر الجسد بالسهروالحمى) .
هذه هي تعاليم الأ سلام تغرس في نفوس المؤمنين مبادئ التعاون والأحسان والبر والتراحم والتوادد وكلها عناصر سلوكيةتغذي القيمالروحية والأخلاق الحسنة وتدعم الوحدة الأسلامية وتركزها.
الدول الاسلامية والتكافل والتعاون
يجعل الاسلام الدولة المسلمة مسؤولة عن حمايةالأخلاق وتحقيق الأمن وحراسة المجتمع والقيام على شريعة الله وصيانة الحقوق والعدل بين الرعايا، وتسديد ديون من لا مال له، كما يجعلها مسؤولة عن تلبية حاجات الأمةورعاية مصالحها، ويوجب عليها أن تعول المرضى والمحتاجين، وتوفير المرافق العامة كالتعليم، والصحة والمواصلاة والماء النقي والكهرباء إلى غيرذلك من متطلبات الأمة. وتنتقل أوجه التعاون والتكافل بين أفراد المسلمين ومسؤولية المجتمع إلى مجال التعاون والتكافل بين الدول الإسلامية . إذ يوجب الإسلام على الدول الإسلامية الغنيةمعاونة ومساندة الدول الإسلامية الفقيرة أو النامية، والأخذ بيد المستضعفين المسلمين وتقوية كيانهم والإهتمام بهم وخصوصا الأقليات الإسلامية التي تواجه الظلم والضغوط. وفي أموال الدول الإسلامية الغنية حق مشروع للدول الإسلامية الفقيرة والمستضعفين المسلمين قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (وفي أموالكم حق معلوم للسائل والمحروم). الكثير من الدول الإسلامية الفقيرة أو النامية تئن في الوقت الحاضر من الديون الباهظة التي عليها للدول الغربية أو البنك الدولي، تلك الديون التي اقترضتهالبرامجها التنموية، وفي كل يوم تزداد أرباح الربا أضعافا مضاعفة، وتجعل موقف الدول المقترضة حرجا يصعب عليها دفع الديون التي عليها، كما تعاني الأقليات الإسلاميةالمستضعفة من عدم امكان تنفيذ برامجها التعليمية والحفاظ على كيانها.
لذا يجب على الدول الإسلامية الغنية القيام بمساعدة هذه الدول والأخذ بأيديها لكي تتمكن منتسديد ديونها والخروج من موقف التبعية والخضوع لسياسات الدول المقرضة، أوللبنك الدولي الذي يسيطرعليه الصهاينة
ويوجهونه كما يشاؤون ويسخرونهلإذلال الشعوب المستضعفة والتسلط عليها والهدف منه هو فرض الرقابة على نموها سواء كان من الجانب الإقتصادي أو الثقافي والسياسي وجعلها رهن إرادة الرأسمالية الغربيةوالصهيونية .
نرى اليوم الدول الإسلامية الغنية والأفراد المسلمين الأثرياء وقد اتجهوا نحو البلدان الغربية يضعون أموالهم في بنوكها ويستثمرون أموالهم فيالبلدان الغيرالإسلامية ويتسابقون لإرضاء الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، ومما يؤسف له أن الغرب وأمريكا قد تمكنت من أموال المسلمين المودعة في بنوكهم لتنميةثرواتهم والحصول على فوائد ضخمة من هذه الأموال الإسلامية المودعة، من بناء اقتصادياتهم وتطوير منتجاتهم وتوسيع نطاق بحوثهم العلمية، حتى أضحوا قوة هائلة جبارة يفرضونارادتهم على الدول الإسلامية، ووصل بهم اعتمادهم على قوتهم الإقتصادية والعسكرية والتفوق العلمي إلى التهجم على كتاب الله وسنة رسوله وعلى الأمة الإسلامية.
إنالأخلاق الإسلامية السامية التي توجب التعاون والتكافل بين المسلمين وبين الدول الإسلامية تفرض على الدول الإسلامية الغنية والأغنياء من المسلمين استثمار اموالهم فيالبلدان الإسلامية التي هي أحوج الى الإستثمارات والعون، كما يجب عليهم رفع المعانات التي تعانيها الدول الإسلامية والأقليات الإسلامية المهضومة الحقُّها .إنالإستثمار في الدول الإسلامية الفقيرة أضمن وأنفع، لأن فيه الأخذ بأيدي أولئك المحتاجين ورفع المعانات عنهم وهذا عمل اسلامي فيه ثواب من عند الله بالإضافة إلى الفوائدالتي تجنى من وراء الإستثمار والله يقول في كتابه العزيز: (وما تفعلوا من خير تجدوه عندالله).
الإسلام يدعو إلى الإتحاد وا لتضامن
خلق الله الناس جميعا منأصل واحديقول تبارك وتعالى: (والله خلقكم من نفس واحدة). والإسلام يجعل المؤمنين على إختلاف أمصارهم وألسنتهم وجنسهم أمة واحدة: (إن هذه امتكم أمةواحدة وانا ربكم فاعبدون)، ويساوي الإسلام بينهم ويطبق عليهم دون تمييز قانون المساواة في الحقوق والواجبات.
ولذا يدعو أتباعه إلى الإتحاد والتضامن على أساسالعقيدة الإسلامية ومبادئ الأخوة الإسلامية التي توحد وجهتهم وتربط بين قلوبهم اذ يكون المؤمنون في ظلها أمة متماسكة متحدة قوية: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)بهذا التماسك والتضامن يزداد المسلمون صلابة في الدين واقتدارا على العمل . فيتعاونون على البر والتقوى ويسارعون إلى الخيرات باذن الله وحينئذ هم يد واحدة أقوياء على منسواهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، هدفهم اعلاء كلمة الله وإقامة دينه ونشر العدالة بين البشر والتعاون فيما بينهم .
من دعائم الإ تحاد التمسك بنظام الإسلاموأخلاقه الكريمة هو كفيل بأن يوحد وجهة أبناء الأمة الإسلامية إذ أن المسلمين في شتى بقاء العالم يؤمنون بعقيدة واحدة، أساسها الإ يمان بالله الواحد القهار، ويخضعونلتشريع واحد ويحتكمون إلى نظامه الخالد؛ شريعة القرآن الذي وحده يمكنه أن يؤلف بين الشعوب المختلفة ويجعلها تحت لواء( لا إله الا الله محمد رسول الله) فتصبح أمة واحدةتخضع لنظام إلهي كما أرادها الله لها أن تكون إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون .
على الأمة الإسلامية والدول الإسلامية نبذ القوانين الوضعية ورفعالحواجز الإصطناعية التي تبعد الأخ عن أخيه . كما عليها نبذ النزعة القومية المشتتة للمسلمين ومحاربة الغزو الثقافي الأخلاقي ، والخضوع التام لشريعة الله وحده وذلكباتخاذ القرآن دستورا يعودون إليه في كل أمورهم ، ويكون أمرهم شورى بينهم مسترشدين بالسنة النبويةالتي تعد تفسيرا وبيانا وتطبيقا حيا لهذا القانون الإلهي الحكيم ، وبذايضمنون وحدتهم وتعاونهم فيما بينهم .
أثر الإتحاد والتضامن
إن اتحاد الأمة الإسلامية وتضامنها على أساس النظام الإسلامي العقائديوالأخلاقي يعيد لأبنائها العزة بدينهم ومنهجه القويم ويمكنهم من بناء حياة أفضل يجعلهم يعيشون في ظله حياة مستقرة بعيدين عن التقليد في جو يسوده المحبة والمساواةوالأمن ومن ثم تستطيع الأمة الإسلامية أن تدافع عن كيانها وتقضي على معوقات اتحادها وتضامنها ، وتنمي عوامل قوتها لتتمكن من مواجهة التجمعات الدولية المعادية للإسلام ،وبناء حضارة متكاملة تربط الناس بخالق الكون ولن تصلح هذه الأمة الا بما صلح به الأولون ؛ الا وهو العودة الى حظيرة الدين . هذا هو هدي الإ سلام وتعاليمه في صناعةالأخلاق وفي صناعة الإنسان الكامل المؤمن بالله ، يغرس في نفوس المؤمنين الطمأنينة ، والإنقياد التام لشريعة الله، كما يغرس فيهم مبا دئ وأسس الأخلاق الكريمة التي يجنيالمجتمع الإسلامي في ظلالها الثمار الطيبة، ويعيش في أمن وسلام، متآخ ومتعاون ومتراحم ومتماسك.
الأخلاق الإسلامية الحميدة جعلت من المسلمين السا بقين وحدة قويةمتكاتفة ومتراحمة ، لم يتجهوا الى غاية الا بلغوها ، ولم يقصدوا الى غرض إلا أصابوه ، رفعوا راية الحق عالية خفاقة ، كما نشروا العدل والسلام في أرجاء المعمورة وكانوا خيرأمة أخرجت للناس .
القسم السادس
ماذا حصل للمسلمين؟ إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلا قهم ذهبوا
تعرضت الأمة الإسلامية فيالعصور الماضية لهزات أخلاقية هزت كيانها ووحدتها أفقدتها ميزاتها الأخلاقية وأبعدتها عن السير في مسار الأخلاق الإسلامية التي بها حفظ الأولون وحدتهم وتما سكهم ، كماتعرضت لغزو
128-
ثقافي ومذهبي ونظريات مارقة ومفسدة وعادات وتقاليد خارجة عن تعاليم الأسلام وخلقه الكريمة ، لاقت اعجاب تلاميذ الغرب وعملائه الذينتربوا على أيديهم وقاموا بترويج مفاسد الغرب حتى جعلوا من المجتمع الإسلامي الراقي صاحب المثل الأعلى مقلدا لأسلوب الغرب العفن والفاسد ، بعد أن كان المجتمع الإسلاميالنقي الرائد في تقديم ما يصلح للبشرية في كل المجالات؛ لأنه من ينبوع القرآن الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
إستطاع أعداء الإسلام طمسمعالم الوحدة الإسلامية وتعميق جوانب الخلافات بين أبناء الأمة الإسلامية، أقاموا الحدود المصطنعة ووضعوا القوانين التي تحول بين الأخ المسلم وأخيه في الإسلام وتفرقأبناء الأمة الواحدة بسبب النعرة القومية والمذهبية، وأصبح لكل قوم جنسيته فاعتبرالمسلم أخوه المسلم أجنبيا، ومنع المساواة بين أخيه المسلم بسبب النعرة القوميةوالحدود المصطنعة، وكان من الواجب أن يعامل المسلم من أي بلد اسلامي معاملة الأخ لأخيه هذا ما تقتضيه الشريعة الإسلامية .
ولكن ما يؤسف له يُعامل المستعمر معاملةخاصة متميزة في البلدان الإسلامية على أنه سائح يأتي بالمال ويجب مراعاة متطلباته من توفير للخمر وفتح دور الدعارة والميسر ليحصل على ما يريد ويعبث كما يريد ويفسد كمايشاء .
إن أعداء الإسلام حريصون كل الحرص على إ ثارة الفتن والفرقة وبث سمومهم ليسهل لهم استغلال موارد المسلين والسيطرة عليها واستغلال أهلها . ولذا أثارواالنزعة العرقية، ودعوا الى القومية المنافية لمقومات الأمة الإسلامية الوحدوية التي تعتز بها الأمة الإسلامية وتؤمن بالنظام الإسلامي الذي يدعو ويقر الأخوةالإسلامية، ويعلن أنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، يقول الحق تبارك وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا
تفرقوا) وفيالوقت الحاضر يعمل أعداء الإسلام بكل جد لنقل نظرياتهم الجديدة وعاداتهم السيئة إلى البلدان الإسلامية ليقضواعلى ما بقي لدى المسلمين من عادات حميدة وقيم عاليةالمستمدة من منابع كتاب الله وسنة نبيه (ص). وما العلمانية والعولمة إلا شر أريد به لإزالة القيم الإسلامية وجر المسلمين الى الإلحاد وهاوية الفساد .
وإزاء هذهالتحديات والمستجدات يجب على الأمة الإسلامية مواجهة التحدي بالتحدي، ومعالجة المستجدات حسب حدوثها والأخذ بالأخلاق الإسلامية التي تضمن لهذه الإمة سيادتها ووحدتهاوتحفظها من كل سوء وتقع مسؤولية إعداد الأمة وقيادتها لمواجهة التحدي . على الدول الإسلامية والعلماء والمفكرين، العودة بالأمة الى حظيرة الدين، فلا ملاذ للأمةالإسلامية من الخطر المحدق بها إلا بالعودة الى الله والتمسك بأهداب الدين، بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا مجال للإرهاب والتكفير والهجرة في إصلاح الأمة قال الرسول (ص):(لا تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به الأولون) وهي الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن (لا إكراه في الدين قد تيبن الرشد من الغي).
الخلاصة
إنالتفكك والتشتت وما آلت إليه الأمة الإسلامية من الضعف بعد القوة والانتكاسات التي حصلت وتحصل للمسلمين من حين لحين مصدرها الآتي: 1ـ غياب التربية الأخلاقيةالحسنة التي هي دعائم الوحدة الإسلامية وسر عظمتها وقوتها في نفوس القائمين بأمور المسلمين في شتى الوظائف .
2- تجاهل الناس القيم والمثل العليا وانشغالهمبالماديات .
3- عدم الإهتمام بتربية النشئ تربية دينية تجعله محصنا دينيا وخلقيا، واتباع منهج العلمانية البحتة في التربية وهذا ما أفسد المجتمع .
4-التنافر والتباعد بين أتباع المذاهب المختلفة وموجة التكفيرالتي طغت
على المجتمع الإسلامي دون مبرر، والكل يشهد أن لاإله إلاالله محمد رسول اللهويؤمن بالقرآن الكريم ويتجه نحو قبلة واحدة .
ولإصلاح ما أفسده المفسدون يتطلب من المصلحين المهتمين بالشؤون الإسلامية والساعين للتقريب بين المذاهب الإسلاميةوتجسيد الوحدة الإسلامية القيام بما يلي:
1ـ اتباع المثل الأعلى في الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية .
2- العمل على ازالة الخلافات التي بذرها أعداءالإسلام بقدر الإمكان .
3- الإهتمام بتربية النشئ المسلم تربية دينية خلقية تجعله محصنا دينيا وخلقيا، تؤهله للحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية ونبذ المنهجالمستورد الذي يدعو الى العلمانية.
على الدول الإسلامية التي تنتهج المناهج الغربية التعاون مع علماء الأمة لإيجاد منهج إسلامي سليم، كما يجب عليها التعاون معالعلماء في تقرير مسيرة وسير الأمة الإسلامية.
4- عدم الرضوخ لما يسمى بالإصلاح الذي تدعو اليه الدول الغربية، ألا وهو وضع دين جديد للمسلمين باسم الإسلامالمجدد، وقد دعوا لحذف بعض آيات الله الكريم من القرآن المجيد، وحذف مواد دينية من المناهج التربوية الإسلامية، كما دعوا إلى تجديد الخطاب الديني . إزاء هذا التحديالسافر يجب على الأمة الإسلامية برمتها رفض هذه المطالب رفضا باتا.