الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم
سماحة السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلىللمجمع العالمي
للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة
ينقسم هذا البحث إلى قسمين رئيسيين:
القسم الأول: الاختلاف والوحدة كظاهرةٍإنسانية. القسم الثاني: الاختلاف والوحدة بين الديانات الإلهية.
أما القسم الأول: فنحن نلاحظ من خلال القرآن الكريم أن البشرية ـ كمجتمع ـ بدأت متحدة فيسلوكها وعلاقاتها، كما نص القرآن الكريم على ذلك في بعض المواضع: ( كان الناس أمة واحدة((1) (وما كان الناس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيمافيه يختلفون((2).
ويبدو أن هذه الوحدة كانت تقوم على أساس قاعدة الفطرة الإنسانية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، وهيأه لهذه الخلافة الإلهية فيالأرض، والتي تتمثل بالعقل والعلم والإرادة (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...((3) وقد كانت الظروف الإنسانية والحياتية في البداية ملائمة لأن تأخذ هذهالفطرة دورها في تحقيق هذه الوحدة واستمرارها باعتبار بساطة الحياة الاجتماعية، وعدم وجود التعقيد في ظروفها، سواء على مستوى حاجات هذا الإنسان ومتطلباته التي تفرضهاعليه غرائزه وشهواته، أو على مستوى الإمكانات والقدرات التي يملكها هذا الإنسان، والتي تجعله غير قادر على بسط نفوذه، والتوسع والامتداد ليشمل مساحات جديدة من الحياةالاجتماعية بحيث تؤدي إلى دخوله في التناقض مع المساحات الأخرى، أو على مستوى المعرفة والفهم للوسائل والأسباب التي تخلق له أنواعاً جديدة من الآفاق والطموحات والأهدافوالمقاصد.
ويمكن أن نتصور هذه المرحلة الأولى من الحياة الإنسانية التي كانت تتحكم فيها الفطرة وتسيرها في ظل هذه الظروف الملائمة. إن الإنسان فيها قد يحدث لهبعض التجاوزات الفردية التي كانت تظهر بسبب الهوى، ولكن سرعان ما يرجع إلى فطرته عندما تهدأ سورة الهوى من حقد أو حسد أو غضب أو شهوة، كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك فيحادثة ابني آدم: ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين((4). ظاهرة الاختلاف:
وبعد هذه المرحلة ـ ومرور فترة زمنية معينة تكامل فيها المجتمع البشري وتوسع في إعداده وحاجاته ومتطلباته ـ جاءت فترة الاختلاف في البشرية.
ويبدو من القرآنالكريم أن البشرية في جميع أدوارها كانت محكومة بما يمكن أن نسميه بـ(قانون الاختلاف)، ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربك ولذلكخلقهم...((5)، حيث إن الاختلاف ـ كواقع خارجي ـ كان موجوداً وقائماً في مختلف المراحل التاريخية، وكان هذا الاختلاف نتيجة طبيعية لقانون آخر وضع الله تعالى البشرية فيإطاره، وهو: قانون الامتحان والاختبار، والذي شكل المنهج الوحيد لعملية البناء والتكامل للأمم والأفراد الصالحين في إطار المخلوق العالم والمختار، الذي يعتمل في نفسهالشعور بالحاجة الطويلة للحياة والرغبات والشهوات، والذي هيأ الله تعالى له حياة طويلة ومتنوعة، وهي الحياة الدنيا والآخرة، حيث كانت فترة الامتحان له ـ وهي: الحياةالدنيا ـ فترة العمل من أجل هذا التكامل وفرصة الاختبار فيه، وكانت الحياة الأخرى هي فترة الحساب والثواب والعقاب وتحقق الأهداف(الحياة الحقيقية) ( وما هذه الحياة الدنياإلاّ لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون((6). ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون((7). (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاًوهو العزيز الغفور((8).
الاختلاف بسبب الهوى:
وقد بدأ الاختلاف في الحياة الإنسانية بسبب تأثير الهوى الذي أودعه الله ـ عز وجل ـ في النفس البشرية كقوةجاذبة توازن في عملية الإرادة والاختيار قوة العقل والفطرة الإنسانية، حيث يعتمد الهوى بالأصل على رؤية الأمور عملياً من خلال المحسوسات المادية فقط، والحاجات الأمنيةالدنيوية التي تتطلبها الغرائز الإنسانية، ويعتمد على المشاعر والأحاسيس التي تخلقها المصالح الوقتية في مقابل العقل الذي يعتمد على الرؤية الصحيحة والدقيقة لواقعالكون والحياة، والنظرة إلى الحياة الإنسانية على أساس أنها حياة لها امتداداتها الغيبية في المبدأ والمعاد، وأن لها حاجات مادية وروحية معا لابد من تكاملها فيالمتطلبات والالتزامات، وأهمية إيجاد التوازن بينهما في العمل والسلوك ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنياخالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون((9). (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلكمتاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب((10). ويمثل هذا المشهد القرآني هذه الرؤية ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم *والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم * أعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهووزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياةالدنيا إلاّ متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم * ماأصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبراها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما ءاتاكم والله لا يحب كل مختال فخور((11).
وكذلك ينظر العقل إلى المصالح الإنسانية بنظرة شمولية ترتبط بالفرد والمجتمع والحياة الدنيا والآخرة.
ومن هنا نجد الهوى يدعو عمليا إلى إطلاق العنانللغرائز والشهوات، ويدعو أيضاً إلى الاهتمام بالمصالح الخاصة الذاتية من خلال رؤية الإنسان لذاته وحركتها في هذه الحياة الدنيا فقط، والتي قد تضيق وتتسع هذه الرؤيةللذات بحسب فهمه لهذه الحياة الدنيا، ومدى حركته وسعة وجوده، أو اندفاعاته الغرائزية التي قد يقدم بعضها على البعض الآخر عندما تتزاحم فيما بينها.
ومن هنا نجدهذا النوع من الناس الماديين مختلفين في اهتماماتهم بالذات، حيث إن بعضهم يركز على شخصه، أو عشيرته، أو أسرته، أو على القضايا الجنسية، أو المالية، أو الجاه والمناصب،أو غير ذلك من الشهوات؛ لأن نظرته لحركة ذاته في الحياة الدنيا تعرض عليه هذا النوع من الاهتمام أو ذاك.
وفي مقابل ذلك نجد العقل يدعو إلى السيطرة على الغرائزوإخضاعها إلى الضوابط والقيود وتوجيهها في السلوك وفقاً لما تقتضيه المسيرة الطويلة للتكامل الإنساني الشامل.
وكذلك يدعو العقل إلى الاهتمام بالمصالحالإنسانية العامة والخاصة من خلال رؤية الإنسان لذاته وحركتها في الحياة الدنيا والآخرة معاً، حيث يصبح حب الذات الذي هو من الأمور الفطرية والغريزية في الإنسان، وكذلكحب الخير واللذات والشهوات لها مداليل أخرى في حياة الإنسان تنسجم مع هذا الفهم، وكذلك التضحية والفداء والمعاناة والآلام والبذل والإنفاق والإيثار، وكذلك العشيرةوالأسرة والقبيلة والوطن والناس لهم معان أخرى تصب في سبيل الله ورضوان الله والوصول إلى الدرجات العليا ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم منالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا((12).
وعندما يتبع الإنسان الهوى ويخرج على توجيه العقل يوجد الاختلاف بسبب عدوان أصحاب الهوى على الناسوالكون، والتناقض بين المصالح والإرادات، والتنافس غير الشريف على الجاه والسلطة والشهوات بين الناس.
ويبدو من القرآن الكريم أن هذا النوع من الاختلاف هو: أولالأنواع التي ظهرت في التاريخ الإنساني والتي توقعها الملائكة من خلال طبيعة خلق هذا الإنسان كما يتحدث القرآن الكريم: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون((13).
الاختلاف بسبب العقائد:
لما برز الاختلافبسبب الهوى واقترن ذلك بتطور الحياة الإنسانية ووجود التعقيد والتركيب فيها واصبح الإنسان عاجزاً عن أن يقوم بمفرده ـ ومن خلال عقله وفطرته ـ عن حل المشكلات الصعبةوالعميقة في حياته عندئذٍ حصل تطور جديد في الحياة الإنسانية، حيث تفضل الله سبحانه على عباده بإنزال الكتب والرسالات السماوية وإرسال الأنبياء؛ ليرشدوا هؤلاء الناسإلى طريق الهدى والصلاح، وليحكموا في الخلافات والنزاعات لهؤلاء الناس بالحق والعدل، كما تؤكد على ذلك الآية السابقة وغيرها من الآيات ( كان الناس أمة واحدة فبعث اللهالنبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذينآمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم((14). وقد كان لهذا التطور الجديد أن يرتقي بالحياة الإنسانية في فهمها للحياة وللكون، وفيتشخيص معالم الفطرة في النفس الإنسانية وتوضيحها ضمن صيغ وقوانين محددة، كما تم تشخيص مواضع القسط والعدل، والظلم والجور، ومعالم الصلاح والفساد، والخير والشر،والحسنة والسيئة، والمعروف والمنكر، والأخلاق بجانبيها: المحمود والمذموم. وكما توضحت سبل وأساليب الارتباط بالله تعالى وعبادته وحمده وشكره وتسبيحه وتقديسه، كل ذلكمن خلال الرسالات السماوية.
وفي مقابل هذا التطور الجديد والضروري الذي يمثل الرحمة الإلهية تطور الامتحان والاختبار لهذا الإنسان، متناسقاً مع درجة التكاملالجديدة التي أخذ يواجهها هذا الإنسان. فحدث نوع جديد من الاختلاف، وهو: الاختلاف في العقائد الإلهية من خلال تأثير الهوى في الإنسان، حيث سيطر على سلوك بعض الناس، وتحولإلى إله يعبد من دون الله، فانحرف هذا الإنسان عن فطرته التي اختفت تحت ركام السيئات والذنوب والانحرافات والآثام والشهوات، الأمر الذي أدى إلى التمرد على الله تعالى،ورفض الإنسان الاستماع إلى نداءات الرسل والأنبياء في التوحيد الإلهي، أو في الإيمان بالوحي والرسالة، أو الإيمان بالمعاد والنشور، وحتى النداءات الأخلاقيةوالإصلاحية للمجتمع وللإنسان، في تحقيق العدل والقسط، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التحول في الأوضاع الإنسانية والبشرية، وهذا النوع من التمرد في مثل قوله تعالى:
( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون * وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموتونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنون((15).
وتمثل سورة نوح(عليه السلام) صورة رائعة عن هذا التطور والمواجهة التي حصلت في بدايات هذاالتحول في التاريخ البشري كما يظهر في قوله تعالى: ( قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً * فلم يزدهم دعائي إلاّ فراراًَ * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم فيآذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً * ثم إني دعوتهم جهاراً * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكممدراراً((16).
كما أشار القرآن الكريم في مواضع عديدة إلى هذا النوع من الاختلاف، وبشكل عام في الآية(213) من سورة البقرة، وفي مثل قوله تعالى: (إن الدين عند اللهالإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب((17). (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهمالشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم * وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون((18). (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربياًلتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لاريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير * ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولانصير((19).
ولعل هذا النوع من الاختلاف هو الذي أشار إليه إبليس في محاورته مع الله سبحانه وتعالى وتوعده للإنسان، تعبيراً عن الحالة التي كان عليها إبليس في موقفهمن السجود لآدم وتمرده على الله تعالى، حيث انطلق في ذلك من الهوى والأنا والشعور بالتمييز الذاتي على آدم عليه السلام ( ولقد خلقناكم ثم صورنا كم ثم قلنا للملائكة اسجدوالآدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرجإنك من الصاغرين * قال انظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعنشمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال أخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم لأملئن جهنم منكم أجمعين((20). ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس أبى واستكبروكان من الكافرين((21).
الاختلاف بسبب الفساد في الأرض:
وفي تطور آخر إلى جانب الاختلاف العقائدي بدأ سبب آخر للاختلاف ينطلق من الهوى أيضاً، وهو: الاختلافبسبب الجهل والطغيان، وتحول بعض الممارسات السلوكية إلى عادات ثابتة، أو تقاليد مقدسة لوراثتها عن الآباء والأجداد، وبفعل الاجتهادات والتغيرات القائمة على الهوىوالأغراض الشخصية أو الظنون والأوهام، الأمر الذي أدى إلى انقسام الناس إلى جماعات متعصبة وأحزاب متفرقة يقتل بعضهم البعض الآخر ويشرده من دياره، أو يستعبده ويستغله مناجل مصالحه وحاجاته وإرضاء لرغباته وشهواته. ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون((22). (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلهاشيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين((23).( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلمتأويله إلاّ الله والراسخون في العلم((24). (لا يعلمون الكتاب إلاّ أماني وإن هم إلاّ يظنون((25). (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عملالشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون((26). ( وإذا قيللهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون((27).
( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسولقالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون((28).
وقد وردت آيات كثير في سور متعددة بهذا الصدد فراجع(29).
وهناك المئات منالآيات الكريمة التي تناولت معالم الفساد والانحراف في العقائد والسلوك والاجتهادات، وتحدثت عن مفردات الهوى وزخارف الدنيا وآثارها في الحياة الإنسانية.
وقدشرع الإسلام الدعوة إلى الله والبلاغ بالهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لمواجهة هذه الأنواع من الاختلافات بحسب مستوياتها وطبائعها، كماتنص على ذلك الآيات الكريمة الكثيرة.
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون((30).
(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهموأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلكهو الفوز العظيم((31).
وقد أكد القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى ـ من أجل تنبيه الناس ووعظهم في الحياة الدنيا، وللقضاء على أسباب الاختلاف وفتح طريق التكاملأمام مسيرة البشرية على المستوى الفردي والجماعي ـ وضع قانونين آخرين:
أحدهما: قانون الاستغفار والتوبة والإنابة والعفو؛ ليكون أمام الإنسان فرصة الرجوع عنأخطائه وذنوبه، حيث يتكامل بهذه التوبة، ويتفضل عليه الله ـ عز وجل ـ بالمغفرة.
ثانيهما: قانون الانتقام الدنيوي للجماعات عندما تتفاقم حالة الانحراف، وتتزايدالذنوب والجرائم والسيئات، ليكون هذا الانتقام عبرة للأجيال القادمة والأمم الآتية.
ومن هنا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على هذين القانونين، سواء في العطاءالنظري والفكري، أو في قصص الأنبياء والأقوام؛ من أجل معالجة هذه الأسباب وتوضيح الرؤية والطريق للناس نحو الكمال.
( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهمأو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون((32).
( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار((33).
(أن سخط الله عليهم وفي العذاب همخالدون((34).
(والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون((35)(36).
كما حدد القرآن الكريم المعالم الأساسية التي يمكن أن تقوم عليها وحدة المجتمعالبشري في نهاية المطاف، حيث ستصل مسيرة البشرية إلى هذا الهدف في أواخر أيامها الدنيوية كما وعد الله سبحانه وتعالى بذلك.
وسوف نتحدث عن هذه الأسس التي تقومعليها الوحدة في نظر القرآن الكريم في الفصل الآتي عند الحديث عن الوحدة في المجتمع الإسلامي.
الاختلاف والوحدة بين الديانات الإلهية:
من الواضح منخلال النظرية القرآنية أن فكرة الوحدة لابد لها من قاعدة ووسائل كما سوف نتحدث عن ذلك في الفصل الآتي. ولكن هنا لابد أن نشير إلى أن الوحدة بين أبناء البشرية إنما يمكن أنتتحقق فيما إذا كان هناك قاسم مشترك ورئيسي يكون منطلقاً لهذه الوحدة، ومقبولاً في العمل من أجل الوحدة. ومن وجهة نظر القرآن الكريم يمكن تحديد هذا القاسم المشترك علىمستوى البشرية على أساس الأمرين التاليين:
الأول: الإيمان بالله تعالى والوحي والرسالات واليوم الآخر. الثاني: القبول بالعزة والكرامةالإنسانية، واحترام الإنسان وحريته في العقيدة والفكر والعمل.
ولذا فلا مجال للوحدة في نظر القرآن الكريم بين المؤمنين والكافرين في مجتمع واحد حقيقي، فقديجمعهم مكان واحد ووطن واحد ويكون بينهم(الهدنة)، ولكنهم لا يمكن أن يكونوا مجتمعاً واحداً من وجهة نظر الإسلام. فلا يمكن في الوحدة التنازل عن هذا الأمر؛ لأن الشرك ظلمعظيم، ويغفر كل ذنب دونه:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما((37).
وبالتالي فهو يجعل حاجزاً نفسياًوتناقضاً اجتماعياً وظلماً لا يمكن التجاوز، بل يمثل التمزق والاختلاف بين الناس على أساس التعدد من التدمير، بخلاف التوحيد الذي يمثل الوحدة الحقيقية.
(قدكانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا باللهوحده...((38).
ولاشك أن هذا الموقف الذي يذكره القرآن لإبراهيم وأتباعه من أجل التأسي به يجسد هذه النظرية القرآنية للوحدة، ولكنه موقف إنما يتم اتخاذه بعد إقامةالحجة والبلاغ بالحكمة والموعظة الحسنة.
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون( (39).
كذلك لا مجال للوحدة في نظر القرآن بين الطغاة والمساكين، والمستكبرين والمستضعفين، والظالمين والمظلومين في مجتمع واحد حقيقي، فقد يجمعهم ـأيضاً ـ مكان واحد ووطن واحد، ولكنهم ليسوا مجتمعا واحدا في نظر الإسلام، بل يتحول المجتمع إلى مجتمع متمزق في واقعه: ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفةمنهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين((40).
بل أن الإسلام فرض القتال على المستضعفين عندما يكونون قادرين على ذلك، والقتال هو النزاع والاختلافوالفرقة:
( اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضلهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز((41).
(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجالوالنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً((42).
ومن هذا المنطلق نجد القرآن الكريمعالج بشكل خاص قضية الوحدة، والاختلاف بين المسلمين وأهل الكتاب(أهل الديانات الإلهية) باعتبار توفر القاسم المشترك بينها. فإن القرآن الكريم في البداية قد دعا أهلالكتاب إلى دين الحق ـ وهو: الإسلام ـ وحثهم على الدخول فيه:
( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم منالله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم((43).
معالجة أسباب الانحراف عند أهلالكتاب:
وقد حاول القرآن الكريم أن يعالج مجمل الانحرافات وأسباب الاختلاف التي كانوا عليها، خصوصاً قضية الشرك بالله تعالى ونقضهم للمواثيق؛ وذلك من أجلتوحيدهم في دين واحد وجعلهم أمة واحدة: ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل * لعنالذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيراً منهم يتولونالذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل إليه ما أتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهمفاسقون((44).
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً((45).
( لقدأخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون((46).
ويمكن تلخيص أهم هذه الأسباب بالنقاط التالية: 1 ـ الانحراف في العقيدة من خلال الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء، والغلو في العقيدة: كنسبة الولد إلى الله، أو تصور أن الله ثالث ثلاثة، أو أن يد الله مغلولة، أواتخاذ الرهبان والأحبار أرباباً من دون الله، أو غير ذلك من الموارد التي أشار إليها القرآن الكريم.
2 ـ التمسك والتعصب للأسماء والشعارات بعيداً عن الالتزاماتالعملية والسلوكية، كقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، أو الزعم بأنهم أولياء الله الذين لا يتعرضون إلى العذاب والمؤاخذة لتمسكهم بهذه الديانات.
3 ـ نقض المواثيقوالعهود التي أخذها الله عليهم في الإيمان به والدفاع عن الحق والمظلومين وفي التصديق بالنبي الامي العربي.
4 ـ الاهتمام بالمناصب والمواقع الاجتماعية، وجمعالأموال عن طريق المتاجرة بالدين وآيات الله وكلماته.
(وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون((47).
5 ـ تأويل النصوص الدينية وتفسيرها حسب الأهواء والآراء والأماني، وعن طريق الاجتهادات الخاطئة البعيدة عن العلم واليقين والاعتماد على الظن والوهم.
(ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاًتقتلون * وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون * ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفواكفروا به فلعنة الله على الكافرين((48).
إطار الوحدة بين الديانات الإلهية:
وقد وضع القرآن الكريم إطاراً للوحدة بين أتباع الديانات الإلهية إلىجانب محاولته لمعالجة مجمل الانحرافات التي أصابت الأمم والجماعات التي آمنت بهذه الرسالات؛ وذلك من أجل إبقاء العلاقة النفسية والروحية بين المسلمين وأتباع هذهالديانات، وتهيئة الأرضية للتعايش الاجتماعي والسياسي بين هذه الديانات من ناحية، وإيجاد صف واحد للمؤمنين بالله واليوم الآخر في مواجهة قوى الوثنية والشرك والإلحاد. ويمكن أن نجد معالم هذا الإطار وأبعاده في النقاط التالية:
النقطة الأولى:
الإيمان بالله الواحد، والوحي الإلهي، واليوم الآخر، والكتبوالرسالات، حيث يمثل هذا الإيمان الأساس المشترك لهذه الديانات كلها. وبالرغم من الإشارات القرآنية إلى وجود الانحراف عن هذا الأصل في بعض هذه الديانات ـ بحيث عبر عنهالقرآن الكريم بـ(الكفر) ـ ولكن يبدو أن تقويم القرآن الكريم لهذا الكفر والشرك لم يكن بالدرجة التي تؤدي إلى القطيعة والانفصال، ولعل ذلك ـ والله أعلم ـ ينطلق من: أن هذاالنوع من الكفر والشرك ليس بالدرجة العالية من الانحراف؛ لأنه كفر وشرك يرتبط بتصور الذات الإلهية تصوراً منحرفاً، أو الغلو في فهم بعض أفراد الأنبياء والصعود بدرجاتهمإلى مستوى يجعلهم يمثلون امتداداً لله الواحد نفسه، كما يبدو ذلك في تصور بعض طوائف النصارى للمسيح وأمه، بحيث تصبح الذات الإلهية ذات أبعاد ثلاثة، أو مراحل ثلاثة تشبهالمراحل التي يمربها بعض الموجودات البشرية أو المادية مثل:(الأب، والابن، وروح القدس): ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة((49). ( وقالت اليهود عزير ابن الله((50). (وقالت النصارى المسيح ابن الله((51). ويبدو أن القرآن الكريم لم يستخدم كلمة(الشرك) و(المشركين) من أهل الكتاب، بل وضع(الذين أشركوا) في مقابل أهل الكتاب، بالرغم منانتقاد القرآن الشديد لأهل الكتاب أحياناً، ووضعهم إلى صف المشركين في إدانتهم والمصير الذي سوف ينتهون إليه أحيانا أخرى.
(إن الذين كفروا من أهل الكتابوالمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية((52). كما أنه قرنهم في أول السورة.
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير منربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم((53).
ويبدو من سياق الآيات في بعض الموارد من الآية السابقة وغيرها ومن التصريح في بعض الموارد الأخرى وجودالفرق بين أهل الكتاب أنفسهم من اليهود والنصارى، حيث اصطف اليهود إلى جانب، فكانوا أشد الناس عداوة وإيذاءً
للمسلمين، شأنهم في ذلك شأن المشركين على خلافالنصارى الذين فيهم القسيسون والرهبان.
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنمنهم قسيسين ورهبانا
وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين((54). ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلاّ ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون علىالله الكذب وهم يعلمون((55).
(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلاّ أنفسهم وما يشعرون((56).
وبعد أن يستعرض القرآن الكريم مواقف طوائف أهلالكتاب وانحرافاتهم وما يجب على المسلمين من مواقف تجاههم يختم هذا المقطع بقوله تعالى:
(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله اناء الليل وهميسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين((57). وانطلاقاً من هذا التصور نجد القرآن الكريم يدعو أهل الكتاب إلى كلمة التوحيد باعتبارها الكلمة الجامعة، والتي تمثل القاسم المشترك بينهم وبين المسلمين.
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنامسلمون((58).
كما نلاحظ القرآن الكريم يضع أهل الكتاب بأصنافهم المتعددة في صفٍ واحدٍ مع المسلمين في النهايات؛ وذلك انطلاقاً من هذه الرؤية الواقعية، والتمييزبين بعضهم والبعض الآخر، ويضع قضية الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح أساساً لذلك.
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللهواليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون((59).
النقطة الثانية:
التأكيد على وحدة الرسل والرسالات. فالأنبياءوما جاءوا به من الوحي إنما هو مصدر واحد، وهو: الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤولية من نوع واحد، وهي: مسؤولية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخيروالهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد، وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات. وقدأكد القرآن الكريم هذه الوحدة بأساليب متعددة. فتارة: يصرح بها من خلال استعراض مسيرة الأنبياء ودعواتهم، ويختم ذلك بقوله تعالى:( إن هذه أمتكم واحدة وأنا ربكمفأعبدون((60) بعد أن استعرض القرآن الكريم الإشارة إلى أعمال مجموعة من الرسل، وبعد استعراض مسيرة مجموعة من الرسل، حيث جاء قوله تعالى: ( يا أيها الرسل كلوا من الطيباتوأعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون((61).
وأخرى بأسلوب تأكيد وحدة مضمون دعوة الأنبياء المتعددين عند استعراض رسالتهمإلى أقوامهم، كما نلاحظ ذلك في عدة سور قرآنية: كالشعراء وغيرها.
وثالثة: بالإشارة إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي عدم التفريق بين الرسل، والإيمان بهمجميعاً مع احترامهم، والإنكار على من يفرق بين هؤلاء الرسل؛ لأنهم جميعاً هم رسل الله تعالى: ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبهورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير((62).
(قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوبوالأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون((63).
وكذلك الآيات الشريفة في سورة النساء من(150 ـ 164) خصوصاً قوله تعالى:(لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بما أنزل إليك وما انزل من قبلك...( إلى آخر الآيات.
ورابعة: من خلال التركيز في الحديث على الأنبياء المعروفين لدى أوساط أهلالكتاب وقصصهم: كادم ونوح وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وعيسى وغيرهم.
النقطة الثالثة:
الدعوة إلى تطبيق الأحكام الإلهيةالمشتركة الثابتة في التوراة والإنجيل؛ ليتضح مدى التقارب والوحدة بين هذه الأديان، خصوصاً وأن هذه التشريعات بعضها يكمل البعض الآخر، حيث نجد القرآن الكريم يتناول هذاالموضوع بأساليب متعددة: أ ـ الإشارة إلى الأحكام التي كانت ثابتة في الديانات السابقة، كما تم ذلك في الصوم والقصاص و...
( يا أيها الذين ءآمنوا كتب عليكمالصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون((64).
ب ـ المطالبة بالرجوع إلى التوراة والإنجيل في فصل الاختلافات التي تواجه أهل الكتاب، وتشخيص الأحكام،والمقارنة بينها وبين ما هو موجود في التوراة والإنجيل.
( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلاّ ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراةفاتلوها إن كنتم صادقين((65).( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم...((66).
( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم اللهثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتابالله...((67).
( وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون((68).
ج ـ أسلوب الدعوة للرجوع إلى أهل الذكر والمعرفة منعلماء أهل الكتاب: لتبين الحقائق التي جاء بها الإسلام بعد تذكيرهم بها. ( وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون((69).
( وماأرسلنا قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون((70).
النقطة الرابعة:
الدعوة إلى التسليم والقبول بالرسالة الإسلاميّةوأصولها الإلهية، واحترام النبي الامي العربي المتمثل برسول الله صلى الله عليه وآله، حيث إن الإسلام يعترف بشكل طبيعي بالرسالات السابقة والأنبياء السابقين، وبالتاليبأقوامهم وأتباعهم الذين آمنوا بهم، وباعتباره صاحب الرسالة الخاتمة فلابد له من تصديق الرسالات السابقة في الوقت الذي يمثل الهيمنة عليه وإكمالها، وتصحيح الانحرافاتالتي طرأت عليها من خلال التراكم الزمني والتاريخي، والرواسب والمخلفات الاجتماعية والقومية والانحطاط الأخلاقي. وقد توسل القرآن الكريم إلى هذه الدعوةبأساليب متعددة أيضاً:
أ ـ إرجاع الإسلام إلى الأصل الإبراهيمي، والتأكيد على موقع إبراهيم(عليه السلام) في الرسالة الإسلاميّة باعتباره أب الأنبياءوالإسرائيليين، ومن النبي الذي تلتقي به الرسالات السماوية. ومن هنا جاء التأكيد على أن اسم الإسلام كان من إبراهيم عليه السلام، وأنه كان مسلماً حنيفاً، ولم يكنيهودياً ولا نصرانياً.
(وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسولشهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس...((71).
(يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون * ها أنتم هؤلاء حاججتم فيمالكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين((72).
ب ـدعوة أهل الكتاب للاعتراف بالنبي ورسالته من خلال التأكيد على بشارة الأنبياء والكتب السماوية به، حيث تمت الإشارة في القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في عدة موارد:
منها: ما ورد في سورة الأعراف في سياق الأحاديث عن موسى ودعائه الله تعالى: (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك( من قول الله تعالى في جوابه: ( قالعذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم فيالتوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم.. ـ إلى قوله تعالى: ـ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبهيعدلون((73).
ومنها: ما ورد في سورة الصف من قوله تعالى على لسان عيسى بن مريم، بعد الإشارة إلى موقف قوم موسى وقوم عيسى منهما: ( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمدفلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين((74).
ومنها: ما ورد في سورة البقرة من قوله تعالى: ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون علىالذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين((75).
ومنها: ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكملتؤمنن به ولتنصرنه وقال ءأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين((76).
ج ـ مناقشة الأفكار المختلفة والمهمة عند أهل الكتاب،وإرجاعها إلى أصولها الصحيحة، وتذكيرهم بما يخصون من الكتاب، كما هو الحال في فكرة تولد المسيح من غير أب، والتي كانت سبباً لإثارة الاتهام تجاهه عند اليهود، والاعتقادبأنه تجسيد للإله عند النصارى.
(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين((77).(إنمثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون((78).
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيحابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير((79).
وكذلك فكرة: أن اليهود والنصارى هم أبناء اللهوأحباؤه، وأنهم لا يتعرضون للعذاب والعقاب:
( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب منيشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير((80).
(قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين((81).
وكذلك: فكرة الفقر والبخل الإلهي التي كان يقول بها اليهود: ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء((82).
( لقدسمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد *الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين((83).
النقطة الخامسة:
الاعتراف بالوجود الديني والاجتماعي لأصحاب هذه الديانات ضم المجتمع الإسلامي، سواء على مستوى علاقات المواطنة، أو العلاقات الاقتصادية، أوعلاقات الأسرة والروابط الاجتماعية، كما تدل على ذلك بعض الآيات الكريمة، ويؤكده التعامل السياسي في الدولة الإسلامية، واتفاقيات المواطنة التي تسمى بـ(الجزية)،وإبقاء وجودهم الديني من المعابد والشعائر الدينية والأحكام في الأحوال الشخصية، وكذلك إبقاء الأراضي المفتوحة عنوة في أيديهم، وفتح الأبواب لهم في مختلف المجالاتالاقتصادية والعلمية والثقافية. فمن الآيات التي تناولت هذا الموضوع هي(آية الجزية):(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون((84).
فإن هذا الاستثناء لا يشمل المشركين ولا غيرهم من الملحدين المرتدين،خصوصاً وأنها جاءت في سياق البراءة من المشركين:
( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات منالذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا اتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين((85).
فإن هذهالآية تشير إلى العلاقات التجارية في قوله تعالى ( وطعامكم حل لهم(. وكذلك العلاقات الزوجية، خصوصاً إذا قارناها بالموقف من المشركين في قوله تعالى: ( ولا تمسكوا بعصمالكوافر((86).
( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم((87).
كما يؤكد القرآن الكريم في بعض الآيات على الجانب الروحي والعاطفيالموجود في أوساط بعض أهل الكتاب: كالنصارى كما أشرنا إلى ذلك في آية سورة المائدة، وكما في قوله تعالى: ( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناهالإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثيرمنهم فاسقون((88).
إن هذه النقاط الخمس التي ذكرناها إن وضعنا بعضها إلى جانب الآخر وجدنا أن القرآن الكريم في الوقت الذي كان يسعى إلى تصحيح انحرافات أهل الكتابودعوتهم لدخول الإسلام والالتزام بدين الحق في نفس الوقت كان يسعى أيضاً لإيجاد صف واحد من المؤمنين بالله والوحي والرسالات واليوم الآخر؛ ليكونوا في مواجهة صف الشركوالوثنية والإلحاد، ولولا موقف جهود الجزيرة العربية من ناحية وموقف الطغاة الحاكمين في أوساط النصارى والمجوس لو جدت هذه الدعوة آذاناً صاغية في أوساط أهل الكتاب مناليهود والنصارى والمجوس والصابئة.
ويؤكد هذا الفهم التعاطف النفسي والروحي الذي كان يشعر به المسلمون تجاه أهل الكتاب، وخصوصاً النصارى منهم، كما تشير إلى ذلكالقصة التي تشير إليها الآية في أول سورة الروم: ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين((89)، حيث يذكر التاريخ: أن المشركين أظهروا الشماتة،وأثاروا الشبهات حول الإسلام عندما تعرض الروم إلى هزيمة على أيدي الفرس، حيث كانوا يصنفون إلى جانب الوثنيين لعبادتهم النار، بخلاف الروم النصارى.
وكذلك القصةالتي تحدثنا عن موقف ملك الحبشة تجاه المسلمين، ورفضه لطلب المشركين تسليم المسلمين إليهم، وبعد ذلك الرعاية الخاصة التي وجدها المسلمون في الحبشة. كما يؤكد ذلك تعايشأهل الكتاب بشكل عام، وخصوصا النصارى منهم مع المسلمين في مختلف أدوار الدولة الإسلاميّة وأقطارها، بحيث كانت تتم الرعاية لهم والتعايش معهم أحيانا أكثر من رعاية بعضفرق المسلمين المعروفة.
وهذا الفهم يفرض علينا في هذا العصر موقفاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً تجاه أهل الكتاب، وخصوصاً النصارى منهم في العالم المسيحي،والكنائس المختلفة المتعددة، وضرورة التمييز بين الموقف الاستعماري أو الصليبي لهذا العالم، والحقيقة.
الدينية والثقافية له، وبالتالي السعي إلى تبين القواسمالمشتركة، ومعالم الوحدة الحقيقية، كما صنع القرآن الكريم ذلك في الصدر الأول، فإنه لم يخلط بين المواقف الحاقدة لبعض أهل الكتاب، كذلك الانحرافات العقائديةوالأخلاقية والسياسية , والمواقف المتعاطفة والأفكار المشتركة.
ويمكن الانطلاق في ذلك من منطلقين واقعيين في هذا العصر:
الأول: منطلق الإيمان بالله.والقضية الروحية والمعنوية التي تمثل قضية مشتركة.
الثاني: قضية حقوق الإنسان، حيث جاء الإسلام بالكثير من هذه الحقوق، بل تقدم البشرية في مجال طرحها والاهتمامبها وتطويرها، وكانت الرسالة الإسلاميّة دعوة عالمية ذات طابع سياسي إنساني وجهادي لإحقاق هذه الحقوق.
1 ـ البقرة: 213.
2 ـيونس: 19.
3 ـ البقرة: 30.
4 ـ المائدة 27.
5 ـ هود: 117 ـ 118.
6 ـ العنكبوت: 64.
7 ـ العنكبوت: 2.
8 ـ الملك: 2.
9 ـ الأعراف: 32.
10 ـ آل عمران: 14.
11 ـ الحديد: 18 ـ 23.
12 ـ النساء: 69.
13 ـ البقرة: 30.
14 ـ البقرة:213.
15 ـ الجاثية: 23 ـ 24.
16 ـ نوح: 5 ـ 11. 17 ـ آل عمران: 19.
18 ـ النحل: 63 ـ 64.
19 ـ الشورى: 7 ـ 8.
20 ـ الأعراف: 11 ـ 18. وانظر: الحجر: 8 و 33 ـ 37، و ص: 80، الاسراء: 61 ـ 75 ـ 76.
21 ـ البقرة 34.
22 ـ الروم: 41.
23 ـ القصص: 4.
24 ـ آل عمران: 7.
25 ـ البقرة: 78.
26 ـ المائدة: 90 ـ 91.
27 ـ البقرة: 170.
28 ـ المائدة 104.
29 ـ راجعها في سورة الأعراف: 28، والشعراء: 74 و 136، ولقمان: 21، وسبأ: 43، والصافات: 69، والزخرف 22.
30 ـ آل عمران: 169، وكذا الآية: 157، والآية: 160.
31 ـ التوبة: 111،وكذا الآيات: 24 و67 و 71. والآية: 1 من سورة الممتحنة، والآية: 41 و78 من سورة الحج، والآية: 95 من سورة النساء، والآية: 157 من سورة الأعراف، والآية: 17 من سورة لقمان.
32 ـالأعراف: 164.
33 ـ آل عمران: 191 و188.
34 ـ المائدة: 80 , 94 , 36.
35 ـ الأنعام: 49، 30، 124.
36 ـ وراجع بهذا الصدد الآيات من السور التالية: طه: 82 و122،والفرقان: 70 و71، والقصص: 67.
37 ـ النساء: 48.
38 ـ الممتحنة: 4.
39 ـ التوبة: 23.
40 ـ القصص: 4.
41 ـ الحج: 39 ـ 40.
42 ـ النساء: 75.
43 ـ المائدة: 15 ـ 16.
44 ـ المائدة: 77 ـ 81.
45 ـ المائدة: 17.
46 ـ المائدة: 70.
47 ـ البقرة: 41.
48 ـ البقرة: 87 ـ 89.
49 ـ المائدة:73.
50 ـ التوبة: 30.
51 ـ التوبة: 30.
52 ـ البينة: 6.
53 ـ البقرة: 105.
54 ـ المائدة: 82 ـ 83.
55 ـ آل عمران: 75 ـ 69.
56 ـ آل عمران:75 ـ 69.
57 ـ آل عمران: 113 ـ 115.
58 ـ آل عمران: 64.
59 ـ البقرة: 62. ولاحظ مثلها في اللفظ والمعنى الآية: 69 من سورة المائدة مع اختلاف بسيط.
60 ـالأنبياء: 92.
61 ـ المؤمنون: 51 ـ 52.
62 ـ البقرة: 285.
63 ـ البقر' 136.
64 ـ البقرة: 183.
65 ـ آل عمران: 93.
66 ـ المائدة 68.
67 ـ المائدة: 43 ـ 44.
68 ـ المائدة: 47.
69 ـ النحل: 43.
70 ـ الأنبياء 7.
71 ـ الحج: 78.
72 ـ آل عمران: 65 ـ 67.
73 ـ الأعراف: 156 ـ 159.
74 ـ الصف: 6.
75 ـ البقرة: 89.
76 ـ آل عمران: 81.
77 ـ المائدة: 15.
78 ـ آل عمران: 59.
79 ـ المائدة: 17 ـ 18.
80 ـ المائدة: 17 ـ 18.
81 ـ الجمعة: 6.
82 ـ المائدة: 64.
83 ـ آل عمران: 181 ـ 183.
84 ـ التوبة: 29.
85 ـ المائدة: 5.
86 ـ الممتحنة: 10.
87 ـ البقرة: 221.
88 ـ الحديد: 27.
89 ـ الروم 1 ـ 2.