إسلام ...فی مواجهه فتاوی التکفیر و الاستحلال (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إسلام ...فی مواجهه فتاوی التکفیر و الاستحلال (1) - نسخه متنی

منیع عبدالحلیم محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الدعوة الإسلامية بين الوجوب والتطوع

الإسلام..في مواجهة فتاوى التكفير والاستحلال(1)

أ. د. منيع عبد الحليم محمود

كاتب ومفكر اسلامي من مصر

فيوسط الخضم الهائل من الفتاوى الفورية المعاصرة، والتي تستجيب لحماس الشباب وتستجيب لمفاهيم تخضع لعادات وتقاليد سماها البعض الفقه البدوى وسماها آخرون بالأميةالدينية، وفي جميع الأحوال فقد اندفع المفتون في الدول العربية لإرضاء هؤلاء جميعا إلى فتاوى تكفير المسلمين، حتى في الأمور التي لم يقل بها الإسلام، بل وصل بهم الأمرإلى استحلال أموال المسلم وزوجته وبناته بعد قتله..ولعل التجربة المريرة التي مر بها العالم الاسلامي نتيجة فتاوى الخضير والفهيد وفتاوى زعماء جماعات الإرهاب في أنحاءعالمنا الاسلامي، وما نتج عنها من أضرار جسيمة على مستوى العقل المسلم وتجهيله، ومحاولة وضعه في مستوى القطيع الذي يتبع ما يقول به السفهاء، دون الإحاطة بمعالم الدينالصحيح، ثم التراجع بعد ذلك عن تلك الفتاوى المدمرة، وكأنه لم ينتج عن حرب الكلمات هذه وكلمات الحرب أي ضرر بالإسلام ولا بصورته في العالم، وجعلوا في فتاويهم ابن لادنوصدام حسين وجميع فورات الإرهاب في مصاف كبار المجتهدين والعلماء، فأفسدوا في الأرض وحاولوا جعل أحلام المسلمين في سفاهة من الأمر.

_(50)_

إن الإسلامبأفقه الرحب وفكره المستنير، واجتهادات علماء الأزهر الشريف الذي يرعى الدين الاسلامي العالمي وحاجة الإنسانية إليه بمقتضى عالمية هذا الدين، يرفض تماما كل الفتاوىالتي تدعو بدعوى الجاهلية الأولى، ويظن أصحابها أنها من الإسلام وهي جهل مطبق بل وصورة حية لمحاداة الله تعالى.بذل السلام للعالم من الإيمان ورسوله (ص).. ففكرة الإسلامالأساسية هي أن »بذل السلام للعالم من الايمان« يقول الله تعالى: »واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا«(2) . هذه الكلمة الكريمةتصور عهدين من عهود العرب.العهد الجاهلي، والعهد الاسلامي.. أما العهد الجاهلي، فقد كان العرب فيه أعداء متخاصمين، كل همهم الإغارة على بعضهم البعض، وما كانت حياتهم إلاإغارة، أو استعدادا لإغارة، أو حذرا وتحصينا من إغارة، وحياة كهذه لا يمكن أن يسود فيها الإخاء المتعاون، أو العطف الأخوي..وبالتالي فإنه ما كان يمكن للعرب وهذه حالتهمأن يحتلوا مكانهم اللائق مركزهم باعتبارهم أمة أبية كريمة، فضلا على أن يكونوا قادة موجهين للتاريخ وللحضارة، مسهمين فيهما أو مكونين لهما، طالما كانت عصبية العربيللقبيلة وحدها، وكان العرب عبارة عن مجموعة من الدول، بقدر ما كان فيهم من قبائل، بل إن التنافس والخصام والتنازع، كان يوجد أحيانا بين الأسر التي تتكون منها القبيلةالواحدة، كما كان الشأن مثلا بين بني عبد مناف وبني عبد شمس من قبيلة قريش.ومما يروى في ذلك، أن الأخنس بن شريق، وأبا جهل بن هشام وأبا سفيان بن حرب ذهبوا مستخفين، ثلاثليال متتابعة، يستمعون إلى رسول الله (ص) وهو يرتل القرآن في سجوة الليل، ويردد بصوته المؤثر آياته القدسية، ثم ذهب الأخنس إلى أبي جهل في بيته، فسأله قائلا: يا أبا الحكم،ما رأيك فيما سمعناه من محمد ؟فكان رد أبي جهل عليه: ماذا سمعت ؟تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا علىالركب،

_(51)_

وكنا كفرسي رهان، قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه ؟..والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.وكان لابد من أن يحطمالإسلام هذه العقلية، حتى يتمكن من تحقيق الأخوة بين العرب، ويثبّت من أركانها.. وأخذ الإسلام يحطمها بالقول والعمل، وكان من هديه (ص): ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منامن قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية.. وقام رسول الله (ص) بعمل إيجابي قلب به الأوضاع وخالف به لمصلحة الجماعة التقاليد والعرف والعادات القبلية، ذلك هو المؤاخاةبين المهاجرين والأنصار، وافتتح الرسول هذا العمل الحاسم بقوله: تآخوا في الله، ثم أخذ يؤاخى بينهم.فكان أبوبكر (رض) وخارجة بن زهير الخزرجي، أخوين، وكان عمر ابن الخطاب،وعثمان بن مالك الخزرجي، أخوين..وهكذا..كان ذلك هو النواة الأولى للأخوة الكبرى، هذه النواة التي أخذت تكبر شيئا فشيئا حتى عمت العرب جميعا.

وكانت هذه الأخوة تثير سخطأعداء العرب من اليهود الذين كانوا يعملون جاهدين على أن يفرقوا بينهم، وحادثة شاس بن قيس اليهودي مشهورة، لقد مر على نفر من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم، فغاظه صلاح ذاتبينهم وقال في نفسه: قد اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد، ومالنا معهم إذا أجمع ملؤهم بها من قرار، وأمر فتى شابا من اليهود كان معهم أن ينتهز فرصة يذكرهم فيها بيوم (بعاث)ذلك اليوم الذي انتصر فيه الأوس على الخزرج..وتكلم الغلام، وأنشدهم ما قيل في ذلك اليوم من أشعار، فذكر القوم ذلك اليوم، وتنازعوا وتفاخروا واختصموا، وقال بعضهم لبعض إنشئتم عدنا إلى مثلها، وبلغ رسول الله (ص) ذلك الأمر، فخرج إليهم فيمن معه من الأنصار والمهاجرين، فذكرهم بما ألف الإسلام بين قلوبهم وجعلهم إخوانا متحابين، وكان مما قال:(أدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية). ومازال بهم حتى بكى القوم، وعانق

_(52)_

بعضهم بعضاواستغفروا الله جميعا..فما رئي يوم أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم.

وما كانت هذه هي المؤامرة الأولى أو الأخيرة من مؤامرات اليهود ضد الأخوّة العربية، ولقد تغلبعليها العرب بمبدأ الأخوة التي غرسها الإسلام فيهم.وإذا كان هذا المبدأ قد نجح في الماضي فهو لا محالة ناجح في العصر الحاضر، ومما لا شك فيه أن الصهيونية تعمل جاهدة علىغرس بذور العداوة بين الدول العربية، حتى يفشلوا وتذهب ريحهم، ولكن السلاح الوحيد الذي يجب أن نتحصن به دائما لرد باطلهم الخبيث، إنما هو التمسك بالأخوة، على أن الأخوةإنما تنشأ وتثبت وتستمر إذا اتحدت الـمُثل والأهداف، وكانت هناك العوامل التي تحفظ هذه الأخوة وتشدها برباط محكم وثيق، وكل ذلك قد نظمه الإسلام وأحكمه، كما يتضح ممايأتي:

التواد والتراحم: وانظروا إلى قول الرسول (ص) مثل المؤمنين في توادهم، وتعاطفهم، وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمىوالسهر..إن المؤمنين متساندون مترابطون، لأنهم أصحاب رسالة واحدة، يقوم كيانهم كله على التمسك بها، وتحقيقها ونشرها، والعمل الدائب الدائم على الدعوة إليها، حتى تسودوتعم الآفاق القريبة والبعيدة.وهذه الرسالة التي وكل إلى المسلمين تحقيقها، إنما هي رسالة السماء والأرض، وإنها كلمة الله، وهي روح منه سبحانه، وفيض من أنواره ليخرجالناس من الظلمات إلى النور، وهي في أسسها وغايتها مبادئ عالمية لا يتأتى لمن يفهمها إلا أن يدين بها في غبطة ورضا، وأن يعمل على نشرها في تحمس وسرور، وأن يرتبط معالمؤمنين بها برباط المودة والتراحم.. وهذه الرسالة تبين عن طبيعتها مباشرة بهذا الاسم الذي جعله الله عنوانا عليها وهو الإسلام، أي إسلام الوجه لله إسلاما مطلقا،والخروج بذلك نهائيا عن دائرة الشر في التافه من الأمور والخطير منها..فإذا ما أسلم الإنسان وجهه لله، كان سلاما في هذا العالم، وإنه لمن البين الواضح أن الصلة

_(53)_

بين الإسلام والسلام هي من القوة بحيث لا انفصام لها.وإذا كان أساس الإسلام هو السلام بين المسلم وربه، فإن غايته هي الرحمة العامة الشاملة، التي تتسعدائرتها حتى تشمل كل الكائنات التي أوجدها الله في هذا العالم، يقول الله تعالى لرسوله الكريم (ص): (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)... أي لكل عالم من عوالم الله سبحانه،والتي لا يكاد يحصيها العد وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين على اختلافها وتنوعها.

سلام مع الله، ورحمة بين خلقه، ذلك هو طابع المسلم..ومن هنا كنتيجة حتمية كان المسلمونإخوة أينما وجدوا، يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)(3).

وقد أحكم سبحانه هذه الأخوة التي تقوم على وحدة المبادئ والأهداف، والتي لا غاية لها إلا أن تبشر بالسلاموالرحمة، ومما لا ريب فيه: أن الرباط الاسلامي هو الرباط الأول الذي يلاحظه المسلم الصحيح الإسلام، إنه بالنسبة للنظرة الإسلامية أقوى من رباط النسب وغيره مما يعتبرهالناس من الروابط التي تربط بينهم.ويقول سبحانه:

(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أوعشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله همالمفلحون). والله سبحانه يبين لنا في هذه الآية الكريمة أن حزب الله هو حزب المفلح الذي رضي عن الله، والذي رضي الله عنه هذا الحزب الذي كتب الله في قلبه الإيمان، وأيدهبروح منه ووعده بأن يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدا فيها، إنما هو الحزب الذي يحمل رباط الإيمان فوق رباط الأبوة.وأسمى من رباط البنوة، وأقوى من رباط الأخوة،وأمتن من رباط العشيرة.وقال الرسول (ص) معبرا عن بعض

_(54)_

واجبات المسلم نحو أخيه: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كانالله في حاجته، ومن نفـّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما سترهالله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.. وهذا الرباط الاسلامي اعتبره الله ورسوله أقوى من أي رباط آخر، لأنه رباط مبادئ، ورباط مثل علياأحكمها الله سبحانه وتعالى وفصلها، فكانت قرآنا أحكمت آياته ثم فصلت.من لدن حكيم خبير، وكانت سنة ينطق بها رسول الله (ص) وقد فهم سلفنا الصالح رضي الله عنهم هذه المعانيعلى حقيقتها، فكان الواحد منهم يحارب أباه أو أخاه، ويحارب عشيرته على هذه المبادئ السامية إذا كانوا منكرين لها أو كافرين بها..وفهموا رضي الله عنهم قيمة المودة في اللهتعالى، وقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يوضح لهم ذلك كلما رأى الفرصة سانحة. وقد ضرب رسول الله (ص) حينما قدم إلى المدينة مثلا للمسلمين فيما يجب أن يكون عليهالمسلم بالنسبة للمسلم، وكان الطابع الذي اختاره صلوات الله عليه وسلامه هو طابع الأخوة، فآخى رسول الله (ص) بين المهاجرين والأنصار.. وآخى بينهم على الحق والمواساة علىحد تعبير السيرة النبوية وكانت هذه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من القوة بحيث قال المهاجرون عنها: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل،ولا أحسن بذلا في كثير..وقد تحدث الله تعالى في كتابه الكريم عن موقف الأنصار بالنسبة للمهاجرين، فقال سبحانه: والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهمولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)(4). إن المبادىء البشرية التي صنعها البشر، وإن المنافعالمادية تربط بين الأفراد أحيانا برباط قوي، وها هي المبادىء الإسلامية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها تنزيل من الحكيم الخبير، الرحمن

_(55)_

الرحيم تنادى إلى الالتفاف حولها، والاعتصام بها فأجيبوا داعى الله، واستمسكوا بحبله تفلحوا (ألا إن حزب الله هم المفلحون) (5).

اللغة تخلق الأخوة:وعامل آخر من العوامل التي تخلق الأخوة وتنميها، وتقوي في المجتمع أو اصرها المقدسة..ذلك هو عامل اللغة، وهو من الأهمية بحيث جعله الرسول (ص) مناط التمييز بين العربيوغيره، فقال تلك الكلمة العميقة الملهمة: من تكلم بالعربية فهو عربي..وكان من توفيق الله أن نزول القرآن بلسان عربي مبين، قد حفظ على اللغة العربية وحدتها وثباتها، فلمتتشعب إلى لغات كما حدث للغة اللاتينية أو اللغة اليونانية..وبقيت إذن اللغة العربية مصدر تقريب وتفاهم وأخوة بين الناطقين بها..ومن أجل ذلك فإن كل دعوى للعامية إنما هيدعوى للتفرق والتفكك والانفصال، وهي إذن دعوى خبيثة يجب أن تقاوم كما يقاوم المكروب الخبيث.ولقد احتاط الإسلام لما عساه أن يحدث من نزاع بين الأخوة أنفسهم أو الآخرين،فوضع المبدأ الحكيم الذي يكفل فض النزاع لا محالة..يقول الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتىتفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)(6).

وهذا المبدأمبدأ الإصلاح بين المتخاصمين كفيل في العصر الحاضر بإنهاء أي نزاع يحدث بين الإخوة من العرب، أو بين المسلمين على وجه العموم.. ومما لاشك فيه أن الخروج على مبدأ الأخوةأنما هو كفران بنعمة الله التي أمتن علينا بها.

يقول الله تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون(7) .

وحدة الأمة الإسلامية من طبيعة الإسلام ومبادئه، وقدتحققت بالفعل في

_(56)_

زمن مضى، ودامت السنين الطوال، وما كان دوامها إلا أن الإسلام أحكم أمرها إحكاما دقيقا وكان من أهم مبادئه في ذلك، التكافلالاجتماعى بين جميع أفراد الأمة الإسلامية مهما نأت ديارهم، واختلفت أجناسهم، وهذا التكافل إذا كان يندرج تحته الكثير من الأمور السهلة الميسرة فإنه يلف في طياته عظائمالأمور.وجمهور الأمة يعلم حادثة تلك المرأة العربية التي نالها أذى من عدو للإسلام، فصرخت منفعلة حزينة، ونادت وامعتصماه..وكان المعتصم خليفة المسلمين إذ ذاك يبعد عنهاآلاف الأميال، وكانت نجدتها تكلفه الكثير من المال والدماء، ولكنه بمجرد أن بلغه نداؤها قال لبيك لبيك، وأعد العدة وسار بنفسه على رأس الجيش لنجدتها.

وإذا كانالتكافل الاجتماعي في الإسلام يصل إلى هذا المدى البعيد من الشعور بمسؤولية المسلم نحو القاصي والداني من المسلمين، فما ذلك إلا لأن الوطن الاسلامي كله وطن واحد..والواقع أن الحدود المحددة في العالم الاسلامي التي تفصل بين قطر وقطر من أقطاره، إنما هي حدود لا يعترف بها الإسلام ولا يقرها، وهي حدود حددناها متأثرين فيها بالغربالذي فصل الدين عن الدولة وأقام الدولة على أسس من طبيعة الأرض وجغرافيتها.

أما الإسلام فإنه لم يقم في الربط بين أفراده لجغرافية الأرض وزناً، باعتبارها محددة بحدودتفصل بين أفراد الدولة الإسلامية على أسس من المبادىء في الاعتقاد وفي التشريع وفي الأخلاق، وأقام الدولة على مبادئ سواء نظرنا إلى أسسها وقواعدها أو نظرنا إلى غاياتهاوأهدافها، وجعل كل من يدخل في هذه المبادىء وينطوي تحت لوائها من الأمة الإسلامية، له مالها وعليه ما عليها، إنه لم يجعل الأساس لوناً من الألوان.. فيفرق بين الأبيضوالزنجي، أو الأصفر والأحمر، وينكل بأحدهما دون مبرر، ويسلبه حقه، وهناك أقطار على وجه الأرض الآن، تزعم لنفسها حضارة وتدّعي أنها بلغت في الإنسانية والفكر والثقافةشأوا بعيدا، لا يزال يستعبدها اللون مجرد اللون، فتنكل بالأبرياء لا لمثل عليا ولا لمبادىء

_(57)_

أخلاقية، فعملها مناف للمثل العليا وللمبادىءالأخلاقية، وما الباعث على الظلم والتنكيل، وعلى الخسف والعدوان سوى مجرد التعصب للون، مجرد اللون، ولنا في مقابل ذلك إذا أن نفخر بالإسلام الذي يؤسس الترابط بينالأشخاص على مبادىء من الخير ومن الحق.وفي عصرنا الراهن أقطار لا تزال تفرق في المجتمع الواحد بين طبقات لا مجال للتفرقة بينها، لأنها نشأت في مكان واحد، شربت من مائهوتغذت من خيراته واستنشقت في جوّه نسيما واحدا، وكان الوضع الطبيعي ألا تكون هناك تفرقة بين أبنائه، ومع ذلك فإن هذه التفرقة موجودة فعلا في بعض الأقطار لم يثرها مبدأأخلاقي، أو هدف سام، وإنما هي التقاليد والوراثة، ولنا أن نفخر في مقابل ذلك بالإسلام الذي لا فضل فيه لعربي على أعجمي. ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى: إن أكرمكم عند اللهأتقاكم..ووحدة المبادىء إذن تنتج في الإسلام وحدة الأمة وتضامنها وتكافلها، فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، والمسلم أخوالمسلم لا يسلمه ولا يخذله.إن المسلم مرتبط بالمسلم أينما كان، ونجدته واجبة أينما وجده، ويذكرنا الله سبحانه وتعالى برابطة المبادىء هذه، وبأنها نعمة من الله تعالى فيمقابل ما صنعه البشر من عبث وأهواء تجعل الارتباط يقوم على أسس من اللون، أو من الجغرافية، أو من غير ذلك، مما يخجل الإنسانية، حينما اتبعت أهواءها وجعلت منه أساساللارتباط وتحديد الأوطان.. ويحثنا الله تعالى على أن نستمسك بالوحدة على أساس من هذه المبادىء (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتمأعداء فألف بين قلوبكم)(8).

على أن نستمسك بالوحدة على أساس من هذه المبادىء (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بينقلوبكم)(8).

ورابطة المبادىء في الآفاق السامية، وفي الدرجات العليا، أقوى من أية رابطة أخرى، وأشد من أي ارتباط أياً كان.


1- آل عمران/ 103.

2 - نقلاً عن صحيفة اللواء القاهرية الاسبوعية الصادرة يوم الخميس 24 شوال 1424 هـ الموافق 18 ديسمبر 2003م.

3 - الحجرات/ 10.

4 - الحشر/ 9.

5 - المجادلة/22.

6 - الحجرات/ 9: 10.

7 - الأنبياء: /92.

8 - آل عمران/ 103.

/ 1