إمام کاشف الغطاء رائد الاصلاح و التقریب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام کاشف الغطاء رائد الاصلاح و التقریب - نسخه متنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الامام كاشف الغطاء رائد الاصلاح والتقريب(*)

- التحرير -

ترجمة المؤلف

هوالشّيخ محمد بن الحسين ابن الشّيخ علي بن محمد رضا بن موسى بن الشيخ الأكبر جعفر - صاحب كشف الغطاء - ابن الشيخ جعفر بن يحيى بن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي.

يعود رحمه الله تعالى برحمته الواسعة بنسبه الى احدى قبائل العراق المعروفة، وهي قبيلة بني مالك، التي تنتهي الى أحد خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وهو مالك بنالحارث الأشتر رحمه الله تعالى.

تعتبر اسرة آل كاشف الغطاء التي ينتسب إليها من نحن بصدد الحديث عنه من أكبر وألمع الاسر العلميةوالأدبية في العراق.

قال المغفور له الشيخ جعفر محبوبة في ج 3، ص 126 من كتابه «ماضي النجف وحاضرها» في حديثه عن هذه الاسرة الشريفة مانصّه:

«آل كاشف الغطاءمن اسر العلم ودوحة من دوحات الفضل.. طبقت شهرتها الآفاق وسار ذكرها وانتشر صيتها وعم فخرها.. خدمت العلم والدين خدمات جليلة سجلها لهم التاريخ بأقلام الإكبار والافتخارعلى صحائف ذهبية ناصعة ساطعة».

وقد نبغ من هذه الأسرة الكريمة والعائلة النبيلة، التي استوطنت النجف الأقدس في أوائل القرن الثاني عشر، عدد غير يسير من أكابرالعلماء ومشاهير الفقهاء وأماثل الأدباء، بوسعك أن تقف على تراجم الكثير منهم روح الله أرواحهم وقدّس أشباحهم في كتب الرجال حيث ترجم لكثير من علماء هذا البيت الرفيع.

ولد رحمه الله تعالى عام (1294هـ - 1877م) في مدينة النجف الأشرف.

نشأته وطلبه للعلم

نشأ عطّر الله مرقده على أبيه المشهود له

(229)

بغزارة العلم وسعة الاطلاع وتوقّد الذهن ولطافة الطبع وأريحية الروح وصفاء الضمير.

يقول المرحوم الشيخ علي الخاقاني في ج 8، ص 100 من كتابه الجليل «شعراء الغري»عن نشأته وطلبه الحثيث للعلم مانصّه:

«نشأ على أبيه فقرأ مقدّمات العلوم من نحو وصرف ومنطق ومعاني وبيان، وتوسّع في طلب العلوم فقرأ الكثير من العلوم التي ابتعدعن قراءتها كثير من أبناء العرب كالهيئة والفلك والحساب والحكمة والكلام، وتوغّل في دراسة الفقه والاصول على أساتذة عصره كالإمام اليزدي والخراساني والفقيه ملا رضاالهمداني والشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي، وفي العلوم الاخرى على الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي والشيخ احمد الشيرازي والشيخ محمد رضا نجف آبادي وغيرهم من مشاهيرالعلماء المتخصصين».

ويواصل العلامة الأديب الشيخ الخاقاني حديثه الممتع عنه (رضوان الله تعالى عليه) فيقول:

«وأخذ عنه العلم المئات من الشخصيات العلميةوتخرج على حلقته التي استمرّت زهاء أربعين عاماً الكثير من رجال العلم الذي طلبوا العلم للعلم لا للمال والجاه».

لقد استطاع الشيخ كاشف الغطاء بما عرف عنه

(230)

من تضلّع مشهود بعلوم الفقه والأصول، والحكمة والفلسفة، والالهيات وغيرها أن يلقي بظلاله على أطناب الحوزة العلمية العامرة في مدينة النجف الاشرف آنذاك،رغم وجود العديد من الأساتذة الكبار والعلماء الفضلاء أمثال استاذه اليزدي رحمه الله تعالى وغيره ممن تقدم ذكره.

بل وذكر أنه رحمه الله تعالى أنجز وفي حياةاستاذه اليزدي شرحه على كتاب العروة الوثقى، الذي كان يحاضر به مع تلامذته في دروسه المختلفة التي كان يلقيها تارة في المسجد الهندي، واخرى في جانب الباب الطوسي او مقبرةالامام الشيرازي رحمه الله تعالى بجوار ضريح الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.

ولقد شهد له معاصروه من العلماء الكبار، وتلامذته الذين صاحبوه في تلك الحقبةالسالفة من حياته المباركة بأنه كان فقيهاً بارعاً، قوي الحجة والبرهان، بل ومجتهداً في مبانيه، حراً في آرائه ونظرياته، حيث كان كثيراً ما ينتزع العديد من الفروع التيتعسر على البعض - وذلك لا غرابة فيه - لما امتاز به رحمه الله تعالى من ذوق عربي سليم يؤهله لفهم وادراك حقيقة النصوص المعتمدة في بناء جملة واسعة من الأحكام، حتى أنه رحمهالله تعالى قد روي عنه اتيانه ببعض

(231)

المسائل الفقهية النادرة التي ليس لها عنوان محدد في الكتب الفقهية الاستدلالية، فيفتي بها مع تقديمه الحجةوالدليل على ذلك، تاركاً للاخرين مسألة المذاكرة حول ذلك الأمر وأبعاده.

نعم، إن من المسلم به كون مسألة التوسع في التفريعات الفقهية تتطلب مهارة فائقة، واحاطةواسعة بهذا العلم الذي يعسر على الكثيرين الخوض في غماره، واجتياز عبابه، وهذا الأمر ماكان يمتلكه الشيخ كاشف الغطاء، فوفّق في ذلك أيما توفيق.

والحق يقال: إنامتلاك هذه القدرات الواسعة في جملة تلك العلوم قد مهّدت السبيل أمام شيخنا المترجم للتربع على عرش المرجعية العامة للشيعة، والتي تعد بحق شرفا عظيماً، ومنزلة رفيعة، لاينالها إلا القلة من ذوي الجد والاجتهاد، والتقوى والايمان.

ففي عام (1337هـ) وبعد وفاة السيد اليزدي رحمه الله تعالى - والذي كان يعد مرجعاً كبيراً من مراجع التقليد- اتجهت الأبصار نحو الشيخ كاشف الغطاء، فتوافد على درسه الفضلاء والعلماء، وتطلعوا عن كثب مدى ماينسب اليه من كبير الفضل، وعظيم المنزلة، فوجدوا الوصف عن الموصوف،والحقيقة تقصر عنها الحكاية، فأقر

(232)

الجميع بعلميته، وثنيت له الوسادة، وشاع في الأصقاع ماعليه من تلك السمات المؤهّلة لتسنم المرجعية الشيعية.

مؤلفاته

له طيب الله ثراه مؤلفات كثيرة ومصنفات وفيرة، وهي على قسمين، منها ماهو مطبوع ومنها ماهو مخطوط، ونقدم إليك الآن بعضاً مما هو مطبوع:

1ـ حاشية على تبصرة العلامة الحلي.

2- حاشية على العروة الوثقى.

3- حاشية على سفينة النجاة لأخيه الشيخ أحمد.

4- حاشية على مجمع الرسائل.

5-وجيزة الأحكام.

6- زاد المتقين.

7- مناسك الحج .

8- سؤال وجواب.

9- الدين والإسلام.

10- المراجعات .

11- أصل الشيعة واُصولها.

12- الفردوس الأعلى.

13- المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون.

14- التوضيح في بيان ما هو المسيح.

15- الآيات البينات.

16- مقتلالحسين(ع).

17- الخطب الأربع.

18- الخطبة التاريخية.

19- خطبة الاتحاد والاقتصاد.

20- الأرض والتربة الحسينية.

وأما آثاره التي لم تطبعبعد أي أنها لاتزال مخطوطة فكثيرة، إليك البعض منها:

1ـ شرح العروة والوثقى.

2- حاشية على مكاسب الشيخ الأنصاري.

3- حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري.

4- حاشية على الكفاية.

5- حاشية على كتاب الأسفار لملا صدرا الشيرازي.

6- الدروس الدينية.

7- الأخلاق والحكم.

الشيخ كاشف الغطاءوبصماته الخالدة على صفحات التأريخ

ولا نغالي بشيء إذا قلنا بأن حياة الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى كانت ميداناً خصباً للكثير من الأعمال المباركة التياتشحت بها سنوات عمره القصير، وأبرزت من خلالها دقائق توجهاته، وحقائق معتقداته، فكانت فعلا وممارسة لا اُطروحة وتنظيراً، وذلك هو اسمى ما يُوسم به المؤمنون.

ومن ثم فسنحاول من خلال هذه الصفحات الاشارة

(234)

العابرة، واللمحة الخاطفة عن بعض مواقف الشيخ رحمه الله تعالى، بايجاز واختصار:

الجهاد ضدالاستعمار البريطاني

حين امتدت ذراع الاخطبوط البريطاني المستعمر نحو الأراضي العراقية - في سعيه المحموم لابتلاع وازدراد خيرات تلك المنطقة، بدعوى منازلةالدولة العثمانية التي قادتها تخبطاتها الرعناء نحو جملة خطرة من المزالق والمهالك المتكررة - كانت مخيلة الساسة البريطانيين قد صورت لهم حتمية اصطفاف الشيعة يتقدمهمعلماؤهم الى جانب تلك القوات الغازية.

بيد أنّ حساباتهم كانت خاسرة، وتصوراتهم كانت باطلة، إذ أتتهم الرياح بما لا يشتهون لسفنهم، ودارت عليهم الدوائر، وخرجالشيعة لمحاربتهم بشكل اقشعرت له أبدانهم، وأهتزت لمنظره أفئدتهم.

نعم لقد اصطف الشيعة آنذاك، يتقدمهم علماؤهم الأبرار مع بقايا الجيش العثماني المهلهلالمنهزم، لادراكهم بوضوح ما يشكله الاستعمار البريطاني من مخاطر وخيمة لا تستهدف خيرات الشعوب المسلمة فحسب قدر ما يمثله من خطر جدي على عموم العقيدة الاسلاميةالمباركة بكل أبعادها، خلاف الدولة العثمانية التي رغم كل

(235)

انحرافاتها ومساوئها فانها يحتويها معهم رباط الاسلام المقدس، وهذا ما اثبتت صوابهالأيام.

وهكذا فقد بدأت قوافل العلماء المجاهدين بالتوجه الى ساحات النزال والمجالدة الشرعية، مرتدين أكفان الشهادة بعزيمة واصرار راسخين.. مسجلين مآثر ازدانتبها صفحات التأريخ، وتفاخر بها الأبناء ومن بعدهم الأحفاد، وستبقى خالدة مدى الدهر لأسماء طرزت بماء الذهب من أفاضل علماء الشيعة الذين كان الشيخ كاشف الغطاء رحمه اللهتعالى برحمته الواسعة واحدا منهم، وحيث كان من المرابطين في مدينة الكوت عام (1334هـ - 1916م) للتصدي لتقدم القوات الانكليزية الغازية - المدججة بأحدث الأسلحة، وأشدها فتكاً -رغم ضآلة الامكانيات، وبساطة المعدات، فكانوا مع عموم المجاهدين سيفاً قاطعاً، وموتاً زؤاماً أحاط بالقوات الغازية، واجتاحها كالطوفان لا يلوي على شيء، بل وأوشك أنيوردها الحمام لولا تخاذل الجيش العثماني، وقلة العدد، والتأريخ خير شاهد على ذلك.

موقفه من مؤتمر بحمدون:

يحاول المستعمرون - وكما يعرف ذلك الجميع - خدمةأغراضهم السياسية، وطموحاتهم غير الشرعية بشتى الوسائل التي تتفتّق عنها مخيلتهم النهمة ،

(236)

متسترين - وصولاً الى ذلك - بأشكال مختلفة من الشعاراتوالعناوين الجذابة، مستدرجين من تنطلي عليه أكاذيبهم وأحابيلهم التي لا تغرب حقيقتها عن ذوي الألباب.

نعم، وصورة تلك الحال كانت واضحة في المؤتمر الذي دعت لهجمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الامريكية للانعقاد بتأريخ 22 نيسان عام (1954م) في لبنان، وبالتحديد في مدينة بحمدون، وحينها تلقى الشيخ كاشف الغطاء دعوةرسمية موجهة من قبل كارلند ايفانز هوبنكز نائب رئيس تلك الجمعية لحضور هذا المؤتمر الذي ينحصر - على حد زعمهم - بعلماء المسلمين والمسيحيين، وأن تتحدّد أعمال هذا المؤتمربمناقشة ودراسة المواضيع التالية:

1ـ دراسة القيم الروحية للديانتين الاسلامية والمسيحية.

2- تحديد موقف الديانتين من الأفكار الشيوعية الالحادية.

3- وضع البرامج الكفيلة بنقل القيم الروحية التي تؤمن بها الديانتان الى الجيل الحديث.

وكان غير خافٍ على أحد أن الغرض المتوخى من اقامة هذا المؤتمر - الذي كانتتروّج له الادارة الامريكية آنذاك - هو تسخير المسلمين وعلمائهم

(237)

كأتباع منفذين للسياسة الغربية، التي هالها وأقلقها التورم المظهري الكاذب لسريانالأفكار الشيوعية في أنحاء مختلفة من العالم ابان تلك الحقبة الغابرة التي شهدت انخداع العديد من تلك الشعوب بتلك الأفكار الالحادية التي ساهم في انتشارها حينذاك حدةالتفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد - وهو مرض الرأسمالية العضال - تزامناً مع ما اسمي بالثورة الصناعية، واستثمار اصحاب رؤوس الأموال لحالة التفاوت الحاد بينعنصري العرض والطلب بعد الهجرة المكثفة التي شهدتها المدن الصناعية الكبرى من القرى والأرياف، فانتهز دعاة هذه الأفكار المنحرفة حالة البؤس المزري التي احاطت بالأيديالعاملة هناك من خلال خداعهم بحالة الفردوس المزعوم التي ستحققها لهم عند تصديها لقيادتهم، ولكن الزمن اتى على كل أكاذيبهم ففضحها، وكل حيلهم فأبطلها، وسقطوا في مزبلةالتأريخ بلا أسف عليهم.

نعم لقد كانت حالة الاضطراب التي بدأت تعم دوائر صناعة القرار في أوربا لمواجهة طغيان المد الشيوعي آنذاك هي التي دفعت اولئك المفكّرينالى اللجوء الى الدين كأنجع سلاح لا تمتلك أمامه تلك القيم الالحادية للنظرية الشيوعية شيئاً، بل وتبدو قباله عاجزة تافهة، وهو ماكان ولا زال

(238)

يخشاهحملة تلك الافكار، والمروجين لها، حمقاً بعد افلاسهم.

وحقاً، فقد كان ذلك قراراً صائباً موفقاً لو انبعث من نوايا صادقة هدفها اسعاد البشرية، ورفع الحيف عنها،بيد أنها اطروحة تفتقت عنها مخيلة جهة كانت ولازالت مصدر محنة وبلاء، بل وعاصفة سوداء ابتليت بها الانسانية عامة، والشعوب الاسلامية خاصة، وعلى امتداد التأريخ المعاصر،وحتى يومنا هذا، فكانوا بحق أسوأ بكثير ممن يستثيرون بالمسلمين والمسيحيين الههم لمواجهتهم.

ومن هنا فقد كان موقف الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى حاداًوصريحاً في رفضه لحضور هذا المؤتمر من خلال ما أرسله الى المؤتمرين من جواب طويل أسماه (المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون) والذي أوضح فيه - بصراحة جلية - رأيه فيمواضيع هذا المؤتمر وبحوثه، مبينا ما توقعه السياسة الامريكية وحليفتها الانكليزية من ظلم وتجني على شعوب العالم المستضعفة المغلوبة، مع اشارته الواضحة الى بعد دعاةهذه السياسة ومباينتهم للقيم الروحية التي تدعو لها الأديان السماوية المختلفة، وإن من ينادي بتلك القيم يجب عليه أن يكون من أول العاملين بها، والمؤمنين بحقيقتها،وذلك مالا ينطبق على الدعاة لعقد هذا

(239)

المؤتمر، والراعين له.

دوره في المؤتمر الاسلامي العالمي في القدس:

لقد كان ما اتسم به الشيخكاشف الغطاء رحمه الله تعالى من دور متميز بارز في الذود عن حياض الاسلام، والدفاع عن حريمه، سمة مشخصة لدى علماء المسلمين وزعمائهم، حتى اصبح طوداً شامخاً في هذاالمضمار، وشخصت نحوه ابصار الجميع، مع اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وتشكّل أمزجتهم وميولهم.

ومن هنا فما أن تجسدت فكرة( ). عقد مؤتمر اسلامي عام في مدينة القدسالشريفة على أرض الواقع، حتى بادرت لجنة المؤتمر الى توجيه دعوة ملحة للشيخ رحمه الله تعالى للمشاركة في هذا المؤتمر الهام الذي تقرّر أن تعقد جلساته الموزعة على أيامهالعشرة ابتداءً من ليلة المعراج في 27 رجب عـــام 1350هـ (7 كانون الاول 1932م) وأن يكون هدف هذا اللقاء - كما ذكر ذلك الحاج أمين الحسيني لصحيفة السياسة القاهرية آنذاك - هو:البحث في نشر أساليب التعاون الاسلامي، ونشر الثقافة الاسلامية، والدفاع عن البقاع المشرّفة الاسلامية، والعمل لوقاية الدين الاسلامي وصيانة عقائده من شوائب الالحاد،وتأسيس جامعة اسلامية في بيت المقدس، والنظر في قضية الخط الحديدي الحجازي.

وكان من الطبيعي أن يستجيب الشيخ لهذه

(240)

الدعوة الملحة، رغم ايمانهبأن ترجمة آمال المسلمين تكمن في صدق النوايا المقترنة بالأعمال الجادة العاملة على توحيد صفوفهم، ونبذ خلافاتهم، وتشخيص علة تفرقهم لمعالجتها، لأنها هي الوسيلةالأنجع، والسبيل الأقوم للنهوض بهذه الأمة المبتلاة بهذا الداء الوبيل الذي بدأنا نرى ثماره واضحة وجلية في أيامنا هذه من التسابق المحموم من قبل الكثير من الساسةالمسلمين للصلح مع الكيان الصهيوني اللقيط، ومد جسور العلاقة معه.

نعم، لقد استجاب الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى لطلب مشاركته في ذلك المؤتمر، فشد الرحالنحو مدينة القدس الشريفة - التي كانت ولازالت تحتل في ضمائر وقلوب المسلمين الكثير من الحب والتقديس - في ليلة الأول من شهر رجب، حيث استقبل من قبل جميع العلماء المشاركينفي ذلك المؤتمر، يتقدمهم مفتي القدس الشيخ الحسيني، وكذا أعيان ووجهاء فلسطين آنذاك.

والحق يقال: أن تواجد الشيخ كاشف الغطاء في ذلك التجمع العظيم كان حافلاً،ومؤثراً، بل واستقطب أنظار الجميع بعلمه وبلاغته وغيرته على هذا الدين الحنيف، فطلب منه في إحدى الليالي المفتي الحسيني، ومفتي نابلس الشيخ محمد تفاحة -

(241)

وكان من أكبر علماء فلسطين سناً - ومراقب المسجد الاقصى، ان يرتقي المنبر بعد صلاة المغرب لالقاء خطبة في الحاضرين الذين بلغ عددهم سبعين الفاً امتدت صفوفهم حتىخارج المسجد الاقصى.

ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا جزمنا بأن هيبة هذا المؤتمر، وحساسية ظروفه، لابدّ أن تدفع بالكثيرين الى الاعتذار والتنصل عن القيام بهذاالأمر اذا فوجئوا به على حين غرة ودون استعداد، كما فوجئ بذلك الشيخ رحمه الله تعالى، وبوغت به، وكان بديهياً أن يعتذر عن ذلك لما يمكن أن يشكله من حرج يقدح بشخصيتهومكانته، كما سجل لنا التأريخ في صفحاته المطوية عن مواقف مشابهة للعديد من الشخصيات المعروفة التي حصرت فوق المنابر فلم تنبس بشفة، أو لم تتمكّن من تركيب جملة مفيدةواحدة.

نعم لقد فوجئ الشيخ رحمه الله تعالى بهذا الطلب المتعجل، بيد أنّه وأمام الحاح مضيفيه لم يجد بداً من الامتثال لرجائهم، والاستجابة لرغبتهم بما عرف عنه منأخلاق رفيعة وأدب جم، فارتقى المنبر - أمام أعين الحاضرين التي شخصت نحوه، وتعلقت به، واصاخت لكلماته بسمعها - بسكينة ووقار، وافتتح خطبته بقولـه تعالى: )سبحان الذي أسرىبعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى

(242)

الّذي باركنا حولـه(( ). واسترسل في الحديث حول تلك البركة وأنواعها بشرح وافٍ، وبيان ساحر، مشيراً الىأن انعقاد مثل هذا المؤتمر هو شكل من أشكال تلك البركة بقوله: ومنها هذا الاجتماع الخطير من الجم الغفير، من مختلف الأقطار النائية، والذي لم يخطر على البال، ولم يقع فيالتصور، واستوفى ماهو الغرض منه، وما الهدف الذي يرمي اليه، والآثار المترتبة عليه.. إلى آخره.

وبعد أن أنهى خطبته - التي سحرت المستمعين بحلاوة ألفاظها، وسلاسةعباراتها، وجزالة كلماتها - طلبت منه لجنة المؤتمر وأكابر الموجودين أن يأتموا به في صلاة العشاء حيث صوب ذلك بالأكثرية، فاستجاب لهم، واقتدت به الالوف من الصفوف في حدثعظيم قلّ نظيره.

كما أنّ للشيّخ كاشف الغطاء في أيام انعقاد المؤتمر مشاركات واسعة، وخطب بليغة، ولقاءات متعددة تركت في أذهان الجميع ذكريات شجية عن شخصية فذةعاصروها من علماء الشيعة الكبار.

الشيخ كاشف الغطاء والتقريب:

لعلّه لم يعد خافياً على أحد انّ سر محنة، هذه الأمة، ومصدر كلّ بلائها يكمن في تكريس حالةالتشتت والتمزق التي تفرض عليها من قبل المراهنين على جراحها وآلامها، والتي تطفح في

(243)

أحيان عديدة على جسدها أوراماً تنزف دماً وقيحاً تقشعر له جلودالمخلصين من هذه الأمة ومحبيها.

نعم إن مانعانيه من اختلاف يعمد البعض في قواميسه الى وسمه بأنّه حالة اختلاف وتباين حادة، لا يمكن بأي حال من الأحوال التسليمقطعاً بصحته، ولا الاقرار بصوابه، رغم تهويله والمبالغة به من قِبل ذلك البعض، لأنّه يحمل في طياته جذور المخالفة القطعية للمنطق والصواب، والجفاء الحاد في طياته جذورالمخالفة القطعية للمنطق والصواب، والجفاء الحاد عن الحقيقة التي لايعسر على الباحثين ادراكها وتلمسها.

إن حالات الالتقاء والتقارب الثابتة بين المذاهبالاسلامية المختلفة، والتي اشرنا اليها سابقاً هي من الحد الذي يجد المرء قباله تلاشي الفواصل الوهمية التي ما تنفك بعض الجهات الفاسدة والمنحرفة من العمل الدؤوب سعياًوراء توسيعها وتضخيمها، بحجج وذرائع مختلفة.

وحقاً نقول: إنّ ادراك حقيقة هذا الأمر ببعديه الايجابي والسلبي اللذين ذكرناهما هو مايستحث بالمخلصين من علماءومفكرين هذه الأمّة السعي الجاد لرأب ذلك الصدع، ولم ذلك الشتات، رغم صعوبة المخاض، وعسر الخطب، كنتيجة منطقية لتقادم السنين، وترسب العديد من الاعتقادات

(244)

النفسية السلبية الظن بالآخرين ، والبعيدة كل البعد عن أرض الواقع، وحقيقة العقائد التي تحاول الانتساب اليها.

ولقد شهدت الشعوب الاسلامية - وطوال حقبمترادفة - نماذج صادقة من تلك الجهود والنوايا الصادقة، التي تشكل امنية عظيمة سامية تتعلّق بها قلوب جميع المخلصين من رجال الأمّة، لعلماء ومفكرين وباحثين انفقوا شطراًكبيراً من حياتهم سعياً وجهداً دائبين في هذا الميدان المقدس والعظيم.

والحق يقال: إن شيخنا كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعة كان من كبار رواد هذاالميدان المبارك من خلال سعيه الدؤوب المتواصل في التقريب بين المذاهب الاسلامية، من خلال مؤلفاته، وخطبه، ومذكراته، ومواقفه المتكررة الموشية بحالة القلق والتوجسالمرير الذي ينتابه من استمرار حالة الأمة على ماهي عليه من الاختلاف والتنافر والتقاطع رغم شدة التقارب ووضوحه بين مذاهبها( ).

ولا نغالي اذا ذهبنا الى القولبأنّ حياة الامام كاشف الغطاء كانت موقوفة في اقامة صرح الوحدة الاسلامية المباركة، ونبذ الاختلاف، والالتفات الى مايحيط بهذه الأمة من أخطار جسيمة، وما يدبره لها

(245)

اعداؤها من مكائد ودسائس ومؤامرات، وبأشكال ومسارب مختلفة، يصطبغ بعضها بألوان باهتة يراد منها خداع السطحيين والساذجين من رجال هذه الأمة، وجرهم الىالمزيد من المواجهة والاقتتال في ميادين وسخة غير نزيهة، حين ينخر اعداؤهم ذلك البنيان العظيم الذي وضع لبناته الأولى نبي الرحمة محمد بن عبدالله (ص) ، وشاد صرحهالصادقون من رجال هذا الدين والذين يتقدمهم أهل بيت العصمة عليهم السلام.

بيد ان البعض - وذلك غير خاف على أحد - لم يكن تروقه تلك الدعوات الصادقة الصادرة منالقلب، والمرتكزة على قواعد الاسلام الحنيف، حيث كان يعمل بمعاول الهدم في ذلك البنيان المقدس، وباسم الدفاع عن الاسلام! والذود عن حريمه! وما ذلك إلا عين النفاق ومرآةالانحراف.

نعم، ورغم كل ذلك فإنّ استقراء السيرة الذاتية لشيخنا رحمه الله تعالى يبين بوضوح جده واجتهاده في مواصلة هذا المسير المقدس والشاق رغم ماكان يلقاه منصدود ولا مبالاة من قِبل الكثيرين، وذلك ماكان يؤلمه أشد الايلام، حتى لقد قال في احدى كلماته: ولالوم على مثلي لو تشاءم واستولى عليه اليأس والقنوط بعد تلك الخطبالفياضة الملتهبة التي ألقيتها على الجماهير

(246)

المكتظة في عواصم الاسلام: كالقدس، وبيروت، ودمشق، وجامع البصرة، ومسجد الكوفة، وبغداد، والتي طبع غيرواحد منها، كخطبة القدس التأريخية، وخطبة الاتحاد والاقتصاد، والخطب الاربع، وغير ذلك.

ألقينا كلَّ هذه وأضعافها شعلة ملتهبة في حث المسلمين والعرب على الوحدةوالاخلاص، ومايلزم عليهم لجمع شتاتهم، واستعادة مجدهم، وقلنا كلمتنا المشهورة: إنّ الاسلام يرتكز على دعامتين: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، ومن ثم فإنّ المرء عندمايتأمَّل في هذه العبارات الملتاعة يدرك مدى تمكن حرص صاحبها على وحدة المسلمين في قلبه، وسريانه في شرايينه وأوردته.. ولا غرابة في ذلك فلقد عهد منه المسلمون المعاصرونله تلك الرغبة المخلصة والصادقة في سلوكه وقوله.

وللحقيقة نقول: إنّ دراسة دور الشّيخ كاشف الغطاء في عملية التقريب بين المذاهب الاسلامية تستلزم الكثير منالاستقراء العلمي الرصين والمتأنّي لجملة مؤلّفاته، وكلماته، وخطبه، ورحلاته، وغير ذلك، وذلك مالا يسعنا خوض غماره في هذه العجالة، ومن خلال هذا المدى المحدود.

فالتأريخ المعاصر قد سجّل لنا الكثير من الاشارات ذات الدلالات الواضحة في سعيه نحو

(247)

التقريب، والتي تتطلّب من العاملين في هذا الميدان المقدسدراستها بشكل علمي رصين، وعرضها كاطروحة متقدمة تبين للاجيال القادمة حرص العديد من علماء الشيعة على توحيد الكلمة، ورص الصفوف.

ولعلّ من المواقف الملفتة للنظرفي هذا المنحى العظيم ما لجأ اليه الشّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعة أثناء احدى سفراته التي القى فيها رحاله في أرض مصر المسلمة، حيث واظب على حضور مجلسدرس شيخ الجامع الأزهر آنذاك وهو الشّيخ سليم البشري رحمه الله تعالى لمدة ثلاثة اشهر، وكذا مفتي الحقانية الشيخ محمد بخيت المطيعي، الذي يقول عنه سماحته: لم أجد في مصرعالماً محققاً مثله، يباحث اصول الفقه عصراً في جامع رأس سيدنا الحسين عليه السلام، والتفسير بين المغرب والعشاء في الأزهر، ولـه مؤلّفات كثيرة طبع أكثرها.

نعم،وفي الجانب الآخر فقد كان الشيخ يرى وهو يباحث للكثير من طلبة الأزهر وغيرهم في الفقه الشيعي مرة، وفي الفصاحة والبلاغة مرة أخرى، بشكل استقطب أنظار الجميع، وحاز اعجابهمواحترامهم.

وأخيراً نؤكد: إن دور الشّيخ كاشف الغطاء في التقريب هو أوسع من أن تحتويه وريقات محدودة،

(248)

أو تستوفيه دراسة متعجلة، ونحن لم نتعرضلها هنا بوضوح قدر ما أردنا منها اشارة عابرة، ولمحة خاطفة، سائلين المولى جلّ اسمه أن يوفقنا لاستيفاء حق هذا لأمر في دراسة مستقلة وافية، إنه الموفّق لكل خير.

وفاته

في الثامن عشر من شهر ذي القعدة من سنة 1373هـ ، استأثرت بروحه الرحمة الإلهية في قرية من قرى كرمانشاه الايرانية يقال لها «كرند» ونقل جثمانه الطاهر إلىبغداد بعد أن حضر «كرند» ممثلو الحكومة العراقية ومنها إلى كربلاء ترافقه عشرات السيارات، ومنها إلى مسقط رأسه وملعب صباه النجف الأشرف حيث استقبل من قبل النجفيين أحسناستقبال ودفن في وادي السلام في قبره الذي أعدّه لنفسه قبل موته بمدة مديدة. وقد سُمع أن الإمام كاشف الغطاء كان كثير الاختلاف والتردّد على قبره، وكان إذا انتهى إليهاضطجع فيه وراح يردّد قول الله تعالى بصوت حزين: )رب ارجعوني لعلي أعمل صالحاً فيما تركت( ودموعه جارية وحسراته وارية.

رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، وأسكنهفسيح

(249)

جنّاته، وجزاه عن جميع المسلمين أفضل وأحسن الجزاء، انه نعم المولى ونعم النصير( ).

كلمة في وحدة المسلمين

في كلمة له جاءتكمقدمة للطبعة الثانية لكتابه أصل الشيعة وأصولها جاء فيها: )واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا(( ).

لم يبق ذو حس وشعور في شرق الارض وغربها، إلاّ وقد احسّوشعر بضرورة الاتحاد والاتفاق، ومضرة الفرقة والاختلاف، حتى اصبح هذا الحس والشعور أمراً وجدانياً محسوساً يحس به كل فرد من المسلمين، كما يحس بعوارضه الشخصية من صحتهوسقمه، وجوعه وعطشه، وذلك بفضل الجهود التي قام بها جملة من أفذاذ الرجال المصلحين في هذه العصور الأخيرة، الذين أهابوا بالمجتمع الاسلامي، وصرخوا فيه صرخة المعلمالماهر، وتمثّلوا للمسلمين بمثال الطبيب النطاسي( ) الذي شخّص الداء وحصر الدواء، واصاب الهدف بما عيّن ووصف، وبعث النفوس بعثاًحثيثاً، وشوّقها الى استعمال الدواء لقطعمادة ذلك الداء الخبيث، والعلل والأمراض المهلكة، قبل أن تقضي على هذا الجسد الحي، فيدخل في خبر كان، ويعود كأمس الدابر.

صرخ المصلحون فسمع المسلمون كلهم عظيمصرخاتهم

(250)

بأن داء المسلمين تفرقهم وتضارب بعضهم ببعض، ودواؤهم - الذي لا يصلح آخرهم إلا به كما لا يصلح إلا عليه أولهم - ألا وهو الاتفاق والوحدة،ومؤازرة بعضهم لبعض، ونبذ التشاحن، وطرح بواعث البغضاء والأحن والاحقاد تحت اقدامهم، ولم يزل السعي لهذا المقصد السامي، والغرض الشريف إلى اليوم دأب رجالات أنار اللهبصائرهم، وشحذ عزائمهم، وأشعل جذوة الاخلاص لصالح هذه الأمة من وراء شغاف افئدتهم، فما انفكوا يدعون إلى تلك الوحدة المقدسة «وحدة أبناء التوحيد» وانضمام جميع المسلمينتحت راية «لا إله الا الله محمد رسول الله» من غير فرق بين عناصرهم ولا بين مذاهبهم.

يدعون الى هذه الجامعة السامية، والعروة الوثقى، والسبب المتين الذي أمر اللهتعالى بالاعتصام به، والحبل القوي الذي امر الله عزوجلّ به أن يوصل، يدعون اليها لأنها هي الحياة، وبها النجاة للامّة الاسلامية، وإلاّ فالهلاك المؤبّد، والموتالمخلّد.

اولئك دعاة الوحدة، وحملة مشعل التوحيد، اولئك دعاة الحق، وأنبياء الحقيقة، ورسل الله إلى عباده في هذا العصر، يجدِّدون من معالم الاسلام ما درس،ويرفعون من منار المحمدية ما طمس، وكان بفضل تلك المساعي الدائبة، والجهود المستمرة من

(251)

اولئك الرجال (وقليل ماهم ) قد بدت بشائر الخير، وظهرت طلائعالنجاح، ودبَّت وتسرَّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة، وصار يتقارب بعضهم من بعض، ويتعرض فريق لفريق.

أمّا حيث تكون الآراء مجتمعة، والاهواء مؤتلفة،والقلوب متآلفة، والايدي مترادفة، والبصائر متناصرة، والعزائم متوازرة، فلا القلوب متضاغنة، ولا الصدور متشاحنة، ولا النفوس متدابرة، ولا الأيدي متخاذلة، فهناك: العزوالبقاء، والعافية والنعماء، والقهر والقوة، والملك والثروة، والكرامة والسطوة، هناك يجعل الله لهم من مضائق البلاء فرجاً، ومن حلقات السوء مخرجاً، ويبدلهم العزّ مكانالذلّ، والأمن مكان الخوف. فيصبحوا ملوكاً حكّاماً، وأئمة أعلاماً.

وهيهات أن يسعدوا مالم يتحدوا، وهيهات أن يتحدوا مالم يتساعدوا.. فيا أيّها المسلمون لا تبلغونالاتحاد الذي بلغ به آباؤكم ما بلغوا بتزويق الالفاظ، وتنميق العبارات، أو نشر الخطب والمقالات، وضجيج الصحف وعجيج الاقلام… ليس الاتحاد الفاظاً فارغة، واقوالاًبليغة وحكماً بالغة مهما بلغت من أوج البلاغة، وشأو الفصاحة… ملاك الاتحاد، وحقيقة التوحيد هنا: صفاء نية، واخلاص طوية، واعمال جد ونشاط.وقد عرف اليوم حتى الأبكموالاصم من المسلمين أن لكل قطر من الاقطار الاسلامية حوتاً من حيتان الغرب، وأفعى من أفاعي

(252)

الاستعمار فاغراً فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه… أفلايكفي هذا جامعاً للمسلمين، ومؤجّجاً لنار الغيرة والحماس في عزائمهم، أفلا تكون شدة تلك الآلام وآلام تلك الشدة باعثة لهم على الاتحاد وإماتة مابينهم من الاضغانوالاحقاد، وقد قيل «عند الشدائد تذهب الاحقاد»؟

وكيف يطمع المسلم أن يكتسح أخاه المسلم أو يستعبده، وهو شريكه في البلاد من اقدم العهد وأبعد الأجداد؟ أفلاتسوقهم المحن والمصائب التي انصبت عليهم صب الصواعق من الأجانب، إلى إقامة موازين العدل والتناصف فيما بينهم، ويحتفظ أهل كل قطر على التعادل الانتفاعي، والتوازنالاجتماعي؟

إنّما الوحدة الحقة، والاخاء الصحيح الذي جاء به الاسلام، بل جاء بالاسلام، وتمشّت عليه الأمم الراقية، وبلغت أوج العزّ والقوة: أن يرى كلّ فرد منالأمة أنّ المصلحة النوعية هي عين المصلحة الفردية، بل هي فوقها، وهذه الصفة خفيفة في اللسان، ثقيلة في الميزان، بعيدة في الامكان، يكاد أن يكون تحققها عندنا معشرالمسلمين من المستحيلات، لاسيما من كل طائفة بالنظر إلى الأخرى التي تنظر كل منهما إلى الأخرى نظر العدو الألد، والمخاصم المزاحم، وإذا جامله في القول، أو أظهر لهالولاء، فلن يجامله إلا ليخاذله، ولن يصانعه

(253)

إلا ليخادعه، أمّا ملقاً أو تزلّفاً لغاية واهنة، أو توسلاً إلى أن يبتز ماله، أو يسلبه حقّه، أو تكون لهالسلطة عليه والاستعباد له، وكلهم جارون على غلوائهم في هذه السخائم التي صارت لهم ضربة لازم، لاتصدهم عنها صرخة ناصح، ولا صيحة زاجر، ولا عظة بليغ.

ينسى الكلُّأو يتناسى عدوهم الصميم الذي هو لهم بالمرصاد، والذي يريد سحق الكلِّ، ومحو الجميع، ويبث بذور الشقاق بينهم ليضرب بعضهم ببعض، وينصب أشراك المكر لصيد الجميع . ولا يسلمالمسلمون من هذه الاراك المبثوثة لهم في كلِّ سبيل حتى يتحدوا عملاً لا قولاً، وجِداً لا هزلاً، وأقرب وسيلة الى تنمية تلك البذرة، وتقوية تلك الفكرة - فكرة الاتحادالجدي - هو : عقد المؤتمرات في كلِّ عام أو عامين، يجتمع فيها عقلاء المسلمين وعلماؤهم من الأقطار النائية، ليتعارفوا أولاً، ويتداولوا في شؤون الاسلام ثانياً.

بل وأوجب من هذا: عقد المؤتمرات والمعاهدات بين حكّام المسلمين «لو كان للمسلمين حكام حق» فيكونون يداً واحدة، بل كيدين لجسد واحد، يدفعان عنه الأخطار المحدقة به منكلِّ جانب، وقد أملت عليهم الحوادث بعد الحرب العامة دروساً بليغة، وعبراً محسوسة لو كانوا يعتبرون.

*- اقتباس معظم هذا المقال من مقدمة للاستاذ علاء ال جعفر على كتاب «اصل الشيعة واصولها».

- قيل ان اول دعوة صدرت لعقد هذا المؤتمر كانت من الزعيم الهندي الاسلامي شوكتعلي في 4/12/1931.

-الأسراء/ 1 .

- فمن نداء له رحمه الله تعالى كتبه أيام مرضه الذي اودى بحياته - وكان حينها راقداً في مستشفى الكرخ - ووجهه الى الطوائف الاسلامية فيالبحرين - نشرته جريدة اليقظة بتأريخ 4/7/1954 - يقول فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبلالله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) (آل عمران/ 102 - 103).

كل ذي حس وشعور يعلم أن المسلمين اليوم بأشدالحاجة الى الاتفاق والتآلف، وجمع الكلمة وتوحيد الصف، وأن ينضم بعضهم الى بعض كالبنيان المرصوص، ولا يدعوا مجالاً لأي شيء مما يثير الشحناء والبغضاء، والتقاطعوالعداء، فانّ كل مايقع من هذا القبيل بين المسلمين في الوطن الواحد، أو في أوطان متباعدة هو أعظم سلاح للمستعمرين، بل هو قرة عين لهم. وما نشبت مخالب الأجانب في الممالكالاسلامية والبلاد العربية إلا بإلقاح الفتن بينهم، واثارة النعرات الطائفية والاقليمية فيهم، يضرب بعضهم ببعض، ويذيق بعضهم بأس بعض، وتكون للمستعمر الغنيمة الباردة،والربح والفائدة والخسران والوبال علينا.

- اعتمدنا في اعداد هذه الترجمة الخاصة بحياة الشيخ كاشف الغطاء على جملة من المراجع أهمها: مقدمة جامع ومرتّب كتاب (جنةالمأوى) للشيخ كاشف الغطاء، وهو السيد محمد علي الطباطبائي. مقدمة جامع وناشر كتاب الشيخ الموسوم بـ (في السياسة والحكمة) وهو ولده عبدالحليم آل كاشف الغطاء. مقدمة الطبعةالثامنة لكتابنا - نشر المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف (1389هـ - 1969م) - بقلم كاظم المظفر . كتاب (محاورة مع السفيرين البريطاني والأمريكي) نشر المطبعة الحيدرية في النجفالأشرف (1373هـ - 1954م).

- آل عمران/ 103.

- النطاس: العالم الحاذق بالطب والخبير به. انظر: القاموس المحيط : 254.

/ 1