الأمة الإسلامية كلما تفرقت اختلفت وضعفت(*)
أ.د. عبد الرحيم علي عضو مجمع التقريببين المذاهب الاسلامية ومدير معهد الخرطوم الدولي للغة العربية
أخواني وأخواتي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، يسعدني أن أهنئكم بمنابسةالمولد النبوي، وأشكر الله تعالى أن قدر لي أن أخاطب جمعكم هذا بدلاً أن أكون في مؤتمر الوحدة الذي ينعقد في طهران الآن، وأشكر للسفارة الإيرانية والمركز الثقافيالإيراني الذي جمعنا هنا لنتحدث في أمر جاد وقضية مهمة، فجعل مناسبة المولد ليس فقط لعمران الوجدان ولا للذكرى الصوفية، وتلاوة المدائح، ولكن للتأمل في أحوالنا والتدبرفي مآرب الأمة كلها إنشاء الله، فأقول بإختصار: أن ما تليت علينا من آيات لافتتاح الحفل الكريم يعتبر دستوراً للامة الإسلامية لا يجوز لها أن تخالفه، وهو قول الله عزوجل:(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
ثم أن هذا الدستور لن ترعه أمتنا حق رعايته فتفرقت واختلفت وكان من نتائج التفرق والاختلاف الذي نهى الله تعالى عنه أنالأمة ضعفت وتشتتت، وطمع بها عدوها أيما طمع، فالذي نشاهده اليوم من تكالب الأمم علينا لا يحسن تشبيهه إلا بما شبهه رسول الله (ص) حينما قال: (كما تتداعى الأكلة على قصعتها)فكأن الأمة الإسلامية أصبحت وليمة شهية جاذبة وأصبحت الأمم تتداعى إليها لتأكل منها، وهي غير قادرة على أن تذب عنها عدوان المعتدين ولا شهوة المشتهين. أموالها تنهبوأرضها توطأ، والعدوان عليها هو برنامج كل الدول الغابرة في هذا الزمان. وصف أحوال الأمة الاسلامية قد يطول، ولكنه بما أنه واقع يعاش، حتى أطفالنا أصبحوا يعلمون ما قدأصابنا، فأني لا أفيض فيه، ولكن أقول: أن المصيبة الأكبر في كل المصائب والبلايا التي وقعت علينا هي من فعلنا نحن ومن تفرقنا وضعفنا، بل أنني أقول أن الأمة الإسلاميةعندما تفرقت اختلفت وضعفت وأصبحت مسؤولة عن جزء كبير من طمع الطامعين؛ لأنها لو كانت قوية لما تجرأ الطامعون عليها، ولا كان لهم وازع عن أطماعهم وخطاياهم التي قدناهمإليها بهذه الأطماع، الطريق إلى الوحدة الإسلامية يكمن في عدة أمور أهمها:
أولاً: التفرق من أهم أسباب الفرقة الطائفية ثم الفرقة الشعوبية، الاستعمار عندما أرادأن يطأ أرض الامة ويغتصب خيراتها لجأ إلى إثارة نعرات شعوبية قطرية قومية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وهذا خلاف لما أمر به الرسول(ص)، وكان خلافاً لما أمر به القرآنالكريم. القرآن الكريم حل قضية الأصول والشعوب في كلمة واحدة فقال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ثم أردف ذلك بقوله: (إنأكرمكم عند الله أتقاكم) وكان تفسير ذلك في قول النبي(ص) لافضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي. فكان ذلك تفسيراً لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولكن الأمةمنذ زمن طويل دبت فيها أنواع من العصبيات والقوميات والأحزاب القائمة على الاحتفال بالعرف والاحتفال باللون والاحتفال بالشعب والاحتفال بالقطر، إلى أن أصبحت هذهالعصبيات ديناً جديداً يفتُّ في وحدة الأمة، وفي عضدها ويفرقها أيما تفريق، ولا سبيل إلى وحدة إسلامية جامعة حتى يعلم المسلمون أنه يجب أن يكون الدين أعلى من كل تلكالعصبيات والقوميات، وأن يكون الله سبحانه وتعالى فوق ذلك جمعيا، وأن يكون ولاء المسلم لدينه ولأمته فوق الولاء للوطن، وفوق الولاء للقطر وفوق الولاء للإقليم وفوقالولاء للقبيلة.
أما فيما يتعلق بقضية الفرقة التي صارت بسبب المذهبيات فأن هذه المسألة إذا أردنا أن نفيض فيها وجدنا في تاريخنا عجباً، نسي الناس كثيراً منالعصور الإسلامية أنهم يجمعهم دين واحد ورب واحد، ويجمعهم كتاب واحد وقبلة واحدة، تجمعهم عقيدة التوحيد والإيمان بالله عزوجل واليوم الآخر والبعث والحساب، وتجمعهمشرائع كثيرة جامعة وأصول متفق عليها، ومن بعد ذلك تفرقوا على قضايا مذهبية، كثير منها حقير ، ماكان يجب أن يفرق الأمة، حتى أن بعض المذاهب كان بعضها لا يصلي مع بعض، ولايجب أن تحسبوا إن كان هذا فقط بين السنة والشيعة، ولكن كان في إطار الشيعة اختلافات من هذا النوع، وكان في إطار السنة اختلافات من هذا النوع، فرقت الناس وتقاتلوا عليهاومزقتهم أيما تمزّق، كل هذا التراث المتباين من اختلافات فقهية أو أصولية لا يجب أن يعلى به فوق الأصول الجامعة، ولن نستطيع أن نجمع الناس وقد تفرقوا على مذهب واحد أو علىمذهب قانوني - أو فقهي أو أصولي واحد فهذا من سنن الكون، فالله سبحانه وتعالى يقول: (ولا يزالون مختلفين) أي أن الاختلاف يقع بين الناس، فهو سنة من السنن الكونية التي تحدثفي كل شعب وفي كل أمة مع الزمن، لكن الوحدة التي يجب أن نطلبها هي الوحدة التي لا تتحقق مع كل هذه الاختلافات إلا لسببين:
الأول: أن نعلم أن هذه الاختلافات معكثرتها وتعددها هي اختلافات صغيرة. فنلتقي ونطلب الابقاء على الأمور الجامعة الموحدة، ليكون سبب ذلك أو هذا الاجتماع على ماذكره بعض علمائنا أن نجتمع فيما اجتمعنا عليهويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه.
الثاني: ان هذه القضية، قضية الاختلافات المذهبية والفقهية؛ هو أن نجعل من القضايا التي اختلفنا عليها قضايا هامشية مؤجلة،نطرحها ولا نختلف عليها ولكننا نتحاور فيها، تحاوراً لا يذهب بالود ولا يقضي على، الوحدة، ولكنه يوحد بقدر المستطاع، ثم نبقي على مالا نستطيع الاتفاق عليه لا يؤثر علىوحدتنا. في عصرنا هذا الذي ذكرت صفاته وخصائصه في أول كلامي لن تستطيع طائفة من الطوائف أن تعيش بمعزل عن الدنيا، ولن تستطيع الأمة الإسلامية أن تكون بمعزل عن الأممالأخرى، ولذلك فأن من أهم مايجب أن ندركه في فهم عصرنا وزماننا لابد لنا ونحن نتحاور ونلتقي ونتفاعل ونختلف ونتفق مع الشعوب الأخرى والأمم الأخرى، لابد لنا من وحدةجامعة، ولابد لنا من قوة تذهب عنا طمع الطامعين، وتسترد لنا الهيبة في هذا العالم، والمكانة التي كانت في الماضي أن الشعوب الأوروبية التي اجتمعت الأن في وحدة ثقافيةواقتصادية وعسكرية وبرلمان واحد، كانت بينها حروب طاحنة في الأمد القريب المعاصر، وفرقتها أديان وصراعات بين أنواع من الكنائس كلها معروفة في التاريخ، وفرقتها كذلكألسنة واختلافات ثقافية عديدة، ولاشك أنكم لا تحتاجون إلى تذكير أن الحرب العالمية الأولى والحرب الثانية لم تكن إلا بين الشعوب الأوروبية، ومع ذلك فقد أدركت هذه الشعوبأن قوتها في عالمنا المعاصر في وحدتها، ولذلك جلست تدرس أسباب الوحدة الاقتصادية أولاً ثم الثقافية ثم السياسية ثم العسكرية، فهي الان تضرب عن قوس واحدة وتربي أپناءهاعلى وحدة ثقافية، بحيث يستطيع الشاب أو الطالب أوالطالبة الجامعية أن تخرج من بيتها في أي قطر من أقطار أوربا وتسافر من غير جواز بأنحاء أوربا وبغير تأشيرة، وكانالمسلمون أولى بذلك لانهم عاشوا به قبل قرون طويلة، كانت العملة الإسلامية تنتقل من اليمن جنوباً وحتى أطراف أوربا الشرقية، وحتى أطراف الصين، تسافر بها القوافلالتجارية ولا يحتاج الواحد إلى تأشيرة؛ لانه كان يسافر لارض قد وحدها الإسلام، ونحن مع ذلك لايجب أن نتفرق في ذكرى التاريخ، ولكن يجب أن ننظر إلى الامام. أن الوحدةالإسلامية ممكنة، وأصولها موجودة، وجذورها لاتزال حية، فقط تحتاج إلى الوعي والإدراك فقط، ويجب أن نعلم إخوتنا أن الخطر كل الخطر والدواهي العظيمة تكمن في هذا الضعف،الذي نواجهه وتواجهه شعوبنا اليوم، فقد شبابنا الثقةفي علمائنا، وفقد أپناؤنا الثقفة في قيادتنا السياسية، ولذلك أن ظاهرة ما يسمى بالإرهاب الآن ماهي إلا فقدان هذهالثقة. أراد كثير من شباب العالم الإسلامي أن يأخذوا القوى بأيديهم، وأن ينتصروا لكرامتهم بأنفسهم، بأن يقتلوا أنفسهم في كل مكان، ولكن يجب أن نعلم وأن يعلموا أن هذهالشعوب وهذه الأمم تحت قيادات تثق فيها، وأن نجعل من وحدتها قوة تصد بها غزو الغزاة وهيمنة المهيمنين، وتسترد بها كرامتها وعزتها وذلك إنشاء الله هو السبيل، وهو ممكنبإذن الله سبحانه وتعالى. أقول هذه الكلمة وأرجو أن يكون موضوع الوحدة الإسلامية موضوع التدارس مستمر فقد شهدت في مجمع التقريب في إيران أكثر من مرة دراسات معمقة حولقضايا التقريب منها دراسات حول القرآن وموقف المذاهب منه، ومنها دراسات حول السنة وموقف المذاهب منها، ومنها دراسات حول القضايا الفقهية المتفق عليها والمختلف حولها،ومثل هذه الدراسات يجب أن تكون ديدناً في كل البلاد، كما أنه لابد لمثقفينا وعلمائنا من أن يبادروا الى دراسة الوحدة الاقتصادية والثقافية والسياسية، ولا يجب أن يظنواأن هذه القضية تخص السياسيين وحدهم، لأن السياسيين في كثير من بلادنا عاجزون من أن يفكروا، فضلاً أن يُسألوا ، ولابد من قيادة للشباب المثقفين والقيادات الثقافية في هذهالقضايا لكي تسترد هذه الأمور وتضعها في نصابها.
* - كلمة ألقيت بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف واسبوع الوحدة الاسلامية فياحتفال المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية بالخرطوم. المنعقد في 16 من ايار 2003م المصادف 14 ربيع الاول 1424هـ .