حساب المستضعفین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حساب المستضعفین - نسخه متنی

محمدمهدی الآصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حساب المستضعفين

الاستاذ الشيخ محمد مهدي الآصفي

رئيس الهيئة العلمية للمجمع

الهجرة تمثل الضلع الثاني من المثلث الذي يرسمه القرآن لحركة التوحيد، وهذا المثلث هو 'الايمان والهجرة والجهاد' والمستضعفون في الارض محاسبون عند ربهم إذا لم يهاجرواليخلصوا في عبادتهم للّه وحده وينجوا من الظالمين. وهذا البحث جولة في هذه المفاهيم.

(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا:كنا مستضعفين في الارض. قالوا: ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها؟ فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا . الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعونحيلة ولا يهتدون سبيلاً، فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان اللّه عفوا غفورا. ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الارض مراغما كثيرة وسعة. ومن يخرج من بيته مهاجرا الى اللهورسوله ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على اللّه، وكان اللّه غفورا رحيما)(1).

فيما يلي مجموعة من التوضيحات والتأملات حول هذه الآية الكريمة.

1-الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - المقصود بالظالم في الآية الكريمة: من يتحمل الظلم. ومعنى الآية الكريمة أن المستضعفين الذين يتحملون الظلم إذا توفتهم الملائكةعند الموت، يسألهم الملائكة عما الجأهم الى تحمل الظلم وقبوله. فيكون جوابهم أنهم كانوا مستضعفين.

والذي تحمل الظلم، رغما عليه، طبق القاعدة اللغوية مظلوموليس بظالم ولكن آية النساء تعبر عنه بالظالم، لسبب سوف نوضحه إن شاء اللّه.

والنقطة الآخرى أن كل ظالم (ظالم لنفسه) وكل محسن محسن الى نفسه ، وكل عدوان عدوانعلى النفس فى مقياس القرآن.

بقوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها) و (ما ظلمناهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

ومع حذف المكرر منهاتين المعادلتين نصل الى هذه المعادلة الجديدة : كل مظلوم ظالم لنفسه.

وهكذا تخاطب آية سور النساء المظلومين المستضعفين: (ظالمي أنفسهم).

ونتساءلكيف يكون المظلوم ظالما لنفسه؟

والجواب : أن المظلوم، عندما يتحمل الظلم، ويرضخ له ويكون سببا في ظهور فئة مستكبرة وظالمة في المجتمع. وهذه الفئة تعمل علىاستضعاف وإفساد طبقة واسعة من المجتمع.

وكل مظلوم يتحمل الظلم من هذه الفئة لابد أن يتحمل جزءً من هذه المسؤولية بالضرورة، وكل مظلوم، بهذا الاعتبار يعدمشاركا في توجيه الظلم الى نفسه والى الآخرين ولذلك فهو ظالم لنفسه.

اذن; تحمل الظلم من الظلم للبعض، والمظلوم ظالم في مقياس القرآن يستحق العقاب والمؤاخذة،الا أن يقاوم الظلم، أو يهجر الظلم إن لم يتمكن من مقاومة الظلم، وإن لم يفعل هذا ولا ذاك كان ظالما يستحق ما يستحقه الظالمون من العقاب والحساب.

2-قالوا فيم كنتم؟

وهذه هي المحاسبه. ولكل ذنب وظلم حساب عند اللّه.

ويبدأ حساب الانسان ساعة موته من غير تأخير.

فإن الموت يسقط الحجب عنبصر الانسان فتتكشف للانسان الحقائق لحظة الموت ويراها الانسان من دون حجاب إن حجبته عنها الدنيا وما اقترف فيها من الذنوب والآثام.

فاذا حضره الموت انجلت عنبصره هذه الحجب: (وكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). وهي لحظة حساب الانسان وعقابه وثوابه. وقد ورد في الحديث: 'اذا مات الانسان قامت قيامته'.

والى هذا المعنىتشير آية سورة النحل: (الذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السَلَم ماكنا نعمل من سوء. بلى إن اللّه عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم، خالدين فيها،فلبئس مثوى المتكبرين)(2).

هذا السؤال والحساب والعقاب يبدأ مباشرة بعد أن تتوفاهم الملائكة ، كما هو ظاهر من سياق آية سورة النحل.

وفي آية سورةالنساء يبدأ حساب المستضعفين مباشرة بعد أن تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. قالوا فيم كنتم؟!

والسؤال عن الظروف التي أرغمتهم على قبول الظلم.

فانالانسان الذي يتعرض للظلم، فلا يقاوم، ولا يهجر الظلم، إذا عجز عن مقاومته، يتعرض للحساب والعقاب، كما لو كان يمارس الظلم بنفسه.

3- قالوا: كنا مستضعفين.

هذا هو الجواب على السؤال السابق: فيم كنتم؟

قالوا: كنا مستضعفين.

ولا شك أنه اعتذار.

ونلاحظ أن المستضعفين لا يعتذرون يومئذ الىالملائكة بـ 'الضعف' ، وإنما يعتذرون بالاستضعاف.

والسبب واضح، فلم يجعل اللّه تعالى في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ضعيفا وقويا، وإنما الانسان هوالذي يأذن للآخرين أن يستدرجوه الى الضعف، ويسلبوه إرادته وقوته وصموده وكفاءاته وإمكاناته، فيكون مستضعفا.

ليس في النظام الاجتماعي ضعف وقوة، ولكن في هذاالنظام استضعافاً واستكباراً، وأحدهما يستدعي الآخر.

فالفئة المستكبرة في المجتمع لكي تفرض قيمومتها وولايتها على الناس، وتفرض عليهم الطاعة والتبعيةوالاستثمار.. لابد لها من أن تعمل على تجريد الناس من الكفاءات وكنوز المعرفة والقيم التي آتاهم الله تعالى، فاذا استفرغتهم منها وجردتهم عنها، يتحول الناس عندئذ الىكتلة بشرية فاقدة للابداع والكفاءة والمقاومة والقيم.. وهذه الكتلة تصلح أن تكون حالة اجتماعية ، قد استفرغ المستكبرون وزنها وثقلها الانساني، فلا تصلح الا للطاعةوالتبعية المحضة.

والى هذا المعنى يشير قوله تعالى من فرعون وقومه: (فاستخفّ قومه فأطاعوه).

فإن الفئة المستكبرة عندما تريد أن تفرض طاعتهاوولايتها على الناس لا سبيل لها الى ذلك الا أن تسلبهم قيمهم وأخلاقهم وقوتهم وصمودهم فاذا استخفوهم من كل ذلك تحولوا الى كتلة عائمة تطيع وتتبع من غير نقاش ومراجعة.

وهذه الحالة من التقويم الانساني تساعد الفئة المستكبرة على الظهور والبروز.

وهكذا نجد أن العلاقة بين الاستكبار والاستضعاف علاقة جدلية 'تبادلية'.

الاستكبار يؤدي الى الاستضعاف، والاستضعاف يؤدي الى الاستكبار. والاستكبار سبب كل فساد في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في حياة الناس.

وهذا هو اعتذار المستضعفين عندما تسألهم الملائكة، ساعة الموت، وما الجأهم الى قبول الظلم، فيقولون: كنا مستضعفين.

يعني أن المستكبرين استدرجوناالى حالة الاستضعاف، وقهرونا على قبول الظلم وتحمل الظلم.

وإذا دققنا النظر في صفة الاعتذار سنستطيع أن ننظر فيما يلي في جواب الملائكة لهم.

4-قالوا: ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها؟

وهذا هو رد الملائكة على الاعتذار السابق ، فالناس اذا فقدوا القدرة على المقاومة للظالم، فليس البديل لذلكالرضوخ والاستسلام للظالم بل الهجرة، والابتعاد عن دائرة نفوذ الظالم.

فليس بديل 'الجهاد' اذا تعذر على الناس الاستسلام والرضوخ للظالم، وانما البديل في هذهالحالة 'الهجرة'.

ولذلك يقول لهم الملائكة، في رد اعتذارهم بالعجز عن المقاومة والاستضعاف: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟).

فان الهجرةقائمة ، مادام الجهاد قائما في حياة الناس، فكلما عجز الناس عن المقاومة (الجهاد) فان البديل هو (الهجرة).

والجهاد قائم مادام للشرك حضور في حياة الناس.

اذن; الجهاد قائم مادام الشرك موجودا والهجرة قائمة مادام الجهاد قائما. عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): 'أيها الناس هاجروا، وتمسكوا بالاسلام، فان الهجرة لا تقطعمادام الجهاد'(3).

وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) 'لا تنقطع الهجرة مادام العدو يقاتل'(4).

وهذه حقائق جديرة بالتعامل.

فمهما وجد علىوجه الارض عدو للتوحيد يعمل لتثبيت الشرك وجب جهاده وقتاله.

واذا وجب الجهاد وجبت الهجرة، ولابد من إيضاح وشرح لهامش النقطتين، واليك ذلك.

مثلث الايمان والهجرة والجهاد

الهجرة هو الضلع الثاني من المثلث الذي يرسمه القرآن لحركة التوحيد في التاريخ.

وهذا المثلث هو : (الايمان والهجرةوالجهاد) وهو الذي يقوم حركة التوحيد في التاريخ، وعلى وجه الارض.

يقول تعالى: (ان الذين آمنوا، والذين هاجروا، وجاهدوا في سبيل اللّه، اولئك يرجون رحمة اللّهوالله غفور رحيم)(5).

ويقول تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)(6).

وهذا المثلث بنفس العناصر، وبنفس الترتيب يتكرر كما رأينا في سورة البقرة والانفال فالعناصر هي الايمان والهجرة والجهاد.

والترتيب والتسلسل هو نفس الترتيبوالتسلسل. وفي ذلك سر.

فان الايمان اختراق للنظام الثقافي والفكري الجاهلي، وهدم للأسس الفكرية والثقافية للشرك. وهذا الهدم يستتبع هدم المواقع الاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية للشرك ومن الطبيعي أن ذلك يثير أئمة الشرك للمقاومة والدفاع عن كيانهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بكل ما أوتو من قوة وحول.

ويبادر أئمة الكفر للعدوان على المؤمنين، واضطهادهم واستئصالهم أو إرغامهم على الردة، وحيث لا يتمكن المؤمنون من مقاومة هذا العدوان، ويؤدي هذا العدوان الى تصفيةكاملة لوجودهم الحركي والسياسي والفكري فلابد من 'الهجرة' في هذه الحالة، إذا تعذر 'الجهاد' على المؤمنين. والهجرة ليست فرارا من الزحف، وإنما هي مرحلة إعداد وتحضيرللقوة، ليعود المؤمنون بعد ذلك الى ساحة المواجهة والجهاد.

إذن ، فان 'الايمان' يستتبع الهجرة و'الهجرة' تستتبع 'الجهاد'.

وهذا هو فيما أعلم، واللهأعلم، سر تسلسل هذا المثلث في موضعين من القرآن بنفس الترتيب والتسلسل.

ومن خلال هذا التوضيح يتبين، ما سبق أن ذكرناه في هذا الباب من أنه مادام للشرك حضور فيحياة الناس فلابد من الجهاد. ومادام الجهاد قائما فلابد من الهجرة.

اذن; يتساءل الملائكة من المستضعفين. لم لم يهاجروا بدينهم وأنفسهم وكرامتهم في أرض اللّهالواسعة، ومكّنوا الظالم من انفسهم وكرامتهم ودينهم؟

5- قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟

وليس للمستضعفين أن يقولوا للملائكة: إنالارض قد ضاقت بهم بما رحبت، فان اللّه تعالى لم يجعل الارض ضيقة على المستضعفين، والملائكة يقررون هذه الحقيقة: (ألم تكن أرض اللّه واسعة).

وهي حقيقة قرآنيةذات أهمية كبيرة في حياة المؤمنين، وخلافها شذوذ واستثناء، والاصل أن أرض اللّه واسعة.

وهذه الحقيقة يكررها القرآن على الأقل في سورتي العنكبوت والزمر. ففيسورة العنكبوت:(يا عباديَ الذين آمنوا إنّ أرضي واسعة فإيّاي فاعبدون)(7).

والحقيقة الكبرى التي تقررها آية سورة العنكبوت هي (إن أرضي واسعة). لمن؟ للمؤمنين منعباد اللّه.

فإن الآية الكريمة تتصدر بهذا الخطاب الرقيق والشفاف: (يا عبادي الذين آمنوا). وفي تخصيص العباد الذين آمنوا بهذا الخطاب الرباني عناية ورقةوتكريم من اللّه تعالى لعباده المؤمنين.

ولماذا يخصهم اللّه تعالى بهذا الخطاب؟ ولماذا يقرر اللّه تعالى لهم (إن ارضي واسعة)؟

ليعبدوه وحده، ولايخشوا الظالمين (فإياي فاعبدون).

فلكي يعبدوا اللّه تعالى وحده، ولكي لا يمكنوا الظالم من دينهم وإيمانهم وعبوديتهم للّه، فإن الله تعالى يوسّع عليهم الهجرة،ويقول لهم (إن أرضي واسعة)، فاذا ضاقت بهم بيوتهم وعشائرهم ومدنهم وأوطانهم من أن يعبدوا الله تعالى وحده فإن في أرض اللّه تعالى سعة، والله تعالى يفتح عليهم من رحمتهمايشاء.

وفي سورة (الزمر):(قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة، وأرض اللّه واسعة).

وهذه الآية تجري على معنى آيةالعنكبوت وتخص الآية الكريمة في بدايتها عباد الله الذين آمنوا بالخطاب:(قل يا عبادي الذين آمنوا) . وتمنيهم بأن أرض اللّه واسعة:(وأرض اللّه واسعة). وتدعوهم بين هذا وذاكالى التقوى.

وهذه قاعدة عامة، ذات أهمية بالغة في حياة المؤمنين العاملين، أن اللّه تعالى إذ دعاهم الى أن يعبدوه وحده، ويتقوه، لم يضيق عليهم الارض، وجعل لهمفي الهجرة سعة من الضيق، ، وجعل لهم الارض واسعة، ووعدهم أن يفتح لهم الطريق كلما ضاقت بهم السبل، فلا ينتهون الى طريق وقد جعل اللّه تعالى للمؤمنين مع كل ضيق سعة، ومع كلشدة فرجا ومخرجا.

يقول تعالى: (فان مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا)(8).

لا ريب أن اللّه تعالى قد قدّر لعباده العسر والشدة، ولكنه تعالى جعل لهم معكل عسر يسرا.

عن الامام الصادق(عليه السلام): 'إن عسرا واحداً لا يغلب يسرين'.

وفي الآية الكريمة يسران وعسر واحد فان العسر الثاني نفس العسر الاولبدليل الـ (العهد). بينما ذكر اللّه تعالى في آية الانشراح يسرين (فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا).

إن مع كل فقر غنى، ومع كل شدة انفراج، ومع كل ضراء سراء،ومع كل كرب يسر وعافية.

وهذه إرادة اللّه تعالى: أن يكون بعد كل استضعاف قوة وبأس للمؤمنين.

يقول تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استُضعفوا في الارضونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الارض، ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)(9).

إن هذه الآية تحكي عن سنة الهية ثابتة كلما أصابتالمؤمنين بأساء أو ضراء. فينصرهم اللّه ويفتح عليهم . والقرآن يحكي هذه السنة بهذه الكلمات المعبرة (ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا).

ومن يقدر على أن يعاكسإرادة اللّه تعالى ولكن بشرط الايمان والتقوى والصبر والمقاومة والجهاد والهجرة.

6- فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا.

بعد هذا الحساب عذاب وعقابولا يخرجون من عذاب الدنيا وهوانها الا ليدخلوا في عذاب الآخرة وهوانها. وعذابهم كبير وأليم، لأن الجريمة كبيرة. إن جريمتهم هي تمكين المجرمين من أنفسهم ومن المؤمنين.ولولا رضوخهم للظلم لم يتمكن الظالمون من ظلم المستضعفين واستضعافهم واذلالهم وهي جريمة كبيرة يستحق عليها أصحابها أشد العذاب وآلمه.

7- الا المستضعفين منالرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم، وكان اللّه عفوا غفورا.

وهذا هو الاستثناء من تلك القاعدة.والأصل المسؤولية والعقاب، والاستثناء: للرجال والنساء والولدان الذين لا حيلة لهم في الهجرة. فليس من بأس على هؤلاء أن لايهاجروا ، وتشملهم مغفرة الله تعالى وعفوه (وكاناللّه عفوا غفورا).

8- ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد مراغما كثيرا وسعة.

وهذا وعد اللّه تعالى للذين يهاجرون بدينهم من الظالمين، قد تكرر مرة ثانية فيهذه الآيات. إنهم يجدون مراغما كثيرا وسعة.

وقد يتصور المؤمنون أن الهجرة تسلبهم أهلهم وذويهم ومواقعهم الاجتماعية وأعمالهم الاقتصادية وأصدقاءهمومستقبلهم. فإن الانسان يبني حياته ومستقبله في وطنه الذي يعيش فيه، فاذا هاجر الى ديار أخرى، ليس له فيها أهل ولا أصدقاء، ولا عمل، ولا موقع، ولا معرفة ولا علاقات.. فقدحياته الاقتصادية وعمله ومستقبله وعلاقاته.

ولكن الله تعالى وعد المؤمنين أن يفتح لهم في الهجرة آفاقا جديدة لم تكن تخطر لهم على بال ويعوضهم عما فقدوهباصدقاء ومواقع جديدة وأعمال وآفاق جديدة ويوسع عليهم آفاق الارض كما ضيق الظالمون عليهم الارض بما رحبت.

وقد وجدنا نحن في محنتنا في العراق عندما هاجرنا الىديار غريبة،ليس لنا فيها معرفة ولا أصدقاء، ولا علاقة.. وجدنا صدق وعد اللّه تعالى ، فرزقنا اللّه تعالى بما فقدنا من الاهل والاصدقاء علاقات جديدة وأحباء آثرونا علىانفسهم وعطف علينا قلوب مؤمنين، وصدق اللّه ورسوله ، وله الحمد هذا رزقهم في الدنيا وعن رزقهم في الاخرة يقول تعالى: (والذين هاجروا في اللّه من بعدما ظلموا لنبوئنّهم فيالدنيا حسنة، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) .

9- ومن يخرج من بيته مهاجرا الى اللّه ورسوله.

للهجرة ظاهر وباطن، ولا قيمة لظاهر الهجرة الابباطنها.

وظاهر الهجرة أن يخرج الانسان من بيته، وباطن الهجرة أن تكون هجرته الى اللّه (مهاجرا الى اللّه).

وقد روى البخاري عن رسول اللّه(صلى اللهعليه وآله) باب كيف كان بدء الوحي وهو أول حديث من صحيح البخاري: 'إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو الى امرأه ينكحها فهجرتهالى ماهاجر اليه'(10).

إن الهجرة نقلة من الانقياد للهوى والطاغوت الى الانقياد لله تعالى... ونقلة من الذنوب والمعاصي الى طاعة الله.

عن رسولاللّه(صلى الله عليه وآله) :'أفضل الهجرة أن تهجر ماكره اللّه'(11).

وعنه (صلى الله عليه وآله) 'أفضل الهجرة أن تهجر السوء'(12).

وعنه (صلى الله عليه وآله)'اشرف الهجرة أن تهجر السيئات' فاذا خرج الانسان من بيته مهاجرا الى اللّه ورسوله ، وابتغاءً لوجه الله الكريم وخرج من طاعة الهوى والطاغوت الى طاعة اللّه فتلك هي الهجرةالتي يريدها اللّه تعالى من عباده.

واذا تجردت الهجرة من ذلك وكانت هجرته الى دنيا يصيبها أو رزق يناله، فهجرته الى ما هاجر اليه.

10- ثم يدركه الموتفقد وقع أجره على اللّه.

جعل اللّه تعالى الهجرة سبيلا الى الجهاد والنصر.

ومن أدركه الموت في الهجره ولم يدرك الجهاد عوضه اللّه تعالى عنه، ووقعأجره على اللّه، يعطيه من فضله حتى يرضيه ويزيده.

وما أدراك ما 'الأجر' اذا وقع على اللّه الكريم يقول تعالى: (والذين هاجروا في سبيل اللّه ثم قتلوا أو ماتواليزرقنهم اللّه رزقا حسنا، وإن اللّه لهو خير الرازقين)(13).

روى الطبرسي في مجمع البيان عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): 'من فر بدينه من أرض الى أرض، وإن كانشبرا من الارض، استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد(عليهما السلام)'(14).


1- النساء / 97 - 100 .

2- النحل / 28 - 29 .

3- كنزالعمال للمتقي الهندي ح 46260.

4- كنزل العمال ، ح 46274 .

5- البقرة / 218 .

6- الانفال / 72 .

7- العنكبوت / 56 .

8- الانشراح / 5 - 6 .

9- القصص/ 5 - 6 .

10- صحيح البخاري 1/2 باب كيف كان بدء الوحي.

11- كنزل العمال ح 46263.

12- كنزل العمال ح 46264.

13- الحج / 57 .

14- مجمع البيان 3 / 100 .

/ 1