حقوق الأقلیات فی الشریعة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقوق الأقلیات فی الشریعة الاسلامیة - نسخه متنی

محمود أحمد أبولیل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أستاذ السياسة الشرعية بقسم الدراسات الاساسية - جامعة الامارات

حقوق الأقليات في الشريعة الاسلامية

أ.د. محمود أحمد أبو ليل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آلهوصحبه أجمعين، وبعد:

فإن الإسلام دين العدالة والمساواة والإنصاف وتعاليمه تقوم على اليسر والاعتدال والتسامح ورفع الحرج، وقد جاءت أحكامه عامة لسائر الأعصاروالأمصار، وشاملة لسائر قطاعات الحياة الإنسانية، سواء منها العقدية والتعبّدية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدولية وغيرها من الأنشطة الحياتية التي تزخربها المجتمعات.

وانطلاقاً من مبدأ العمومية والخلود في هذه الشريعة الحنفية، والتي هي بالملكفين حفية، وتأسيساً على قاعدة العدل والمساواة والتي تعتبر من أهم وأرسخقواعد المجتمع الإسلامي، فإن الأقليات التي ارتضت العيش في ظل الدولة الإسلامية التي لا تحيف على أحد، ولا تؤدي إلا الى سعادة الجميع.

وقد تناول الفقهاء هذه الحقوقمن خلال حديثهم عن أهل الذمة، مالهم، وما

عليهم، وما يترتب على عقد الذمة من التزامات متقابلة على طرفي العقد، والأصل في أهل الذمة أن لهم مالنامن الأنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف(1)، وقد روى ذلك عن علي(ع) حيث قال: «إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا»(2)، إلا أن هناك استثناءاتقليلة في بعض الحقوق والواجبات، اقتضتها المخالفة في الدين.

تعريف كلمة: «الحق»

لكلمة الحق في لغة العرب عدة معان، تدور كلها تقريباً حول الثبات والوجوب، ومنهذا قوله تعالى: (لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون((3)، أي ثبت ووجب عليهم، ومنه قـولـه أيضاً: (ليحق الحق، ويبطل الباطل((4)، أي ليثبت الحق ويظهره.

وعرّف القانونالحق بأنه: «فائدة مادية أو أدبية مقرّرة لشخص قبل غيره يحميها القانون، ولـه تعريفات قانونية أخرى، ويمكن تعريفه شرعاً بأنه: «الحكم الذي قرّره الشارع»(5).

ويمكنتقسيم الحقوق الى ثلاثة أقسام هي: حقوق سياسية، وحقوق عامة، وحقوق خاصة.

الحقوق السياسية

المقصود بالحقوق السياسية هي الحقوق التي يكتسبها الشخصباعتباره عضوا في هيئة سياسية، كحق تولى الوظائف العامة، وحق الانتخاب، وحق الترشيح(6).

حق تولي الوظائف العامة

الواقع أن الاسلام لا يسوى بين المسلمين والذميينفي تولى الوظائف العامة.

والاسلام يعلن ذلك بجلاء، ولا يخادع بزخرف القول غروراً، كما تدعى الديمقراطيات الزائفة، بشعاراتها البراقة، منإعلان المساواة، واحترام حقوق الانسان، والنأي عن التفرقة، ولكن الواقع يخالف ذلك كثيراً.

والاسلام اذ يفرق بين المسلمين والذميين في هذه الحقوق، ويجعل بعض الوظائفالعامة مقصورة على المسلمين وحدهم، فذلك لأن الدولة الاسلامية دولة مبدئية، تسير وفق نظام الاسلام، وهذا يقتضى أن تناط المناصب السياسية، والوظائف العامة الرئيسيةالتي تسير دقة النظام، بشخصيات مؤمنة بهذا النظام، متفهمة لطبيعته، قد أشربي قلوبها حبه، والا فقدت الدولة صبغتها الاسلامية(7).

فكيف يتأتى إسناد منصب الامامة لغيرالمسلم، وهي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين، وسياسة الدنيا به؟ وكيف يسوغ أن يكون قائد الجيش كافراً، والجهاد شرع لاعلاء كلمة الاسلام، والذمي غير مطالب بالجهادأصلاً؟ فلابد أن تكون الوظائف العليا التي تقوم على العقدية الاسلامية، ويبرز فيها عنصر التدين، قصراً على المسلمين وحدهم، وذلك كالامامة، والقضاء، وقيادة الجيش،ووزارة التفويض ونحوها، وليس أن يهتم الاسلام في ذلك بالظلم والتعصب، مادام كفل للأقليات غير الاسلامية، حقوقها المدنية، كاملة غير منقوصة ولو نظرنا الى وضع الاقلياتفي الدول القومية، أو وضع غير الشيوعيين في الدول الشيوعية، لوجدنا أنهم ليسوا محرومين من المناصب السياسية الهامة فحسب، بل ومن كثير من الحقوق الانسانية الاساسية،وكثيراً ما تلجأ الدول الشيوعية والرأسمالية على السواء الى معالجة مشكلة الأقليات عن طريق تذويبها بالقهر والضغوط، أو عن طريق نبذها وابعادها عن مسرح الحياة السياسيةوالاجتماعية(8).

أما الوظائف الأخرى التي لا ترتكز على العقيدة الاسلامية، ولا تؤثر على

أجهزة الحكم، فيجوز اسنادها الى أهل الذمة، فيجوز أنيتولى الذمى جباية الجزية والخراج، بل يجوز أن يقلد وزارة التنفيذ(9). ووزير التنفيذ يكون - كما قال الماوردي - سفيرا بين الامام وبين الرعايا والولاة، يؤدي عنه ما أمر،وينفذ عنه ما ذكر(10).

وأما ما ذهب إليه بعضُ العلماء من منع استخدام الذميين مطلقاً، لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا: لا تتخذوا بطانة من دونكم، ولا يألونكم خبالا،ودوّا ما عنتّم، قد بدت البغضاء من أفواههم ((11). واستناداً إلى ما أثر عن عمر أنه منع من اتخاذ كاتب حافظ من أهل الحيرة(12) - فالواقع أنه لا حجة في الآية، لأن النهي فيهامنصبُ على من ظهرت عداوته للمسلمين، كبني النضير الذين حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، عندما جاء يستعين بهم على دية قتيلين. وهذا أمر أساسي في سياسة الدول، فإنهالا تمكن أحداً من المحافظة على أسرارها إلا إذا كان محل ثقة وأمانة، ولعلّ هذا هو الذي منع عمر من اتخاذ كاتب من أهل الحيرة في الأثر السابق(13).

أما الذميون الذين لايعرف لهم عداوة للدولة الاسلامية، فيجوز أن يتخذهم المسلمون بطانة يستودعوهم الأسرار، ويستعينون بهم في شئون الدولة المختلفة(14). وفي السيرة ما يرشد الى هذا، فعندماهاجر عليه السلام استأجر دليلا كافرا(15)، وكلف عدداً من أسرى بدر بتعليم صبيان المسلمين فدية لهم(16)، ولما توجه الى مكة في العام السادس للهجرة، بعث عينا كافرا من خزاعةيخبره عن قريش(17).

وسار الخلفاء من بعده على هذه الطريقة، فيروى أن عمر رضي الله عنه جعل رجال دواوينه من الروم، وجرى الخليفتان الآخران، وملوك بني أمية من بعده علىذلك الى أن نقل الدواوين عبد الملك بن مروان من الرومية الى العربية. وبهذه السيرة وذلك الارشاد عمل العباسيون وغيرهم من ملوك المسلمين في

نوطأعمال الدولة باليهود والنصارى والصابئين، ومن ذلك جعل الدولة العثمانية أكثر سفرائها ووكلائها في بلاد الأجانب من النصارى(18).

حق الانتخاب والترشيح

أرى أن حقالاشتراك في انتخاب رئيس الدولة لا يمنح لغير المسلمين، لأن هذا هو الذي جرى عليه العمل في عصور الاسلام المختلفة، أما انتخاب ممثلين لأهل الذمة في مجلس الشورى، وترشيحأنفسهم لعضويته فذلك جائز(19) شريطة أن يكون دورهم مقصورا على عرض مشاكلهم على الدولة، وابداء النصح لها فيما يسألون عنه، والله تعالى يقول: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لاتعلمون((20) فالنص يدل بعمومه على جواز الرجوع للكفار لأخذ الرأي منهم فيما يعن من أمور.

الحقوق العامة

وهي الحقوق التي تعتبر مقومات للشخصية الانسانية، وهيتسمى كذلك الحقوق الشخصية، أو حقوق الانسان، أو الحريات العامة، وتشمل هذه الحقوق: الحرية الشخصية، وحرمة المسكن، وحرية العقيدة، وحرية الرأي والاجتماع، وحق التمتعبمرافق الدولة، وحرية العمل(21)، وسنتكلم عن كل حق منها بايجاز.

أولاً - الحرية الشخصية

تقضى هذه الحرية بحصانة الشخص فلا يجوز أن يقبض عليه أو يعاقب إلاحيث يجيز القانون ذلك، كما تقضى بحقه في التنقل داخل الدولة وخارجها(22).

والذمى يتمتع بهذه الحقوق كاملة، فله أن يغدو ويروح آمنا في سربه،مطئنا على حمايته من أي ظلم أو عدوان، لأن عقد الذمة يمنحه العصمة في نفسه وماله وولده، قال الماوردي: «ويلتزم لهم ببذل الجزية حقان، أحدهما الكف عنهم، والثاني الحمايةلهم، ليكونوا بالكف آمنين وبالحماية محروسين»(23).

والله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم والاعتداء على أي انسان، قال سبحانه: (إن الله لا يحب المعتدين((24) وقال: (والله لايحب الظالمين((25) والذمى يدخل في عموم ذلك.

وجاءت أحاديث وآثار تنهى عن ظلم الذمى بشكل خاص، منها ما رواه أبو داود والبيهقي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا منظلم معاهدا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة»(26).

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «ريح الجنة ليوجد من مسيرة مائة عام، وما منعبد يقتل نفسا معاهدة، إلا حرم الله عليه الجنة ورائحتها أن يجدها»(27).

وقال عمر رضي الله عنه: «أوصيكم بذمة الله، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم»(28)، وكان رضي الله عنهيتفقد أحوال أهل الذمة، ويسأل الوفود عنهم، ويستوثق من ولاته أنهم لم يظلموهم في جباية الجزية منهم(29).

وكان الفقهاء يوصون الخلفاء بالرفق بأهل الذمة، فقد ذكر أبويوسف في كتاب الخراج الذي كتبه لهارون الرشيد: «ولا يضرب أحد من اهل الذمة في استيدائهم الجزية، ولا يقاموا في شمس ولا غيرها، ولا يجعل عليهم في أبدانهم من المكاره، ولكنيرفق بهم، ويحبسون حتى يؤدوا ما عليهم»(30). وقال فيه يوصيه أيضاً: «وقد ينبغي يا أمير المؤمنين، أيدك الله أن تتقدم في الرفق بأهل ذمتك، وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم،والتقدم لهم حتى لا يظلموا، ولا

يؤذوا، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شيء من أموالهم، الا بحق يجب عليهم»(31).

والمسلمون ليسوا مكلفينبالامتناع عن ظلم اهل الذمة فحسب، بل هم مطالبون بالذنب عنهم، ومنع من يقصدهم من المسلمين والكفار، واستنقاذ من أسر منهم، واسترجاع ما أخذ من أموالهم(32).

ومن امثلةاستنقاذ المسلمين لأسرى اهل الذمة ماقام به ابن تيمية رحمه الله من الشفاعة فيهم لدى من كانوا في قبضتهم من التتار(33).

وكذلك لا يجوز إلقاء القبض على الذمى، أو إنزالالعقاب به، الا بموجب شرعي، لأن ذلك من العدوان المحرم، ولأن القاعدة تقول: «لا جريمة ولا عقوبة الا بنص الشرع»(34).

حرية التنقل بالنسبة للذمي

للذمى أن يتنقل فيطوال دار الإسلام وعرضها، إلا الحرم والحجاز، فلهما أحكام خاصة في هذا الصدد، نذكرها بايجاز:

1ـ الحرم:

ذهب الجمهور الى منع الكافرين من دخول الحرم، ولولحاجة(35)، لقوله تعالى: (انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا((36). والمراد به الكعبة وما أحاط بها من نصب الحرم، فيشمل مكة ومنى ومزدلفة والتنعيم،بدليل قـولـه تعالى بعد ذلك: «وإن خفتم علية» يريد ضررا، بتأخير الجلب عن الحرم دون المسجد. ويجوز تسمية الحرم المسجد الحرام، بدليل قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبدهليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ((37)، وإنما أسري به من بيت أم هانئ من خارج المسجد(38).

وألحق المالكية واحمد في رواية عنه بالحرم سائر المساجد، لأن العلةفي تحريم دخول الكافر المسجد الحرام هي النجاسة، وهي تتعدى الى كل موضع

محترم بالمسجدية(39)، وذلك كتب عمر بن عبد العزيز الى عماله، ونزع فيكتابه بهذه الآية ويؤيد ذلك قولـه تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ((40) ودخول الكافر مناقض لرفعها، وفي صحيح مسلم وغيره: «ان هذه المساجد لا تصلح لشيء من البولوالقذر » (41)، والكافر لا يخلو عنه، كما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسجد لا يحل لجنب أو حائض»(42)والكافر جنب(43).

وأورد على المالكية أن النبي صلى اللهعليه وسلم ربط ثمامة بن أثال بالمسجد، وهو مشرك، وقدم عليه وفد أهل الطائف فأنزلهم في المسجد قبل إسلامهم، وقال سعيد بن المسيب: قد كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهوعلى شركة، وقدم عمير بن وهب، فدخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ليفتك به، فرزقه الله الاسلام(44).

وأجاب المالكية بأن ذلك كان قبل نزول هذه الآية، وأجابوا علىقصة ثمامة أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه فلذلك ربطه، او انما ربطه في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين، واجتماعهم عليها، فيستأنس بذلك ويسلم(45).

وأما أبو حنيفة فقال: لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره، ولا يمنع دخول المسجد الحرام الا عبدة الأوثان(46).

والمختار منع الكافر من دخول الحرممطلقاً لصريح الآية، ومنعه من سائر المساجد إلا لحاجة، كسماع القرآن، أو الذكر، أو أن يأذن لهم الامام بدخولها لسبب ما، للأخبار السابقة وأما من غير إذن الامام، أو منغير حاجة مشروعة فلا يجوز وقد بصر علي كرم الله وجهه بمجوسي، وهو على المنبر، وقد دخل المسجد، فنزل وضربه، وأخرجه من باب كندة(47).

2- الحجاز:

لا يجوز لأهل الذمةاستيطان الحجاز لقوله لما رواه ابن عباس رضي الله

عنهما قال: «اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس.. وأوصى عند موته بثلاث:أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة» متفق عليه(48)، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع فيها الا مسلماً» رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه(49). والمقصود بالجزيرة الحجاز خاصة، لأن عمر رضي الله عنه أخرجهممنه، وأقرهم باليمن، مع أنها منها(50). وروى عن مالك أنه يرى أجلائهم من أرض العرب كلها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»(51).

والحجازهو مكة والمدينة واليمامة، وما يتبعها، كالطائف وخبر، وسمي حجازاً لأنه حجز بين نجد وتهامة. أما نجران فليست من الحجاز، ولكن صالحهم رسول صلى الله عليه وسلم أن لا يأكلواالربا، فأكلوا ونقضوا العهد، فأجلاهم عمر لذلك(52).

ويجوز لهم دخول الحجاز لتجارة وغيرها بإذن الامام، على ألا يقيموا في موضع أكثر من ثلاثة أيام كما قال جمهورالفقهاء، لأن الحاجة تدعوا الى دخولهم، لنقل الميسرة، أو تقديم خدمة ما. وكان النصارى يتجّرون الى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه، وأتاه شيخ بالمدينة، فقال: أنا الشيخالنصراني، وإن عاملك عشرتي مرتين، فقال عمر: وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عمر ان لا يعشروا في السنة الا مرة(53).

وأما تحديد الاقامة بثلاثة أيام فلاثر في ذلك عن عمر رضيالله عنه(54).

وقيل في تعليل تحديد هذه المدة: إن أكثر من ذلك تكون اقامة وهو ممنوع منها وقيل: إن أقام بمحل ثلاثة أيام، ثم يآخر مثلها، وهكذا، جاز، إن كان بين كل محل ومحلمسافة القصر، وقيل: للكافر الاقامة في طرق

الحجاز الممتدة بين مدنه، والتي لم تجر الاقامة فيها عادة، لأنها ليست من مجتمع الناس، ولا موضعالاقامة(55).

وعند الحنابلة وجه يحتمل إقامة الكافر التاجر ونحوه المدة التي تقتضيها مهمته، ولو طالت عن ثلاثة أيام(56).

وأرى أن ذلك داخل في باب السياسة الشرعيةالمنوطة بنظر الإمام، فهو الذي يحدد مدة إقامة الكافر التاجر أو الرسول ونحوهما في الحجاز، حسبما تقتضيه الظروف والمصلحة ويحتمل توقيت عمر أنه من باب تخيّر المصلحةوالاجتهاد وقد تكون حاجة المسلمين تدعوا لدخول تجار من الكفار، أو خبراء أو مهندسين، وتحتاج مهمتهم لأسابيع أو شهور فيرجع ذلك كله لتقدير الامام.

وفيما عدا الحرموالحجاز فللذمى كامل الحرية في التنقل داخل دار الاسلام ولـه السفر خارجها لغرض التجارة أو الدراسة، أو غير ذلك، مع أمن عودته الى دار الإسلام، أما بنية اللحاق بدارالحرب، فلا يجوز(57)، والا اعتبر ناقضا للعهد.

ثانياً: حرمة المسكن

قرر الاسلام حرمة المساكن عموماً، فلا يجوز دخولها الا بإذن أربابها، قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فان لم تجدوا فيها أحد فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكمارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم((58). فهذا النص يشمل عمومه الذميين، فلا يجوز التلصص عليهم، والاطلاعُ عليهم، أو اقتحام مساكنهم من غير إذنهم، لأنمسكنَ الشخص موضعُ أسراره، ومحلُ حياته الخاصة مع أفراد عائلته، وفيه أمواله، فمن الطبيعي أن يكون للمساكن حرمةٌ، لا يجوز لأحد أن يخرقها، أو يعتدي عليها؛ لأن الاعتداءعليها اعتداءٌ على الشخص نفسه، والشريعة حرّمة الاعتداء على الذمي بأي شكل كان(59).

ثالثاً: حرية العقيدة

يسمح لأهل الذمة في ظلالإسلام بممارسة الشعائر الدينية، ولا يكرهون على ترك دينهم، الذي ارتضوه لأنفسهم، قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبيَن الرشد من الغي((60)، وتميّز المجتمع الإسلاميبالتسامح الديني عبر العصور المختلفة، كما نطقت به عهود المسلمين مع أهل الذمة، وكما حَفِلت به صفحات التاريخ الإسلامي، عبر عصوره المختلفة. ونذكر هنا طرفاً ممّا جاء فيمعاهدة عمر رضي الله عنه مع أهل بيت المقدس: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهمولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبرئيها، وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون علىدينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكنُ بإيلياء معهم أحد من اليهود..»(61).

فللذميين كاملُ الحرية في إقامة الشعائر الدينية، والتقاليد القومية، في مواضعهم وقراهمالخاصة، ولكنهم إن كانوا في القرى والبلاد الإسلامية الخالصة، فللدولة الإسلامية الخيار في أن تطلق لهم ذلك، أو تضع عليهم دونه بعض القيود، قال في البدائع: «لا يُمنعونمن إظهار شيء ممّا ذكرنا، من بيع الخمر والخنزير، والصليب، وضرب الناقوس، في قرية أو موضع، ليس من أمصار المسلمين، ولو كان فيه عدد كثير من أهل الإسلام، وإنما يكره ذلك فيأمصار المسلمين، وهي التي تقام فيها الجمعُ والأعيادُ والحدود. وأما إظهار الفسق الذي يعتقدون حرمته، كالزنا وسائر الفواحش المحرمة في دينهم، فإنهم يمنعون منه، سواءأكانوا في أمصار المسلمين، أو في أمصارهم»(62). وفي أمصار المسلمين إنما يمنعون من إخراج صلبهم وأوثانهم في أعيادهم فإن أظهروا شعائرهم هذه في جوف معابدهم القديمة، فلاجناح عليهم، وليس للدولة أن تتدخل في هذا(63).

أهل الذمة وبناء المعابد

ممّا يتعلق بالحرية الدينية البحثُ في حكم بناء معابد الذميينفي دار الإسلام، وفي هذا الصدد، قسم الفقهاء أمصار المسلمين إلى ثلاثة:

1ـ ما مصره المسلمون - أي أحدثوه - كالكوفة والبصرة والقاهرة وبغداد، والبلد الذي أسلم عليهأهله: كالمدينة المنوّرة والطائف واليمن، لا يجوز احداث معابد لأهل الذمة فيه، ولا يجوز صلحهم على ذلك،

لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبنى كنيسة في الإسلام، ولايحدد ما خرب منها»(64)، وقد روى هذا الحديث بطرق كثيرة، وإن كانت ضعيفة، فالضعيف إذا تعدّدت طرقه يصير حسناً(65). وكذلك لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أيما مصرأعدّه العرب، فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا يضربوا فيه ناقوساً، ولا يدخلوا فيه خمراً، ولا خنزيراً..»، رواه البيهقي في سننه(66). ولأن البلد ملك للمسلمين، فلا يجوز أنيبنى فيه مجامع للكفر(67).

2- ما فتحه المسلمون عنوة، كمصر وفارس وبلاد المغرب، لا يجوز احداث شيء من المعابد فيه، لأنه صار ملكا للمسلمين بالاستيلاء عليه(68). وذهبالخرشي من المالكية الى أنه ان كان يحصل من المنع مفسدة أعظم من الإحداث ارتكب أخف الضررين(69).

وأما ما كان قائما منها قبل الفتح، ففيه قولان:

الأول: يجبهدمها، لأنها ملكت للمسلمين لما فتحوها عنوة، فلا يسوغ أن يبقى فيها كنيسة أودير، كما هو الحكم في البلاد التي مصرها المسلمون، وبه قال الشافعية في الأصح عنهم، وأحمد فيرواية عنه(70).

والثاني: لا تهدم، لكن قال الحنيفة: تحول مساكن للمسلمين، لأنهم استحقوها بالفتح عنوة، فلا تبقى معابد للذميين(71).

وقال الشافعية في الروايةالمرجوحة: يقرون عليها للمصلحة، وبه قال

الزيدية(72).

وكذلك قال الحنابلة في الرواية الثانية، ولم يقيدوها بالمصلحة، واحتجوا لذلك بماجاء في حديث ابن عباس: «ايما مصر مصرته العجم، ففتحه الله على العرب، فنزلوه، فان للعجم ما في عهدهم»(73)، ولأن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيراً من البلاد عنوة، فلميهدموا شيئا من الكنائس، بدليل وجود كثير منها في البلاد التي فتحت عنوة، ومعلوم أنها ما أحدثت، فيلزم أن تكون موجودة، فأبقيت، وقد كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الىعماله: ان لا يهدموا بيعةً ولا كنيسة، ولا بيت نار. ولأن الاجماع قد حصل على ذلك، فانها موجودة في بلد المسلمين من غير نكير(74).

وظاهر قول الحنابلة في هذه الرواية أنهاتبقى لما أعدت لها، أي معابد لأصحابها الذميين. وهو قول المالكية أيضاً.

3- ما فتح صلحا: فان كان الصلح عن ان الأرض لهم، والخراج للدولة الإسلامية، فلهم إحداث الكنائسفيها عند جمهور الفقهاء، لأن الدار لهم. وفي قول للشافعية: يمنعون من احداث الكنائس فيها، لأنها واقعة تحت حكم الاسلام(75).

وأما اذا كان الصلح على أن الأرض للدولةالاسلامية، ويؤدون الجزية، فيكون حكم المعابد على ما يقع عليه الصلح، فإن صولحوا على شرط التمكين من إحداثها، جاز لهم الاحداث، وان لم يتعرض في الصلح لذكر المعابد،فالراجح عند الجمهور أنهم يمنعون من إحداثها، ويقرون على ما كان فيها، ويجوز لهم اعادتها وترميمها اذا انهدمت وتصدعت، لأن الأبنية لا تبقى دائماً، وإقرارهم عليها من قبلالامام يحمل في طياته العهد إليهم بإعادتها(76).

أما المالكية فقالوا: يجوز لهم الإحداث مطلقاً، شرط لهم ذلك أم لم يشرط، مادام المسلمون لا يسكنون معهم(77).

وذكر الفقهاء أن الحجاز لا يجوز اقامة الكنائس فيه مطلقا بالاجماع(78).

الترجيح

والقول الراجح من هذه الأقوال ان مامصره المسلمون لا يجوز احداثالكنائس فيه مطلقاً لما ذكر من الأدلة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلح قبلتان بالأرض، ولا جزية على مسلم «رواه أبو داود باسناد جيد(79)وكذلك مافتحها المسلمون عنوة،واتخذوه مسكنا لهم. اما اذا أقروا اهله عليه، ولم يساكنوهم فيه، فيجوز لهم احداث المعابد فيه بإذن الامام، لأن ذلك من لوازم اقرارهم على عقيدتهم، إلا اذا وجد الاماممانعاً من ذلك. وأما المعابد القديمة فالأصح بقاؤها لقوة الأدلة التي استند اليها الحنابلة. وبالنسبة لما فتح صلحا، فيتبع فيه ما وقع الشرط عليه. وأما الحجاز فلا يجوزبناء الكنائس او غيرها من معابد الكفار فيه، لأنه لا يجوز لهم أن يسكنوه أصلاً:

رابعاً: حرية الرأي والاجتماع والتأليف والتعليم

يتمكن الذمى في ظلّ الاسلام أنيعبر عن وجهة نظره في كل أمر يهمه، بشرط أن لا يكون فيه تطاول على كرامة الاسلام، او تجاوز لنظام الدولة العام، لأن الاسلام لا يحجر على العقول، ولا يكم الافواه، وقد أوضحعلى بن ابي طالب كرم الله وجهه قانون الاسلام في هذا الباب أحسن ايضاح لما انشق عليه بعد التحكيم ثمانية آلاف من الخوارج وكانوا يشبهون الطوائف الفوضوية في هذا الزمان،وكانوا ينفون وجود الدولة علناً، ويصرون على هدمها بالقوة، اذ كانوا يقولون: «لا حكم إلا لله»، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، فناظرهم ، فرجع منهم ألفان،وقيل: أربعة آلاف، فبعث علي الى الآخرين: أن ارجعوا، فأبوا، فأرسل اليهم: كونوا حيث شئتم، وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما، ولا تقطعوا سبيلا، ولا تظلموا أحدا، فانفعلتم نبذت

اليكم الحرب« قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قاتلهم حتى قطعوا السبيل، وسفكوا الدم الحرام «وكذلك قال لهم علي بن أپي طالب مرة أخرى:لا نبدؤكم بقتال مالم تحدثوا فساداً»(80).

فيبدو من هذه القصة أن لكل طائفة من طوائف البلاد أن تعبر عن وجهة نظرها، في الشؤون الخاصة والعامة، ولو خالفت في ذلك رأىالامة الاسلامية. أما اذا تعدت حدود الاعتدال، فحاولت فرض رأيها على الناس بالارهاب، أو حاولت قلب نظام الحكم بالقوة، أو سعت في الأرض بالفساد، فهناك تتدخل الدولة،وتجازيها على اعمالها(81).

وكذلك لا يجوز لأي طائفة من طوائف أهل الذمة أن تعمل على نشر الرذائل والفساد في المجتمع، أو تمارس أي نشاط لارجاع الناس عن الدين، بحجة حريةالرأي، لأن ذلك من الجرائم في نظام الاسلام، والمساهمة في الجرائم لا تجوز(82).

أما حرية الاجتماع فليس في نصوص الشريعة ما يحجر عليها. وكذلك حرية التعليم ، فللذميين أنيتعلموا أمور دينهم، وأن يكونوا المدارس الخاصة بهم اذا شاؤا تحت إشراف الدولة، ويذكر في هذا المقام أن المسلمين وجدوا في غنائم خيبر نسخا من التوراة، فأمر النبي صلىالله عليه وسلم بردها على اليهود(83)، وهذا يعني أن لا حظر عليهم في تدارسهم بتعاليم دينهم.

خامساً: حق التمتع بمرافق الدولة وكفالة الحاجات الأساسية

للذمي أنيتمتع بمرافق الدولة، وخدامتها العامة، في شؤون الصحة والتعليم والزراعة والمواصلات والأمن وغيرها، وله أن يرتفق بالمشاريع العامة، كالري والإنارة ومياه الشرب، قالصلى الله عليه وسلم: «الناس شركاءُ في : الماء والكلأ والنار»(84). ولفظ الناس يشمل بعمومه المسلم والكافر الذمي.

وللذمي الحق في أن تضمنَ له الدولة حاجاته الأساسية منالمأكل والمسكن

والملبس، قال صلى الله عليه وسلم: «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضيعا فعلي وإلي»(85)، وقال أيضاً: «الراحمون يرحمهمالرحمن. ارحموا من في الأرض يرحكم من في السماء»(86). وقال عليه السلام: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»(87)، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته»، وقال سبحانه: «والله يحبُّالمحسنين»(88).

فهذا يشمل بعمومه المسلم والذمي، والشواهد على ذلك كثيرة: فروى أبو عبيد في الأموال عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدّق صدقة علىأهل بيت من اليهود، فهي تجري عليهم(89). وبعث عليه الصلاة والسلام الى أهل مكة مالاً لما قحطوا ليوزع على فقرائهم(90)، وكانوا حربيين حينذاك، فلا شك أن الذميين أوّلىبالإحسان إليهم من الحربيين، لأنهم من رعايا الدولة(91).

ورأى عمر رضي الله عنه شيخاً ضريراً من اليهود يسأل على باب، فأخذه إلى منزله وأعطاه شيئاً من المال، وأمر بوضعالجزية عنه وعن ضرائبه(92).

وهذا خالد بن الوليد في صلحه مع أهل الحيرة، يتعهد لهم بالضمان الاجتماعي من الدولة ضدّ الشيخوخة أو البطالة أو المرض، إذ جاء في الصلح: «..وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابه آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين عياله، ما أقام بدارالهجرة ودار الإسلام »(93).

وهذا عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الزاهد يأمر عامله على البصرة - عديّ بن أرطأة- أن يتفقد المحتاجين من أهل الذمة، وأن يجري عليهمما يخفف عنهم وطأة الفقر، ويُصلح أحوالهم، فقال له في كتابه: « وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، ووّلت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت المال ما يصلححاله »(94).

وممّا يدل على رعاية المسلمين لأهل الذمة، وبرّهم بهم، ما قرره بعض الفقهاء من جواز دفع الزكاة إليهم، باعتبارهم من المساكين، كماذهب الى ذلك زفرُ بنُ الحارث من الحنفية، وعكرمة، وبعض الإباضية(95). وقال الجصاص في تفسير قولـه تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوا في الدين ولم يخرجوكم من دياركمأن تبرّوهم ، وتسقطوا إليهم ((96). قال: أن تبّروهم وتقسطوا إليهم: عموم في جواز دفع الصدقات إلى أهل الذمة؛ إذ ليسوا هم من أهل قتالنا»(97). والجمهور على خلاف ذلك لقولهصلى الله عليه وسلم: «تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم»(98)، لكن صرح ابنُ حبيب من المالكية والزيدية بجواز إعطائهم من الزكاة لتأليف قلوبهم، وتحبيب الإسلام إليهموأضاف الزيدية لهذا النوع من التأليف، التأليف لنصرة الإمام، أو القعود عن نصرة أعدائه(99).

سادساً- حرية العمل

يتمتع الذمي بحرية العمل في إطار أحكام المسلم، فلهأن يمارس التجارة، أو الزراعة والحرف المختلفة، لكن لا يجوز له أن يتعدّى نظام الاسلام، فلا يجوز أن يرابي أو يغش أو يدلّس في البيع ونحو ذلك، كذلك لا يجوز له أن يبيعالخمر والخنزير في أمصار المسلمين على وجه الشهرة والمجاهرة، ويجوز لهم بيعها في قراهم الخاصة، أو في موضع ليس من أمصار المسلمين، ولو كان فيه عدد كثير من أهلالإسلام(100).

التمتع بالحقوق الخاصة

نعني بالحقوق الخاصة في الحقوق التي تنشأ في علاقات الأفراد فيما بينهم سواء أكانت علاقات مالية، أو علاقات عائلية، فتشملحقوق الأسرة كحق

الزواج والطلاق ونحوهما، والحقوق المالية، كحق التملّك والبيع والشراء(101)، سواء مع المسلمين أو مع الذميين؛ فهذه الحقوقيتمتعون فيها كالمسلمين. قال ابن رشد في المقدمات: «وكذلك معاملة أهل الذمة جائزة، وإن كانوا يستحلون بيع الخمر والخنازير ويعملون بالربا»(102)، واستدل على ذلك بأن اللهأباح أخذ الجزية منهم وقد علم مما يفعلون، وما يأتون وما يذرون؛ فأموالهم في الإسلام مصونة، لا يحل التعرض لشيء منها إلا بطيب أنفسهم(103)، وكذلك لهم حق التزوج فيما بينهم،والتمتع بحقوق الأسرة من نفقة وإرث وغير ذلك(104)، طبقاً لمذاهبهم الخاصة.

هذه هي الحقوق التي يتمتع بها الذميون في ظل الحكم الإسلامي، وهي تمثل عدل الإسلام وسماحتهوإنسانيته، وقد نعم أهل الذمة بهذه الحقوق طوال فترات التاريخ الإسلامي، وتبوؤا في ظل الإسلام أرقى المناصب، وبلغوا أعلى الدرجات في الثراء والتجارة والصناعة. وما حصلمن الاضطهاد وفي بعض الأزمنة فليس مرجعه الى العاطفة الدينية في الأغلب، وإنما يرجع إلى أسباب أخرى منها:

1ـ أسباب سياسية: منها أن غدر المسيحيين المجاورين للدولةالإسلامية كالرومان شكّك المسلمين في نوايا أهل الذمة، كما أنهم اتهموا في عصر متأخر باتصالهم بالصليبيين اتصالاً ينطوي على الخيانة.

2- التعصب الديني أحياناً، كماحدث في عهد الخليفة المتوكل «847 - 861م» «232هـ - 247هـ »، الذي أيّد مذهب أهل السنّة في مسألة القرآن، وشدّد النكير على من خالفهم من الشيعة والمعتزلة، وعلى أصحاب الأديانالأخرى.

3- استغلال بعض المسيحيين لوظائفهم ممّا أثار غضب المسلمين ضدهم(105).

وعلى كلٍ فحوادث الاضطهاد هذه لم تكن هي القاعدة، بل هي الاستثناء

من الأصل، فالمعروف أن أهل الذمة تمتعوا في ظل الدولة الإسلامية بالأمن والعدالة والحرية، ولم تعمل الدولة على طمس شخصيتهم بالقوة. وكانت كثيراً ماتتدخل لحماية الطوائف المسيحية بعضها من بعض، وفضِ النزاع فيما بينها، بينما كانت الكنيسة الرومانية الشرقية تضطهد أصحاب المذاهب الأخرى كاليعقوبيين، فقد اضطهدهمالإمبراطور، واضطرهم إلى الخروج من إنطاكية في القرن الرابع الهجري، ولما استولت الدولة الرومانية على ملطية أخذ بطريق اليعاقبة وأساقفتهم ألى القسطنطينية وسجنوا،ونكّل بهم(106).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

مراجع البحث

1ـ رد المختار على الدر المختار لابن عابدين.

2- بدائع الصنائعللكاساني.

3- الأحكام السلطانية للماوردي.

4- الخراج لأبي يوسف.

5- المهذب للشيرازي.

6- أحكام القرآن لابن العربي.

7- التشريع الجنائي في الإسلام لعبدالقادر عودة.

8- القانون الدولي الخاص - عز الدين عبد الله.

9- النظريات السياسية الإسلامية/ أبو الأعلى المودودي.

10- أحكام الذميين/ عبد الكريم زيدان.


1 - رد المختار 3/222.

2 - بدائع الصنائع 9/4320.

3 - يس/7.

4 - الأنفال/ 8.

5 - الفقه الإسلامي/ د. سلام مدكور، ص 172.

6 -انظر: القانون الدولي الخاص/ د. عزالدين عبدالله 1/620 الطبعة الثامنة.

7 - انظر: تدوين الدستور الاسلامي/ أبو الأعلى المودودي ص 70 ومابعدها.

8 - انظر: نظريات الاسلامالسياسية/ أبو الأعلى المودودي/ 43 - 44.

9 - الاحكام السلطانية للماوردي ، ص 130، 27.

10 - الاحكام السلطانية للماوردي، ص 25.

11 - آل عمران/ 118.

12 - انظر: تفسير ابن كثير:2/226، مختصر فتاوي ابن تيمية، ص 512-513.

13 - آثار الحرب/ د. زحيلي ، ص 703، تفسير المنار 4/81.

14 - أحكام الذميين/ د. عبد الكريم زيدان ، ص 81، تفسير المنار 4/83-84.

15 - عيونالأثر 1/184.

16 - عيون الأثر 1/287.

17 - السيرة النبوية للندوى ، ص 223.

18 - تفسير المنار 4/84.

19 - انظر: أحكام الذميين ، ص 83.

20 - النحل/ 43.

21 - القانون الدوليالخاص/ د. عز الدين عبد الله 1/610 الطبعة الثامنة.

22 - انظر: المرجع السابق 1/617، أحكام الذميين/ د. زيدان ص 88.

23 - الأَحكام السلطانية للماوردي، ص 143.

24 - البقرة/ 190.

25 - آل عمران/ 57.

26 - سنن البيهقي 9/205، منتخب كنز العمال بهامش المسند 2/205، كنزل العمال بهامش المسند 2/296 المطبعة الميمنية، الخراج/ يحى بن آدم ، ص 71.

27 - المستدرك 2/126،وانظر: صحيح البخاري 4/120.

28 - فتح الباري 7/77.

29 - انظر: الأموال ، ص 54.

30 - الخراج/ أبو يوسف ، ص 123، المجموع 18/ 189.

31 - الخراج/ أبو يوسف ، ص 124 - 125.

32 - المهذب 2/256،وانظر: الباجوري 2/286، شرح منتهى الارادات 2/111.

33 - فتاوى ابن تيمية 28/ 617.

34 - التشريع الجنائي/ عبد القادر عودة 1/118، أحكام الذميين/ د. زيدان ، ص 92.

35 - انظر: المهذب2/258، الباجوري 2/285، تفسير القرطبي 8/104، المغنى 10/616، البحر الزخار 6/461.

36 - التوبة/ 28.

37 - الاسراء/ 1.

38 - المغنى 10/616.

39 - أحكام القرآن لابن العربي 2/913 الطبعةالثالثة.

40 - النور/ 36.

41 - بخاري/ 1/63 مطبعة صبيح، مسلم 3/193 مطبعة محمود توفيق، أحمد 6/212 مطبعة دار صادر.

42 - سنن ابن ماجة 1/212.

43 - تفسير القرطبي 8/104- 105.

44 -المغني 10/617، صحيح مسلم 5/158 ط صبيح، عيون الأثر 1/269.

45 - تفسير القرطبي 8/105، أحكام القرآن/ ابن العربي/ 2/901-902.

46 - تفسير القرطبي 8/105.

47 - المغني 10/617.

48 - صحيحالبخاري 4/85 وقيل في الثالثة: هي تجهيز جيش أسامة، وقيل: انها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري وثنا» وفي الموطأ ما يشير الى ذلك. نيل الأوطار 8/65.

49 - نيل الأوطار8/64 - 65، المسند للامام أحمد 1/201.

50 - البحر الزخار 6/459 - 460، بجيرمي 4/249، النهاية 8/91، شرقاوي 2/417.

51 - سنن البيهقي 9/208، وانظر: صحيح البخاري 4/85، الأموال ، ص 128.

52 -المهذب 2/ 258.

53 - المغني 10/ 615، وانظر: الخراج لأبي يوسف ، ص 136.

54 - روى أسلم مولى عمر ان عمر بن خطاب رضي الله عنه ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاثةأيام، يتسوقون فيها، ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال . انظر : سنن البيهقي 9/209.

55 - انظر: الرضة اللنوي 10/308، نهاية المحتاج 8/91، مغني المحتاج 4/264.

56 -انظر: المغني 10/615.

57 - انظر: الشرح الكبير 10/ 630.

58 - النور/ 27 - 28.

59 - انظر: تفسير القرطبي 3/181.

60 - البقرى/ 256.

61 - تاريخ الطبري 3/609ط دار المعارف بمصر، الوثائقالسياسة ، ص 346.

62 - البدائع والصنائع 9/4336.

63 - شرح السير الكبير 4/1533، حقوق أهل الذمة/ للمودودي ، ص 19.

64 - مغني المحتاج 4/ 253، فتح القدير 6/58-59، المهذب 2/255، المجموع18/196.

65 - فتح القدير 6/59.

66 - سنن البيهقي 9/202، الخراج لأبي يوسف، ص 149.

67 - المغني 10/610.

68 - فتح القدير 6/58، مغني المحتاج 4/ 253.

69 - شرح الخرشي علي خليل 3/148.

70 -المغني لأبن قدامة 10/610، السراج الوهاج للغمراوي ، ص 553.

71 - انظر: فتح القدير 6/58.

72 - انظر: نهاية المحتاج للرملي 8/99، البحر الزخار 6/426 - 463.

73 - الخراج/ لأبي يوسف ، ص149، وانظر: سنن البيهقي 9/202.

74 - المغني 10/610.

75 - الروضة للنوي 10/ 323، فتح القدير 6/58، الشرح الكبير 10/619، مغني المحتاج 4/254.

76 - فتح القدير 6/ 58، نهاية المحتاج 8/99،الباجوري 2/289.

77 - شرح الخرشي على خليل 3/148.

78 - اختلاف الفقهاء للطبري، ص 236.

79 - فتاوى ابن تيمية 28/ 635، رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه - انظر: الفتح الكبير3/328، جامع الأصول 3/267.

80 - انظر: تدوين الدستور الاسلامي للمودودي ص 74 - 75، وانظر: المستدرك للحاكم2/153.

81 - انظر: تدوين الدستور الاسلامي، ص 74 - 75.

82 - انظر: أحكامالذميين والمستأمسين/ د. زيدان ، ص 101.

83 - إمتاع الاسماع للمقرزي ، ص 323، تاريخ الخميس للقاضي حسين بن محمد المالكي 2/60.

84 - الأموال، ص 372.

85 - سنن ابن ماجه 2/2807وانظر: صحيح البخاري 7/87.

86 - أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي والحاكم - الفتح الكبير 2/128.

87 - أخرجه الخمسة إلا النسائي - تيسير الوصول 2/26.

88 - آل عمران/ 134.

89 -الأموال - ص 728 - 729.

90 - شرح السير الكبير 1/96.

91 - أحكام الذميين/ د. زيدان، ص 103.

92 - الخراج/ أبو يوسف، ص 126.

93 - الخراج/ أبو يوسف، ص 144.

94 - الأموال لأبي عبيد، ص57.

95 - تفسير القرطبي 8/174، المبسوط 2/202 - 203 ، شرح النيل 2/133.

96 - الممتحنة، 8.

97 - أحكام القرآن للجصاص 5/ 327.

98 - تفسير القرطبي 8/ 174.

99 - الدسوقي على الشرح الكبير1/495، شرح الأزهار 1/513.

100 - البدائع والصنائع 9/ 4336، وانظر: الخرش على خليل 3/148.

101 - انظر: القانون الدولي الخاص / د. عزالدين عبد الله 1/623 ط 8، أحكام الذميين/ د. زيدان، ص130.

102 - المقدمات الممهدات 2/ 289.

103 - شرح السير الكبير 1/133.

104 - انظر: أحكام الذميين / د. زيدان، ص 130 - 131.

105 - الدعوة الى الإسلام/ توماس أرنولد، ص 94.

106 - انظر:مقال/ د. محمود قاسم بمنبر الإسلام/ العدد العاشر لعام. 1380هـ ، ص 59 وما بعدها.

/ 1