حكم بث الفرقة بين الجاليات الإسلاميّة وأمر الشيعة
فتوى فقيد الأزهر الشيخ جادالحق علي جاد الحق بمناسبة وفاة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق إمام الأزهر الشريف ننشر هذه الفتوى التي طالعناها في مجلة الأزهر باعتبارها موقفا منالمواقف التقريبية للأزهر ومشيخته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
فقد ورد في مجلة أكتوبر بالعدد رقم 4601 الصادر بتاريخ 25 من أغسطس 1985متحت عنوان «الأزهر ملاذهم الديني الأول» للسيد عبد العزيز صادق رسالة موجهة إلى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وخلاصتها كما يلي:
(24)
في هذا الأسبوعوصلتني رسالة من بعض من يعملون بالمركز الإسلامي بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة، مضمونها أن بعض أعداء الإسلام يعملون على بث الفرقة بين الأقليات المسلمة في أفريقياوآسيا، وأمريكا، يحاولون صبغ الخلافات ـ أيا كان نوعها ـ بالصبغة الطائفية، ويكفرّون الشيعة على اختلاف فرقها، وهي هجمة شرسة تستهدف التفرقة بين المسلمين. وأن بعض الناسيرى أنّه يجب على المسلم ـ لكي تقع عباداته ومعاملاته صحيحة ـ أن يقلد أحد المذاهب الأربعة فقط.
فهل توافقون يا فضيلة الامام الأكبر شيخ الأزهر على هذا الرأي علىإطلاقه؟
ثم إن بعض الناس قد أخذوا يكفرون الشيعة، ويرون أن الإسلام منهم براء، ترى ما هو رد فضيلتكم على هذا القول ؟ وهل يجوز لمسلم أن يكفر غيره من المسلمين؟
ونفيد بالآتي:
أولا: عن حكم التقليد، وهل يلزم تقليد مذهب معين ؟ وبيان ذلك كما يلي:
ذهب جمهور الأصوليين إلى أن العامي، وهو الذي ليس له أهليةالاجتهاد في الأحكام وإن كان محصلاً لبعض العلوم، يجب عليه اتباع قول المجتهد والأخذ بفتواه استنادا إلى قوله تعالى: فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وهيعامة لكل المخاطبين الذين لم تتوافر لهم وسائل العلم بالأحكام، ولأن العامة في زمن الصحابة والتابعين كانوا يستفتون المجتهدين منهم ويتبعونهم فيما بينوه لهم منالأحكام، وكان المجتهدون يبادرون إلى إفتائهم والكشف لهم عما جهلوا ولم ينكروا عليهم استفتاءهم إياهم، فكان ذلك إجماعاً على مشروعية التقليد في الفروع، غير أن العاميفي الاستفتاء مقيد باستفتاء من عُرف بالعلم والعدالة وأهلية النظر فيما يستفتي فيه ـ احتياطا في أمر
كما ذهب جمهور العلماء إلى أنّهلا يجب على العامي التمذهب بمذهب مجتهد معين والتزام جميع عزائمه ورخصه ـ بحث لا يجوز له الخروج عنه ـ بل له أن يعمل في مسألة بقول مجتهد، وفي أخرى بقول مجتهد آخر، وعلىذلك استقر عمل المفتين في كل عصر من زمن الصحابة ومن بعدهم وقد اختار ذلك من علماء الأصول «الآمدى»، و«ابن الحاجب» و«الكمال» في تحريره و«الرافعي» وغيره؛ لأن التزاممذهب معين في كل المسائل غير ملزم، إذا لا واجب إلاّ ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل معين من الأئمة فيقلده في دينه،يأخذ كل ما قال فيه ويذر غيره.
وقد قال ابن أمير حاج ـ من علماء الأصول ـ « لا يصح للعامي مذهب لو تمذهب به؛ لأن المذهب إنّما يكون لمن له نوع نظر واستدلال وبصربالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتبا في فروع ذلك المذهب، وعرف فتاوى إمامه وأقواله. وأما من لم يتأهل لذلك البتة، بل قال: أنا حنفى، أو شافعي، أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجردالقول».
ومما تقدم يعلم أنّه لا يجب تقليد مجتهد معين، وأن التلفيق بمعنى العمل بقول مجتهد في مسألة، وبقول آخر في أخرى لضرورة ولغيرها في العبادات والمعاملاتجائز تخفيفا ورحمة بالأمة، بل ذهب الجمهور إلى جواز تتبع رخص المذاهب في المذاهب في المسائل المختلفة، لأن للمكلف أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل بأن لم يكن قدعمل يقول مجتهد آخر في ذات المسألة التي يريد التقليد فيها.
والخلاصة أن التقليد واجب على غير المجتهد المطلق لضرورة العمل، وأنه لا يجب على المقلد التزام مذهبمعين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهب مقلداً غير
إمامه، وأن مذهب العامي فتوى مفتيه المعروف بالعلم والعدالة، وأن التلفيق بمعنىالعمل في كل حادثة بمذهب جائز.
ثانياً: حكم التكفير، وهل يجوز للمسلم أن يكفر غيره من المسلمين ؟ وللإجابة على هذا نذكر أولاً بيان حقيقة الإيمان والإسلام، وبيانمعنى الكفر. وذلك كما يلي:
أ ـ الإيمان وحقيقته الإيمان لغة: هو التصديق مطلقاً. وفي الشرع: هو التصديق بالله وبرسله وبكتبه وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاءوالقدر:
ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه المؤمنون كلٌّ ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نُفرّقُ بين أحد من رسله(1).
والإيمان بهذا تصديق قلبيبما وجب الإيمان به، وهو عقيدة تملأ النفس بمعرفة الله وطاعته في دينه ويؤيد هذا دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ: «اللهم ثبت قلبي على دينك» وقوله لأسامة وقد قتل منقال: لا اله إلاّ الله: «هلا شققت قلبه»(2)
ب ـ الإسلام وحقيقته، يقال في اللغة أسلم: دخل في دين الإسلام. وفي الشرع: كما جاء في الحديث الشريف: «الإسلام أن تشهد أن لااله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً»(3).
فالإسلام هو العمل بالقيام بفرائض الله منالنطق بالشهادتين وأداء الفروض والانتهاء عما حرم الله سبحانه ورسوله.
فالإيمان تصديق قلبي، فمن أنكر وجحد شيئاً مما وجب الإيمان به فقد خرج من الإسلام
1 ـ البقرة: 285.
2 ـ رواه البخاري ومسلم.
3ـ رواه البخاري ومسلم.