من مبادئ الإسلام
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنيهرئيس المحكمة الشرعية الجعفرية العلياببيروت من لا يعمل لا يأكل:
لو احتاج إنسان إلى النفقة لأنه لم يجد عملا، أو وجده وعجز عنه لمرض أو شيخوخة جاز أن يأخذ حاجته من الزكاة، وأنيطالب أقرباءه بالنفقة إن كانوا من ذوى اليسار، أما إذا قدر على العمل وتركه تكاسلا فلا يعطى من الزكاة، ولا يحكم له بالنفقة على أحد، لأن في ذلك تشجيعاً له على الكسل،وإغراءاً بالبطالة. وقد الحديث أن رجلين أتيا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فسألاه من الصدقة، فقال: أعطيكما بعد أن أعلمكما، أن لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
وعند ما هاجر الرسول وأصحابه من مكة إلى المدينة، اقتسم أهل المدينة المهاجرين، فأبى الإمام على أن يكون كلا على أحد، وعمل في بستان يهودي بأجر زهيد يأكل منهويتصدق، وعمل الرسول الأعظم عند خديجة، واشترك في حفر الخندق، وبناء المسجد. فعلى الذين ينتسبون إلى النبي وأهل بيته ألا يسألوا الناس، وهم يقدرون على العمل كي يثبتواأنهم يشبهون السادة الأطهار ولو بدرهم من قنطار، إن مبدأ من لا يعمل لا يأكل أقره الإسلام قبل أن يهتدي إليه أرباب القوانين الوضعية بمئات السنين.
/ صفحه 261/
كل شيء نظيف وصحيح:
قال الإمام جعفر الصادق: كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر … كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام أي إذا أردت أن تأتي بعمل، وخشيت أن يكون محرما،يجوز لك أن تفعله حتى يتبين أن فيه مفسدة تستدعي تركه والاجتناب عنه، اما إذا أتيت بعمل جائز وبعد الفراغ منه شككت: هل أتيت به على وجهه، أو تركت بعض ما يعتبر فيه من جزء أوشرط فلا تلتفت، وابن على أنك فعلته كما يجب حتى يثبت العكس، والى هذا أشار الصادق بقوله: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو هذا بالقياس إلى عملك أنت، أما بالقياسإلى عمل غيرك وحكمك عليه بالصحة أو الفساد فابن على صحته حتى تتأكد من فساده، على هذا إجماع الفقهاء. قال الإمام علي: ضع أمر أخيك على أحسنه إذن كلما فعله غيرك أو فعلتهأنت، أو تريد أن تفعله فهو في حكم الإسلام نظيف وحلال وصحيح حتى يثبت العكس. والغاية من هذا المبدأ وانتظام التعايش والتعاشر بين الناس، إذ لو انعكس الأمر وكان كل شيءحراما وقذرا وفاسداً حتى نعلم أنه حلال وصحيح لحدثت الفوضى والاضطراب، ولما تم للناس أمر من أمورهم العامة والخاصة.
الرضا لا يحلل الحرام:
جاء في الحديث الشريف: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالا. المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً حلل حراماً أو حرم حلالا قال الفقهاء: لا تختص هذه القاعدة بالصلح والشرط، بلتشمل جميع أبواب الفقه، فأية معاملة تقع على عمل محرم في الشرع كالسرقة والزنا، أو على عمل مباح بذاته، ولكنه يستتبع الحرام كالبيع والاجارة يؤديان إلى الرباوالاستغلال، فأية معاملة تؤدي إلى ذلك فهي باطلة، ومجرد التراضي لا يجعل الحرام حلالا، لأنه تعاون على الإثم، ويتفرع على هذا المبدأ مسائل: 1 ـ إذا استأجر إنسانعقاراً من غيره، واتفقا معاً على أنه إذا حصل
خلل فيه يتداركه المستأجر، ويضمنه من ماله وإن لم يكن هو السبب لهذا الخلل، قال فقهاء الامامية: لايجب الوفاء بهذا الشرط، لأن المستأجر أمين لا ضمان عليه، وكذا لا يصح الشرط على أن لا يضمن المستأجر إذا كان سببا لحصول الخلل، والى هذا أشار العلامة الحلي في كتابالتذكرة باب الإجارة: ما لا يجب ضمانه لا يصير بالشرط مضمونا، كما أن ما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بالشرط .
2 ـ قال الشيخ الطوسي وغيره من فقهاء الامامية: إذا تشاركاثنان في التجارة، واتفقا على أن يكون لأحدهما من الربح أكثر من الآخر تكون الشركة باطلة، هذا إذا تساويا بالعمل ورأس المال. وكذا لا يجوز أن يشتري رجل خامل بضاعة من مالهالخاص، ويتفق هو ورجل وجيه على أن يكون البيع باسم الوجيه ترويجاً للسلعة، ويعطيه جزءاً من الربح.
3 ـ يجوز أن يدفع الإنسان مالا إلى غيره ليتجر به على أن يكون الربحبينهما، ولكن لو حصلت الخسارة تكون على صاحب المال وحده، وقال السيد محسن الحكيم مرجع الطائفة في كتاب مستمسك العروة الوثقى باب الاجارة: لو اتفق العامل وصاحب المال علىأن تكون الخسارة عليهما معاً لا يعمل بهذا الاتفاق، لأنه مخالف لكتاب الله وسنة الرسول، لأن الخسارة عرضت على المال دون أن يكون للعامل دخل في ذلك، فتغريمه ظلم حتى معالرضا .
والخلاصة أن الرضا لا يجعل الحرام حلالا، فإذا رضي الإنسان أن يشتم أو يضرب أو يدفع الربا أو يستأجر على عمل محرم، فرضاه ليس بشيء.
كل إنسان خلاصه بيده:
إن هدف الإسلام أن يحرر الإنسان من الظلم والجهل والخرافات، ومن كل قيد لا يفرضه العقل، فأي مسلم يؤمن بما يأباه العقل فهو جاهل بدينه، وإن قضى حياته في دراسةالدين وعلومه، وبديهة أن العقل يأبى أن يكون لإنسان سلطان على إنسان بنحو من الأنحاء، وقد اعتبر الإسلام هذا مبدأ من مبادئ التشريع، فكل راشد عاقل يستقل بأعماله، ولايتوقف صحة شيء منها على رضا / صفحه 263/قريب أو بعيد، سواء أكان عملا دينياً أم دنيوياً، فإذا تاب الإنسان من خطيئة يقبل الله منه بدون شفيع، كما يقبل صلاتهوصيامه وحجه وزكاته بلا واسطة جامع أو كنيسة، وأجاز الإسلام أن يأتم الفقيه والملك في الصلاة بابن الشارع إذا كان من أهل الإمامة والتقوى، حتى واجبات الميت، كتغسيلهودفنه والصلاة عليه لا يشترط أن يباشرها رجل دين، فيصح أن يتولاها كل من يحسن الإتيان بها على وجهها، وكذا الزواج والطلاق يوقعهما المريد بنفسه دون أن يستعين بأحد.
إنمصير كل إنسان متوقف على عمله، وخلاصه بيده لا بيد الصالحين ورضاهم عنه، وشفاعتهم له.
إن تعاليم الإسلام من ألفها إلى يائها تهدف إلى تحرير الإنسان من عبادة الإنسان،والعبادة لا تنحصر في الصوم والصلاة، فكل من ربط عمله بإرادة غيره وانقاد له فقد عبده، وأشرك مع الله إلهاً آخر، قال صاحب مجمع البيان في تفسير الآية 31 من سورة التوبة: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون إن الإمام الصادق قال: أما والله ماصاموا ولا صلوا لهم، ولكنهم أحلوا لهم حراماً، وحرموا لهم حلالا فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون. وقال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله، وهو يقرأ هذه الآية فقلت له: لسنانعبدهم، فقال: أليس يحرمون ويحللون، فتحرمون وتستحلون؟ قلت بلى، قال: فتلك عبادتهم.
وبالتالي، فإن التشريع في نظر الإسلام لا يناط بفرد من الأفراد، ولا بهيئة منالهيئات، وإنما يناط بالمصلحة والمفسدة، فكل ما فيه مفسدة تستدعي تركه فهو محرم، وكل ما فيه مصلحة ملزمة تستدعي فعله فهو واجب.