القدس محور وحدة المسلمين
بقلم التحرير لم تحظ قضية من قضايا المسلمين المعاصرةبالاهتمام كما حظيت به القضية الفلسطينية، ولم يتفاعل المسلمون مع وضع كما تفاعلوا مع مجريات الأوضاع في فلسطين، فارتباط الامة الاسلامية بفلسطين لا يعبر عن ارتباطمادي بجزء من الوطن الاسلامي الكبير فحسب.. وإنما هو ارتباط عقيدي، معنوي بالدرجة الأولى .. مما جعلها محوراً لدفع الأمة ـ إلى جانب المحاور الاخرى ـ نحو الوحدة الإسلاميةالكبرى.
فالقدس في مفاهيم المسلمين الخالدة أولى القبلتين، وثالث الحرمين بعد مكة المكرمة، والمدينة المنورة .. ولم يحفل القرآن الكريم بحديث عبر نصوصه المباركةكما حفل بذكر هذه الأرض المباركة عندما تناول مسيرة الرسالة الإلهية وتطوراتها من خلال الحديث عن إبراهيم وإسحاق ويوسف وموسى وداود وسليمان ومريم وزكريا ويحيى وعيسى،ومحمد وغيرهم من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ...
وقد طفحت سور مباركة كثيرة في القرآن الكريم بتناول مجريات الأحداث الكبيرة التي جرت على صعيد هذه الأرضالمباركة كسورة البقرة، وسورة مريم، والإسراء وسواها ..
إن هذه الحقائق الكبرى هي التي ربطت (فلسطين) بضمائر الناس، ووجدانهم، بما في ذلك النصارى، واليهود فضلاًعن المسلمين .. حتى اشترك اصحاب الأديان السماوية الكبرى كلهم في الارتباط الروحي بهذه الأرض التي باركها الله عز وجل مما لم يتوفر لأية أرض أخرى على ظهر هذا الكوكب ..
لقد ساد المسلمون في هذه الأرض قروناً، فساد معهم التسامح، والحرية الدينية، والتعددية المذهبية، ولغة الحوار بين عباد الله تعالى .. وتجاورت فيها المساجد، والبيع،والكنائس كل يعبد الله تعالى بطريقته، ولسانه، ولم ينغّص حياة الناس في هذه البقعة إلا الحملة الصليبية التي حملت معها الحقد الأسود، والبغض، والفرقة، والتمييز بينالعباد .. حيث نشرت الدمار والفتنة طوال قرنين من الزمان ..
حتى إذا فتح الله تعالى للمسلمين وأذل أعداء الاسلام والانسان، عادت فلسطين، الى حيث التسامح والصفاءبين أتباع الرسالات السماوية، بعد أن استأنفت حياتها في ظل الاسلام الحنيف
ومع بداية الحملة الصهيونية المدججة بسلاح الكفر العالمي في مطلع القرن الميلاديالماضي عاد القلق، يخيم على أرض فلسطين مجدداً، حيث مخطط الاستيطان الصهيوني، والهجرة اليهودية الجماعية الى ما سموه بأرض الميعاد، كما خطط لذلك المؤتمر الصهيوني الأولالذي عقد في سويسرة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ...
وهكذا حوَّل المخطط الصهيوني أعداداً كبيرة من اليهود الى مستوطنين طامعين بالأرض بدعم النفوذ الغربي،الذي زرع الدولة اليهودية العنصرية، فأحلت الفرقة، والعدوان في بلد السلام، والمحبة، والوئام.
ومنذ شهر مايس عام 1948م، والمنطقة تشهد توتراً وعدواناً حاقداً، لمتشهد مثله منذ انحسار الموجة الصليبية الحاقدة ..
وها هو الشعب الفلسطيني المجاهد يسطر ملاحم البطولة على جبين التاريخ، رغم التآمر الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة الاميركية، والكيد الصهيوني العالمي من أجل الخلاص ..
إن المارد الاسلامي الذي يتململ من العدوان الصهيوني الغاشم لابد أن يكسر القيود والاغلال التيسلطها عليه الظالمون بدعم النفوذ الدولي للاستعمار، فيعيد الأمور الى مجاريها الطبيعية، ليغرق الغزاة في وحل الهزيمة، فيعود التسامح الديني، والمحبة والوئام الى هذهالبلاد المقدسة تحت ظلال الاسلام الوارفة .. حيث تتحقق أهداف الآيات الكريمة التي رددتها شفاه المؤمنين المرابطين عبر التاريخ، دفاعاً عن الحق، والخير والمعروف (وقضيناالى بني اسرائيل في الكتاب لَتُفسدن في الأرض مرتين ولَتَعلُنّ علوّاً كبيراً * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداًمفعولاً * ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيراً * إن احسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعدُ الآخرة ليسوؤا وجوهكموليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا)(1).
ان هذه السنن الالهية الخالدة التي تصورها آيات الكتاب المبين هي التي تفرض وجودها على واقعالاحداث باذن الله تعالى، وقوته وستعصف قوى الخير في هذه الارض بكل المخططات السوداء التي حملت السوء، والعدوان، واشاعت الظلم في دنيا الناس، بعد ان يبلغ الحال بالادارةالاميركية، ان تتمادى في غيها الى ابعد مدى، حين تعتبر «القدس» عاصمة لدولة اليهود الغاصبين، ممالأة للصهيونية، واعتداء على كرامة الامة الاسلامية، وتجاوزاً لحقوقالشعوب، ومصالحها التاريخية.. ان هذا الظلم التاريخي لن يمر ابدا دون مواجهة وتصد من الامة، وعقاب من الله تعالى..
فالقدس حرم الله تعالى، وقبلة عباده الاولى،وارض المؤمنين الصالحين، وجرح هذه الأمة الذي ينزف منذ عقود ولذا فان هذه الحقائق الكبرى المحفورة في ضمير الزمان لايمكن ان يغير منها قرار آثم يتخذه الظالمون منالعاملين بارادة الحركة الصهيونية العالمية، سواء اكانوا في الكونغرس الاميركي، او في المواقع الاخرى كما ان استغلال الظروف الدولية، والاقليمية البائسة من قبلطواغيت الارض، لايحوّل الباطل الى حق، ولايسبغ على الظلم لونا من العدل ابدا.
فالباطل لن يكون حقا، تحت ظلال القوة، والغشم، والطغيان ابدا، كما ان الظلم لن يكونعدلا تحت طائلة الارهاب والعدوان
ولقد شهدت الانسانية في عصرها الحاضر - كما في الماضي - كثيرا من الدول التي افل نجمها، فصارت اثرا بعد عين، كما شهدتمعسكرات، وامماً، تحول وجودها الى عدم، بعد أن كانت تستطيل على الامم بعضلات القوة، والارعاب ففي المانية النازية التي صارت رحيما، والاتحاد السوفيتي الذي انتـثرتاشلاؤه بين الاديان، والقوميات كأنذار حيٍّ لكل الظالمين، وعبرة لكل من يلقى السمع وهو شهيد.. (وتلك الايام نداولها بين الناس).
فلا طغيان امريكا وجبروتها الحاضريؤخر اجلا محتوما لها ولا قراراتها الظالمة تثني عزيمة الشعوب الحية التي تبحث عن الخلاص مستعينة بالله القوي العزيز عز وجل، ومتسلحة بأدوات التغيير لواقع الاستخذاء،والنكوص، الذي طرأ على مسيرتها..
ان هذه الامة التي جرى الاسلام الحنيف في عروقها.. وان استبد بها الضعف زمنا - الا انها تقف اليوم على عتبة النهوض التاريخي الكبيرالذي تعيد به للتاريخ دورته لصالح الاسلام، والانسان، وقيم الخير، والمعروف ان شاء الله تعالى، حيث تعبر هذه المحنة الكبيرة باتجاه صنع المجد، واقامة العدل، ودحر قوىالظلام، بحول الله وقوته..
(1) الإسراء / 4 ـ 7 .