قراءة الجدیدة للنص الدینی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قراءة الجدیدة للنص الدینی - نسخه متنی

عبدالمجید النجار

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القراءة الجديدة للنص الديني*

عرض ونقد

أ.د. عبدالمجيد النجار

استاذ الشريعة الاسلامية -باريس

تمهيد

شاءت إرادة الله تعالى أن تكون رسالته الخاتمة إلى البشرية وحيا مشكّلا في لغة هي اللغة العربية، سواء كان ذلك الوحي معجزا وهو القرآنالكريم، أو غير معجز وهو الحديث النبوي الشريف. وقد يكون من وجوه الحكمة في ذلك أنّ هذه اللغة بلغت في سلّم اللغات الإنسانية الذروة في سعة الألفاظ، وفي ثراء أساليبالنظم، ممّا جعلها أكفأ اللغات في حمل المعاني مهما بلغت من الدقّة، وأقدرها على أدائها من تلقاء منشئها إلى متلقّيها.

وقد نشأت لهذه اللغة بالتراكم قواعدوضوابط في حملها للمعاني باللفظ أو بالنظم، وهي قواعد وضوابط تواضع عليها أهل هذه اللغة بصفة تلقائية عبر التخاطب، ثمّ استخلصت من واقعها ذلك لتصبح مقنّنة في علومتتوارثها الأجيال، وتتعامل على أساسها في تأليف المعاني ونقلها بين المتخاطبين، بحيث

أصبحت تلك المعاني لا يمكن أن تحمل للغة أو أن تفهم منها إلاّ منخلال تلك القواعد والضوابط التلقائية أولا، والمقننة بعد ذلك، فإذا ما رام المخاطب أن يصوغ معانيه في لغة لا تخضع لها، أو رام المتلقّي أن يفهم المعاني المحمولة باللغةعلى ذلك النحو، انعدم التواصل الصحيح بين الطرفين، فلا يصل المعنى من الطرف الأوّل كما أراده إلى الطرف الثاني نتيجة لذلك الخلل في احد الطرفين أو في كليهما.

وبما أنّ اللغة ضرب من الرمز فإنّ حملها للمعنى لفظا ونظما فيما يضمّنه المنشئ إيّاها من المعنى قد لا يكون في كلّ الأحوال مطابقا لما يتلقّاه المتلقّي منه، بالرغم منمراعاة كلّ منهما للقواعد والضوابط، إذ من طبيعة الرمز أن يتراوح في الدلالة على معناه بين الوضوح الذي يبلغ درجة اليقين، وبين مادون ذلك، ممّا قد يصل إلى درجة الاحتماللأكثر من وجه من وجوه المعاني، سواء فيما يتعلّق بقصد المنشئ أو بفهم المتلقّي.

وقد كانت هذه الطبيعة الرمزية للّغة مدخلا لأن يجد فيها كثيرون في مختلف العصورسببا لتفسير الكلام المنطوق أو المكتوب على وجوه قد يبتعد فيها المعنى المستخرج منها عن المعنى المراد لمنشئه، بحسب مقتضيات القواعد إلى درجة أن ينتهي الأمر في بعضالأحيان إلى تحميل كلام المنشئ ما يريد القارئ من رأي، إعراضا عمّا يتحمّله الكلام في ذاته من المعنى بحسب قوانينه التي بني عليها، وقد يتجاوز هذا المنحى درجة العفويةوالتلقائية والإسقاط غير المشعور به إلى أن يصبح نظرية مصنوعة مبرّرة تُضفَى عليها صفة العلمية لتصبح طريقة شرعية في التخاطب اللغوي بين الناس، وخاصّة فيما يتعلّقبالتواصل اللغوي بين الأجيال، وهو حينئذ يصبح متجاوزا لمنطقة الاحتمال في الدلالة اللغوية، ليشمل منطقة اليقين فيها، فيما يشبه أن يكون إهدارا مطلقا للدلالة الموضوعيةللّغة. وقد كان هذا المنحى في الفهم شاملا

للكلام البشري وللكلام الذي يعتبره المؤمنون وحيا من الله تعالى.

وقد كان للنصوص الدينية فيالمجال الإسلامي حظّ وافر من هذا المنحى التأويلي الذي يبتغي استخلاص المعاني منها خارج ما تقتضيه قواعد اللغة، إذ قد وُجد قديما وحديثا من ينتحي منحى التأويل الذي لايكتفي أحيانا بالوقوف عند حدّ ما تقتضيه الاحتمالات في دلالة اللغة على معانيها باللفظ أو بالنظم، وإنّما يتجاوز ذلك إلى إهدار تلك الدلالة أصلا في مجال ماهو قطعيّيقينيّ منها، فإذا بالنصّ الديني قرآنا وحديثا لا يتحصّل منه معنى مستقرّ، وإنّما يصبح عند هؤلاء حمّالا لما يحملونه هم من المعاني السابقة عن قراءتهم له الناشئة منمعتقداتهم أو من أهوائهم أو من جهلهم، وقد يضيق هذا التأويل عند البعض ليقتصر على قسم من النصّ الديني، وقد يتّسع عند آخرين ليعمّه جميعا فلا يبقى حاملا لمعنى ثابت منالدين.

لقد عُرفت قديما فرق وأفراد بمسلك التأويل للنّصّ الديني على هذا النحو المتردّد بين الاقتصاد والتوسّع، وإذا كان المعتزلة قد عُرفوا بتأويل لبعض الآياتالقرآنية والأحاديث النبوية تأويلا ركبوا فيه مركب الشطط إلاّ أنّهم بقوا به في دائرة ما يُلتمس فيه وجه للدلالة مهما كان قريبا أو بعيدا، ولكنّ فرقا من الصوفية الغاليةوالباطنية ركبوا من التأويل لنصوص الدين مركبا أهدروا به الدلالة اللغوية بصفة مطلقة أو تكاد، فإذا بهذه النصوص عندهم لا يتحصّل من معناها شيء يضبطه قانون، وإنّما تسقطعليه المعتقدات والأهواء، كما قاله بعض غلاة الصوفية من أنّ المقصود بقوله تعالى: )واعبد ربّك حتى يأتيَك اليقينُ( (الحجر/99) هو أن تعبد الله حتى درجة معيّنة في الاقترابمنه، ثمّ يرتفع عنك التكليف بالعبادة فتكون في حلّ منها لتجوز في حقّك كلّ المعاصي .

وفي العصر الحديث نبتت في العالم الإسلامي فرقة من المؤوّلة للنصّ الديني

تشبه في بعض الوجوه تل المؤوّلة القديمة مع اختلاف الدوافع والأسباب والمناهج، وتداعى أفرادها من المشرق والمغرب ليتعاملوا مع هذا النصّ تعاملا فياستخلاص المعاني منه تجاوزوا به مجال الاحتمالات التي تجيزها الدلالة الظنّية ليقتحموا مجال الدلالة القطعية فيهدروها بتآويل لا تبقي من المعاني الموضوعية شيئا يتحصّلبقواعد اللغة وضوابطها التي بنيت عليها، والتي على أساسها حُمّل لسان العرب معاني الوحي، فأفضى الأمر بهم إلى أن لم يبق من الدين الذي عرفه المسلمون طيلة أربعة عشر قرناشيء ثابت. وتحاول هذه الورقة أن تستجلي هذه الظاهرة في قراءة النصّ الديني من حيث واقعها ومبادئها وأساليبها في التأويل، ثمّ تبيّن وجوه الخطأ في تلك المبادئ والأساليب،لتنتهي إلى كشف تهافتها كما كشف تهافت المؤوّلة القديمة.

1ـ ظاهرة القراءة الجديدة للنصّ الديني:

أولا - الجذور والواقع

إنّ ظاهرة التأويلفي قراءة النصّ الديني على النحو الذي وصفنا لم تنقطع عبر الزمن، فما من عصر إلاّ وتتواصل فيه نحلة قديمة في التأويل على نفس المنوال من قبل جيل جديد، أو تنبت فيه نحلةجديدة فرقة أو أفرادا تمضي في تأويل النصّ بما يخالف مقتضى قواعد اللغة وقوانينها، فكما أسقطت فرق الباطنية قديما أحكام العبادة بتأويل: )واعبد ربّك حتى يأتيكَ اليقين((الحجر/ 99) على أنّ اليقين هو درجة من درجات الاقتراب من الله تعالى أسقطها أيضا حديثا محمود محمد طه وأتباعه بذات التأويل أو بما يشبهه، وكذلك الأمر في نحل أخرى من غلاةالصوفية وأصناف المتأوّلة.

ومنذ بضعة عقود بدأت تظهر في العالم العربي على وجه الخصوص نحلة جديدة في تأويل النصّ الديني، لئن التقت مع نحل قديمة في بعض نتائج

التأويل إلاّ أنّها انفردت عنها بمنهج خاصّ بها، وبطرق وأساليب في التأويل جديدة هي أيضا. وقد بدأت إرهاصات لهذه النحلة في الظهور منذ أوائل القرنالماضي، إذ وجدت نزعة تأويلية للنصّ الديني ذات صلة بالثقافة الغربية في الغالب، ولكنّها ظلّت زمنا تمثّل ظاهرة فردية ، إلاّ أنّه منذ بعض السنوات أصبحت هذه الظاهرةتمثّل ظاهرة جماعية ينتمي إليها أفراد من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، تجمعهم أفكار متطابقة أو متقاربة، ويوحّدهم أو يكاد منهج مشترك، وهو ما يسمح بأن يقعتصنيفها على أنّها نحلة واحدة مهما يكن بين أفرادها أحيانا من اختلاف، فمثل هذه النحل قديما تنشب الاختلافات بين بعض أفرادها في بعض الجزئيات والتفاصيل، وإن تكن مجتمعةعلى أسس عامّة ومبادئ مشتركة.

تمتدّ هذه النحلة التأويلية للنصّ الديني على رقعة العالم العربي مشرقا ومغربا، ويكاد لايخلو بلد من ممثّلين لها ومنتمين إليها،وإن كان البارزون فيها بالتأليف والتنظير والتقرير ليسوا بالعدد الكبير. ونذكر من هؤلاء على سبيل المثال: من مصر نصر حامد أبو زيد ، وجمال البنا، والعشماوي، ومنالسودان محمود محمد طه ، ومن سوريا محمد شحرور ، ومن تونس عبدالمجيد الشرفي ومحمد الشرفي ، ومن فرنسا محمد أركون أصيل الجزائر . ويتبع هؤلاء جملة من المؤلّفينممّن هم أقلّ شهرة منهم، ولكنّهم يمشون على ذات طريقهم، كما يتبعم جملة من الطلبة الذين اعدّوا بإشرافهم أطاريح جامعية تنحو نفس المنحى التأويلي الذي عليه اساتذتهم .

ثانيا- خصائص الظاهرة

إذا كنّا لا نعلم ما إذا كان أصحاب هذه النحلة يقيمون بينهم علاقات ذات منحى ترتيبي مذهبي، إلاّ أنّه من الثابت أنّ التوافقبينهم قائم فيما يتعلّق

بالأسس الكبرى التي تقوم عليها رؤاهم التأويلية، وهو ما تشهد به إحالات بعضهم على بعض في مؤلّفاتهم، ولقاءاتهم في ندواتومؤتمرات علمية تعنى بذات المبادئ والأفكار، وذلك ما يسمح بأن يصنّفوا ضمن تيّار واحد يوشك أن يصبح فرقة من فرق التأويل ذات خصائص جامعة، ومنهجية قائمة، ونتائج منالأفكار والرؤية بيّنة. ومن أهمّ مايبدو من تلك الخصائص الجامعة مايلي:

أ- الانتماء إلى الإسلام، وتصنيف الرؤى على أنّها رؤى إسلامية ناشئة بالاجتهاد في فهمالدين من داخل دائرته المرجعية، وبناء على قراءة نصوصه المؤسّسة، فهذا الملمح يبدو بيّنا عند كلّ من ينتمي إلى هذا التيّار، بل يدّعي هؤلاء أنّ قراءتهم للنصّ الدينيأفضت بهم إلى فهم للإسلام يمثّل الفهم الحقّ، وإلى تقديمه للناس على أنّه هو الإسلام الصحيح المستخلص من أصوله، فمذهبهم إذن ليس هو بنقد خارجي للإسلام شأن ما يفعلهالمستشرقون حينما يدرسون الإسلام من خارج دائرته، فينتهون إلى آراء لا يدّعون هم أنفسهم أنّها آراء إسلامية، وإنّما هو اجتهاد على رأيهم من داخل النصّ الديني.

ب- الطابع العلماني لهذه النحلة التأويلية، فأغلب المنتمين إليها إن لم يكونوا جميعا هم من العلمانيين الذين يعتبرون الدين شأنا شخصيا لا علاقة له بالشأن الاجتماعيالعامّ، ومنهم من ينتمي إلى العلمانية اليسارية التي تعتبر الدين في أبعاده الغيبية باطلة من أصله، وربّما كان بعضهم يتمسّح بمسحة روحية صوفية، ولكنّها ليست إلاظاهرية، أمّا الجوهر فهو علماني. كما يشترك أصحاب هذا الاتّجاه في انّهم جميعا ليسوا من المختصّين علمياً في العلوم الشرعية، المتمرّسين بتراثها تمرّساً عميقا، وإنّماهم في أغلبهم من المختصّين في العلوم الإنسانية والفلسفية، أو في العلوم التطبيقية والهندسية، وإن كان بعضهم مطّلعا اطّلاعا واسعا على التراث الإسلامي في جانبهالحضاري.

ج - الاتّصال الواسع من قبل الكثير من أصحاب هذه الوجهة بدوائر ثقافية

غربية استشراقية ودينية، إمّا اتّصالا دراسيا علميا إذ أغلبهم- إن لم يكونوا جميعا - هم ممّن درسوا في الجامعات الغربية، وبعضهم أصبح يدرّس فيها، وإمّا اتّصالات بالتعاون البحثي عبر مؤسّسات ومنظّمات ذات اهتمامات استشراقية دينية،وهو ما بدا جليّا في الدائرة المرجعية التي يتحرّك فيها هؤلاء بالاقتباس والاستشهاد والاحتجاج، إذ لا يخلو مؤلّف من مؤلّفاتهم التأويلية من ذلك بشكل واسع .

د-توفّر أغلب أصحاب هذه الوجهة التأويلية على كفاءة عالية في مناهج البحث، وفي صناعة التأليف، فأغلبهم من الأساتذة الجامعيين الذين لهم باع في التمرّس بالأساليب الحديثةفي البحث استخداما للمصادر، وتحليلا للأفكار، واستنتاجا للنتائج من مقدّماتها، وتركيبا للآراء والمواقف، وذلك بقطع النظر عن مدى صحّة تلك النتائج التي توصّلوا إليها،وقد كان لتلك البراعة المنهجية دور ذو بال في كثير من الأحيان في تلبيس يذهب ضحيته من لم يكن من المختصّين في العلوم الشرعية والتراث الإسلامي المتمرّسين به .

2- المبادئ الأساسية للقراءة الجديدة

إنّ المتتبّع للمسلك التأويلي الذي سلكه أتباع هذه النحلة، والمستقرئ لوجوه التأويل التي مارسوها، يتبيّن أنّ هذاالمسلك يقوم على أسس ومبادئ أسّسوه عليها، إن لم يكن بصفة تنظيرية مصنوعة فبصفة عملية كانت فيها هذه الأسس تمثّل خلفيتهم المرجعية التي توجّههم في تأويلهم للنصّ الديني،وممّا يساعد كثيرا على فهم تلك التآويل وتقييمها الوقوف على تلك الأسس بالتبيّن لطبيعتها ومحتواها، استخلاصا من مجمل التصرّفات التأويلية التي انبنت عليها، واستفادة منبعض البيانات المباشرة التي وردت في شأنها. ولعلّ من أهمّ تلك الأسس مايلي:

أـ الشكّ في موثوقية النصّ الديني

يتّصف موقف هؤلاء المؤوّلة الجددبصفة عامّة بالشكّ والتشكيك في موثوقية النصّ الديني من حيث صدوره عن النبي(ص) على الصورة التي استقرّ عليها ووصلنا بها، وهو شكّ وتشكيك يتعلّقان بالقرآن الكريم والحديثالنبوي على حدّ سواء، وإن اختلف في الطبيعة والدرجة بالنسبة لكلّ منهما اختلافا أفضى إلى تردّد بين نفي المشروعة أصلا عن كون هذا النصّ مصدرا للدين، وبين الاعتراف بها معشائبة نقص فيها يضعفها ولكن لا يلغيها.

ففيما يتعلّق بالحديث النبوي يكاد يجمع هؤلاء المؤوّلة الجدد على أنّ الحديث النبوي كما ورد في المدوّنات المتداولة بينالمسلمين يفتقر في كونه صادرا عن النبي(ص) إلى الموثوقية التي يرتقي بها إلى أن يكون مصدار للدين؛ ولهذا فإنّهم في مجمل تأويلهم استبعدوه أن يكون حجّة لهم في تقريراتهمالتأويلية، كما استبعدوه لذات السبب أن يكون حجّة عليهم في مقام الحوار معم فيما ينتهون إليه من آراء.

ويسوق هؤلاء على مبدئهم هذا مستندات تكاد لا تخرج عن تلكالمستندات التي عرضها في ذات الشأن جملة من المستشرقين الذين تعرّضوا للحديث النبوي بالدرس، وذلك من مثل القول بأنّ الحديث النبوي تعرّض لعملية الانتقاء والاختياروالحذف التعسّفية التي فرضت في ظلّ الأمويين وأوائل العباسيين أثناء تشكيل كتب الحديث المدعوّة بالصحيحة، «لقد حدثت عملية الانتقاء والتصفية هذه لأسباب لغوية وأدبيةوثيولوجية وتاريخية» ، أو القول بأنّ الشكّ في صحّة الحديث النبوي جملة يسبّبه «هذا التزايد الفاحش للحديث الصحيح من النصف الأوّل من القرن الثاني إلى النصف الأوّل منالقرن الثالث للهجرة من 17 (صحّت عند أبي حنيفة) إلى 30000، 40000 ، ألا تكفي هذه الأرقام وحدها للشكّ في صحّة ما ينسب إلى النبيّ وكلّها روايات آحاد؟ فلقد تفاقم

الوضع إلى حدّ لا ينفع فيه مجرّد التحرّي الذي قام به البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب المجاميع في القرن الثالث الهجري» . كما يقول أحد هؤلاء المؤوّلة ويرتقي إنكارحجّية الحديث عند بعض المؤوّلة إلى اعتبار أنّ تلك الحجّية منفيّة عنه بالأمر النبوي نفسه، فـ «إنّ شأن الحديث لعجيب حقّا فلقد احتفظ هو ذاته بما يفيد نهي الرسول عنتدوينه، وأمره بألاّ يكتب عنه سوى القرآن، أي بما ينسف مشروعيته من الأساس، أراد النبيّ أن يكون القرآن وحده النبراس الذي يهدي المسلمين في حياته وبعد مماته» . وإذاكان بعض المؤوّلة قد اعترف بشيء من الحجّية للحديث النبوي فإنّها حجّية لا تتجاوز ما يتضمّنه من إرشادات عامّة وأسس كلّية تشرح ما جاء في القرآن الكريم من تعاليم أخلاقيةكونية»، وما سوى ذلك من الأقوال والأفعال يجب أن يُدرج في سياق الوجود الاجتماعي للشخص التاريخي، بمعنى أنّها أقوال وأفعال غير ملزمة للمسلمين في العصور التالية ،وهكذا ينتهي الأمر إلى نزع المشروعية عن السنّة مصدرا من مصادر الدين، إن بصفة مطلقة أو بصفة قريبة منها.

وأمّا فيما يتعلّق بالقرآن الكريم فإنّ أصحب هذه النحلةيعتبرونه هو المصدر المشروع للدين، وهو بالتالي الذي ينبغي الاقتصار عليه في فهم الدين واستخلاص أحكامه، ولكّنهم يحيطونه أيضاً بجملة من الشكوك والمؤاخذات التي منشأنها أن تضع موثوقيته من حيث التطابق بين ماهو بين يدي المسلمين اليوم وبين ماجاء به النبي(ص) موضع الشكّ، وذلك جرّاء ملابسات تتعلّق بجمعه وتدوينه وترتيبه، وكان لهذهالشكوك آثارها في تأويل المعاني القرآنية المتعلّقة بالأحكام العملية على وجه الخصوص.

وممّا يثير الاستغراب في هذا الشأن أنّ المؤلّفات التي اطّلعنا عليها منأدبيات هؤلاء المؤوّلة لم يحدّد أصحابها تحديدا بيّنا قاطعا طبيعة القرآن فيما إذا كان

وحياً من الله تعالى نزل على محمّد (ص) ليبلّغه للناس، أوهوإنتاج بشري من النبيّ نفسه كما ذهب إلى ذلك من تناول القرآن بالدرس من المستشرقين، فبقي موقفهم من هذا الأمر ملتبسا مثيرا للظنون، بل إنّ بعض آراء المستشرقين التي تعتبرالقرآن إنتاجا بشريا نجدها تتردّد عند بعض أصحاب هذه النحلة، وهو مايبدو في شرح أحدهم لحقيقة الوحي حينما قال: «فالوحي إذن هو مصدر علم النبيّ، أي تلك الحالة الاستثنائيةالتي يغيب فيها الوعي وتتعطّل الملكات المكتسبة، ليبرز المخزون المدفون في أعماق اللاوعي بقوّة خارقة لا يقدر النبيّ على دفعها ولا تتحكّم فيها إرادته . وإزاء هذاالالتباس في تحديد مصدرية القرآن الكريم، وإزاء هذه الإشارات المومئة بالمصدرية البشرية عند بعض هؤلاء المؤوّلة لا يملك الدارس إلا أن يقف موقف الشكّ في كون بعض أتباعهذه النحلة على الأقلّ يؤمنون بالمصدرية الإلهية للقرآن الكريم.

وينطلق كثير من هؤلاء المؤوّلة في شكوكهم بموثوقية القرآن الكريم من مبدأ أنّه نقل من النبيّ إلىمن بعده شفويا ثمّ كتابة، وأنّ النقل هو في أصله غير موثوق به أن يكون المنقول مطابقة صورته عند المنقول منه لصورته عند المقول إليه، إذ لابدّ أن يحدث اختلاف بين الصورتينمهما كان عليه الناقل من درجة في الصدق والتحرّي ، ثمّ إنّ تحوّل المنقول من صورته الشفوية إلى صفته المكتوبة يعرّضه لا محالة إلى تفاوت بين الصورتين بالزيادة أوبالنقص أو التغيير، إن بأقدار كبيرة أو صغيرة ، وكلّ هذا من شأنه أن يضع القرآن كما وصل إلينا في دائرة الشكّ بالنسبة لصورته التي صدر بها عن النبيّ الكريم.

وقدحظي تدوين القرآن الكريم عند أصحاب هذه النحلة بنصيب وافر من سببية الشكوك فيه، والآراء في ذلك لا تخرج عن تلك الشكوك التي أبداها المستشرقون منذ مايقارب من الزمن.

ومن تلك الشكوك أنّ القرآن الكريم لم يقع تدوينه كلّه في عهد النبيّ، بل إنّ أصحاب النبيّ «دوّنوا في حياته بعض الآيات، وهكذا تشكّلت نسخ جزئيّة على أشياءمادّية غير كافية» كما يقول أحدهم، ويضيف آخر مستكملا قوله: «بينما دُوّنت رسالة محمّد بُعيد وفاته» ، وذلك ما يفضي إلى اعتبار أنّ بعض القرآن على الأقلّ تأخّرتدوينه إلى مابعد وفاة النبيّ، ممّا أدّى إلى وجود فجوة زمنية بين صورة القرآن الشفوي وصورة القرآن المدوّن تسمح باحتمال التغاير بين الصورتين، وانتهى الأمر الى أنأصبحت الصورة التي تلاها النبيّ على أصحابه وهي «القرآن» مغايرة للصورة التي دوّنت فيما بعد وهي «المصحف»، وأصبح «الترادف التامّ بين القرآن والمصحف والذكر والكتاب ليسبديهياً على النحو الشائع بين القدماء وأتباعهم السلفيين، وينبغي أن يكون موضوع بحث عميق، واستقصاء قد يؤدّي إلى نتائج مخالفة للحلول التي رأوها» ، وقد لعبت السلطةالسياسية على رأي بعض هؤلاء في هذا التغاير بين الصورتين دورا كبيرا، إذ استعملت نفوذها لإقرار صورة بعينها من صور القرآن أثبتتها مصحفا، ومنعت صورا أخرى وأتلفتها .

ولعلّ من مظاهر ذلك التفاوت بين صورتي القرآن والمصحف على ٍرأي بعضهم ما انتهى إليه المصحف من ترتيب يخالف الترتيب التاريخي الذي كان عليه القرآن، وهو ترتيب يبدوفيه التغيير متمثلا في ضرب من الاعتباطية التي صار بها المصحف في ترتيبه لا يخضع لأيّ معيار عقلي أو منطقي . ولا يضير وقوع هذا التغيير في القرآن ذلك الوعد الإلهيبحفظه؛ وذلك لأنّ الذكر الذي وعد الله بحفظه هو المحتوى وليس الظرف، هو مضمون الدعوة فيما انطوت عليه من تبشير وإنذار، ومن توجيه وإرشاد، وليس الألفاظ والتعابير التيصيغت فيها تلك الدعوة» ، ولا غرابة في ذلك فإنّ بعض الآراء تذهب إلى أنّ الذي نزل على النبّي من الله تعالى إنّما هي المعاني، وأمّا اللغة فهي من تعبيره

نفسه، وهذا الرأي «هو في الحقيقة أقرب المواقف من المعقولية الحديثة» كما يقول أحدهم.

إنّ هذه الشكوك في موثوقية النصّ الديني قرآنا وحديثا من شأنها لامحالة أن تسمح بضرب واسع من التأويل لذلك النصّ، إذ ما دام الأمر على هذ النحو فإنّه يمكن للدارس أن ينطلق في درسه من افتراض صور أخرى للقرآن غير هذه التي وصلت إلينا، وأنتُستدعى المعاني منها بدل أن تُستدعى من الصورة المتداولة بيننا، ويمكن أن يقع العثور في شواذّ الروايات والأخبار وضعافها ومترو كاتها التي تدّعي صورا أخرى للقرآن علىمايسعف هذه الوجهة التأويلية ممّا قد نضرب له أمثلة فيما يلي من هذا البحث.

ب- الظنّية المطلقة لدلالة النصّ الديني

يقرّر أصحاب هذه النحلة في معظمهمأنّ النصّ الديني المتمثّل في القرآن الكريم بلهَ المتمثّل في الحديث النبوي هو نصّ ظّنّي الدلالة بصفة مطلقة، إنّ ثلاثة من كبار المنظّرين لهذا المذهب التأويلي علىالأقلّ يتبنّون هذا الرأي ويدافعون عنه، ويرتفعون به إلى أن يكون أحد أسس مذهبهم، وقد عبّر أحدهم عن ذلك بقوله: «بغضّ النظر عن احتماله (أي القرآن) مثل كلّ النصوصالمكتوبة والدينية التأسيسية منها على وجه الخصوص لعدد يكاد يكون غير محدود من التأويلات حتى في الآيات التي تبدو في الظاهر صريحة، فإنّ الأصوليين لم يراعوا فيه لاالغايات المرصودة من الحلول الظرفية التي احتوى عليها، ولا السياقات المخصوصة التي وردت فيها الآيات التي كانت محلّ عنايتهم» .

ولا يذهبنّ الظنّ إلى أنّ هذهالاحتمالية المطلقة إنّما تتعلّق بالأحكام الشرعية دون الأحكام العقدية، إذ هي احتمالية شاملة لكلّ أحكام القرآن، وهو ما

يذهب إليه منظّر ثان علىنحو صريح إذ يقول: «القرآن هو عبارة عن مجموعة من الدلالات والمعاني الاحتمالية المقترحة على كلّ البشر، وبالتالي فهي مؤهّلة لأن تثير أو تنتج خطوطا واتّجاهات عقائديةمتنوعّة بقدر تنوّع الأوضاع والأحوال التاريخية التي تحصل فيها أو تتولّد منها فالقرآن نصّ مفتوح على جميع المعاني ولا يمكن لأيّ تفسير أو تأويل أن يغلقه أو يستنفذهبشكل نهائي ، وإلى ذات هذا الرأي ذهب المنظّر الثالث ، الأمر الذي يجعل من هذه الفكرة مبدأ أساسيا من مبادئ هؤلاء المؤوّلة فيما سلكوه من تأويل.

ج- حاكميةالواقع على النصّ الديني

نقصد بالواقع ما يؤول إليه تطوّر الحياة البشرية من أوضاع في الفكر والسلوك، وما تنتهي إليه تلك الحياة من أحوال متمثّلة في الأوضاعالثقافية والاجتماعية والاقتصادية وسواها. والمقصود به عند هؤلاء المؤوّلة هو ذات هذا المعنى مع تحيين له بما وصلت إليه الحضارة الحديثة من أوضاع في مختلف أوجه الحياة.

هذا التأسيس للواقع الذي تجري به الحياة البشرية قيّما على الدلالة النصيّة يكاد يكون قاسما مشتركا بين المنتمين لهذا المذهب التأويلي، وهو ما يرتقي به إلى أنيكون أساسا من أسس ذلك المذهب. وممّا قاله بعضهم في ذلك: « أمّا المسار الثاني، فيتمثّل في ترك مفهومي الإسلام والتراث مفتوحين أي غير محدّدين بشكل نهائيّ ومغلق،لأنّهما خاضعان للتغيّر المستمرّ الذي يفرضه التاريخ» . ومن البيّن أنّ المقصود بما يفرضه التاريخ ما ينتهي إليه الواقع الإنساني من أحوال. وممّا قاله آخر في ذلك: «فيتقديرنا أنّ العودة للسياق الاجتماعي الخارجي، السياق المنتج للأَحكام والقوانين، وتحديد أحكام النصّ على ضوئها، يمكن أن يمثّل دليلا هاديا لا لفهم الأحكام فقط، بليفتح باب

الاجتهاد لتطويرها على أساس تأويلي منتج» ، والمقصود باليساق الاجتماعي الخارجي إنّما هو الوضع الذي يجري به الواقع الاجتماعي. وهكذاينتهي الأمر في هذه القراءة للنصّ الديني إلى أن تكون قراءة متأسّسة على تحديد أحكام النصّ على ضوئها، يمكن أن يمثّل دليلا هاديا لا لفهم الأحكام فقط، بل يفتح بابالاجتهاد معاني ذلك النصّ بحسب مايجري به الواقع من أوضاع، لتكون تلك الأوضاع في منقلباتها غير المتناهية هي الحاكمة على مدلول النصّ الديني.

د- إهدارالتراث باعتباره فهما للنصّ الديني

الرسالة الإسلامية هي تلك الرسالة المضمّنة في النص القرآني وفي نصّ الحديث النبوي، وقد نظر المسلمون في هذا النصّ وكوّنوامن نظرهم هذا فهما لهذه الرسالة ولئن كان هذا الفهم يختلف في بعض الجزئيّات والفروع فإنّ أصوله العامّة وفروعه التي علمت من الدين بالضرورة ظلّت قدرا مشتركا في أفهامالمسلمين، يتدّينون به اعتقادا وسلوكا، من يوم نزل الدين إلى يومنا هذا، وهو ما استقرّت عليه الأمّة خالف عن سالف في إجماع شمل جميع طوائفها وأجيالها وعلمائها وعامّتها،معتبرة أنّ ذلك هو الدين الحقّ الذي تضمّنته نصوص الوحي، وبشّر به النبي(ص).

ولكنّ هؤلاء المؤوّلة الجدد كان لهم في هذا الأمر رأياً آخر، وملخّص هذا الرأي أنّالدين الذي جاء به النبيّ (ص) هو هذا الدين الذي تديّنت به الأمّة طيلة أربعة عشر قرنا، وإنّما هو دين آخر ماتزال النصوص متضمنة إيّاه، وتنتظر من يستخرجه منها بأفهامأخرى، ليست هي تلك الأفهام التي استقرّت عليها الأمّة.

والسبب في كون الرسالة الإسلامية التي تديّن بها المسلمون ويتديّنون ليست هي الرسالة التي جاء بها النبيّ؛هو أنّ فهم تلك الرسالة كما تمّ من قبل الجيل الإسلامي الأوّل، وكما ضبطه وأرساه العلماء وخاصّة منهم الفقهاء بعد

ذلك كان فهما خاطئا، وتوالى الخطأبالتناقل إلى اليوم، فهؤلاء جميعا كأنّما قد غفلوا عن الوجه الحقّ من الإسلام،وهو وجه «طمسه التاريخ، وأنكر طاقاته الإبداعية، فلم يتعوّد المسلمون كشفه والتنقيب عنخفاياه وأسراره ودلالاته، ولم يتفطّنوا في الأغلب حتى إلى وجوده ذاته، لا لتقصير منهم أو عجز أو ما أشبه ذلك، بل لأنّ ظروفهم وطبيعة ثقافتهم لم تكن تسمح لهم إلاّ بمااهتدوا إليه وطبّقوه» . ولّما كان هذا الإسلام الذي يتديّن به الناس تشكّل في الأفهام في الفترة الإسلامية الأولى «فإنّ التأريخ لأحداث القرن الأوّل للهجرة يستلزمإعادة النظر في أكثر من مسلّمة، ولاسيما فيما يتعلّق بوفاء الأجيال الإسلامية الأولى لمبادئ الرسالة، وهي التي كانت مدعوّة إلى تجسيدها .

وإذا كان المسلمونعامّة قد وقعوا في هذا الالتباس في فهم الدين الفهم الصحيح فإنّ العلماء منهم والفقهاء بصفة خاصّة هم الذين يتحمّلون المسؤولية في ذلك، فالفقهاء قد شيّدوا فقهاً جوانبعديدة منه «صنعها أناس ضدّاً على المبادئ القرآنية» ، وقواعد الفقه التي وضعها الفقهاء ليست في حقيقتها ذات طبيعة دينية، وإنّما هي قواعد من وضع بشر، فكانت منافيةللعدل والمساواة وحقوق الإنسان . وإنّما سلك الفقهاء هذا المسلك تاركين الوجه الحقّ من الإسلام إلى الوجه الخاطئ منه، إمّا لما كانت تُسلّط عليهم من ضغوط من قبلالمجتمع الرجالي المستبدّ على النساء ، ومن قبل السلاطنة السياسيين، وإمّا خضوعا منهم لدواعي الأهواء التي زيّنت لهم حبّ الجاه والترؤّس والترفَ والبذخ .

ومادام الأمر على هذا النحو من أنّ المسلمين عامّة والعلماء والفقهاء منهم خاصّة قد فهموا الدين على غير وجهه الحقيقي، بقطع النظر عن كون ذلك نشأ عن قصور أو تقصير،فإنّه يكون من الحقّ أن يكون باب الفهم الصحيح للدين مفتوحا ليلجه الوالجون من تلقاء تأويل جديد يفضي إلى استحضار الوجه

الحقّ من الدين، وهذا البابهو الذي يلجه اليوم هؤلاء المؤوّلة ليكون هذا المعنى أساسا من أسسهم فيما يرومونه من تأويل، وأمّا الفقهاء والعلماء الذين أسّسوا هذا الفهم السائد للدين، فـ «من أدراهمأنّ المسلمين لن يتبنّوا في المستقبل فهما أعمق وأفضل من فهم لم يسد في النهاية إلاّ أقلّ من أربعة عشر قرنا، وهي فترة قصيرة في عمر الإنسانية الطويل؟» .

هـ- ذاتية القراءة للنصّ الديني

يتردّد في مولّفات المؤوّلة الجديد كثيرا فكرة ترقى إلى أن تكون أساسا من أسسهم في التأويل، وهي فكرة الذاتية المطلقة في قراءةالنصّ الديني، وبالتالي في التدّين بما تفضي إليه تلك القراءة. وخلاصة هذه الفكرة أنّ النصّ الديني يخاطب الإنسان خطابا مباشرا بصفة فردية، ويحمّله مسؤولية قراءتهونتائجها بصفة فردية أيضا؛ ولهذا فإنّه من حقّ الفرد أن تكون له قراءته الخاصّة لهذا النصّ ينتهي فيها إلى ما يرتضيه من مدلول بحرّية مطلقة لا يحتكم فيها إلاّ إلى ضميره،خاصّة وأنّ هذا النصّ مفتوح على أحتمالات من المعاني غير متناهية كما أسلفنا بيانه، وبالتالي فإنّه لاحقّ لأحد في أن يعيب على آخر قراءته لهذا النصّ، والنتيجة التييتوصّل إليها منها، أو يمنعه من هذه وتلك.


3- طرق التأويل في القراءة الجديدة

اتّخذ تأويل النصّ الديني عند هؤلاء المؤوّلة مسارات عدّة، تختلف فيأشكالها، ولكنّها تلتقي في نتائجها. ويجمع هذه المسارات أنّ المعاني والأحكام والمطلوبات والمنهيات التي يتضمّنها النصّ الديني لا ينبغي أن تحمل على ظاهرها سواء فيالدلالة اللغوية على المعاني في ذاتها، أو في المدى الزمني الذي يمتدّ إليه الخطاب، أو في المدى البشري الذي يشمله الأمر والنهي، وإنّما تُصرف

عن ذلكالظاهر إلى وجوه أخرى قد تكون مخالفة له إن قليلا أو كثيرا، لتكون تلك الوجوه من المعاني والتكاليف هي المقصود من النصّ، ولتكون بالتالي هي الدين الحقّ الذي يتضمّنه ذلكالنصّ، مهما كان مخالفا لما استقرّت عليه الأمّة في الفهم والتطبيق بإجماع منذ نزول الدين إلى اليوم، وإذا كانت المسارات التأويلية التي سلكتها المؤوّلة الجديدةمتعدّدة ومتنوّعة آخذة من مسارات قديمة ومضيفة إليها أخرى جديدة، فلعل المسارات الأساسية الهامّة التي ترجع إليها فروع وتفاصيل كثيرة تتمثّل في المسارات التالية:

أـ التأويل الزمني:

فإنّ هذا التأويل الزمني يمكن تفريعه إلى فرعين: التأويل الزمني بالحال الجماعية، والتأويل الزمني بالحال الفردية.

أولاً -التأويل الزمني بالحال الجماعية

عُرف هذا التأويل باسم يكاد يصبح مصطلحا له، وهو «تاريخية النصّ الديني»، ومعناه في الجملة أنّ الكثير ممّا تضمّنه النصّ الدينيمن مطلوبات ومنهيات إنّما هو متّجه بالخطاب التكليفي إلى مخاطَبين في زمن معيّن حينما يكونون على وضع من الحياة معيّن، وأمّا الآخرون الذين يكونون في زمن غير ذلك الزمن،وفي وضع غير ذلك الوضع فإنّهم لا يكونون مشمولين بذلك الخطاب النصّي؛ ولذلك فإنّهم يحقّ لهم بل يجب عليهم أن يفهموا النصّ في حقّ ما يتوجّب عليهم على غير ما يتقضيه ظاهرالخطاب الذي هو متّجه إلى آخرين في زمن غير زمنهم، وفي أوضاع غير أوضاعهم.

إنّ القرآن الكريم بحسب هذا التأويل فيما تضمّنه من أحكام كثيرة كان يعالج أوضاع الناسزمن نزوله، وهي أوضاع تقتضي طبيعتها أن لا يكون لها علاج ناجع إلاّ بتلك الأحكام، فإذا ما تغيّرت تلك الأوضاع في أجيال لاحقة فإنّ

المؤمن في هذهالأوضاع الجديدة «لا يضيره أن لا يرى فيما فُرض من تفاصيل العبادات والمعاملات متى وجدت وهي قليلة جدّا سوى أثر لمتقضيات الاجتماع في عصر ولا سيما الحديثة منها في مشارقالأرض ومغاربها» ، فيكون إذن في حلّ من تلك الفروض بمقتضى أوضاعه الجديدة، وله أن يعتبر الخطاب القرآني بصيغة يا أيّها الناس أنّ «المقصود بالناس هنا الجماعةالأولىالتي كانت تحيط بالنبي، والتي سمعت القرآن من فمه لأوّل مرّة» .

وهكذا «لا ينبغي أن يكون تنفيذ عقوبة معيّنة كما هو الشأن في القصاص والسرقة وغيرهمامحسوبا على الخضوع لأوامر إلهية لا صلة لها بالزمان والمكان بل هي ممّا اقتضته ضرورات الاجتماع والأخلاق، وهي أمور متغيّرة وغير مستقرّة، تتأثّر بعوامل عديدة منهاالثقافي ومنها الاقتصادي والسياسي» ، وهذا يعني أنّه إذا تغيّرت ضرورات المجتمع وأخلاقه عمّا كان عليه الأمر زمن نزول القرآن بأحكام العقوبات فإنّه يصبح في حلّ منها،وذلك بقراءته على ضوء الواقع الجديد.

وما يقال عن الحدود في هذا الشأن يمكن أن يُقال أيضا عن العبادات وهي التي تبدو أكثر ديمومة وثباتا في أفهام المسلمينوأعمالهم. إلاّ أنّه مع ذلك فطريقة العبادة التي التزمها المسلمون على عهد نزول القرآن ليست بملزمة لمن يأتي بعدهم إذا ما تغيّرت ظروف الحياة، بل يمكنهم أن يأتوا من هذهالعبادات بما يلائم ظروفهم الجديدة، فإذا كان النبي على سبيل المثال «يؤدّي صلاته على نحو معيّن فكان المسلمون يقتدون به، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّ المسلمين مضطرّون فيكلّ الأماكن والأزمنة والظروف الالتزام بذلك النحو (فثمّة أصناف) أخرى من الناس ممّن أعرضوا عن الصلاة، أو يعيشون تمزّقا بين الواقع والمنشود، ألا يحقّ لها أن تكونوفيّة لما يأمرها به دينها من دون الالتزام بما قرّره السلف في هذا الشأن (شأن الصلاة) بكلّ تفاصيله؟» ، وإذن فإنّ الأحكام

الدينية بما فيهاالعبادات هي في الإلزام بها رهينة الأوضاع الاجتماعية وليست لها صفة الإلزام المطلق، وللمسلمين في كلّ زمن أن يقرأوا النصّ الديني قراءة يخرجون فيها بفهم تحدّدهأوضاعهم متجاوزين ما يحمله ظاهر ذلك النصّ من التكاليف التي كانت بحسب ذلك الظاهر تخاطب أوضاع الناس في المرحلة الزمنية التي نزل فيها الدين .

ثانياً -التأويل الزمني بالحال الفردية

هذه الحال التأويلية شبيهة بما قبلها إلاّ أنّ التأويل الزمني فيها يتعلّق بما يحدثه الزمن من تغيير في حال الفرد وليس في أوضاعالجماعة أو الأمّة، فالدين كلّه إنّما غايته عند القائلين بهذا التأويل هي أن يترقّى الإنسان بتدّينه روحيا في اتّجاه مثاله الأعلى وهو الله تعالى، وأحكام الشرعمتمثّلة في العبادات على وجه الخصوص إنّما شرعت بغاية تدريب الإنسان على هذا الترقّي الروحي، فإذا ما ترقّى الإنسان بطريق هذه العبادة، ووصل إلى الدرجات المبتغاة منالرقّي أصبحت الأوامر النصّية بالعبادات لا غية في حقّه، لأنّها قد استنفذت أغراضها، فيصبح إذن في حلّ منها، ويصبح متأوّلا للنصّ على هذا الأساس.

إنّ الأحكامعامّة وأحكام العبادات خاصّة على رأي المؤوّلة الجدد لا يتمّ استنباطها «على أساس سليم بالتمسّك بحرفيتهافي نوع من عبادة النصّ، بل بالبحث عن روحها ومغزاها ومراعاةالمقصد منها حتى تكون العبادة لله وحده، ويكون ضمير المسلم هو الحَكَم الأوّل والأخير في مدى الاستجابة للتوجيه الإلهي » ، وعلى سبيل التمثيل بعبادة الصلاة فإنّ«النبيّ كان يؤدّي صلاته على نحو معيّن، فكان المسلمون يقتدون به، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّ المسلمين مضطّرون في كلّ الأماكن والأزمنة والظروف للالتزام بذلك النحو علىفرض أنّه كان فعلا موحّدا ولم يطرأ عليه أيّ تغيير أثناء فترة الدعوة» ، وإذن فإنّ

للمسلم أن يقرأ النصّ الديني الآمر بالعبادات قراءة يتحرّر فيهامن أشكالها الظاهرة ليمارس عبادته صلاة وصياما وسواهما بما يمليه عليه ضميره، وبما يحقّق من المقصد الأعلى للعبادة.

ب- التأويل اللغوي:

اعتمد بعضالمؤوّلة الجدد في تأويلهم للنصّ الديني على فلسفة لغوية وجدوا فيها مدخلا لذلك التأويل، وهي فلسفة تقوم على تحليل طبيعة اللغة في دلالتها على المعاني، وذلك بالأخصّفيما إذا كانت المدلولات موضوعية تحملها اللغة خارج المتلقّي، أو هي مدلولات تتولّد بالأساس في ذهن المتلقّي لتتحدّد بعد ذلك برموز اللغة، وكذلك فيما إذا كانت اللغةتدلّ على المعاني بذاتها، أو أنّ للسياق الذي تدرج فيه مدخل في تلك الدلالة، وعناصر هذه الفلسفة اللغوية بعضها قديم وبعضها حديث، وقد استثمرت من قبل بعض هؤلاء المؤوّلةلتأويل النصّ الديني.

والوعي الثقافي يختلف باختلاف الأزمان والأجيال، بل قد يختلف باختلاف الأفراد في الزمن الواحد وفي الجيل الواحد؛ ولذلك فإنّ المدلولاللغوي للنصّ الواحد قد يكون مختلفا بين جيل وآخر، بل بين شخص وآخر من نفس الجيل من معاني النصّ قد يكون مخالفا لما يفهمه جيل آخر أو فرد آخر منه، إذ هو لا يحمل في ذاتهمعنى موضوعيا يلتقي الجميع في فهمه، وإنّما يتحدّد معناه بالوعاء الثقافي الذي يتنزّل فيه بالتلقّي .

هذه الفكرة الفلسفية طبّقها بعض المتأوّلة الجدد علىالنصّ الديني قرآنا وحديثا، فقالوا: «إنّ الخطاب الإلهي خطاب تاريخي، وبما هو تاريخي فإنّ معناه لا يتحقّق إلاّ من خلال التأويل الإنساني، إنّه لا يتضمّن معنى مفارقاجوهريا ثابتا له إطلاقية المطلق وقداسة الإله» ، وإذا كان القرآن على هذا النحو من عدم تضمّنه معنى موضوعيا مفارقا، وبما أنّه من جهة أخرى «هو نصّ موجّه للناس

في سياق ثقافة بعينها (وهي ثقافة من نزل بين ظهرانيهم) ، فإنّ النتيجة تكون أنّ المعنى القرآني هو ذلك المعنى الذي ينطبع في أذهان المتلقّين بحكم ما تنتجهثقافتهم من عملية التلقّي للنصّ القرآني، وبما أنّ ثقافة المتلقّي للنصّ القرآني تتغيّر من زمن إلى زمن فإنّ المعنى القرآني الذي يحصل في أذهان أهل زمن مّا من ذوي ثقافةمعيّنة ليس هو المعنى الذي يصحل منه في أذهان أهل زمن آخر من ذوي ثقافة أخرى، وذلك ما يسمح بتعدّد المعاني القرآنية بحسب تعدّد الثقافات والأزمان.

إنّ هذاالتأويل اللغوي يسمح بقراءة للنصّ الديني تنتهي إلى إهدار كثير من الأحكام الدينية الأساسية منها والفرعية؛ وذلك لأنّ هذه الأحكام يمكن بمقتضى الأساس الفلسفي اللغويلهذا التأويل أن يفهمها كلّ أهل زمن وفق الوعي الثقافي الذي يكونون عليه، فلا يكون لها إذن معنى ثابت، فإذا ما يفهم عند أهل زمن على أنّه مطلوب يصبح عند غيرهم مفهوما علىأنّه غير مطلوب، وإذا ما يُفهم عندهم على أنّه منهيّ عنه يصبح عند غيرهم مفهوما على أنّه مباح نتيجة تغيّر الثقافات بين الأزمان.

ج- التأويل المقاصدي:

إذاكانت أحكام الدين فيما تضمّنته من تفاصيل وضوابط وحدود تهدف إلى تحقيق مقاصد معيّنة هي المعروفة بمقاصد الشريعة، فإنّ المؤوّلة الجدد احتفوا بتحقيق المقاصد دون تفاصيلالأحكام وضوابطها، وانتهجوا في ذلك مسارا تأويليا للنصّ الديني سمّوه بالتأويل المقاصدي، وهو تأويل ينتهي بالنصّ الديني إلى إهدار الأحكام المتعلّقة بضبط الأفعال منحيث الأمر والنهي، ويعتبر فقط المقاصد من تلك الأحكام، بحيث إذا تحقّقت بدونها أصبحت هي لاغية في هذه القراءة التأويلية.

وفي شرح هذا المعنى يقول أحد المؤوّلة:«إنّ التأويل المقاصدي هو التأويل

الأنسب من الوجهة الدينية، وينبغي ألا يطول البحث في تحليل الكلمات، بل لابدّ من البحث وراء المعاني الحرفية عنروح القرآن، وتناول كلّ مسألة حسب وضعها ضمن المقاصد الإلهية الشاملة، ويقتضي هذا البحث إدماج عامل الزمان، فيمكن أن تكون القاعدة (أي الحكم الشرعي) صالحة لوقت معيّن،لكنّها إذا أصبحت لمرور الزمن وتغيّر الأوضاع غير ملائمة ينبغي أن نتمكّن من تغييرها»، وهذا التغيير إنّما هو بسبب كونها لم تعد محقّقة لمقاصدها، أو كون مقاصدها أصبحتتتحقّق بغيرها، وفي كلّ الحالات فينبغي أن تقرأ الأحكام في الإلزام بها أو عدم الإلزام قراءة تحقّق مقاصدها دون التفات إليها في ذاتها؛ ولذلك فإنّه على سبيل المثال فيمايتعلّق بحدّ السرقة «لا حرج البتّة في التخلّي عنه، واستبداله بعقوبات أخرى تتماشى والأوضاع التي تعيشها المجتمعات الإسلامية الحديثة، طالما يمكن تحقيق الغرض منهبوسائل أخرى».

إنّ هذه القراءة التأويلية المقاصدية للنصّ الديني هي قراءة كفيلة بأنّ تغيّر الأفهام في استخلاص معاني الأحكام من نصوصها ليصبح الأمر نهياوالنهي أمرا إذا ما تبيّن للقارئ أن مقصد الحكم لا يتحقّق به بل يتحقّق بحكم غيره، فيصبح ذلك الغير هو المطلوب خلافا لما يقتضيه ظاهر النصّ، وهو ما يقتضي على سبيل المثالإمكان أن يفهم من النصّ القرآني حلّية الربا بدلا من حرمته، وأن يفهم بطلان عقوبات الحدود بدلا من وجوبها، بل يصل الأمر إلى إلغاء العبادات من صلاة وصوم وحجّ وزكاة علىالنحو الذي هي محدّدة به، وذلك إذا ما تحقّقت مقاصدها في ترقية الروح وتحقيق العدالة بأشكال أخرى منها أو حتى بدون تلك الأشكال أصلا، ذلك هو ما يفهم من كثير من النتائجالتي انتهى إليها بعض هؤلاء المؤوّلة من قراءتهم لأحكام العبادات في القرآن الكريم .

د- التأويل العلمي:

هو ضرب من التأويل للنصّ الدينيينسب نفسه إلى العلم بمعنى العلوم الحديثة طبيعية ورياضية، وذلك بأن يقع تأويل النصّ على أساس بعض القوانين الطبيعية والرياضية لتصرف معانيه عن ظواهر دلالاتها اللغويةالمتعارف عليها وتحمل بمقتضى هذه القوانين التي يكتشفها الإنسان تباعا على مدلولات أخرى مخالفة لما تقتضيه ظاهر اللغة وما استقرّت عليه أفهام المسلمين منذ نزول الدينإلى اليوم.

وإذا كان هذا الضرب من التأويل ليس منتشرا على نطاق واسع بين المؤوّلة الجدد إلاّ أنّ قول بعضهم به يجعله مبرّرا لأن ندرجه ضمن مسارات التأويل في هذهالظاهرة من باب الاستيفاء والتقصّي مهما يكن عليه هذا التأويل من غرابة، خاصّة وأنّ ثمّة بوادر تشير إلى أنّه قد يكون سائرا في طريق التوسّع والانتشار.

والمثالالأبرز لهذا التأويل الرياضي ما شرحه أحد المؤوّلة فيما يتعلّق بما جاء في النصّ الديني من أمر بالتزام حدود الله تعالى وعدم تعدّيها، وحدود الله هي الخطوط الفاصلة بينماهو مسموح بفعله على وجه الوجوب أو الندب أو الإباحة، وما هو غير مسموح به على وجه المنع أو الكراهة، وذلك في كلّ ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه وليس الأمر خاصّابالمعنى الاصطلاحي المتعلّق بالعقوبات.

وبحسب ما يرى هذا المؤول فإنّ كلّ أوامر الله تعالى ونواهيه تنحصر بين حدّين أعلى لا يمكن الصعود فوقه، وحدّ أدنى لا يمكنالنزول تحته، وذلك متحقّق بالنظر إلى الأحكام الشرعية في جملتها كالحدّ الأعلى المتمثّل في أحكام السرقة والقتل، وهو ما لا يمكن الصعود فوقه بالتشديد، والحدّ الأدنىالمتمثّل في تحريم النكاح من المحارم المنصوص عليها، وهو مالايمكن النزول تحته بالتساهل تحليلا لبعض هذه المحارم.

وعلى سبيل المثال فإنّه إذا كانالحدّ الأدنى في حكم الشريعة تحريم المحارم المنصوص عليها فإنّه لا يمكن بحكم القانون الرياضي النزول تحت ذلك الحدّ بإضافة محارم أخرى، ولكن يمكن الصعود فوقه بمنعالزواج من بعض الأقارب غير المعدودين من المحارم كبنات العمّ والعمّة والخالة إذا بيّن علم الطبّ أنّ لذلك آثارا سلبية على النسل، أو بيّن علم الاقتصاد أنّ له آثاراسلبية على توزيع الثروة، ولا يكون في ذلك تجاوز لحدود الله لأنّه ليس فيه نزول تحت الحدّ الأدنى.

أنّ الأسس المبدئيّة المنهجية التي انبنت عليها هذه القراءة،والتي شرحها أصحابها بشيء من التفصيل تسمح للدارس أن يستكمل صورة التدّين الذي تدعو إليه هذه القراءة، وذلك بأن يجري ما لم يقع فيه تفصيل على نسق ما فصّلته القراءة، ووفقالأسس المنهجية التي رسمتها وجرت عليها، وحينئذ فإنّه يمكن أن نرصد النتائج التي انتهت إليها هذه القراءة ممثّلة في صورة الدين الذي بيّنته ودعت إليه. ولعلّ أهمّ هذهالنتائج تتمثّل فيما يلي:

أ- نزع الثقة بمصدر الدين.

ب- نزع صفة الموضوعية عن الدين.

ج - إلغاء الفهم السائد للدين.

د- التشريع لدين جديد:

تشطب هذه القراءة الجديدة الدين السائد إمّا باعتباره فهما خاطئا من أساسه، أو باعتباره كان حقّا في الزمن الماضي ولم يعد كذلك لتغيّر الزمن، وذلك لتؤسّس لفهم جديدمن خلال النصّ الديني، وهو فهم يشبه أن يكون في حقيقته دينا جديدا وإن كان بعض أصحاب هذه القراءة ينكرون هذا التعبير بالدين الجديد أو بالشريعة الجديدة مع عملهم على تحقيقمحتوى هذا التعبير ممّا يثير شكوكا بأنّ الأمر ذو صلة بالتقيّة على نحو من الأنحاء.

وقد اعتمد بعض هؤلاء المؤوّلة تعبيرا عن الفهم الجديد للدينمصطلح «الرسالة الثانية للإسلام»، أو «الوجه الثاني لرسالة الإسلام»، إشارة إلى أنّ الرسالة الأولى هي التي استقرّ عليها فهم الأمّة للإسلام، والرسالة الثانية هيالرسالة التي لم تفهم والتي آن أوان فهمها لتكون هي الدين الحقّ الذي تبشّر به القراءة الجديدة .

إنّ الفهم الجديد للدين الذي تنتجه هذه القراءة هو فهم قد ينتهيمن حيث المبدأ إلى مخالفة كلّ ماهو سائد من فهم سواء تعلّق الأمر بالمرتكزات العقدية أو بالشرائع والأخلاق فـ «كلّ مايتّصل بجانب العقائد والتشريعات - الأحكام والحدودخاصّة - من نصوص يدرجها الخطاب الديني في خانة الثوابت التي يجب أن ينقل فهمها عن الأسلاف. لا اجتهاد في مجال العقيدة، هذا ما يعلنه الخطاب الديني متجاهلا أنّ العقائدتصوّرات مرتهنة بمستوى الوعي، وبتطوّر مستوى المعرفة في كلّ عصر» .

وعلى هذا الأساس من التأصيل للفهم الجديد ألغت هذه القراءة الجديدة قسما من المعتقدات منمثل وجود الملائكة والجنّ والسجلاّت التي تدوّن فيها الأعمال، وصور الثواب والعقاب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط، واعتبرت ذلك كلّه تصوّراتأسطورية . كما ألغت أحكام الحدود، باعتبارها عقوبات غايتها الإيلام، وأصبحت اليوم عقوبات وحشية همجية بغيضة ، وألغت جزءاً كبيرا من أحكام الأسرة كجواز التعدّد،والنسب المحدّدة للميراث، وذلك لمنافاتها للعدل والمساواة بين الرجل

والمرأة ، وألغت العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحجّ في ضوابطها وحدودها التي استقرّتعليها عند المسلمين، وتركتها للمسلم يفهمها بحسب تأويله الخاصّ، ويمارسها بالكيفية التي يراها مناسبة لظروفه، فالتوجيه الديني المتعلّق بهذه العبادات جاء توجيهاعامّا، وقد مارسها النبيّ بمقتضى ذلك العموم

على غير كيفيات محدّدة، والتحديدات والتفصيلات التي وصلت بها إلينا إنّما هي من وضع المسلمين فيما بعد،ولذلك فنحن لسنا ملزمين بها، فيمكن إذن أن نمارسها على أيّ كيفيّة ارتأيناها وأملتها علينا ضمائرنا . وانتهت هذه القراءة أيضا إلى مايشبه إباحة بعض أنواع من الزنىوإخراجه من دائرة التحريم الذي أثبتته قطعيات النصوص .

5- القراءة الجديدة في الميزان

قد لا يسمح هذا المقام بتوجيه النقد إلى كلّ ما توصّلت إليههذه القراءة الجديدة للنصّ الديني من النتائج التفصيلية، بمقتضى أسسها المنهجية التي قامت عليها، والاساليب التّأويلية التي اعتمدتها، وذلك فضلا عن كون كثير من هذهالنتائج متمثّلة في تفاصيل من الآراء والأحكام قد وقع الرّدّ عليها من قبل الكثيرين بشكل واسع لا يحتاج إلى مزيد من البيان، وخاصّة منها تلك التي استصحبتها هذه القراءةمن قراءات تراثية سابقة، أو من الدراسات الاستشراقية للإسلام في نصوصه الدينية على وجه الخصوص. ونرى من الأفيد في التعليق على هذه القراءة أن نوجّه العناية بنقد الأسسالتي انبنت عليها، والمسارات التي انتهجتها في التأويل، فعندما تسقط الأصول تتبعها الفروع بصفة تلقائية، على أنّنا سنعرض لبعض التفاصيل بالنقد حينما نرى ذلك مفيدا.

وإذا كان الأمر يتعلّق بقراءة النصّ الديني لتحصيل مفهوم من خلاله للدين الذي يحمله، فإنّ هذه القراءة تقتضي من الناحية المنهجية أن تكون منطلقة من طبيعة ذلك النصّذاته فيما يدّعيه لنفسه من حقيقة.

أـ طبيعة النصّ الديني وطبيعة قراءته

مقصودنا بالنصّ الديني في هذا المقام هوالقرآن الكريم والحديث الشريف،

كما حدّدنا ذلك في مطلع هذا البحث. وطبيعة هذا النصّ هو أنّه وحي من الله تعالى أنزله على نبيّه ليبلّغه للناس، أمّا القرآن فبمعناه ولفظه، وأمّا الحديثفبمعناه دون لفظه الذي هو من الإنشاء النبوي، سوى الحديث القدسي على بعض الأقوال . واللغة التي صيغ بها هذا النصّ هي اللغةالعربية، وهي لغة بلغت زمن نزول الوحي درجة منالرقيّ أصبحت معها جارية وفق قواعد وضوابط في تأديتها للمعاني سواء من حيث الألفاظ في ذاتها أو من حيث النظم الذي تنتظم به في سياقاتها المختلفة التي يرد فيها الكلام.

ومن أهمّ الخصائص في طبيعة هذا النصّ الديني أنّه نصّ رسالي، وذلك على معنى أنّه نصّ يحمل جملة من المعاني المتعلّقة بالوجود بقصد تبليغها للناس كي يفهموها أوّلاويعملوا بها ثانيا، ثمّ يحاسبوا عليها إيمانا بها وعملا بمقتضاها . إنّه ليس إذن نصّا يحمل تأمّلات ذاتية، أو فلسفة شخصية، أو يعرض وجهة نظر خاضعة للمناقشة، تُفهم علىالوجه الذي تقتضي إرادة القارئ أن تفهم به، ويؤخذ منها ويردّ بحسب تلك الإرادة. هذه هي طبيعة هذا النصّ الديني كما جاء هو ذاته يبيّنها، ويعرض نفسه على الناس على أساسها.

إنّ القارئ لهذا النصّ الديني يجب عليه منهجيا أوّل مايجب أن تكون قراءته محكومة بالطبيعة التي رُكّب عليها، والخصائص التي تميّزه عن سائر النصوص.

وأوّلما يقتضيه ذلك أن تكون قراءة هذا النصّ قراءة استكشافية، تعمل على كشف ما يحمله من المعاني، وضبط وتحديد ما يبشّر به من رسالة تقوم على الأمر والنهي، وذلك كلّه وفق ماتقتضيه قواعد اللغة التي صيغ بها، وحسب ما جاء فيه من إرشاد لقواعد الفهم والاستكشاف . إنّها ليست إذن قراءة ذوقية تبغي مجرّد المتعة الفنّية، ولا هي قراءة ترفيهية تبغيمجرّد التريّض الفكري، ولا هي قراءة تحليلية تبغي دراسة الوضع الثقافي والحضاري لمنشئها وللعصر الذي أنشئت فيه، إنّها ليست كلّ ذلك، بل هي قراءة مستكشفة للمراد الرسالي

لمنشئ النصّ وفق طبيعته اللغوية، وفي نطاق طبيعته التي هو بها وحي من الله تعالى.

وحينما حُدّدت طبيعة النصّ الديني في هذا الاتّجاه من الوصفبالبشرية على نحو من الأنحاء، والوصف بالتاريخية، والوصف بالظنّية فإنّ القراءة التي مورست عليه كانت في طابعها العامّ قراءة إسقاطية، على معنى أنّها قراءة تحمّل النصّمن المعاني والأحكام ماهو حاضر سلفا في الأذهان بمقتضى انتماءات مذهبية ومواقف إيديولوجية ليُقال إنّ مراد النصّ الديني هو تلك المعاني والأحكام الإيديولوجية المسبقةباعتبارها أحد الاحتمالات الممكنة لهذا النصّ مادام نصّا مفتوحا على احتمالات غير متناهية، وغابت بذلك أو تكاد القراءة الاستكشافية التي تبحث عن مدلول النصّ من خلالذاته وبمقتضى قوانينه الدلالية ووفق طبيعته التي تشكّل حقائقه الأساسية.

لقد كان أغلب هؤلاء القرّاء الجدد للنصّ الديني ممّن تكوّنوا ثقافيا على الفكر الغربي،وتشبّعوا بهذا الفكر حتى أصبحت كبرى قضاياه مسلّمات بالنسبة إليهم لا تقبل الجدل، فجاؤوا بتلك المسلّمات ليسقطوها على النصّ الديني باعتبارها مدلولا من مدلولاته،واحتمالا من احتمالاته. لقد كان من تلك المسلّمات على سبيل المثال فكرة التغيّر المطلق التي انبنت عليها الفلسفة الغربية في تقديرها للطبيعة كما بدا في نظرية التطوّر،وفي تقديرها للقيم الإنسانية كما بدا في المذهب الأخلاقي الاجتماعي، وفي تقديرها للماهية الإنسانية ذاتها كما بدا في الفلسفة الوجودية، فهذه الفكرة حملها أصحاب هذهالقراءة ليسقطوها على النصّ الديني ذاهبين إلى أنّ النصّ لا يحمل قيما موضوعية ثابتة، وإنّما قيمه كلّها متغيّرة بتغيّر الظروف والأوضاع، فينبغي إذن أن يؤوّل ليُحمل فيكلّ وضع على ما يناسبه من المعاني والأحكام في تغيّر قد لا يكون له قرار.

ب - موثوقية النصّ الديني

كان الطعن في موثوقية النصّ الديني على النحوالذي فصّلناه سابقا أحد المداخل الأساسية التي دخل منها هؤلاء المؤوّلة لقراءة تأويلية لهذا النصّ، إذ لّما كان الحديث النبوي غير موثوق به في الجملة ممّا ينفي عنهمشروعيته في المصدرية الدينية، فإنّ ذلك يفتح مجالا واسعا لتأويل القرآن على نطاق واسع، إذ هو في أغلبه كلّي عامّ تفصّله السنّة، فإذا ما استبعدت السنّة انفتحت كلّياتهوعمومياته على احتمالات ليس لها حصر. أمّا القرآن نفسه فإذا ما وقع الميل به إلى الصفة البشرية على نحو أو آخر كما فعل بعض المؤوّلة، وإذا ما وقع التشكيك في مطابقة النصّ«المصحفي» للنصّ «القرآني» الذي قرأه النبيّ شفويا كما فعل آخرون منهم، فإنّ المجال فيه يصبح مفتوحا للتأويل ميلا به نحو التاريخية في الأحكام التي هي خصائص النصّالبشري، واستبعادا للإطلاق فيها الذي هو من خصائص الكلام الإلهي؛ ولذلك فإن موثوقية النصّ الديني تعتبر إحدى المحدّدات الأساسية لكيفية قراءته، وإحدى الموازين لتقييمتلك الكيفية.

أوّلا - موثوقية الحديث النبوي

إن القرآن الكريم وهو المصدر الأعلى للدين يشرّع للحديث النبوي أن يكون هو أيضا مصدرا له، ومن أوضح ماجاءفي ذلك قوله تعالى: )وما آتاكُم الرسُولُ فخذوه وما نهاكُم عنه فانتهوا( (الحشرة/ 7)، وما الأمر النبوي والنهي إلاّ هو الذي أصبح متعارفا عليه باسم الحديث النبوي؛ ولذلكفإنّه من المستغرب حقّا أن يقول أحد المؤوّلة إنّ النبيّ نفسه قد نفى عن حديثه شرعية أن يكون مصدرا للدين، وذلك لما ورد عنه من نهي عن أن يُكتب عنه سوى القرآن ، والحالأنّ القصد من ذلك النهي واضح جليّ وهو التحوّط من أن يختلط ماهو قرآن بغيره في عصر ليست فيه من وسائل التمييز ما نعلمه اليوم .

وأمّا الطعن في الحديثجملة أن يكون مصدر تشريع على أساس أنّه داخله الوضع فلم يعد التمييز بين صحيحه وباطله أمر ممكنا، فإنّه تجنٍّ على الحقيقة، يبدو أوّل مايبدو في أنّ هذا المبدأ حينمانسوقه في الحديث النبوي فإنّه من باب أولى أن نسوقه أيضا في حقّ كلّ أثر قولي إنساني سابق عليه أو معاصر له، وحينئذ فإنّنا سنكون في شكّ مطلق من كلّ التاريخ البشري إلىتخوم عصرنا الحديث الذي استقرّ فيه التدوين الكتابي، ولك أن تتصوّر حينئذ مصير التاريخ الإنساني أحداثا وآدابا وعلوما وفنونا، فاستبعاد الوثائق الدالّة عليها لعدمموثوقيتها سيحدث لا محالة ارتباكا في الثقافة الإنسانية ليس له نظير.

ولئن كان الحديث النبوي قد داخله الوضع حقّا فإنّ هذا النصّ قد حظي من العلوم المنهجية التيتميّز صحيحه من سقيمه بما لم يكن له سابقة ولا لاحقة في التاريخ الثقافي الإنساني، وهي تلك العلوم المنهجية التي تتحرّى الصادق من غيره في الرواية المنقولة، وقد عُدّتبحقّ مفخرة من مفاخر الثقافة الإسلامية شهد بها الحكماء من خارج دائرة هذه الثقافة قديما وحديثا. وما ذكر من سبب للشكّ في المدوّنة الحديثية كون أبي حنيفة لم يثبت عنده منالحديث الصحيح سوى سبعة عشر حديثا، ثمّ أصبحت الأحاديث الصحيحة تعدّ بالآلاف بعد ذلك بقرن إنّما هو في حقيقته سبب لثبوت الموثوقية وليس سببا للشكّ فيها، إذ المسلمون لمّاعرفوا تسرّب الوضع إلى الحديث النبوي أمسكوا على الاحتجاج به إلاّ فيما أيقنوا بصحّته، ثمّ جعلوا يمحّصون المرويات النبوية تمحيصا صارما، فأدخلوا في دائرة الاحتجاج كلّماثبت عندهم صحّته، وهكذا تنامى حجم الحديث الصحيح بتنامي جهود التمحيص وأساليبه حتى بلغت أعداد الصحيح منه آلافا، وهو وضع طبيعي لا ينهض حجّة للطعن في الموثوقية بل هوحجّة لها لا حجّة عليها.

إذا كانت قراءة النصّ الديني من حقّها بل من واجبها أن تتحرّى إلى أقصى درجات التحرّي في ثبوت الحديث النبوي لتكون نتائجها فياستكشاف المراد من ذلك النصّ أقرب ما يكون من الحق، فإنّ قيامها على شطب الحديث ابتداء أن يكون مصدرا للدين لانتفاء صفة الموثوقية عنه ليس له من مبرّر معقول؛ لأنّ هذاالحديث لا يمكن أن يكون كلّه منحولا، وذلك بالنظر إلى الحركة الهائلة التي قامت لتمييز صحيحه من سقيمه. وما إخال هذه المقدّمة المستبعدة للحديث النبوي التي قامت عليهاهذه القراءة على أساس ظنّية الثبوت إلاّ حلقة من الحلقات التي تسمح بالقراءة التأويلية الإسقاطية للنصّ الديني، إذ إهدار الحديث النبوي جملة ينتهي إلى إلغاء القسمالأكبر من البيان الديني، ويفتح إذن الباب واسعا للتأويل.

ثانيا - موثوقية النصّ القرآني

ليس من مجال بحثنا في هذا المقام أن نثبت أنّ القرآن الكريمهو وحي إلهي تنتفي عنه أيّ صفة بشرية، إذ مجال الحوار مع هذه القراءة الجديدة هو المجال المحدّد بادّعاء الانتماء إلى الدائرة الإسلامية، والإيمان بكون القرآن وحيا هوالأساس في ذلك، ولكن نعرض بالنقد لبعض ما اعتمدته هذه القراءة من تشكيك في موثوقية القرآن من حيث انتقاله من النبيّ مقروء إلى المسلمين بعد ذلك مكتوبا ليكون ذلك التشكيكمدخلا لبعض التآويل في قراءة النصّ القرآني.

ولعلّ أخطر ما استُحدث من مدخل للتأويل هو الادّعاء بأنّ لغة القرآن هي لغة نبوية وليست إلهية كمعانيه كما مرّتالإشارة إليه، إذ عندما تكون هذه اللغة بشرية فإنّ مجال التأويل فيها يكون أوسع وأيسر، والحقيقة أنّ هذا الأدّعاء ليس له من مستند سوى بعض الأقوال الشاذّة التي رواها بعضالمؤرّخين للقرآن الكريم على سبيل استكمال صورة المرويّات التي تقتضيها موضوعية البحث

وليس على سبيل ما تحمله في ذاتها من وجاهة. إنّ الفيصل في هذهالقضية هو ما يقدّم به القرآن نفسه للناس فيما إذا كانت لغته نبوية بشرية أو إلهية، وهو مالا ينبغي تجاوزه إذا ما وجد بحال من الأحوال وإلاّ وقعت القراءة في الإسقاطالخارجي المخلّ بالموضوعية. وقد جاء في القرآن الكريم بيان جليّ في هذا الشأن، وهو قوله تعالى: )إنّا أنزلناه قُرآنا عربيا( (يوسف/2)، فالمعاني لو كانت هي النازلة وحدها منالله تعالى لا توصف بأنّها عربية، وإنّما الألفاظ ونظمها هي التي توصف بذلك، وبالتالي فإنّ الألفاظ هي إذن التي نزلت مع معانيها من الله تعالى على النبيّ، فلغة القرآنومعانيه كلّها وحي إلهي .

أمّا فيما يتعلّق بصورة القرآن مقروءة وصورته مكتوبة وما عسى أن يكون قد حدث بينهما من تفاوت كما يدّعيه أصحاب هذه القراءة وفق ماأوردناه سابقا، فإنّ هذا الادّعاء فيه هو ادّعاء مستصحب من شُبه بعض المستشرقين ، وهي شُبه ناشئة من الغفلة عن حقيقة من الحقائق الثقافية المتعلّقة بهذا الشأن، وهيحقيقة أنّ تحمّل المسلمين للقرآن الكريم حال نزوله وبعد ذلك إلى يوم الناس هذا وإلى مابعدها إنّما كان تحمّلا الأصل فيه هو الصورة المحفوظة في الصدور المؤدّاة شفويا،وأنّ تدوينه بالكتابة هي صورة رديفة للصورة المحفوظة زيادة في الضبط وليست هي الأصل في الصورة القرآنية؛ ولذلك فإنّنا لو تصوّرنا اختفاء جميع المصاحف على وجه الأرض فإنّالصورة القرآنية سوف تبقى قائمة كما هي لأنّها محفوظة في الصدور على وجه من الدقّة أعلى ممّا هي محفوظة به في المصاحف.

وقد كانت الصورة المحفوظة للقرآن الكريمواضحة جليّة في العهد النبوي، تتكامل شيئا فشيئا بتكامل نزوله، وتتحمّلها شريحة واسعة من أفراد امّة عرفت بالحفظ لمطوّلات القصائد الشعرية من سماع واحد، فلمّا انتهىنزول القرآن كان مجموعا على صورته النهائية في صدور الجمّ الغفير من الناس وعلى

رأسهم النبيّ الكريم، وكانت تلك الصورة هي الأصل الذي تمّ على أساسهما وقع بعد ذلك من جمع وتدوين.

ومع هذه الصورة المحفوظة فقد كان القرآن يُدوّن بالكتابة حال نزوله، حتى كان عند وفاة النبيّ مكتملا كلّه بالتدوين خلافا للشبهةالمدّعاة من أنّه أو بعضا منه دُوّن بعيد وفاة الرسول (ص) . وحينما تمّ جمع القرآن مكتوبا في عهد الخليفة الاول ثمّ في عهد الخليفة الثالث إنّما كان يُجمع من مدوّناتهلتتألّف منه صورة مكتوبة تطابق الصورة المحفوظة التي هي الأصل الحاصل مكتملا بيّنا، وذلك على سبيل في التحريّ والتوثيق، فلقد كان المكتوب يجمع إذن على أساس المحفوظبطريقة علمية عجيبة في الضبط والدقّة.

وما قيل من أنّ صورا أخرى من القرآن غير هذا الذي انتهى إلينا كانت قد ضاعت أو صودرت متمثّلة في مصاحف بعض الصحابة مثل مصحفعبدالله بن مسعود هو قول مردود؛ وذلك لأنّ ما كان عند بعض الصحابة من مصاحف شخصية كان مطابقا في صورته للمصحف الذي جمعه عثمان (رض) ، إلاّ أنّها ربّما قد تكون متشملة علىبعض الشروح والتعليقات الخاصّة بصاحب المصحف نفسه، فمنع عثمان لتلك المصاحف أن تُتداول كان تحوّطا لأن يحصل بمرور الأيّام توهّم لكون تلك الشروح داخلة ضمن النصّالقرآني، وإذا كان بعض أصحاب تلك المصاحف تشبّث أوّل الأمر بمصحفه، فذلك كان من باب الاعتزاز به، وإلاّ فإنّ الجميع انتهى بهم الأمر إلى الموافقة على المصحف العثماني،ولو رأوا فيه اختلافا عن مصاحفهم ما وافقوا عليه وسلّموا به.

والادّعاء بحصول تغيير في القرآن الكريم بتدوينه على ترتيب غير ترتيبه الزمني لا يخضع لأيّ أساسمنطقي هو ادّعاء مردود أيضا؛ وذلك لأنّ الترتيب التوقيفي للقرآن الذي هو مدوّن به الآن في المصحف كان ترتيبا مصاحبا لنزوله، فأيّما آية نزلت على النبيّ إلاّ أمر كتّابهأن يضعوها في مكانها التوقيفي

من سورتها ، فلمّا اكتمل النزول كان الترتيب التوقيفي مكتملا، وهو ترتيب يبلغ القمّة في المنطقية والتناسبوالترابط، بل هو أحد مظاهر الإعجاز القرآني، وذلك ما كان مناط بيان واف من المنطقية والتناسب والترابط، بل هو أحد مظاهر الإعجاز القرآني، وذلك ما كان مناط بيان واف منقبل كثير من العلماء والدارسين للقرآن الكريم يمكن أن يُراجع في مظانّه التي لو اطّلع عليها هؤلاء المؤوّلة ما أطلقوا هذا الحكم الخاطئ .

وبناء على هذا فإنّالصورة القرآنية المكتوبة متمثّلة في المصحف العثماني كانت مطابقة تمام المطابقة للصورة المحفوظة التي حملها الصحابة بالتواتر على النبيّ الكريم، دون أن تحدث فجوة بينالصورتين لا من حيث التاريخ فقد كانتا متلازمتين من أوّل نزول القرآن، ولا من حيث واقع الجمع، فقد كان هناك أصل ثابت هو المحفوظ جُمع المكتوب ليكون مطابقا له، فطابقهتمام المطابقة، سواء من حيث ذات المادّة القرآنية، أو من حيث ترتيبها آيات وسورا على النحو التوقيفي الذي عليه المصحف المتداول بين الناس، فهذا النصّ القرآني هو إذنموصول في سنده المتواتر من نزوله على النبيّ الكريم، إلى تبليغه إيّاه للناس ملفوظا، إلى جمعه مكتوبا، إلى تداوله بين الناس مصحفا سيّارا بين المسلمين قاطبة. وإنّماتسرّبت الشكوك في موثوقيته إلى هؤلاء المؤوّلة استناداً على شبه أسقطت عليه إسقاطا دون تثبّت، خاصّة وأنّهم ليس من بينهم من هو مختصّ ضليع في العلوم الإسلامية، ولعلّذلك وافق عندهم منازع من الهوى للتأويل بما يسمح بإسقاط الأفكار المسبقة على النصّ القرآني، وهو خلل منهجي قد يكون عند البعض غير مقصود، وقد يكون عند آخرين مقصودا.

إنّ اللغة التي نزل بها القرآن وصيغ بها الحديث الشريف هي لغة استقرّت عبر زمن طويل على قوانين وقواعد في الدلالة على المعاني لفظا ونظما، وهي بتلك

القوانين والقواعد تحمل المعاني الموضوعية من المنشئ إلى المتلقّي، إذ يحمّلها المنشئ وفقها مرادَه من المعاني، ويتطلّب المتلقّي تلك المعاني وفقها أيضا ، وذلك هومقتضى الصفة الرسالية في النصّ الديني، ولو كان الأمر كما يدّعيه التأويل اللغوي على النحو الذي وصفنا ما كان للبعد الرسالي في هذا النصّ معنى، إذ يكون دور اللغة هوإثارة ما في ذهن المتلقّي من المعاني بحكم تكوّنه الثقافي لا حمل رسالة من آمر إلى مأمور ومن ناه إلى منهيّ، فالقول بهذا التأويل اللغوي هو إذن يلغي البعد الرسالي فيالنصّ الديني، وهو جوهر هذا النصّ وغاية وجوده.

إنّ النتيجة التي انتهت إليها القراءة الجديدة للنصّ الديني بالفعل، والتي يمكن أن تنتهي إليها بتحكيم مبادئهاوأساليبها هي أنّها سينشأ منها دين يمكن أن يُسمّى بأيّ اسم سوى اسم الدين الإسلامي. وإذا كان من حقّ كل إنسان أن يختار الدين الذي يرتئيه حقّا، متحمّلا مسؤولية اختياره،فإنّه ليس من حقّ أيّ كان أن يبني له دينا ذاتيا ثمّ يدّعي أنّه هو المقصود بنصوص الوحي، دون التفات إلى مقتضيات تلك النصوص فيما بُنيت عليه من قوانين اللغة، وفيما وصفتمن الدين الذي تبتغيه، وفيما أرشدت إليه من منهجية في فهم ذلك المبتغى، وإنّما بعمل إسقاطي تُصنع فيه الأفكار خارج النصّ ثمّ تُقحم فيه إقحاما متعسّفا تأباه القواعدالمنهجية في البحث، كما تأباه القواعد الأخلاقية العامّة، وذلك ما نحسب أنّ القراءة الجديدة سقطت فيه.



* - مقال الدكتورعبدالمجيد النجار مقدم الى مؤتمر مجمع الفقه الاسلامي الدورة السادسة عشرة بالامارات العربية المتحدة - دبي - بتصرف.

1- نعني بالنصّ الديني في هذا البحث النصّ القرآنيونصّ الحديث النبوي.

2- راجع في ذلك: عبدالرحمن بدوي - مذاهب الإسلاميين: 789 وما بعدها.

3- راجع: البغدادي - الفرق بين الفرق: 380 .

4- نذكر من ذلك على سبيل المثال:محمود صدقي، الذي كتب مقالا بعنوان «الإسلام هو القرآن وحده» ونشر في مجلة المنار عدد: 9، سنة: 1906، وذهب فيه مذهبا تأويليا كان إرهاصا للقراءة الجديدة الظاهرة اليوم.

5-عرض تأويله بالأخصّ في كتابه: «مفهوم النص» و«النصّ، السلطة، الحقيقة: الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة».

6- راجع كتابه: الرسالة الثانية في الإسلام.

7- راجع كتاب: القرآن والذكر.

8- أهمّ آرائه في خصوص ما نحن بصدده ضمّنها كتابيه: لبنات، والاسلام بين الرسالة والتاريخ.

9- راجع كتاب: الاسلام والحرّية: الالتباسالتاريخي.

10- عرض آراءه في جملة من كتبه من أهمّها: الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، وقضايا في نقد العقل الديني، والفكر الإسلامي : قراءة نقدية. وتاريخية الفكر العربيالإسلامي ، والفكر الأصولي واستحالة التأصيل.

11- راجع جملة من هذه الأطاريح في قائمة المراجع لـ : عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ.

12- يُذكر في هذاالخصوص الصلة الوطيدة لمحمد أركون بالاستشراق الفرنسي خصوصا والأوروبي عموما، كما يُذكر صلة عبدالمجيد الشرفي بالدوائر الدينية المسيحية في إيطاليا على وجه الخصوص،وقد وجد نصر حامد أبو زيد ملاذا آمنا بالأقسام الاستشراقية في الجامعات الهولندية لمّا واجهته مشاكل في مصر بسبب آرائه في قراءة النصّ الديني. وممّا تجدر ملاحظته في هذاالصدد أنّ كتاب محمد الشرفي: الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي، أنجز ضمن مشروع يسمّي نفسه مشروع «الإسلام والإنسانية»، وهو مشروع عالمي مشبوه الأهداف، وقد نشربمساهمة القسم الثقافي للسفارة الفرنسية بالمغرب. كما تجدر ملاحظة أن كتاب عبدالمجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، قد أنجز خلال إقامة متفرّغة بمعهد الدراساتالمتقدّمة ببرلين كانت على حساب هذا المعهد.

13- يتميّز من بين هؤلاء جميعا عبدالمجيد الشرفي بكفاءته المنهجية العالية، وبأسلوبه العربي المتين، وبسعة اطّلاعه علىالتراث الإسلامي على وجه العموم، وهو لذلك يعتبر أكفأهم أيضا في نصرة هذه الوجهة التأويلية التي يلتقون عليها، وفي الترويج لها والدفاع عنها.

14- أركون - تاريخية الفكرالعربي الإسلامي : 146.

15- عبد المجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 159، وقد أشار الباحث في الهامش إلى أنّ الحديث حتى وإن كان متواترا فإنّ ذلك لا يفيد الصحّة،إذ التواتر لا يفيد اليقين، ولذلك فإنّ القوانين الوضعية الحديثة لم تجعل منه حجّة إثبات.

16- نفس المرجع: 176.

17- نصر حامد أبو زيد - النصّ، السلطة ، الحقيقة 17، وراجعفي ذات الفكرة: عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 93 ، 91.

18- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 42.

19- راجع: نفس المرجع: 137.

20- راجع:أركون - الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: 135، وراجع أيضا شرح المترجم في التعليق أدناه.

21- أركون - الفكر الإسلامي: 85، وراجع أيضا: الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: 41.

22- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 44.

23- عبد المجيد الشرفي - لبنان: 120.

24- راجع: أركون - الفكر الأصولي: 284، وهو يشير إلى مافعله عثمان رضي الله عنهمن إقرار المصحف الإمام، ومنع تداول غيره.

25- راجع: نفس المرجع: 135، وراجع أيضا لنفس المؤلّف: الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد: 90.

26- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بينالرسالة والتاريخ: 50.

27- نفس المرجع: 37.

28- عبد المجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 156، وراجع نفس الفكرة في: ص 85.

29- أركون - تاريخية الفكر العربيالإسلامي: 143.

30- من أقوال نصر حامد أبو زيد في هذا الشأن قوله: «لا اجتهاد في مجال العقيدة، هذا ما يعلنه الخطاب الديني متجاهلا أنّ العقائد تصوّرات مرتهنة بمستوىالوعي وبتطوّر مستوى المعرفة في كلّ عصر » (من كتاب: النصّ، السلطة، الحقيقة: 134).

31- أركون - الفكر الإسلامي، قراءة علمية: 20.

32- نصر حامد أبو زيد ت النصّ، السلطة،الحقيقة: 139. وراجع في ذات المعنى: ص 144. وممّا قاله محمد الشرفي في هذا الشأن بصدد تعليقه على حكم الإرث - الإسلام والحريّة، الالتباس التاريخي: 112: «قد كان صالحا في ذلكالعصر، بل كان مثار إعجاب أحيانا، ولكنّه ينبغي أن يُتجاوز اليوم، لأنّ الظروف قد تبدّلت بعيدا، والأحوال تغيّرت تغيّرا كبيرا».

33- نفس المرجع: 87.

34- نفس المرجع: 138.وممّا قاله المؤلّف في ذات المعنى - نفس المرجع: 98 «لم لم يتبنّ الصحابة والتابعون ثم الأجيال المتعاقبة السائرة على خطاهم سوى الحلول التي تتجلّى لنا اليوم منقوصة، غيرمرضية، إن لم نقل مزيّفة؟».

35- محمد الشرفي - الإسلام والتاريخ: الالتباس التاريخي: 64.

36- راجع نفس المرجع: 97.

37- راجع نفس المرجع: 111.

38- راجع: عبدالمجيد الشرفي- الاسلام بين الرسالة والتاريخ: 99، 151، 150. وراجع شواهد كثيرة على كون الفقهاء قرّروا الوجه الخاطئ من الدين وتركوا الوجه الحقّ منه في: محمد الشرفي - الإسلام والحرّية: 81،86. وعبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 106 وما بعدها، 148، 158.

39- عبد المجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 93. وقد خصّص المؤلّف كلّ كتابه هذا لشرحهذا المعنى، واختار له عنوانا يعكس محتواه، إذ يوحي بأنّ الإسلام الذي هو رسالة جاء بها النبيّ ليس هو الاسلام الذي تحقق في التاريخ. ولنفس هذا الغرض ألّف محمد الشرفيكتابه: الإسلام والحرّية، الالتباس التاريخي، وهو عنوان يوحي بنفس المعنى.

40- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 61.

41- أركون - الفكر الأصولي: 30.

42- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 85.

43- نفس المرجع: 62 - 63.

44- إنّ هذا التأويل القائم على تاريخية الأحكام الدينية يمثّل قدرا مشتركا بين جميع منينتمي إلى المؤوّلة الجدد، وإن ببعض الاختلاف في التفاصيل.

45- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 61.

46- نفس المرجع: 62. وراجع للكاتب فيما يتعلّقبعبادة الصوم مؤوَّلة بنفس المنهج - لبنان : 165 ومابعدها.

47- راجع تقرير هذه الفكرة الفلسفية اللغوية وشرحها في: نصر حامد أبو زيد - النصّ، السلطة، الحقيقة: 80 وما بعدها.

48- نص حامد أبو زيد: النص: السلطة، الحقيقة: 33.

49- نفس المرجع: 86.

50- محمد الشرفي - الإسلام والحرية - الالتباس التاريخي: 138.

51- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بينالرسالة والتاريخ: 70.

52- راجع قراءة عبدالمجيد الشرفي لأحكام العبادات في: الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 59 ومابعدها، وفي : لبنات: 165 ومل بعدها.

53- قال محمد الشرفي -الإسلام والحرية: 145: «لئن كان لكلّ من محمد الطالبي ومحمود محمد طه طريقته في التفكير فإنّهما يشتركان في الدعوة إلى تعويض تشريع ديني بتشريع ديني آخر، وهو مالا نوافقهماعليه»، ولكنّه في الفقرة التي تلي هذا القول ينقض المؤلّف رأيه هذا، ويؤسّس فعلا لشريعة جديدة.

54- عنون محمود محمد طه كتابه الذي شرح فيه فهمه الجديد للدين بـ «الرسالةالثانية في الإسلام»، وتردّد عند عبدالمجيد الشرفي مصطلح «الوجه الثاني للرسالة»، وممّا قاله في ذلك - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 87: «يتعيّن الرجوع إلى وجه الرسالةالثانية، ذلك الذي طمسه التاريخ، وأنكر طاقاته الإبداعية، فلم يتعوّد المسلمون كشفه والتنقيب عن خفاياه وأسراره ودلالاته، ولم يتفطّنوا في الأغلب حتى إلى وجوده ذاته».

55- نصر حامد أبو زيد - النصّ، السلطة، الحقيقة: 134.

56- راجع: نصر حامد أبو زيد - النصّ، السلطة، الحقيقة: 135.

57- راجع: محمد الشرفي - الإسلام والحرية، الالتباسالتاريخي: 89.

58- راجع: عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 82 ومابعدها، والإسلام والحداثة: 153 ومابعدها.

59- راجع شرحا وافيا لهذه المعاني المعلّقةبالعبادات في: عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 59 ومابعدها، وممّا قاله في ذلك متعلّقا بالصلاة ص 63: «إنّ أصنافا أخرى من الناس ممّن أعرضوا عن الصلاة، أويعيشون تمزّقا بين الواقع والمنشود، ألا يحقّ لها أن تكون وفيّة لما يأمرها به دينها من دون الالتزام بما قرّره السلف في هذا الشأن بكلّ تفاصيله»، وممّا قاله أيضا فيمايتعلّق بعموم العبادات وبالصلاة على وجه الخصوص، ص : 62: «تكفي نظرة سريعة على ماعجّت به الموسوعات الفقهية في كلّ المذاهب لإدراك البون الشاسع بين التفاصيل المدرجة فيهامن جهة، ومجرّد حثّ القرآن على إقامة الصلاة من جهة أخرى. ورغم ذلك فلا تتعلّق تلك التفاصيل إلاّ بما يمكن القيام به في صنف واحد من المجتمعات زال الآن أو هو في طريقالزوال، من حيث طرق العيش وأنماط الإنتاج التي يتميّز بها».

60- ممّا قاله محمد الشرفي في ذلك - الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي: 85 «يتحتّم حصر معنى الزنا فيالعلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أحدهما متزوّج، لأنّ هذه العلاقة فقط يمكن اعتبارها جناية»، وعلى ذلك فإنّ العلاقة الجنسية بين الخطيبين مثلا لا تعتبر زنىً بل هي أقربإلى السلوك الإنساني العادي (ص116).

61- راجع تفاصيل ذلك في: محمد عبدالله دراز - النبأ العظيم » 15.

62- عبدالمجيد الشرفي - الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 176.

63- راجعفي هذه المسألة: محمد عجاج الخطيب - المختصر الوجيز في علوم الحديث: 65 ومابعدها.

64- راجع في ذلك: محمد عبدالله دراز - النبأ العظيم: 21.

65- راجع شبه المستشرقين فيمايتعلّق بالقرآن في : محمد حسين علي - المستشرقون والدراسات القرآنية. ودائرة المعارف الإسلامية، مادّة (القرآن).

66- راجع الردّ على هذه الشبهة بالتفصيل في كتابنا:القرآن الكريم: 61.

67- راجع روايات كثيرة في هذا الشأن في: السيوطي - الإتقان: 1/60 وما بعدها.

68- يمكن الرجوع في ذلك مثلاً إلى: أبو جعفر بن الزبير في كتابه: البرهان فيمناسبة ترتيب القرآن، وأبو بكر النيسابوري والسيوطي في كتاب: أسرار التنزيل، وكتاب تناسق الدرر في تناسب السور. ويمكن أن يراجع في هذا الموضوع: الزركشي - البرهان: 1/34،والسيوطي - الإتقان: 2/108.

69- راجع: الشاطبي - الموافقات: 2/50، حيث يبيّن كيف أنّ الناظر في القرآن والحديث ينبغي أن ينظر فيهما بحسب مقتضيات اللغة العربية كما كانت عندنزول الوحي.

/ 1