دعوة الى العلماء والمفكرين
الدكتور صالح عضيمه هذا باب جديد نفتحه في المجلّة لحديث الصدورالمتلهفة لأن تنفث ما فيها .. شرط أن تكون نفثة مخلصة صادقة تحمل همّ رسالة التقريب. ولكن لا شأن للمجلة فيما يطرح الكاتب فيها من تفاصيل وآراء واقتراحات ، ومن حقّ القارئعلينا أن ننشر رأيه وتعليقه على هذا الباب. وهذه الدعوة الى العلماء والمفكرين يوجهها باحث عربي يدرّس في الجامعات الفرنسية، ونأمل من نشرها أن نفتح صفحة من الحوارالجادّ الصريح البنّاء.
من بين البلدان الاسلامية كلّها، يظلُّ العلماء في إيران وحدهم هم القادرين على أن يفعلوا ما يقولون وينجزوا ما يَعِدون.وذلك لأنّهم يحكمون أنفسهم، ويحكمون شعبهم بأنفسهم، ولأنّهم سادة على أرضهم، ثم لأنّهم علماءُ حقّاً، اتّخذوا من العلم سبيلاً لقيام الثورة، وصنعوا من الفقه والحكمةأداةً لتسيير الاُمور وتيسيرها بعد الثورة. والعلماءُ في إيران وحدهم، هم الذين امتنعوا على السياسة أن يُصبحوا مطيَّة لها، فخدعوها بالصبر عليها، وعالجوها بالترويض،حتى أصبحت هي المطيّة الذلول. زمامُها بين أيديهم وصهوتُها تحت اختيارهم. صحيح أنَّها تكبو بهم في بعض المواقف، ولكن سرعان ما تنهض وتسير. وصحيح أنهم يسقطون عن صهوتها فيبعض الأوقات، لكنّهم يعودون إليها بكياسة ومهارة.
ولا مبالغةَ في قولي هذا ولا احتيال فيه لتحقيق رغبة، فقد عُرِفتُ بنقدي لهم،
ومواجهتيإيّاهم، بمالم يكن يُرضيهم، في مواقف مشهورةولا حاجة لي بالمبالغة والاحتيال في أقوالي عنهم ولهم، وأنا الذي خبرتُهم حقَّ الخبرة وعرفتُهم حقَّ المعرفة، منذ صحبتيالقويّة للقائد الراحل الإمام روح اللّه الموسوي الخميني، فقد رأيتهم من حوله كيف كانوا يتسابقون ويتدافعون للتضحية، ولا سبب لذلك إلا لأنهم علماء، ولا غاية لهم إلا أنيكونوا أوفياء للعلم، اُمناء على رسالته، وأتمنّى عليهم أن يظلّوا الأوفياء الاُمناء.
وهؤلاء العلماء، في جمهورية إيران الاسلامية - الذين إذا تكلّموافعلوا، وإذا فعلوا أثّروا لأنهم الحاكمون وولاة الأمر - لولا أنّهم بذلوا كثيراً وضحّوا كثيراً، لما انتقلت ولاية الأمر إليهم، ولما أذعن الحكم بين أيديهم. فقد أصبحوااليوم، إذا تكلّموا عن الحرب فعندهم القدرة على الحرب، وإذا تكلّموا عن السلم فهم أهل للسلم، واذا هم وعدوا بأنّهم سينصرون الاسلام وأهله في كلّ مكان، وسيخذلون الكفروأهله في كلّ مكان، فإنّهم يبرّون بوعودهم، ولا يجدون حرجاً ممّا يفعلون، ولا يأبهون لعائق يعوق ولا لعدوّ يتربّص. أمّا العلماء المسلمون في الأقطار الاسلامية الاُخرى،فليسوا هنا، ولا هم يُقرّون إلى إخوانهم في ايران، ولا يستطيعون أن يكونوا مثلهم يفعلون ما يقولون، إلا إذا صاروا مثلهم حاكمين وقبضوا على ولاية الأمر، وأصبح لهم النهيوالأمر.
نحن الآن لا نشكُّ في أقوالهم إذا قالوا، ولا نشكّك في نواياهم إذا همّوا، ونكنّ لهم كل تكريم وتجليل. ولكنّنا نشكُّ كل الشك في أن تسمح لهم السياسة،في أقطارهم، أن يقولوا مالا يرضيها، وأن يفعلوا ما يغضبها. إنها تسمح لهم أن يقولوا ما يشاؤون ويفعلوا ما يريدون، ماداموا لا يشكّلون خطراً، لاعليها ولا على مصالحها.وهذه السياسة، إذا هي خضعت للبحث والدراسة، ونزلت تحت حكم الخبرة والاختبار من هؤلاء العلماء، فإنّها تظهر متّهمة مرفوضة، لا تُمثّل شعباً، ولا تعبر عن طموحات اُمّة،ولا تعدو أن تكون وسيلة مسخّرة لتأريث التفرقة بين العرب والمسلمين، ونشر أسباب التخلّف والانحطاط في أوساطهم، كما لا يعدو هؤلاء القائمون على أمرها أن يكونوا عبداناًمأجورين بثمن بخس لأعداء الاسلام والمسلمين.
ونحن لا يدخل الى أذهاننا شكُّ في أنّ هؤلاء العلماء يفهمون جيّداً هذه السياسة المسلّطة على أعناق المسلمينوقلوبهم، ويعرفون جيّداً هؤلاء السياسيين الذين يعتنقونها وينزلون عند أمرها ويُخلصون في خدمتها. فكيف يصنعون بأقوالهم، إذا قالوا في المؤتمرات والندوات الاسلامية،إنّهم عازمون على حماية حوزة الاسلام مهما كانت التضحيات، وإنّهم جادّون في إعادة الحقوق المسلوبة إلى أهلها المسلمين المستضعفين، وإنهم لن يهدأوا ولن يتوقّفوا، حتىتعود كلمة الذين آمنوا هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وإنهم يضعون أنفسهم وأحوالهم وقدراتهم كلّها في يد كل مشروع من شأنه أن يضرب أعداء الاسلام ويذلّهم، ويرفعراية أهله ويُعزّ محبيه ونُصراءَه؟!
أقول: كيف سيصنعون بهذه الأقوال وباُخرى مثلها من الوعود، وهم تحت لواء ألدّ أعداء الاسلام، أعني تلك السياسة التي تقوداُمور بلدانهم، وفي أحضان أشرس خصماء المسلمين الذين هم حكّامهم وولاة اُمورهم؟ حاشا للّه أن نقول: إنهم يختانون أنفسهم، وإنّهم يخادعون ويتظاهرون، أو إنهم ينوون أنيكتفوا بظاهر من القول! ولكننا نقول: إن ما يظهرون من أقوال طيّبة وما يخفون من نوايا طيّبة، ستظلُّ كلّها حبيسة هذه السياسة وهؤلاء السياسيين، ولن يسمحوا لشيء منها أنيخرج من حبسه، إلا إذا كان يتّفق مع أغراضهم ومصالحهم، أو إذا كان لا يولّد أدنى خطر على أحلامهم ومطامعهم! وهكذا تضيع الأقوال في الرياح، وتختنق النوايا في صدورأصحابها، فلا تعرف إلى الظهور سبيلا.
نعم، وجدنا من هؤلاء العلماء الأجلاء، من يقول، إنَّه لا يتدخّلُ في السياسة العليا لبلاده، ولا يريد أن يكون له دور فيهذه المسألة، ورفاقه يعملون في نشر الاسلام وتوسعته على هواهم وبملء حرّيتهم، ولا يجدون من السلطة إلا الترحيب والتشجيع، وهذا عندهم هو الطريق الأقوم والرأي الأصوب.ووجدنا من هؤلاء العلماء من يحمد سياسة بلاده ويدعو لها ويغتبط كلّ الاغتباط في أن يعيش تحت رايتها، وأن يكون ممثّلاً لها في المؤتمرات والندوات، وأن الدين تُفسدهالسياسة ويصلحه البعد عنها، ويرى أن للسياسة أربابها وأنّ للإسلام أربابه، ولا ينبغي لأحد
من الفريقين أن يتدخل في شؤون الآخر، ولا أن يتعدّى حدوده إلى مملكةغيره وممتلكاته، ويعتقد بأنه ليس هناك من حاجة لإعلان الخصومة والحرب على السياسة والسياسيين في بلاده، من أجل خدمة الاسلام ورفع شأنه، وعنده أن ذلك هو الفتنة والتخريبأو السعي الى الفتنة والتخريب.
ويتأوّل هذا الصنف الكريم من العلماء آيات من الذكر الحكيم لإثبات صواب رأيه، ويُدلي بطائفة من السنُّة النبويّة المطهّرة،تُحرّض كلُّها على السمع والطاعة للحاكم القائم، ويُصرّح بوضوح فيها بأنّ إطاعة السلطة الحاكمة مقرونة إلى طاعة اللّه ورسوله، وأنّ الخروج عليها هو خروج على اللّهورسوله. واذا أضفنا الى هذه الآيات المتأوّلة والمتون النبوية هذا التاريخ الطويل، الذي كانت السلطة الحاكمة فيه تحظى دائماً بتأييد طبقة رجال الدين، أو قل بتسخيرهالبسط سيطرتها وهيبتها في الجموع والنفوس، عرفنا أنّ هذا الصنف من العلماء قد أوى الى ملجأ أمين وحصن حصين، يلتف حولهم فيه جمهور كبير من المسلمين، يصبح من العسير معهإخراجهم منه، ويظلُّ أعسر منه مجابهتهم فيه أو هدمه عليهم.
فلابدّ لنا، ولمن أدركته اليقظة من العلماء في الأقطار الاسلامية وانكشف الحقّ أمامه، من محاورةهؤلاء المتأوّلين ومجادلتهم بالتي هي أحسنُ، إشفاقاً على المسلمين من اتّساع نار الفتنة بينهم وازدياد التصدّع في بنيانهم وصفوفهم، فكفى ماهم فيه من الفتن ومن التمزّقوالتشرذم ومن يدري؟ فلعلّ اللّه يخلق في أنفسهم، أثناء الحوار والتذكير أو بعدهما ، استجابة لصوت الحق وانقياداً لأمر الحقيقة.
ونقول لهؤلاء ولمن يمشي خلفهمويشدّ معهم: إنّ مفهوم السلطة في الاسلام يعني القدرة على حمل المسؤولية في تسيير الاُمور ورعاية مصالح الناس، وينبغي أن تتصف بأنّها مخلصة في الرعاية وفيّة في حفظالأمانة، عادلة في توزيع المصالح والحقوق، قادرة على توطيد الأمن والدفاع عن البلاد. ولا يرضى الاسلام أن يتّصف الحاكم المسلم بالتسلّط والاستبداد، ولا أن ينفردبالسلطة ويستأثر بأسباب الحكم، بأيّ وجه ظهر وبأيّ لباس استتر، ولا يرضى بالفساد صغيره وكبيره، ولا يرضى بالتخبط والفوضى، ولا يرضى بالثراء الفاحش، ولا يرضى بكلّ مايتصل بهذه
الأوصاف من أسباب، قريبة كانت أو بعيدة. وهذا مالا يختلف عليه علماء المسلمين وعوامّهم.
وإذا وجد هذا الصنف من العلماء، أنّ السلطات التييعيشون تحت رايتها هي محميّة بالنصوص الدينية المقدّسة، وأنهم أقوياء في الدفاع عنها، نقول لهم بكلّ لطف وطيب خاطر: هاتوا ما عندكم، فكلّما أتيتم بآية مؤوّلة أومتأوّلة، تحمي هذه السلطات وتمكّنها، نأتيكم بعشرين آية واضحة، لا محلّ للتأويل فيها، تُلغي هذه السلطات وتقتلعها، وكلّما جئتم بحديث نبويّ طاهر شريف، نأتيكم بخمسينحديث أو بمئة، وكلّها ترجم هذه السلطات وتقتلها. وكلّما أدليتم لنا بأثر أو قصّة أو واقعة، في مراحل الاسلام ومراحل الحياة كلّها قبل الاسلام أيضاً، ندلي لكم بمائة أثروقصة وواقعة ، ليس فيها إلا رفض هذه السلطات وإبعادها. فماذا تريدون بعد ذلك؟ إذا كنتم تريدون وجه اللّه، فهذه الساحات أمامكم، فتقدّموا واختاروا الطريقإليه، إنّه أقربُ اليكم من أنفسكم. وإن كنتم تريدون نعيم السلطان، فاذهبوا إليه، فمتعة عابرةٌ تعقبها غصّةٌ دائمة.
ونقول لهذا الصنف من العلماء: إنّ اُمورالناس هي أمانة في أعناق العلماء، وليست في أعناق الجهلاء والشطّار والخبثاء، وهي ملك لهم، لا يجوز لهم التنازل عنها، ولا التهاون بها، وهي الخلافة الالهية التي لايستحق أحد على الأرض أن يتقلّدها إلا العلماء، واذا هي وجدت فى يد أحد من الناس سواهم، فلأنّهم أهملوها وعافوها، واستعاضوا عنها بالهيّن الرخيص . فلماذا يتهاون السادةالعلماء بهذا الحقّ الذي اختصهم اللّه به، وبه فضّلهم على غيرهم من البشر، وجعلهم أئمة وقادة لهم؟! فإذا كانوا يخافون من السلطة وغضبها، فاللّه أحق أن يخافوه ويخافواغضبه وعقابه، وإذا كانوا يخافون من الحرمان والتعذيب والنكال، فإن ما يلاقونه بينهم من حسد وتباغض، وماقد يلاقونه من أبنائهم وإخوانهم وأقربائهم من الأذى والسطو، ليسبأهون من الحرمان والتعذيب والنكال، ثم لا يحسبون أنفسهم أنّهم بمنأى عن المصائب والأمراض أو عن تربّص السلطة نفسها وأذاها.
واذا استعان هذا الصنف من العلماءبحجّة اُخرى، نسمعها من بعضهم ونقرؤها
عن بعضهم الآخر،وهي قولهم: إنّ السكوت عن السلطان الحاكم الظالم وترك أمره الى اللّه، هو إخماد فتنة، وإن القيام ضدّه هوإشعال فتنة لا تبقي نارها ولا تذر، هي حجّة غير خافية على أحد، وهي واهية، ومن لا يعرف أن الفساد الذي يتولّد عن السلطان وجنوده وأعوانه وأذياله، تأتي شروره وأضراره أشدّوأقوى بكثير من الشرور والأضرار التي تتولّد عن قيام العلماء في وجه هذا السلطان الفاسد الظالم؟! فقتل الأبرياء، وجلد الأوفياء، وإهدار حقوق الشعب، والتهاون بالقيم،وتبذير الثروات والخيرات، والاستهانة بدين اللّه وشرعه، والتعدّي على الحرمات، هذه هي بعض أضرار السلطان الظالم وبعض شروره، فأين منها أضرار مجابهته والقيام عليه؟إنها لا تكاد تقف إلى جانبها في حجمها ونوعها ومدى الآثار السيئة التي تخلّفه على البشر والأرض. واذا قبلنا مع هذا الصنف من العلماء بالسكوت على الحاكم الظالم، خوفاً منالفتنة وإشفاقاً على الناس، فكيف نقبل بالمفاسد التي تختال أمامنا في كلّ مكان، وبالتعاون مع أبالسة السياسة أعداء اللّه وأعداء عهد اللّه؟ أحكي لكم، أنّالمقرّبين من الإمام الخميني كانوا يقولون له أيام منفاه: إن هيئة العلماء في بلد من البلدان العربية، أصدرت بياناً تستنكر فيه الأعمال الهمجية التي اقترفها العدوالغاصب في فلسطين. فكان يبتسم، ويقول لهم: لقد أتعبوا أنفسهم، ولم يجنوا غير التعب ! لماذا لا ينهضون في وجه السلطان الظالم، والحاكم القائم عليهم بالقمع والجبروت،ويصبحون هم ولاة الأمر، ويستنفرون شعبهم وطاقاته للهجوم على العدوّ والدخول ضده في حرب حتى يأذن اللّه لهم بالنصر. إن بلداً واحداً من هذه البلدان المجاورة للعدوّالغاصب، إذا أعد شعبه وجهّزه، فإنّه سيعود وحده قادراً على دحر المغتصب الظالم واسترداد ما اغتصبه منه. نحن لا نُحبّ أن نكتفي بالبيانات، فانظرونا حتى نقتلع الشاهالخبيث وتصير ولاية الأمر الينا، فعند ذلك سترون منّا مالا تتوقعونه. وصدق - رحمه اللّه رحمة واسعة - فلقد رأينا ورأينا ولا نزال نرى كلّ يوم ما يغني عن السمع وعن القولمعاً.
ولماذا الخوف من الحاكم الظالم؟ وما الذي فيه غير ظلمه وعنفه وجبروته حتى يبعث في نفوسنا الخوف؟ إن أدواته وأساليبه في الحكم وأخلاقه ونزواته لا تساوى
شيئاً في جنب الشيطان وكيده، واللّه يقول فيه: (... إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا)(1)فكيف لا نفهم من هذا القول، أنّ اللّه يوقظ الانسان من غفلته، ويلقي في قلبه الشجاعةوالأمل لمقاومة الشيطان وجنوده؟ وكيف لا ندري أنه يزوّده بسلاح جديد، حين يكشف له عن عدوّه الشيطان؟ ومن لا يعلم أن الضعف في العدوّ هو سلاح لابدّ أن ينقلب عليه متى انكشفللطرف الآخر الذي يغالبه ويحاربه؟
ونحن لا نختلف، في أنّ البلاد وشعبها وأرضها هي أمانة في عنق الحاكم، وهي أيضا أمانة في أعناق العلماء وزناً بوزن وحبّةبحبّة كما يقولون، فإذا انحرف الحاكم وتطاول واستبد، فقد بقي الخير والأمل في العلماء ماداموا لم يطاوعوه ولم يقبلوا سيرته في الحكم وتدبيره الأحوال والاُمور. أما إذاانضموا إليه وأيّدوه، فيما يقول ويفعل بفتوى تعتمد نصاً مزوّراً، أو بحجّة تقوم على نصّ متأول، دفعاً للفتنة أو ركوناً إلى السكوت والصبر، فإنّ ما سيعانيه الشعب منعواقب ذلك يأتي أشدّ من ألف فتنة وأمرّ من ألف صبر. وهل هذه العواقب إلا الضعف والفساد والفقر والتخلف والانحلال وأمثالها من المبيدات والمدمّرات، وقد سبق ذكرها؟!
ومن للشعب في عسره ويسره الا علماؤه وقادة الفكر فيه؟ إنهم إذا انسدّت الدنيا في وجهه، وأظلمت عليه الحياة، يصيرون له النوافذ التي تحمل إليه النسائم وتأتيه بالضياء.وإذا خانه حُكّامه وخانوا بمواعيدهم وانقلبوا عليه، فإنّ العلماء وأرباب الفكر، ينقلبون آنذاك إلى وقود يدخل الى النفوس فيوهجها ويخلق فيها الحركة والتوثّب، ويتحوّلونإلى أشعة كاشفة، تهدي الى الطريق اللاحب القويم. وليس الوقود إلا التضحيات وليست الأشعّة إلا أقوال الحق وأفعال الحق . ولولا أمثال هؤلاء العلماء وقادة الفكر لتأخّرتطوّر البشرية أحقاباً طويلة، ولابتليت الشعوب بالعقم، والحياة بالقحط، وأصبح انقطاع العيش خيراً من استمراره.
وربّما اتّفق لهؤلاء العلماء الذين يتعايشونمع الحاكم الظالم، أن يجدوا ملجأً آخر حصيناً يهربون إليه، وهو حُجّتهم بأنّ عملهم ينحصر في الوعظ والإرشاد
1- النساء / 76 .