فأمسك عكازه، وبدأ ينظر من خلال نظارته
إلى رفاقه الذين يتراشقون بالماء،
والابتسامة لا تفارق فمه.
جبّ الفئران
في صباحٍ ربيعي جميل، خرج يوسف إلى باحةالدّار، ليلعب بطابته الملوّنة.
كانت شجرة اللّوز مليئة بالزّهور
البيضاء، كأنّها ندف الثّلج. فتح ذراعيه،
أخذ نفساً عميقاً، قال:
-اللّه.. ما أنعش هذا الهواء!
نظر حولـه، شاهد قطه.. "هرهور" يلعب
بالطّابة، فضحك وقال:
-ما رأيك يا "هرهور" أن نلعب معاً؟
-مياوو.. صاح "هرهور" بسرور..
ركض يوسف إلى الطّابة وركلها، فلحقها
"هرهور" بخفّة لكنّه لم يستطع إيقافها،
لأنّها تدحرجت إلى القبو، واختفت.
خاف يوسف، وظنّ أن الفئران ستأكل طابته.
اقترب "هرهور" منه، نظر إليه، كأنّه يسأله:
-ما بك يا يوسف، لماذا لا تنزل وتحضر
الطّابة؟
قرفص يوسف، مسح على رأسه بلطف، قال:
-أنا أخاف النّزول، لأنّ جدتي تقول إنّه
يوجد بداخله جبّ مليء بالفئران، وأخشى أن
نحبس فيه، فتقرطم الفئران آذاننا.
انزعج "هرهور" عندما سمح كلمة فئران، فنطّ
غاضباً متوجّهاً إلى مدخل القبو.
تشجّع يوسف، عندما تذكّر أن الفئران تخاف
القطط فهبط درج القبو ممسكاً بالدّرابزين
الحديدي المشغّل، وعندما وصل إلى الباب،
أمسك طابته، وقبل أن يصعد، أنصت قليلاً
ليسمع صوت الفئران، لكنّه لم يسمع شيئاً.
كانت حبّات العرق البارد، تسيل على
خدّيه، تنفّس بعمق قال:
-سأدخل إلى جبّ الفئران، وأدعسها بحذائي،
هيّا يا هرهور.
فتح الباب بهدوء، كي لا يصدر صريراً، وما
أن دخل وأشعل المصباح، حتّى فوجئ بأكياس
ومرطبانات كثيرة.
وضع الكرة على الأرض، نظر إلى "هرهور"،
قال:-لنبحث عن الفئران يا "هرهور" لقد اختبأت
عندما سمعت صوت أقدامنا على الدّرج.
فتح أحد الأكياس، وجده مملوءاً بالأرز،
اقترب من المرطبانات، كانت تحوي ربّ
البندورة، والجبن، والمربى.
غمرت السّعادة قلبه، جلس قبالة مرطبان
المربّى، فتحه وبدأ يلحس بإصبعه، ويتلمّظ.
بينما راح "هرهور"، يلعب بالطّابة.
سمع يوسف صوت أقدام، إنّها تقترب، تنزل
الدّرج. فجأة.. ظهرت أمّه، وعلامات الغضب
مرسومة على وجهها. قالت الأم بنبرة حادّة:
-ماذا تفعل هنا أيّها الشّقي؟
ارتبك يوسف، لكنّه تشجّع، وقال:
-كنت أريد أن أدعس الفئران الّتي تهددني
بها جدّتي.
ابتسمت الأم، اقتربت من صغيرها، مسحت على
شعره ، قالت:
-جدتك تمزح معك، لأنّها تعرف أنّك بطل،
والأبطال لا تخاف الفئران.
رسالة من المرّيخ
في أحد الأيّام، وبينما كانت الأرض تدور
حول أمّها الشّمس لمحت ساعي البريد يقترب
منها، ممتطياً شهاباً أبيض.
خفق قلب الأرض فرحاً، ارتفع موجها،
واهتزّت قبّعات الثلج البيضاء على رؤوس
جبالها.
فتح ساعي البريد حقيبته النجميّة، أخرج
مظروفاً عليه طابع هلالي الشّكل، أعطاه
للأرض، ثمّ غاب كلمح البصر.
فتحت الأرض المظروف، أخرجت الرّسالة،
وبدأت تقرأ:
-صديقتي الأرض، تحيّة نور وجمال.
كيف حال سهولك ووديانك، جبالك ومحيطاتك،
أرجو أن تبقي أميرة الكواكب.
صديقتي
البارحة.. قرّرنا، نحن أبناء المجموعة
الشّمسيّة، أن نقيم على سطحي مهرجان حبّ
وتعارف، بمناسبة رأس السّنة الضّوئية،
أرجو أن ترسلي مبعوثك غداً، أشكرك، دامت
خضرتك.
التّوقيع: صديقك المرّيخ.
حكّت الأرض رأسها الجبلي، تأمّلت الفضاء
بعيونها الزرقاء الواسعة وراحت تبحث عن
مبعوث ترسله إلى المهرجان.
في اليوم التّالي، بدأ مبعوثو المجموعة
الشّمسيّة يصلون إلى سطح المرّيخ.
كان مبعوث عطارد أول القادمين، تبعه
مبعوث الزّهرة، فالمشتري، زحل، أورانوس،
نبتون، أمّا مبعوث بلوتو فقد وصل آخرهم
لبعد كوكبه عن الشّمس.
جلس المدعوون، على مقاعد مصنوعة من
الأحجار اللاّمعة ينتظرون بفارغ الصّبر
وصول مبعوث الأرض.
قال ممثّل المرّيخ، وهو راعي المهرجان:
-ترى.. من سترسل لنا الأرض، ليشاركنا
مهرجان حبّنا؟
أجاب مبعوث بلوتو:
-ربّما تبعث لنا طائراً جميلاً، ليطربنا