بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
العرض المسرحي - مكتوباً قبل أن يكون معروضاً - إلى فصلين.والمسرحية ذات الفصلين تحقق ما تحققه المسرحية ذات الفصول الثلاثة لكن بإيجاز.فهي تتيح كمية وافرة من الحوار والأفعال.وتسمح للعرض المسرحي أن يحتشد بالمثيرات الجمالية والفكرية دون أن تأخذ كثيراً من الوقت، خاصة وأن التلفزيون لم يكن قد احتل المكانة الأولى عند الناس.وتحقق (الدردشة) بين الفصلين.أي أنها تلبي تلك الرغبة الإنسانية في التقاء الإنسان بغيره من الناس في شيء من الحميمية لم يكن الشعور الداخلي بالعزلة قد قضى عليها.وعلى أسلوب الفصلين بدأت المسرحية تسير في العالم وفي الوطن العربي في الثلث الأخير من القرن العشرين.وكلنا يعرف أن المسرحية العربية في سبعينات وثمانينات القرن العشرين كانت (سهرة مقبولة).وهذه السهرة ذات وقت معتدل الطول يتحول فيه العرض المسرحي إلى احتفال اجتماعي براق.إن المسرحية ذات الفصلين هي الاختصار الأخير لمسرحية الفصول الخمسة.فهي تتيح للكاتب أن يحشد ما يشاء من الشخصيات، وأن يستوفي لها تكوينَها بالحوار والفعل، وأن يتلكأ العرضُ المسرحي بإضافة ما يعدُّه أماليحَ الحياة دون إحساس بضرورة الاختصار الشديد.فالعرض المسرحي مستريح الزمن.والمتلقي مستريح الذهن لا يسوطه الذهاب إلى البيت في وقت مبكر.ومن هنا كانت العروض المسرحية العربية - كمثيلاتها من العروض في العالم - تحفل بالشخصيات كما تحفل بالحوار.وتحتشد بالأشكال الاحتفالية التي يقوم فيها الممثلون بكامل الفعل والقول.لكن المسرحية - في العالم وفي الوطن العربي - بدأت تسير في طريق جديدة منذ بداية تسعينات القرن العشرين.فهي فصل واحد فقط.وهو فصل موجز شديد الإيجاز.وهو متوجه إلى إنسان يشعر بالعزلة الداخلية فلم يعد يهتم باللقاء الاجتماعي مع غيره من الناس إلا في الحدود الدنيا.فيكفي تبادل التحية عند الدخول إلى المسرح.ولا بأس من عدم تبادل التحية عند الخروج منه.ويكفي أن يكون العرض المسرحي ساعة أو أقل.أ لا ترى الداخلين إلى المسرح يسألون: ما هي مدة العرض؟ فإن قيل إنه ساعة استبشر الداخلون خيراً.وإن قيل: أكثرُ من ساعة شعروا بشيء من الامتعاض.فالوقت عندهم ثمين.وفي التلفزيون مسلسل يتابعونه ولا يريدون أن يفوتهم.وفي المحطة الفلانية سهرة مع عرض أزياء.وفي المحطة الأخرى لقاء سياسي.وفي تلك المحطة فيلم رعب وهكذا.لكن الشيء الأخطر من هذا كله أن الناس لم يعودوا يذهبون إلى المسرح لمشاهدة حياتهم وقضاياهم الاجتماعية والسياسية.ولم يعودوا راغبين في مناقشتها بعد حالة اليأس النفسي الذي وصلوا إليه.فهم يطلبون من المسرح عرضاً لطيفاً سريعاً خالياً من الهموم إلا في الحد الأدنى.والعرض المسرحي ذو الفصل الواحد قد لا يستطيع أن يحتشد بالشخصيات الكثيرة، ولا أن يكثر فيه الحوار.ولا يستطيع أن يحشد أشكالاً احتفالية.فهو عرض موجز سريع.ومطلوب منه أن يقدم جمالياتٍ تغري المتفرج بمشاهدته.وإذا به يستغني عن المغريات الإنسانية بالحوار والفعل الإنساني.ويركبُ الجماليات الصناعية التي صارت السينوغرافيا معها بديلاً عن الحوار وعمق تحليل الشخصيات.وفوق هذا كله، توجَّب على العرض المسرحي أن يكون مغسولاً من معالجة الأمور الاجتماعية والسياسية الخطيرة للأمة العربية حتى لا يتعرض المسرحيون للقيل والقال والسؤال والجواب.فيكفي أن يقدموا حالة إنسانية ما وكفى الله المؤمنين شر القتال.إن المسرحية ذات الفصل الوحيد نوع جديد في التأليف المسرحي لا يزيد عمره عن قرن.فقد ظهرت في القرن التاسع عشر.وكان تقديمها خاصاً واستثنائياً.(والمادة الدرامية فيها مكثفة لا تحمل تطوراً درامياً كبيراً.فهي تتركز على موضوع واحد يبرِز أزمة أو حالة أو يطرح مرحلة في حياة شخصية ما دون الدخول في التفاصيل.وهي لذلك لا تحتمل الحبكات الثانوية.كذلك تتميز هذه المسرحية بسرعة الإيقاع وبوحدة المكان وبقلة عدد الشخصيات التي تُصوَّر بملامحها العامة).وكانت مجاورة للمسرحية ذات الفصول الثلاثة أو الفصلين.لكنها اليوم صارت أصلاً في التأليف المسرحي وبديلاً تاماً عن المسرحية الطويلة.ولا يعني هذا أن مسرحية الفصل الواحد الآن شبيهة الأركان بمسرحية الفصل الواحد التي ولدت في ظل المسرحية الطويلة، بل تحمل أركان المسرحية الطويلة دون أن تكون طويلة.فإنها تحتمل أن تقدم مادة درامية واسعة بشخصيات كثيرة واضحة الملامح.ويمكن أن تحفل بحبكة ثانوية إضافة إلى الحبكة الرئيسية.وهذا هو الفرق الجوهري بين مسرحية الفصل الواحد اليوم وبينها من قبل.