التفسير و الدراسات القرآنية
أ0د أحمد سعد الخطيبالأستاذ المشارك بكلية التربية للبنات بجازان أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
إهداء من المؤلف وفقه الله لشبكة التفسير والدراسات القرآنية صفر 1425هـ افتتاحية البحث الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ، تبصرة وذكرى لأولى الألباب ، وجعل الحمد فاتحة أسراره ، وخاتمة تصاريفه وأقداره.ونصلى ونسلم على أكرم خلقه ، وخاتم رسله محمد -صلى الله عليه وسلم -، الذى أرسله الله بالقرآن ، فدعا إلى الله به على بصيرة ، فكان سبباً فى هداية الناس إلى الطريق المستقيم ، والمنهج القويم.((وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)) أما بعد ،، فالقرآن الكريم ، كتاب الله الخالد ، ومعجزة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، التى لا تفنى إلى الأبد. وهو كتاب منتظم الآيات ، متعاضد الكلمات ، لا نفور فيه ولا تعارض ، ولا تضاد ولا تناقض ، صدق كلها أخباره ، عدل كلها أحكامه ، وصدق الله إذا يقول:((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) هذه الآية تنفى عن القرآن الكريم التناقض فى معانيه ومبانيه ، أما من جهة المعنى ، فلا تجد آية تثبت معنى تنقضه آية سواها ، ولا يَرِد على ذلك الناسخ والمنسوخ ، فإن ذلك ليس من التناقض ولا من الاختلاف فى شئ ؛ لأن النسخ رفع لحكم ، وإثبات لآخر ، فالباقى إذن حكم واحد هو المحصلة النهائية ، فليس ثمت ما يعارضه ، ولا يرد على ذلك أيضاً موهم الاختلاف ، فإنه متناقض فى نظر من لا نظر له ، لكن عند التدبر يتم التوفيق والالتئام ، ولا يرد على ذلك أيضاً الاختلاف بين قراءاته ، فهو اختلاف تلازم وتنوع ، وليس اختلاف تضاد وتناقض ، ولذلك فإن القراء لم يعترض بعضهم على بعض ، فالكل صحيح ما دام مستوفياً لشروطه ، كما سيأتى ذلك فى محله إن شاء الله تعالى.وأخيراً لا يرد على ذلك الاختلاف حول تفسيره ، أو وجوه إعرابه ، أو معانى لغاته ؛ لأن ذلك ليس اختلاف فى القرآن ، بل هو اختلاف فى كلام البشر عن القرآن.والفرق بين القرآن والتفسير ، تماماً كالفرق بين الخالق والمخلوق.وقد سئل الإمام الغزالى عن معنى قوله تعالى: ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) فأجاب بما صورته:الاختلاف لفظ مشترك بين معان ، وليس المراد نفى اختلاف والناس فيه ، بل نفى الاختلاف عن ذات القرآن. يقال هذا كلام مختلف فيه ، أى: لا يشبه أوله آخره فى الفصاحة ، إذ هو مختلف ، أى: بعضه يدعو إلى الدين ، وبعضه يدعو إلى الدنيا ، أو هو مختلف النظم فبعضه على وزن الشعر ، وبعضه منزحف ، وبعضه على أسلوب مخصوص فى الجزالة ، وبعضه على أسلوب يخالفه.وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات ، فإنه على منهاج واحد فى النظم مناسب أوله آخره ، وعلى مرتبة واحدة فى غاية الفصاحة ، فليس يشتمل على الغث والسمين ، ومسوق لمعنى واحد ، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى ، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين. أ.هـ وقريب من هذا ما نقل عن ابن مسعود رضى الله عنه :" لا تنازعوا فى القرآن فإنه لا يختلف ولا يتلاشى ، ولا ينفد لكثرة الرد ، وإنه شريعة الإسلام وحدوده وفرائضه ، ولو كان شئ من الحرفين -أى القراءتين - ينهى عن شئ يأمر به الآخر ، كان ذلك الاختلاف ، ولكنه جامع ذلك كله لا تختلف فيه الحدود ولا الفرائض ، ولا شئ من شرائع الإسلام.ولقد رأيتنا نتنازع عند رسول - صلى الله عليه وسلم - ، فيأمرنا فنقرأ فيخبرنا أن كلنا محسن….." أما بالنسبة لنفى التناقض عن القرآن والإجابة عما أوردوه مما يوهم ذلك فقد عالجته فى كتابى "إزالة الإلباس عن كلام رب الناس" ، ويأتى هنا فى هذا البحث المتواضع الكلام عن تفسيره من خلال مناقشة المفسرين فى الأوجه الكثيرة التى يذكرونها حول الآية الواحدة ، واضعاً يدى على أحد أسباب الخلاف التى تؤدى إلى هذه الآراء المتعددة فى التفسير ، والتى مرجعها غالباً إلى اختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد.وقد تناولت فى هذا البحث سبباً من الأسباب التى كانت وراء هذه الآراء الكثيرة المتناثرة فى كتب التفسير ، خاصة المعنيّ منها بالتفسير المأثور والسبب المختار هو "اختلاف القراءات" حيث بينت كيف كان اختلاف القراءات سبباً فى اختلاف المفسرين حول بيان المعنى المقصود من النص القرآنى، ثم اجتهدت فاستخرجت من أقوال العلماء ضوابط