تعایش الفقهی بین المذاهب و الادیان المختلفة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تعایش الفقهی بین المذاهب و الادیان المختلفة - نسخه متنی

محمد مهدی الاصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

التعايش الفقهي بين المذاهب والاديان المختلفة

أ. الشيخ محمد مهدي الآصفي

رئيس الهيئةالعلمية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية

التعايش الفقهي:

في حقل المعاملات (پالمعنى الاعم)(1) . تواجه المكلف كثيراً ضرورة (التعايشالفقهي)، وهي حالة ناتجة من حضور اكثر من مذهب فقهي واحد في حياة اجتماعية واحدة ومتداخلة الاطراف، حيث يتفق كثيراً في هذه المجتمعات ان يقع طرفان تابعان لمذهبين فقهيينمختلفين، طرفين في معاملة واحدة مثل عقد الزواج او عقد البيع او الايجار، فيكون الزوج من مذهب فقهي والزوجة من مذهب فقهي آخر، والبائع من مذهب فقهي والمشتري من مذهب آخر،والمؤجر من مذهب فقهي والمستأجر من مذهب فقهي آخر، مع اختلاف المذهبين في الحكم الشرعي لهذه المسائل.

وهذا التعايش الفقهي في مجتمع واحد متشابك الاطراف يحتاج الى حكمفقهي واضح.

وفي فقه الامامية يبحث الفقهاء هذا البحث في باب (قاعدة الالزام).

وفي هذه القاعدة يذكرون كثيراً من فروع التعايش الفقهي في المعاملات والعقودوالايقاعات.

_(20)_

قاعدة الالزام وقاعدة الالتزام:

ولدى مراجعة أدلة قاعدة (الإلزام) في كتب الفقه والحديث لفتَ نظري أنَّ أدلة قاعدةالإلزام تشرّع قاعدتين لا قاعدة واحدة، إلا ان الفقهاء (رحمهم الله) يستدلون بهذه النصوص على قاعدة واحدة فقط، وهي قاعدة الإلزام فتتبعتُ نصوص القاعدة فتأكدت لي صحةاستنتاجي الأوّل.

وهاتان القاعدتان هما قاعدة (الإلزام) وقاعدة (الالتزام).

والعنوان الأوّل معروف لدى الفقهاء، والعنوان الثاني عنوان جديد لقاعدة جديدة، كما سوفنرى ذلك إن شاء الله.

وهاتان القاعدتان تختلفان (موضوعاً) و(حكماً).

قاعدة الإلزام:

وهي من حيث الموضوع تـُحدّد بالنقاط الآتية:

1ـ أن يكون في طرفي العقدأو الايقاع(2) شخصان يتبعان مذهبين فقهيين مختلفين احدهما يتَّبع الفقه الإمامي والثاني يتَّبع فقه أحد مذاهب الجمهور.

2- ان يكون الطرف الاول منتفعاً والطرف الثانيمتضرراً.

3- وكان هذا النفع والضرر للطرف الاول والثاني بموجب حكم إلزامي في المذهب الفقهي الذي يتبعه الطرف المتضرر من دون المنتفع، من دون مالو كان هذا الضرر والنفعبحكم غير الزامي، كما سوف نرى ذلك ان شاء الله.

4- وكان الفقه السُنّي حاكماً والفقه الإمامي في مرحلة التقية. هذا كلّهُ من ناحية الموضوع.

أما من ناحية الحكمفهو الإلزام للطرف الثاني بما يلتزم به فقهياً من قبول الضرر، وإباحة المنفعة للطرف الاول، بالحكم الواقعي الثانوي، وان كان لا يبيح

لنفسههذه بالحكم الواقعي الأوّلي.

وهذا الإلزام للطرف الثاني والإباحة للطرف الاول ليس بمعنى تغيير في الحكم الواقعي للعقد والأيقاع، وانقلابه من الفساد والبطلانإلى الصحة والجواز بموجب الحكم الواقعي الثانوي، وإنـّما يحمل هذا الحكم الاباحة للطرف المنتفع فقط ويبقى الحكم الواقعي الأوّلي على حاله من البطلان كما سوف يأتي توضيحذلك إن شاء الله.

أمثلة من العقود والإيقاعات والاحكام:

ولنضرب على ذلك مثالاً من العقود وآخر من الايقاعات وآخر من الأحكام.

1- من العقود: اذا اشترى شخصعيناً غائبة عن مجلس العقد بالوصف المميز الدقيق فعند الشافعي يصح العقد - بخلاف ما اذا لم يكن الوصف مميزاً فلا يصح العقد للغرر - ولكن للمشتري الخيار بعد رؤية العين حتىمع التطابق الدقيق بين العين والوصف، وهذا هو الرأي القديم للشافعي ، وأمّا في فقه اهل البيت فالبيع صحيح اذا كان الوصف مميزاً يرفع الجهالة، وليس من خيار في البين بخصوصهذا العنوان.

فاذا كان البائع هو الطرف الاول والمشتري الطرف الثاني فان حق فسخ العقد بالخيار بالنسبة للطرف الثاني حق مشروع بحكم إلزامي للمذهب الفقهي الحاكم،والأول مضطر الى قبول الخيار، وليس في ذلك او هذا ما يحوجنا الى البحث الفقهي. ولكن الامر يختلف فيما اذا كان المستفيد من حق الخيار في نفس المعاملة هو الطرف التابع لمذهباهل البيت، فهل يجوز له ان يستفيد في هذه الحالة من حق الخيار أم لا؟ علماً بأنه حق غير مشروع بالنسبة اليه.

ولاشك أنّ هذه الحالة تحتاج الى دراسة فقهية وحكم فقهي؛فإنّ امتناع

الطرف التابع لغير المذهب الحاكم من حق الخيار يوجب خللاً واضحاً في التعامل في ذلك المجتمع، حيث يصح للطرف الثاني دائماًالاستفادة من هذا الحق وإلزام الطرف الأوّل بفسخ البيع، في الوقت الذي لا يصح للطرف الأوّل الاستفادة من هذا الحق الذي يستفيد منه الطرف الثاني.

وهذا هو مورد قاعدة(الالزام) والحكم في ذلك هو جواز الاستفادة من هذا الحق للطرف الاول، كما يستفيد منه الطرف الثاني، واباحة المال له.

2- وفي الايقاعات لو طلق الرجل زوجته ثلاثاً بطلقةواحدة فقال لها :»انت طالق ثلاثاً« فلا يصح هذا الطلاق مطلقاً عند اتباع مذهب اهل البيت ولا يكفي حتى عن تطليقة واحدة، لانه قُصد به ثلاث طلقات مجتمعات (على نحو الكلالمجموعي) فلا تقع حتى الطلقة الاولى، اما لو كان يقول ثلاث مرات منفصلات انت طالق فإن الطلاق الاول يقع فقط من دون الطلاقين الآخرين.. أما عند فقهاء اهل السنة فإن الطلاقيقع من دون رجعة بين الزوجين.

فاذا كان الزوج سُنياً والزوجة شيعية فعلى اي مذهب يعملون؟ فإنّ الطلاق صحيح من غير رجعة على مذهب فقهاء اهل السنة والطلاق باطل وعلقةالزوجية قائمة على رأي مدرسة اهل البيت. فبأي مذهب تأخذ الزوجة؟

قاعدة الالزام تعتبر المرأة في حل من العلقة الزوجية وتبيح لها الزواج.

3- وفي الاحكام يلتزم فقهاءاهل السنة بتوريث الزوجة مما تركه الزوج نقوداً او اعياناً منقولة او غير منقولة.

اما فقهاء مدرسة اهل البيت فيرون ان الزوجة لو لم يكن لها ولد(3) فلا ترث من الارضشيئاً، اما من الملحقات التابعة للارض الموروثة كالاشجار والابنية فترث القيمة فقط لا العين (على المشهور).

فاذا كانت الزوجة شيعية والزوج سنياً تبيح قاعدة الالزامللزوجة ان ترث

زوجها من العقار على مذهب زوجها.

هذه هي قاعدة (الالزام) من حيث (الحكم) و(الموضوع).

قاعدة الالتزام:

فهي من حيثالموضوع والمورد تختص بما اذا كان طرفا العقد او الطرفان في الايقاع من مذهب فقهي واحد، وحكم هذا المذهب يختلف عن حكم المذهب الفقهي الإمامي من حيث الصحة والبطلان والسلبوالايجاب. كما لو كان طرفا عقد البيع في المثال السابق شافعيين او المطلَّقة والمطلِّق والمؤرِّث والوارثة في الامثلة السابقة كلاهما من مذاهب الجمهور في الفقه، وليسلأتباع مذهب الإمامية حضور في احد طرفي العقد.

وهذا هو موضوع القاعدة الثانية، وهو يختلف كما هو واضح عن موضوع القاعدة الاولى فرقاً واضحاً، وليس من سبب للخلط بين هذاالموضوع وذلك.

واما الحكم: فهو ثبوت حق الخيار في المثال الاول وصحة الطلاق في المثال الثاني وثبوت الارث في العقار للزوجة في المثال الثالث بمقتضى قاعدة الالتزامبالحكم الواقعي الثانوي، وان كان مقتضى الحكم الواقعي الأوّلي في كل هذه الامثلة هو البطلان وعدم ثبوت الصحة.

وهذا الحكم يختلف عن حكم قاعدة الالزام في الموردالأوّل؛ ففي مورد قاعدة الالزام كان الحكم فقط اباحة المال للطرف الامامي المستفيد، من دون ثبوت اصل الخيار (پالحكم الواقعي الثانوي) في المثال

الاول، واباحةالمال للزوجة في العقار دون ثبوت حق الارث للزوجة في العقار في المثال الثاني.

وأما الحكم الشرعي في مورد قاعدة الالتزام فهو انقلاب الحكم الشرعي في العقودوالايقاعات والاحكام من البطلان الى الصحة والثبوت.

_(24)_

ولما كانت الدراسات الفقهية لاتفرز موضوع هاتين القاعدتين عن بعض، اختلف رأي الفقهاءفي الحكم الثابت لقاعدة الالزام من الاباحة وانقلاب الحكم الواقعي الأوّلي الى الثانوي.

والصحيح أنَّ كلاً من الحكمين صحيح، ولكن كل في موضعه الخاص به. وهذا ما سوفنتحدث عنه ان شاء الله بتفصيل واستدلال فيما يأتي من هذه الدراسة.

قاعدة الالتزام في دائرة الاديان الاخرى:

وبمراجعة أدلة قاعدة الالتزام نجد ان بإمكاننا اننتوسع في رسم دائرة هذه القاعدة فنذهب الى دلالتها على صحة وشرعية العقود والايقاعات واحكام الاحوال الشخصية للاديان الاخرى (إلاّ ما خرج بدليل) فيكون مقتضى هذه القاعدةالالتزام بصحة زواجهم وطلاقهم وميراثهم ومعاملاتهم.

وهذه القاعدة من القواعد الفقهية الجليلة للتعايش الفقهي فيما بين المذاهب الاسلامية في العالم الاسلامي، وفيمابين المسلمين وغيرهم.

النتائج الثلاث لقاعدة الالتزام:

وهذه القاعدة من القواعد الشريفة في الفقه في امر التعايش الفقهي في المجتمع الاسلامي ولها ثلاث نتائج مهمةفي الفقه وهي:

1ـ الاقرار والاعتراف بشرعية وصحة كل العقود والايقاعات واحكام الاحوال الشخصية، التي تجري في اوساط المجتمع الاسلامي من ناحية المذاهب الفقهيةالاسلامية جميعاً، وكذلك الاعتراف بشرعية الشرائع الاخرى غير الاسلامية فيما اذا كان طرفا القضية في عقد او ايقاع او حكم من اهل مذهب واحد أو

دين واحد. فيجري النكاح والطلاق والبيع والميراث فيما بينهم على مذاهبهم وشرائعهم، إلاّ ان يرد دليل خاص في الاستثناء، ولا يجوز منعهم عن تنفيذ احكامهم وفقههم فيمابينهم في غير موارد الاستثناء.

2- ترتيب الاثر على شرعية العلاقة السابقة، فان تصحيح العقود والايقاعات والاحكام التي تقع بين طرفين او اكثر من مذهب فقهي واحد - من غيرالامامية - كالزواج والطلاق والميراث والبيع والاجارة… يكشف عن امكانية ترتيب الآثار الشرعية عليها من ناحية الفقه الامامي.

فيصح في فقه اهل البيت شراء المالمن المشتري الشافعي، الذي استرد ماله بالخيار، ويصح الزواج من المرأة السنية المطلَّقة ثلاثاً، ويصح شراء العقار من الزوجة السُنية الوارثة للعقار من زوجها السُني.

كما يصح ترتيب الآثار الشرعية على العقود والايقاعات والاحكام الواقعة بين طرفين او اكثر من دين واحد من غير الاسلام.

فلا يصح الزواج (غير الدائم) من المرأة المسيحيةالمتزوجة بالمسيحي، ويصح الزواج (غير الدائم) من المرأة المسيحية المطلقة بموجب احكام دينها، ويصح شراء او استئجار ما يرثونه من مورثيهم بموجب احكام دينهم.

وهذا هوالبعد العملي في القضية والذي يترتب على تصحيح العلاقة الفقهية كما ذكرنا في النقطة الاولى:

3- والبعد الثالث: هو امكانية تحكيم شرائعهم واحكامهم فيما بينهم اذاحدث اختلاف فيما بينهم، ولم يتجاوزهم الاختلاف، كما لو حدث خلاف بين زوجين مسيحيين في امر الزواج او الطلاق مثلاً، او بين اطراف من المجوس في امر الميراث، فان بالإمكانتحكيم احكامهم وشرائعهم فيما بينهم في المجتمع الاسلامي، وتحت ظل سيادة الفقه الاسلامي، كل ذلك فيما لم يرد فيه استثناء فاذا ورد استثناء من مورد بدليل شرعي معتبر فهوالمحكَّم في ذلك المورد.

قاعدة الالزام

أدلة قاعدة الالزام:

وفيما يلي نستعرض النصوص الواردة في قاعدة الالزامونستعرض بعد كل نص مافيه من فقه الحديث، لسنتعرض بعد ذلك ان شاء الله النصوص الخاصة بقاعدة الالتزام وما يتعلق بهذه النصوص من فقه الحديث:

الرواية الاولى:

محمد بن الحسن باسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابراهيم بن محمد الهمداني. قال: كتبت الى ابي جعفر الثاني(ع) مع بعض اصحابنا فأتاني الجواب بخطه: فهمت ما ذكرت من امرابنتك وزوجها.. الى ان قال: ومن حنثه بطلاقها غير مرة فانظر فان كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه لانه لم يأت امراً جهله، وان كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنافاختلعها منه فانه (انما نوى الفراق بعينه)(4).

فقه الرواية:

هذه الرواية من النصوص التي يستشهد بها الفقهاء على القاعدة وسوف نبحث ان شاء الله عن هذه الرواية فينقطتي الموضوع والحكم.

اما من ناحية الموضوع فهي تختص بما اذا كان يقع في طرفي الايقاع طرفان مختلفان في المذهب الفقهي احدهما إمامي المذهب والآخر من مذاهب الجمهور،ويلزم المذهب الفقهي للطرف الثاني الطرف الاول بما لا يلتزم به في فقهه، ويكون هذا الالزام لصالح الطرف الاول وعلى الطرف الثاني.

وبتحديد وتوضيح اكثر، الرواية واردةفي زوج سُني طلَّق زوجته الشيعية

_(27)_

بالطلاق الثلاثي الذي يصح في مذهب الزوج ولا يصح في مذهب الزوجة.

واما (الحكم) فقد امر ابو جعفرالثاني(ع) راوي الحديث ابراهيم بن محمد الهمداني ان يختلع ابنته منه ويفصلها عنه.

ويعلل الامام ضرورة الاختلاع بأن الزوج قد نوى بهذه الصيغة الفراق الحقيقي، وهو علىمذهبه ورأيه يعتقد ان الطلاق قد تحقق بهذه الصيغة، ولا تحل له المرأة بعد ذلك، فلا يمكن ان يعود اليها، واذا ضممنا الى هذه الفقرة الفقرة الواردة في الرواية القادمة أنَّ:»المرأة لا تترك بغير زوج« يكتمل استدلال الامام بالصورة الآتية:

إنَّ الرجل لا يمكن ان يعود الى زوجته مادام يعتقد بصحة الطلاق ونفوذه.

ولا يجوز ان تبقى المرأةعاطلة عن الزوج فعليه لابد من اختلاع المرأة عن زوجها وتزويجها.

وكما نرى، لايوجد في الحديث مايدل على صحة الطلاق ونفوذه ولو بالعنوان الثانوي، وكلّما في الامر ضرورةاختلاع المرأة عن زوجها وازالة المانع عن زواجها لئلا تتعرض للفساد، ولا يتطلب ذلك افتراض صحة الطلاق ونفوذه وإنـّما يكفي في صحة زواج المرأة اعتبار المرأة مطلقة بحكمالشارع، وهو امر آخر غير افتراض صحة ونفوذ الطلاق الثلاثي الصادر من جانب الزوج.

الرواية الثانية:

عن الشيخ عن علي بن الحسن بن الفضّال عن جعفر بن محمد بن حكيمعن جميل بن دراج عن عبد الله بن محرز عن ابي عبد الله(ع) قال: قلت له: رجل ترك ابنته واخته لأبيه وامّه؟ قال: المال كله لابنته، وليس للاخت من الأب والام شيء. فقلت إنـّا قداحتجنا الى هذا، والرجل الميت من هؤلاء الناس واخته

مؤمنة عارفة. قال: فخذ لها النصف. خذوا منهم ما يأخذون منكم في سُنتهم وقضائهم واحكامهم.قال: فذكرت ذلك لزرارة فقال: إنّ على ماجاء به ابن محرز لنوراً. خذهم بحقك من احكامهم وسنتهم، كما يأخذون منكم فيه(5).

فقه الرواية:

وهذه الرواية تخص قاعدة الالزامالمعروفة.

وفيها يسأل الراوي الامام عن ميّت يخلّف من بعده ابنته واخته لأپيه وامه، فكيف يكون ميراثهم من الميت؟ فيقول الامام : »المال كله لابنته« وهذا امر مفهوم علىمذهب اهل البيت(ع) في الفقه، فإنَّ البنت من الطبقة الاولى ولها فرض معلوم ومع وجودها لا تصل النوبة الى الطبقة الاخرى فترث النصف بالفرض والنصف الآخر بالرد، ولاشيء يبقىمن الارث للاخت كما هو معروف من فقه اهل البيت.

فيعود الراوي ويسأل عن حكم المسألة اذا كان الميت من المذاهب السُنية والاخت شيعية، فيقول الامام: خذ للاخت الشيعيةالنصف. فإن الاخت بناء على فقه مذاهب الجمهور ترث ما يتبقى من سهم ذوي الفروض لأنها من العصبة. والعصبة ترث عندهم. وهذا الارث يصح على فقه مذاهب الجمهور ولا يصح في فقه اهلالبيت، ومع ذلك يجوّز لها الامام(ع) ان تأخذ النصف من ارث الميت:

ثم يوجز الامام القاعدة العامة بهذه العبارة: »خذوا منهم ما يأخذون منكم في سُننهم وقضائهم واحكامهم«وفيما يلي نتوقف قليلاً عند هذه العبارة الموجزة بعض الوقت لنلتمس مافيها من فقه الحديث ان شاء الله ضمن النقاط الآتية:

اولاً: إنَّ الظاهر من التقابل الوارد في هذهالراوية: »خذوا منهم ما يأخذون

منكم« هو اختصاص القاعدة بمورد التقابل لطرفين سُني وشيعي من قضية واحدة. وأمّا فيما اذا كان طرفا القضيةفردين من المذهب السني، أو من الاديان الاُخرى فهو خارج عن مورد القاعدة.

ثانياً: الطرف الشيعي في القضية ينتفع بموجب فقه المذهب السُني، والطرف الثاني يتضرر بنفسالسبب والدليل.

ثالثاً: انَّ الذي يسوّغ للطرف الشيعي ان يأخذ من الطرف السُنّي مالايصح في فقه اهل البيت هو مقابلة الضرر الذي يلحق الطرف الشيعي عادة في امثال هذهالقضايا بالضرر الذي يلحق الطرف الآخر بموجب مذهبه وفقهه.

فلو كان الطرف الشيعي بائعاً - والطرف السُنّي مشترياً، وكانت العين المبيعة غائبة عن مجلس البيع، إلاّانها كانت مضبوطة الاوصاف بما لا تستوجب الغرر فإنَّ المشتري يحق له الخيار بموجب الفقه الشافعي (في القديم) فلو كان الفقه السُنّي الشافعي هو الفقه الحاكم، تمكن السُنّيمن الزام البائع الشيعي بفسخ البيع وردّ الثمن.

فاذا انعكس الامر، واصبح الطرف الشيعي الذي لا يجوِّز الخيار للمشتري في مثل هذه الحالة هو المشتري والطرف الشافعيالذي يجوز الخيار للمشتري هو البائع.. جاز .للطرف الشيعي (المشتري) ان يلزم البائع الشافعي بفسخ البيع وردّ الثمن، ومقابلة الضرر الذي كان يلحقه من ناحيته هو في موقعالبائع، بالضرر الذي يلحق الطرف الآخر اذا انعكس الأمر وكان البائع شافعياً والمشتري امامياً، رغم أنَّ ذلك لا يجوز على مذهب المشتري.

رابعاً: الضرر الذي يلحقالطرف الامامي في هذه المقابلة هو الضرر النوعي والعام وليس الضرر الشخصي. فليس من الضروري في المثل السابق ان يكون الطرف الامامي قد وقع من قبل في موقع البائع والزمهالمشتري بموجب الفقه

الشافعي بقبول الفسخ وتحمل الضرر حتى يصح له ان يقابله بالمثل اذا وقع مرة أخرى في موقع المشتري ويتحمل البائع قبولالفسخ، كما حمٌله البائع ذلك من قبل.

فإنّ المقصود بالضرر هنا هو الضرر العام الذي يلحق هذا الطرف (نوعاً لاشخصاً) في ظروف التبعية السياسية والتقية لا الضرر الشخصيكما ورد في مورد قاعدة رفع الضرر.

خامساً: انّ مقتضى التقابل للضرر هو ان يكون الطرفان (السني والشيعي) طرفين اساسيين في القضية (يعني الطرف الاول والطرف الثاني) وذلكلأنّ الطرف الثالث لا يكون له علاقة بالطرف الاول والثاني الا بقدر الاعتراف بشرعية القضية التي تمَّت بين الطرف الاول والثاني.

وهذا ليس من ادخال الضرر على احدالطرفين في شيء ولا علاقة له بذلك، كما لو طلَّق احد زوجته طلاقا ثلاثياً - على خلاف السنة - فتزوجها الطرف الثالث. فإن الطرف الثالث لم يزد على الاقرار بشرعية الطلاق ولاعلاقة لهذا الأمر بالاضرار بطرف.

سادساً: (الأخذ) الوارد في عنوان قاعدة الالزام لابد ان يكون بموجب حكم فقهي الزامي في فقه الجمهور على نحو الالزام والعزيمة،ولا يكفي في ذلك ان يكون الأخذ على سبيل الاذن والجواز.

فلو زنى رجل بامرأة ذات بعل جاز له في فقه الجمهور أن يتزوجها اذا طلَّقها زوجها، وأكملت العدّة، ولايجوزذلك في فقه اهل البيت. ولكن المورد ليس من موارد قاعدة الالزام لأن الرجل - في هذا المورد - اخذ المرأة بموجب (الاذن والجواز) الفقهي وليس بموجب (العزيمة والالزام) الفقهي.فليس للرجل ان يلزم المرأة المزني بها بالزواج، بخلاف المثال المتقدم في الخيار، فإنَّ لصاحب الخيار ان يلزم

الطرف الآخر بالرد.

سابعاً: والأمر بالأخذ الوارد في صدر الجملة: »خذوا منهم« من الامر الذي يأتي بمعنى رفع الحظر فيما يحتمل فيه الحظر نحو قوله تعالى: »فاذا قُضيت الصلاة فانتشروا فيالارض…«(6). فإنَّ هذا المال بالعنوان الاولي مما يحظر على المكلف أكله واخذه فتنفي الرواية هذا الحظر في مورد قاعدة الالزام.

وأمّا الاخذ الثاني الوارد فيالرواية والذي ورد متعلّقاً للأخذ الاول في النص: »ما يأخذون منكم« فيقصد به من دون شك الالزام اي ما يأخذونه منكم وحالة الالزام المأخذوة في الأخذ تحدد لنا ظرف قاعدةالالزام بصورة دقيقة.

فإنّ هذا الالزام لايكون على اتباع اهل البيت الا عندما يكون الفقه السُنّي هو الفقه الحاكم، وفقه اهل البيت يمر بمرحلة التقية. وعليه فان ظرفقاعدة الالزام وهو ظرف السيادة للفقه السُنّي والتقية للفقه الشيعي.

ثامناً: إن متعلق الاخذ في هذه الفقرة: »خذوا منهم ما يأخذون منكم« هو ما يأخذ الطرف الثانيبالالزام من الطرف الاول، ولما كان المقصود من الضرر العام وليس الضرر الشخصي، يؤول معنى النص الى الصيغة الآتية: »خذوا منهم كما يأخذون منكم بالالزام«.

فاذاانتفى إلزام الجانب الثاني للجانب الاول في الاخذ ينتفي بطبيعة الحال جواز الأخذ من ناحية الطرف الثاني من الطرف الاول وبتعبير آخر: ان مآل هذه الجملة الى جملة شرطية(خذوا منهم اذا اخذوا منكم بالالزام).

ولا اشكال انَّ الحكم بجواز الاخذ ينتفي في هذه الجملة بانتفاء الشرط. فلا يجوز ان يأخذ الطرف الشيعي من الطرف السُنّي فيحالة عدم وجود الالزام . فإنَّ الاجازة بالاخذ من الجمهور بموجب مذاهبهم الفقهية في حالة انتفاء سيادة فقه الطرف الثاني على الطرف الاول يفتح بابا من التلاعب بالاحكام لايسمح به

الاسلام.. فقد يبتغي الشخص في كل معاملة حكم المذهب الفقهي الذي يحكم لصالحه، فاذا كان بائعاً طلب تنفيذ حكم المذهب الشيعي ليسدّالطريق على خيار المشتري، واذا كان في موقع المشتري طلب تنفيذ المذهب الشافعي ليحمِّل الفسخ على البائع.

وهذا من التلاعب الذي لا يرضى به الدين. فان الاسلام شرّع هذهالقاعدة لجبر الضرر وليس لتحميل الضرر على الآخرين. ولا اقل من الشك في صحة الأخذ في حالة انتفاء التقية وحاكمية فقه المذهب الآخر، فيرتفع الحكم بجواز الأخذ بالاصل.

الرواية الثالثة:

الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن عن علي بن الحسن بن فضال عن ايوب بن نوح. قال: كتبت الى ابي الحسن(ع) أسأله: هل نأخذ في احكام المخالفين ما يأخذونمنّا في احكامهم ام لا؟

فكتب (ع): يجوز لكم ذلك إن كان مذهبكم فيه التقية والمداراة(7).

فقه الرواية:

وهذه الرواية متحدة مضمونا مع الرواية الثانية، وصريحة فيقاعدة الالزام، والنقاط التي ذكرناها سابقا في رواية عبد الله بن محرز تجري هنا.

يسأل الراوي الامام في المكاتبة: هل نأخذ من اهل السُنة - بموجب احكامهم وفقههم - مايأخذون منا؟ فيجيبه الامام (ع) بالايجاب: »ان كان مذهبكم فيه التقية والمداراة«.

وهذا القيد الاخير تصريح بما استنبطناه من رواية عبد الله بن محرز من ان

ظرف القاعدة ظرف التقية للفقه الشيعي والحاكمية للفقه السُنّي.

كما ان الجانب السلبي فيه أوضح ايضا من رواية عبد الله بن المحرز، فإنَّ الجملةالاخيرة جملة شرطية واضحة ومفهومها نفي جواز الاخذ منهم بما يجوز في مذهبهم ولا يجوز في مذهبنا عند انتفاء حالة التقية وحاكمية الفقه السُنّي.

الحكم الشرعي في موردالالزام:

اختلف الفقهاء في مفاد أدلة الإلزام الى رأيين:

1ـ إنّ مفاد أدلة الإلزام هو الاباحة الشرعية فقط للطرف الشيعي في التصرف في اموال ومتعلقات الطرف الآخرفيما يجيزه الفقه الذي يتمسك به الطرف الآخر.

2- إنّ مفاد أدلة الإلزام هو انقلاب الحكم الواقعي الأوّلي الى الحكم الواقعي الثانوي بالصحة والجواز:

والفرق بينالقولين ظاهر.فإنه بناءً على القول الثاني ينقلب الحكم الواقعي الأوّلي في مورد الالزام الى الحكم الواقعي الثانوي، فيكون حكم الطلاق - مثلاً - فيما اذا طلق الزوج السُنّيزوجته الشيعية، طلاقاً صحيحاً واقعاً وتترتب عليه آثار الصحة.

فيكون لله تعالى حكمان في الواقعة حكم واقعي أوّلي بالنظر الى ذات الفعل وهو بطلان الطلاق الثلاثي فيحدّ نفسه، وحكم واقعي ثانوي وهو صحة الطلاق الثلاثي فيما اذا كان الطرف الذي يوقع الطلاق يعتقد بصحته، بينما يكون مفاد القول الأول هو الاباحة للطرف الشيعي من دون تصحيحأصل الطلاق من الطرفين والالتزام بوقوع الطلاق قبل الزواج آناً ما.

وفيما يلي ننظر في أدلة الطرفين:

أ- القول بالاباحة:

يذهب الىهذا الرأي جمع من الاعلام كالشيخ حسن كاشف الغطاء والسيد الطباطبائي الحكيم والسيد ميرزا حسن البجنوردي من اعلامنا المعاصرين.

1- رأي كاشف الغطاء:

يقولالشيخ حسن آل كاشف الغطاء في كتابه (أنوار الفقاهة) : »فظهر ممّا ذكرنا أن طلاقهم ممضي عليهم وإن كان فاسداً عندنا . وهذا الحكم عام لكلّ صور الطلاق على غير السُنّة، سواءتعلق بشيعية أو غيرها، فإنه يحكم بوقوعه على وفق مذهبه بالنسبة الينا، وإن كان فاسداً في الواقع، وكذا بالنسبة اليهم. ولا منافاة بين البطلان وبين إجراء حكم الصحةبالنسبة إلينا لطفاً منه، فهي وإن كانت زوجة لهم ولكنّه حلال لنا وحرام عليهم. أو يقال هو صحيح من وجه وفاسد من وجه آخر، ولو استبصر جرت عليه الاحكام الماضية كما تجريعلينا، ولا يلزم اعادة ما نقله من العقود والايقاعات الباطلة بالنسبة الينا«(8).

مناقشة كلام كاشف الغطاء:

كلام الشيخ حسن كاشف الغطاء(رحمه الله) صريح في الاباحة،ولكن تستوقفنا في كلامه هذه الكلمة: »ولو استبصر جرت عليه الاحكام الماضية كما تجري علينا، ولا يلزم إعادة ما نقله من العقود والايقاعات الباطلة بالنسبة إلينا«.

فإنّهذه الجملة صريحة في أن الزوج السُنّي يطلّق زوجته الشيعية طلاقاً ثلاثياً، اذا تشيع لايحتاج الى تجديد ايقاع الطلاق على الطريقة الصحيحة في مذهب اهل البيت.

وهوينافي ماذهب اليه من فساد الطلاق منافاة صارخة، فإنّ القول بفساد ما

أوقعه من الطلاق يساوي القول ببقاء علقة الزوجية بصورةٍ شرعية.

فاذا تشيّع احتاج الى اعادة ايقاع الطلاق كما يأتي ان شاء الله، ولا تبين عنه بصورةٍ حقيقية، الا اذا أعاد ايقاع الطلاق مرّة أخرى بعد ان يتشيع بصورة صحيحة.

والرأيفي مسألة عودة أو عدم عودة المطلّقة ثلاثاً الى زوجها بعد ان يتشيع من نتائج الاختلاف في مفاد أدلة الإلزام والالتزام. فاذا اخذنا في مسألة مفاد أدلة الالزام بالحكمالواقعي الثانوي، فإنّ المرأة المطلّقة لن تعود الى زوجها إلاّ بعد التحليل، وإن كان قد تشيع الزوج، وأمّا بناءً على القول بأنّ مفاد أدلة الالزام هو الاباحة فقط للطرفالشيعي، كما يقول الشيخ حسن كاشف الغطاء (رحمه الله) فإن نتيجته هو بقاء علقة الزوجية فيما بين الزوجين، إلاّ أنَّ الزوج يتصور بأنَّ زوجته قد بانت منه بالطلاق الثلاثي،فاذا تشيّع ارتفع عنه هذا التصور.

ونستطيع أن نلخص هذه المناقشة فيما يأتي من النقاط:

1ـ لاشك أن المرأة الشيعية يجوز لها أن تتزوج بموجب نصوص أدلة الالزام، وهومتفق عليه، وليس ذلك بمعنى وقوع الطلاق كما سوف نرى.

2- ولا دليل على وقوع الطلاق فيما بين ايدينا من نصوص قاعدة الإلزام.

3- والنصوص التي تصرح بوقوع الطلاق وصحته منالزوج السُنّي، اذا طلّق في حالة التسنن تنصرف الى مالو كان الزوجان سُنّيين وهو مورد قاعدة (الالتزام) وليس الالزام، ولا اقل من الشك في وقوع الطلاق فيقتصر في وقوعه علىالقدر المتيقن وهو ما لو كان الزوجان سُنّيين.

4- وبناءً على ذلك فإنّ ماورد في صدر كلامه(رحمه الله) من بطلان الطلاق بالنسة الى الزوج ينافي ماورد في آخر كلامه من عدمالحاجة الى اعادة صيغة الطلاق اذا تشيّع الرجل، ولا دليل على انقلاب البطلان الى الصحة بعد التشيّع

غير ماذكرنا من أمر قاعدة الالتزام.

2- رأي الفقيه السيد الطباطبائي الحكيم:

للسيد الطباطبائي الحكيم رسالة ملحقة بكتاب النكاح من المستمسك في الجزء الرابع عشر من الطبعة الثانية في الاجابة علىسؤال وَرَدَ في زوج سُنّي طلّق زوجته طلاقاً بغير الشروط المعروفة عندنا ثم تشيّع الرجل، هل تعود اليه زوجته أم لا؟

في الاجابة على هذا السؤال يقرر السيد الحكيم(رحمهالله) ان مفاد أدلة الالزام لا تزيد على الاباحة للطرف الشيعي في التصرف بأموال ومتعلقات الطرف السُنّي بموجب فقه الطرف السُنّي.

ويصرح السيد الحكيم (رحمه الله)في هذه الرسالة، انَّ الطلاق الثلاثي مثلاً - لا يمكن أن يقع صحيحاً، وأدلة الالزام غير ناظرة الى صحة هذا الطلاق ، إنما تدل أدلة الالزام على جواز إلزامه بما يدين به منصحة الطلاق وجواز التزويج من زوجته التي طلّقها ثلاثاً.

يقول (رحمه الله): »ويقتضيه العمل بالأدلة الدالة على بطلان الطلاق الفاقد للشرائط المقررة عندنا لعدم مايوجبالخروج عنها إلا ما قد يتوهّم من دلالة النصوص على بينونة المرأة اذا كان الزوج من المخالفين، لكن التوهّم المذكور ضعيف«(9).

ويقول في موضع آخر: »ومن ذلك نعرف انَّالطلاق الواقع منهم ليس صحيحاً وإنما اقتضى الزامهم به بما انه مذهبهم«(10).

ولتوضيح ذلك يصنف (رحمه الله) روايات الالزام الى ثلاث طوائف:

الطائفة الاولى: مادل علىالالزام فقط، كرواية عبد الله بن جبلة: »الزموهم

من ذلك ما الزموه انفسهم« ويقول (رحمه الله) في هذه الطائفة من الروايات: إن جواز الالزام أووجوبه لا يدل على صحة الطلاق، وإنما يدل على مشروعية الزام الطرف السُنّي بما يقرره الفقه الذي يتبعه وإباحة الزواج من مطلقته.

وهذا شيء آخر غير صحة الطلاق الثلاثي فينفسه.

الطائفة الثانية: ما دلّ على اللزوم فقط من دون الالزام مثل رواية عبد الله بن طاووس: »من دان بدين قوم لزمته احكامهم« ورواية عبد الاعلى: »ان كان مستخفاً بالطلاقألزمته ذلك«. وفي هذه الطائفة من الروايات يقول السيد الحكيم (قدس سره): إنّ دلالتها على صحة الطلاق غير ظاهرة فإنّ اللزوم أعم من الالزام والحكم بصحة الطلاق(11)، ولا سيمااذا كانت الزوجة شيعية والزوج سنياً، فإن هذا الطلاق الفاقد لبعض الشرائط فاسد عند الطرف الشيعي وصحيح ونافذ عند السني. ولا يمكن أن يتصف طلاق واحد بحكمين مختلفين منجهتين.. فلابد اذن أن يكون المقصود من هذه الطائفة من الروايات مجرد الحكم على من دان منهما بما دان والزامه بنتيجة ذلك، كما في الطائفة الاولى لا صحة الطلاق(12).

والطائفة الثالثة: ما يتضمن تحريم المطلقة ثلاثاً على زوجها، اذا كان ممّن يعتقد نفوذ مثل هذا الطلاق، كما في رواية هيثم بن مسروق عن الرضا (عليه السلام) قال: »ذكر عندالرضا بعض العلويين ممّن كان ينتقصه فقال: أما إنه مقيم على الحرام. قلت: جُعلت فداك كيف وهي امرأته ؟ قال: لأنه قد طلَّقها . قلت: كيف طلَّقها؟ قال: طلَّقها وذلك دينه فحرمتعليه« وقد حمل السيد الحكيم (رحمه الله) هذه الطائفة من الروايات على ما حمل عليه الطائفة الثانية.

مناقشة كلمات السيد الحكيم (رحمه الله):

وفي كلام السيد محسن الطباطبائي الحكيم (رحمه الله) مواضع للنظر والتأمل نذكرها فيما يلي:

1- كلمات السيد الحكيم تشمل الحالتين اللتين فككناهما عن بعض معاً، وهماحالة وجود طرف شيعي وآخر سُنّي في عقد او ايقاع واحد، وحالة وجود طرفين سُنّيين متفقين فقهاً في عقد أو ايقاع واحد.

واذا امكننا توجيه الروايات الواردة في هذاالباب على (الاباحة) للطرف الشيعي من دون انقلاب الحكم الواقعي الأولي الى الحكم الواقعي الثانوي في الحالة الاولى، فلا يمكن ذلك في الحالة الثانية. والحالة الاولى هيمورد قاعدة الالزام، والحالة الثانية هي مورد قاعدة الالتزام، وأكثر الروايات التي ذكرها السيد الحكيم (رحمه الله) - وهي شطر من الطائفة الاولى والطائفة الثانيةوالطائفة الثالثة - تخص الحالة الثانية من دون الحالة الاولى، وليس فيها اشارة الى وجود طرفين مختلفين فقهاً في عقد أو ايقاع واحد حتى تحمل الروايات على الاباحة للطرفالشيعي من دون انقلاب الحكم الواقعي الأوّلي الى حكم واقعي ثانوي.

وواضح أنّ المقصود في هذه الروايات اللزوم فقط من دون الإلزام، وحتى لو كان الالزام مقصوداً فهوبالعرض، وممّا يترتب على اللزوم والالتزام، وفي تفسير اللزوم والالتزام في هذه الطائفة من الروايات بالالزام كثيرمن التحميل والتكلّف، فلا يبقى معنى معقول للّزوم، غيران يكون هو الحكم الواقعي الثانوي للأطراف السُنيّة، وانقلاب الطلاق الفاسد بالنسبة الى الشخص الذي يعتقد بصحته الى طلاق صحيح يلزمه، وهو الحكم الواقعي الثانوي بصحةالطلاق الذي يوقعه الزوج السُنيّ، وكلمات السيد الحكيم (رحمه الله) في تفسير (اللزوم) يحتاج الى مزيد من التأمل، فهو يقول في تفسير (اللزوم) بعد ان ينفي معنى صحة الطلاق:

فلابد ان يكون المراد مجرد الحكم على من دان منهما بما دان(13)، ويقول في تفسير الطائفة الثالثة من الروايات بعد نفي معنى صحة الطلاق ونفوذهأيضاً: »فإنَّ من الجائز ان يكون التحريم بما انه دينه، ولو تشيع فصار دينه حلّية الزوجة كانت له حلالاً«.

وفي كلا التفسيرين نظر ومناقشة واضحة، فإنّ تفسير اللزوم فيالنصوص بإلزام من دان منهما بما دان، تفسير غير واضح. وطائفة من هذه الروايات واضحة وصريحة في اللزوم.

وأمّا التفسير الثاني بأنّ التحريم كان پاعتباره ديناً له، فاذاتشيع حلّت له زوجته، فهو خلاف صريح جملة من النصوص الواضحة في انقلاب الحكم الواقعي الأوّلي الى الحكم الواقعي الثانوي.

2- ويناقش السيد الحكيم (رحمه الله) في دلالةرواية هيثم بن مسروق على انقلاب الحكم الواقعي الأوّلي الى الحكم الواقعي الثانوي.

وفي هذه المناقشة مؤاخذة واضحة، فإنّ رواية هيثم بن مسروق في العلوي الذي كانينتقصه الامام الرضا (عليه السلام) حيث قال فيه: »أما إنه مقيم على الحرام.. لأنه طلّقها . قلت كيف طلّقها؟ قال طلّقها وذلك دينه فحرمت عليه« واضحة الدلالة على صحة الطلاقونفوذه.

ويناقش السيد الحكيم (رحمه الله) في سندها وهو صحيح إلاّ انه يجبر بغيرها من الروايات. ثم يناقش في دلالتها (لعدم تعرضها الى ان طلاقها كان على خلاف المشروع).

واعتقد أنّ السؤال والجواب المتبادل من الراوي والامام يرفع هذا القصور في الدلالة. يقول الامام: لأنه طلّقها.

فيسأل الراوي كيف طلّقها؟ فيقول الإمام طلّقها وذلكدينه.. يعني أنّ

الطلاق مادام من مذهب المطلّق فهو صحيح نافذ.

ثم يؤوّل (رحمه الله) الرواية: »بأن من الجائز أن يكون التحريم بما أنه دينه«وهو توجيه غير واضح كما ذكرنا. فإنَّ قوله (عليه السلام):» أما إنه مقيم على الحرام« وقوله (عليه السلام): »طلّقها وذلك دينه« يكاد ان يكون صريحاً في صحة الطلاق ونفوذه(14)والرواية في مورد قاعدة الالتزام واللزوم وليس في مورد قاعدة الالزام.

وفي كلمات الفقيه السيد الحكيم (رحمه الله) مواضع للنظر والتأمل غير ماذكرنا، يتبين فيما بعد.

3- رأي المحقق البجنوردي:

وللفقيه المعاصر السيد ميرزا حسن البجنوردي (رحمه الله) في كتابه (القواعد الفقهية) رأي بنفس الاتجاه في أن مفاد أدلة الإلزام هو الاباحة.ونحن نذكر بعض النقاط البارزة من كلامه (رحمه الله) ثم نُعقّب كلامه بما يرد عليه من ملاحظات علمية.

يقول (رحمه الله):

»فاذا كان الطلاق فاقداً لأحد هذه الشرائط يكونباطلاً عند فقهاء الامامية، وكذلك طلاق الثلاث من غير رجعة بينها يكون باطلاً عند الامامية.

فاذا طلّق السُنّي زوجته ولم يكن الطلاق واجداً لجميع هذه الشرائط فيكونذلك الطلاق باطلا عندنا، وتكون الزوجة باقية على زوجيتها، ولكن من ذلك كله لو كان الزوج (اي المطلـِّق) يعتقد بصحة ذلك الطلاق حسب مذهبه، فللامامي الاثني عشري أن يلزمهبما ألزم به نفسه، أي يلزمه بصحة ذلك الطلاق الباطل ويرتب عليه آثار الصحة بهذه القاعدة ويتزوج بها.

وحيث إنّ عقد القائل ببطلان ذلك الطلاق علّة لخروجها عن الزوجية،

فالعقد وعدم الزوجية يكونان في زمان واحد لأنهما علة ومعلول كما ذكرنا، فلم يقع العقد على زوجة الغير.

إن قلت من أي سبب صار العقد علةلخروجها عن الزوجية؟ نقول من قوله (عليه السلام): الزموهم، ومن قوله (عليه السلام): تزوجوهن: نستكشف ذلك بعد القطع بأنه (عليه السلام) لا يأمر بتزويج امرأة ذات بعل، وبعدالقطع بأنّ هذا الطلاق باطل فلا يمكن الجمع بين هذه الامور إلاّ بأن يقال بإنّ الزوجية للمطلق باقية الى زمان العقد الصادر من الذي يعتقد ببطلان ذلك الطلاق، فنعقده عليهفتصير خلية بالنسبة الى زوجها الذي طلّقها، وتصير زوجة للذي عقد عليها.

وأمّا حديث: الزموهم أو قوله (عليه السلام): تزوجوهن: فلا يرفع هذا الاشكال أصلاً: من جهة أنالحكومة على أدلة اشتراط الطلاق بالشرائط المذكورة في باب الطلاق معناها صحة هذا الطلاق. وهذا مخالف للضرورة من مذهب الشيعة، حيث إنّ الفقهاء كلّهم متفقون على بطلان هذاالطلاق، ولم يقل أحد منهم بصحته، ولو بالعنوان الثانوي، أي بعنوان أنه طلاق صادر عن المخالفين

وايضاً مخالف للاخبار الصريحة في انه: اياكم وتزويج المطلقات ثلاثاً فيمجلس واحد، فأنهنَّ ذوات ازواج.

وقد يقال إنّ الفاقد للشرائط المعتبرة فيه اذا كان المطلّق من الشيعة يكون فاسداً، وإذا كان من مخالفيهم يكون صحيحاً، وهذا كلامٌ لايمكن الالتزام به.

أما أولاً: فلاستنكارهم لصحة هذا الطلاق، واستدلالهم على بطلانه بالكتاب العزيز. وهذا لا يناسب كون طلاقهم على غير السُنّة طلاقاً شرعياً صحيحاً.

وثانياً: ما رواه في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنَّ رجلاً

من أصحابه سأله عن رجل من العامّة طلّق امرأته لغير عدة،وذكر أنه رغب في تزويجها، قال (عليه السلام): انظر اذا رأيته فقل له طلّقت فلانة؟ اذا علمت أنها طاهرة في طهر لم يمسّها فيه، فاذا قال: نعم فقد صارت تطليقة فدعها حتى تنقضيعدّتها من ذلك الوقت، ثم تزوجها إن شئت فقد بانت منه بتطليقة بائنة، وليكن معك رجلان حين تسأله ليكون الطلاق بشاهدين عدلين.

وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في فسادالطلاق على غير السُنّة، وإن كان فيها إشكال من جهة أخرى وهي مخالفتها لقاعدة الالزام.

وبعد الاحاطة على ماذكرنا نعرف أن مقتضى الجمع بين الأدلة هو ما ذكرناه من أنّالطلاق الثلاث من غير رجعة بينها سواء كان بلفظ واحد أو بتكرار الطلاق ثلاثاً من غير رجعة بينها لايقع الثلاث، بل لايقع حتى واحد منها، وإن كان من هذه الجهة الأخيرة محلخلاف بيننا.

وكذلك يكون الطلاق فاسداً اذا كان فاقداً لسائر شرائط الصحة، وان كان المطلق ممن يقول بصحته، وتكون الزوجة باقية على زوجيتها، والقول بصحة مثل هذا الطلاقممّا يأباه المذهب، وإن كان صادراً ممّن يعتقد بصحة مثل هذا الطلاق.

وايضا لاشك في انهم (عليهم السلام) أمروا بصحة تزويج مثل هذه المطلَّقة مع عدم إمكان أن يسند اليهم(عليهم السلام) القول بصحة تزويج المزوّجة، والتي هي زوج الغير، فلابد من القول بأنّ تلك المطلقة باقية على زوجيتها للمطلق، ولكن بنفس العقد الواقع عليها من الذي يعتقدبطلان ذلك الطلاق يخرج عن كونها زوجة للمطلّق ، فذلك يكون طلاقاً الى الزوج الأول ونكاحاً بالنسبة الى الثاني.

هذا في مقام الثبوت، وأمّا في مقام الاثبات فأمرهم(عليهم السلام) بتزويجهم

- أو اخذ المال في مورد التعصيب أو المعاملات الفاسدة والضمانات غير الصحيحة مع أن لهم الولاية العامة - يدلّ علىأنهم (ع) جعلوا نفس العقد عليهن طلاقاً لهنَّ وتزويجاً للزوج الثاني.

وبناء على ماذكرنا يكون العقد واقعاً على امرأة خلية، لأنّ زمان حصول زوجيتها للثاني مع زمان عدمزوجيتها للأوّل. لأنهما معلولان لعلّة واحدة وهو العقد الواقع عليها«(15).

ونقلنا هذا الكلام بطوله لنتعرف على طريقة الاستدلال لهذا الرأي وليتأتـّى لنا بعد ذلك أننناقش هذا الرأي بتفصيل كذلك.

مؤاخذات على كلام المحقق البجنوردي:

ويرد على كلام المحقق السيد البجنوردي (رحمه الله) مجموعة من المؤاخذات نذكر منها بعض النقاط:

1- يرى (رحمه الله) أنّ التزويج من المطلّقة بالطلاق المخالف للسُنّة هو بنفسه سبب لانفصال المرأة عن زوجها الأوّل، فيكون هذا التزويج طلاقاً وتزويجاً معاً في زمن واحدوإن كان الطلاق متقدماً رتبة على التزويج لأن صحة التزويج تتوقف على الطلاق.. وهو أمر غريب، لا نلجأ إليه إلا عند فقدان الدليل على صحة الطلاق ونفوذه من جانب، وثبوتالدليل القطعي من جانب آخر على صحة تزويج المرأة، وصحة الزواج منها.

ولا يمكن الجمع بين ذاك وهذا إلا بافتراض أن الشارع يعتبر المرأة بائنة عن زوجها بإقدام آخرعلى زواجها والعقد عليها، فتنفصل عن زوجها بنفس العقد، ولكن رتبة سابقة على العقد.

ونحن نضطر الى مثل هذا الافتراض فعلاً فيما اذا كان الزوج سُنياً والزوجة

شيعية، أما فيما اذا كان الزوجان سُنيين فإنّ النصوص واضحة في صحة الطلاق ونفوذه ولا نحتاج الى مثل هذا الافتراض.

2- ويرى (رحمه الله ) ان الفقهاءكُلّهم متفقون على بطلان هذا الطلاق، ولم يقل أحدٌ منهم بصحته بالعنوان الثانوي، اي بعنوان أنه الطلاق الصادر من اهل السنة(16). حتى فيما اذا كان الطرفان من اهل السنةوالجمهور.

وهذا هو رأي شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) صريح في كتبه بصحة هذا الطلاق.

يقول الشيخ الطوسي في الاستبصار: »باب انّ المخالف اذا طلّق امرأتهثلاثاً وإن لم يستوف شرائط الطلاق كان ذلك واقعاً«(17)، وهذا العنوان يوضّح رأي الشيخ الطوسي (رحمه الله) في هذه المسألة، وأنّ الطلاق الثلاث من اهل السُنّة واقع، وإن كانعلى خلاف السُنّة النبوية.

ثم قال في التعقيب على رواية شعيب الحداد عن الصادق(ع): قالوا لو كان الأمر على ماذكرتم من أنه يقع الطلاق لما احتاج الى الاشهاد، ولما منعهفي الخبر الثاني من تزويجها. قيل ليس في الخبرين ان الذي طلّقها كان معتقداً لوقوع الطلاق(18).

والإشكال والجواب يؤكد رأي الشيخ (رحمه الله) في وقوع الطلاق الثلاث من أهلالسنة.

وقال الشيخ (رحمه الله) في التهذيب: »ومن طلّق امرأته وكان مخالفاً، ولم يستوف شرائط الطلاق إلاّ انه يعتقد انه يقع به البينونة لزمه ذلك«(19).

ثم قال: »فإنقالوا لو كان الأمر على ماذكرتم من أنه يقع الطلاق، لما احتاج الى الإشهاد عليه، قيل له…«(20).

وهذه الكلمات صريحة في تبيان رأي الشيخ (رحمه الله) في وقوع الطلاق

الثلاث ممّن يعتقد به من أهل السُنّة.

وقال الشيخ (رحمه الله) في النهاية: »فإن كان المطلـِّق مخالفاً، وكان ممّن يعتقد وقوع الثلاث لزمه ذلكووقعت الفرقة، وانّما لا تقع الفرقة اذا كان الرجل معتقداً للحق«(21).

وقد إدّعى ابن ادريس (رحمه الله) في السرائر الاجماع على ذلك. قال: »وقد روى اصحابنا روايات متظافرةبينهم متناصرة، واجمعوا عليه قولاً وعملاً أنه إن كان المطلّق مخالفاً، وكان ممن يعتقد لزمه ذلك ووقعت الفُرقة، وإنـّما لا تقع اذا كان الرجل معتقداً للحق«(22).

أمّاالمعاصرون من الفقهاء فيختلفون في هذه المسألة بين مُثبت ونافٍ، وكلمات صاحب الجواهر (رحمه الله) في كتاب الطلاق يحتمل فيه الأمران معاً، وفي كتاب الفرائض والميراث يظهرمنه انقلاب الحكم الواقعي الأوّلي الى الحكم الواقعي الثانوي. ويذهب الى هذا الرأي من المعاصرين الفقيه المرحوم الشيخ حسين الحُلّي (رحمه الله)(23). والفقيه المرحوم الشيخمحمد طاهر الخاقاني (رحمه الله)(24).

3- وأغرب من ذلك الاستدلال برواية: »إيّاكم وتزويج المطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنَّهنُ ذوات أزواج«(25) فإنّ هذه الرواية لو صحّتفي طلاق اهل السُنّة، وثبت التحذير من التزويج من مطلقاتهم لا نتفت قاعدة الالزام واللزوم من الاساس في الحكم الوضعي وفي الحكم التكليفي بالنسبة للشيعة.

فلابدَّأن يكون المقصود بهذه الرواية إن صحّت، طلاق الثلاث الصادر من الشيعة من دون أهل السُنّة.

4- ويستدل (رحمه الله ) في بطلان هذا الطلاق لو وقع من أهل السنة بأحاديث اهلالبيت (ع) واستدلالهم على بطلانه بالكتاب العزيز(26).

ولا ريب في صحة هذه الاحاديث ودلالتها على بطلان الطلاق، ولا يناقش

أحدٌ منالفقهاء في دلالة هذه الأدلّة وصراحتها في بطلان الطلاق، ولكن هذه الأدلة رغم قوّتها وصراحتها تكون محكومة بأدلة الإلزام. وحاكمية أدلة الالزام عليها لا تعني نفي صحتهاوقوّتها وصراحتها.

5- ثم يستدل (رحمه الله) على فساد هذا الطلاق بما رواه في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أن رجلاً من اصحابه سأله عن رجل منالعامّة طلّق امرأته لغير عدّة، وذكر أنه رغب في تزويجها، قال (ع): انظر اذا رأيته، فقل له طلّقت فلانه؟ اذا علمت أنها طاهرة في طهر لم يمسَّها فيه، فإذا قال نعم فقد صارتتطليقة، فدعها حتى تنقضي عدّتها من ذلك الوقت ثم تزوجها إن شئت فقد بانت منه بتطليقة بائنة، وليكن معك رجلان حين تسأله ليكون الطلاق بشاهدين عدلين(27).

وهو استدلالغريب فإنّ كتاب دعائم الاسلام لم تثبت وثاقته أوّلا بصورة قطعية، وأكثر مايمكن أن يقال في هذا الكتاب في أفضل الحالات، ماقاله العلامة المجلسي (رحمه الله) إنّ اخباره تصلحللتأييد والتأكيد(28).

وثانياً - روايات الكتاب مرسلة لايمكن الاعتماد عليها بغضّ النظر عن وثاقة المؤلف وكتابه، وهذه الرواية مرسلة من تلك المرسلات.

وثالثاً -تقول الرواية: »فاذا قال نعم فقد صارت تطليقة«.

وكلمة نعم إخبار قطعاً وليست إنشاءً، ولا يصح الطلاق بغير الجملة الإنشائية او الجملة الخبرية التي تفيد الإنشاء.وكلمة نعم بعد السؤال عنه: طلّقت فلانة؟ إخبار لا يفيد الانشاء قطعاً، فكيف يصح به الطلاق؟ ومع افتراض صحة الرواية تبقى الغرابة في هذا الامر، وتحتاج الى تأويل وتوجيه،فكيف اذا لم يكن الدليل صحيحاً؟

ورابعاً - هذه الرواية تنافي أدلة الالزام حتى على تفسير هذه الأدلة بالاباحة فقط وقد اعترف (رحمه الله) بهذا الأخير.



1 - المعاملات بالمعنى الاعم هي ما يقابل العبادات من الايقاعات والعقود والاحكام.

2 - التعبير بطرفي الايقاع تعبير مسامحيوالمقصود واضح.

3 - لفقهاء الامامية قولان معروفان في حرمان الزوجة من العقار من تركة زوجها:

الاول: اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج الميّت والى هذا القوليذهب الصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط، والسبزواري في الوسيلة، والشهيد في الدروس واللمعة والمحقق في الشرائع والعلامة في القواعد وشرحها مفتاح الكرامة.وفي المسالك والروضة انه هو القول المشهور بين المتأخرين.

الثاني: حرمان الزوجة مطلقاً، ولو كانت ذات ولد وهو كما ذكر في الجواهر اختيار اكثر الاصحاب كالكلينيوالمفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار. والحلبي وابن زهرة والحلّي. وادّعى ابن ادريس الاجماع عليه. ومهما يكن فإنَّ القدر المتيقن في هذه المسألة ان حرمان الزوجة غير ذاتالولد مما يترك زوجها من العقار امر مجمع عليه عند فقهاء الامامية سابقاً ولاحقاً، ولم يخالف في ذلك احد من فقهاء الامامية غير (الاسكافي) ومخالفته غير ضارة لانها مسبوقةبالاجماع وملحقة بالاجماع.

4 - وسائل الشيعة 15: 320 كتاب الطلاق باب (30) من ابواب مقدمات الطلاق والتهذيب 2: 265 والاستبصار 3: 291 والرواية صحيحة فان احمد بن محمد بن عيسىوابراهيم بن محمد الهمداني ثقتان وطريق الشيخ الى احمد بن محمد بن عسيى طريق صحيح (كما في الفهرست).

5 - التهذيب 9: 321، الاستبصار 147:4. والكافي 263:2 بتفاوت. وطريق الشيخ الىعلي بن الحسن بن فضّال ضعيف وهو موثّق وجعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي من ثقاة ابن قولويه في (كامل الزيارات) وجميل بن دراج ثقة، ومن اصحاب الاجماع. وعبد الله بن محرز لم يردفيه توثيق والمدح الذي يمدحه به زرارة في هذا الحديث ورد عن طريقه هو.

6 - الجمعة: 10 .

7 - التهذيب 322:9 ح 10. والاستبصار 4: 147 ووسائل الشيعة 17: 484. وأيوب بن نوح بن دراج مناصحاب الرضا والجواد والهادي والعسكري(ع) وكان ثقة جليل الشأن اتفقوا على توثيقه. وعلى بن الحسن ابن فضال فطحي ثقة كما ذكرنا.

واما طريق الشيخ الى علي بن الحسن بن فضالفان الشيخ يرويه عن احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا واجازة عن علي عن محمد بن الزبير وهما غير موثٍقين إلاٍ أن احمد بن عبدون من شيوخ النجاشي.

8 - نقلاً عن بحوثفقهية: 287 للسيد عزالدين آل بحر العلوم ببعض التصرف في العبارة بما لا يخل بالمقصود.

9 - مستمسك العروة الوثقى 14: 524. ط 2.

10 - المصدر السابق 14: 529 . ط 2.

11 - تعبيرالمستمسك هكذا: ' ودلالتها على صحة الطلاق غير ظاهرة فإن اللزوم أعم'.

12 - عبارة المستمسك: ' فلابد أن يكون مجرد الحكم على من دان منهما بما دان' والتوضيح والتفسير منٌاوعلى عهدتنا. مستمسك العروة الوثقى 14: 527 ط 2.

13 - المستمسك 14: 527.

14 - وليس من الصحيح ان نقول انّ انتقاص الامام له وانتقاده إياه لتجرّئه على الله تعالى، وليسلمعاشرته لزوجته في البيت بعد الطلاق. فإنّ الرواية صريحة في الانتقاص منه لأنه تجاوز واخترق بعض حدود الله، وليس لأنه تجرأ على الله فقط. والفرق بين الامرين واضح، فإنّالتجرؤ من الاستخفاف بالله تعالى شأنه، وأمّا المعصية فهو اختراق لحدود الله تعالى، والانتقاص في الرواية ظاهرة في الامر الثاني من دون الاول: 'أما إنه مقيم على الحرام'

15 - القواعد الفقهية: 163 - 168 (ببعض الاختصار).

16 - القواعد الفقهية 3: 165 .

17 - الاستبصار 3: 291.

18 - الاستبصار 3: 293.

19 - التهذيب 8: 57. دار الكتب الاسلامية.

20 -التهذيب 8: 59. دار الكتب الاسلامية.

21 - النهاية للشيخ الطوسي: 512. دار الكتاب العربي.

22 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 2: 685.

23 - البحوث الفقهية: 274.

24 - تحريرالاستدلال في كتاب الطلاق: 153.

25 - الوسائل: كتاب الطلاق باب 29 من أپواب مقدمات الطلاق وشرائطه.

26 - القواعد الفقهية 3: 166 .

27 - القواعد الفقهية 2: 166.

28 - مستدركالوسائل 3: 313.

/ 1