بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
والنهي عما زجر كل ذلك في دائرة الوعي والسلوك والعمل .
هذا ، وتبلغ دائرة الاِيمان أقصى إتساع لها في جواب الاِمام الصادق عليه السلام على سؤال عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الاِيمان ، فقال عليه السلام : « شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، والاِقرار بما جاء به من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين » (1).
وهكذا نجد أنّ مفهوم الاِيمان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام يتجاوز دائرة الاعتقاد المنسلخ عن السلوك ، ويرتكز على رؤية موحدة ومترابطة تذهب إلى أنّ الاعتقاد القلبي متقدم رتبياً على الاِقرار اللفظي ، ولا بدَّ من أن يتجسد هذا الاعتقاد وذلك الاِقرار إلى سلوك سوي . ثم إنّ كلّ تفكيك بين الاِيمان وبين العمل يفتح الباب على مصراعيه أمام النفاق والمظاهر الخادعة والدعاوى الباطلة . وعلى هذا الاَساس قال الاِمام الصادق عليه السلام : «الكفر إقرارٌ من العبد فلا يُكلف بعد إقراره ببيّنة ، والاِيمان دعوى لايجوز إلا ببيّنة وبينته عمله ونيته » (2).
فالاِمام عليه السلام في هذا الحديث يضع ميزاناً دقيقاً للاِيمان يرتكز في أحد كفتيه على الباطن الذي تعكسه نية الفرد وانعقاد قلبه على الاِيمان ، وفي الكفة الاُخرى يرتكز على الظاهر الذي يتمثل بعمله وسلوكه السوي الذين يكونا كمرآة صافية لتلك النية .
ومن هنا يؤكد الاَئمة عليهم السلام على أنّ الاِيمان كل لا يتجزأ ، ويرتكز على ثلاث مقومات : الاعتقاد والاِقرار والعمل .
فعن أبي الصلت الهروي ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الاِيمان ، فقال عليه السلام : « الاِيمان عقد بالقلب ولفظ باللسان ، وعمل بالجوارح ، ولا يكون الاِيمان إلاّ هكذا » (1).
تأمل جيداً في العبارة الاَخيرة من الحديث «... ولا يكون الاِيمان إلاّ هكذا » فهي خير شاهد على النظرة الشمولية غير التجزيئية للاِيمان التي تتبناها مدرسة أهل البيت عليهم السلام .
ولم تنطلق تلك النظرة من فراغ ، أو جرّاء التأثر بالمدارس الكلامية ، وإنما هي ربانية التلقي نبوية التوجيه ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « الاِيمان والعمل شريكان في قرن ، لا يقبل الله تعالى أحدهما إلاّ بصاحبه » (2).
ثم أنّ هذه النظرة الشمولية للاِيمان ـ بمقوماتها الثلاثة ـ تستقي من منابع قرآنية صافية ، يقول العلاّمة الراغب الاصفهاني : «والاِيمان يُستعمل تارة اسماً للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام وعلى ذلك : ( إنَّ الَّذينَ آمنُوا والَّذين هادُوا والصّابئينَ ) (3) ويُوصف به كلُّ من دخل في شريعته مُقراً بالله وبنبوَّته ، قيل وعلى هذا قال تعالى : ( وما يؤمِنُ أكثرهُمُ باللهِ إلاّ وهُم مُشرِكُونَ ) (4) وتارةً يستعمل على سبيل المدح ويُراد
____________
(1) معاني الاخبار : 186 باب الاِيمان والاِسلام .
(2) كنز العمال 1 : 95 | 422 .
(3) سورة الحج 22 : 17 .
(4) سورة يوسف 12 : 106 .
( 16 )
به إذعانُ النَّفس للحقِّ على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيقٌ بالقلب ، وإقرار باللِّسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح ، وعلى هذا قوله : (والَّذينَ آمنُوا باللهِ ورُسُلهِ أولئكَ هُمُ الصِدِّيقُونَ ) (1).
وإن قال قائل : إنَّ الله سبحانه قال : ( والَّذينَ آمنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أولئِكَ أصحابُ الجَنَّةِ ) (2) والعطف دليل التغاير ، ومعنى هذا أنَّ العمل ليس جزءاً في مفهوم الاِيمان . قلنا في جوابه : المراد بالاِيمان هنا مجرَّد التصديق تماماً كقوله تعالى حكاية عن أخوة يوسف : ( وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كُنَّا صادقين ) (3)أمّا أكمل الاِيمان فهو أن يعمل حامله بموجب إيمانه، ويؤثره على ميوله وأهوائه ويتجشم الصعاب من أجله لا لشيء إلاّ طاعة لاَمر الله (4).
وصفوة القول إنّ الاِيمان برنامج حياة كامل ، لا مجرد نية تُعقد بالقلب ، أو كلمة