بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
البَيَان في حكم التغنِّي بالقرآن «دراسة في ضرورة تحسين الصوت والتطريب بالقراءة » د.بشار عواد معروف الأستاذ بكلية الآداب بجامعة بغداد ورئيس جامعة صدام للعلوم الإسلامية الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله، ورضي عن صحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالقرآن العظيم هو كتاب الله الدال عليه لمن أراد معرفته وطريقه الموصلة لسالكها إليه، ونوره المبين الذي أشرقت لـه الظلمات، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول فلا يُغلق إذا غُلِّقت الأبواب، وهو نور البصائر من عماها وشفاء الصدور من أدوائها وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، والمنادي بالمساء والصباح، يا أهل الفلاح حي على الفلاح^(^^). /65/ وظل العلماء مع امتداد رقعة الإسلام وتوالي الأيام يسعون إلى استخراج كنوزه وإثارة دفائنه، وصرف العناية إليه والعكوف بالهمة عليه، يتلونه فيزيدهم إيمانًا وطمأنينة، لقد كانوا كما وصفهم الله تعالى في قولـه: * إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *^(^^)، وقولـه تعالى: * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *^ ^(^^) . ومعلوم أن تزيين قراءة القرآن الكريم وتحسين الصوت بها، والتطريب عند القراءة وقع في النفوس، وأدعى إلا استمتاع والإصغاء إليه، ففيها تنفيذ للفظ القرآن إلى الأسماع، ومعانيه إلى القلوب، وذلك عون على المقصود، وهو بمنزلة الحلاوة التي تُجعل في الدواء لتنفيذه إلى موضع الداء، وبمنزلة الأفاوية والطيب الذي يجعل في الطعام، تكون الطبيعة أدعى لـه قبولاً^(^^). وقد اختلف العلماء في قراءة القرآن بالألحان منذ القديم إلى يوم الناس هذا، فنص على كراهتها الإمامان أحمد بن حنبل ومالك بن أنس، ورويت هذه الكراهة عن أنس بن مالك -بسند ضعيف كما سيأتي- وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والقاسم بن محمد، والحسن /66/ البصري، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وتابعهم القرطبي وغيره. وأجاز آخرون رفع الصوت في قراءة القرآن والجهر والتطريب والتغني به، لأنه أوقع في النفوس وأسمع في القلوب، وهم: أبوحنيفة وأصحابه، والشافعي، وعبدالله بن المبارك، والنضر بن شُمَيْل، وأبوجعفر الطبري، وأبوالحسن بن بَطّال، وأبوبكر بن العربي، وابن قيم الجوزية. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم^(^^). وامتد هذا الخُلف حتى وصل إلى عصرنا هذا، فكتب فيه من كتب كارهًا مانعًا أو مجوزًا، فممن منعوه وتشددوا في المنع العلامة الشيخ محمد أبوزهرة^(^^) وغيره، وممن جوزوه الشيخ رشيد رضا^(^^)، والسيد لبيب السعيد^(^^)، والدكتور أحمد عبدالمنعم البهي^(^^) وغيرهم. وإذا كان بعض الأقدمين قد كرهه استنادًا إلى فهمهم لبعض كلمات أو عبارات وردت في بعض الأحاديث، وخوفهم من أن بعض القراءات /67/ بالألحان قد تؤدي إلى همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود وترجيع الألف الواحد ألفات، والواو واوات، والياء ياءآت، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن، فإن بعض المُحْدَثين -مما يؤسف عليه- ذهبوا إلى محاولة نفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن المصطفى *، واستدلوا بأحاديث ضعيفة وبنوا أحكامهم عليها، وهذه -كما هو معلوم- بَلية كبيرة نسأل الله سبحانه أن يجنبنا إياها، ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ومعلوم أن مثل هذه الأمور إنما تثبت أو تُنْفَى بالرجوع إلى سنة المصطفى * ومعرفة صحيحها من سقيمها، ودراسة الأحاديث والأدلة التي استند إليها الفريقان، فقد أمر الله -*- في محكم كتابه العزيز بطاعة رسوله محمد * أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، وقرن طاعة رسوله بطاعته في العديد من الآيات الكريمة