تقریب بین المذاهب الإسلامیة فی ظل إطار جدید نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تقریب بین المذاهب الإسلامیة فی ظل إطار جدید - نسخه متنی

أحمد کمال ابوالمجد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

التقريب بين المذاهب الإسلامية في ظل إطار جديد(*)

أ. د. أحمد كمال ابو المجد

مفكر اسلامي

الدعوة إلى التقريب بين المسلمين فيما اختلفت فيه مذاهبهم ومدارسهم الفكريةوالاعتقادية والفقهية ليست أمرا طارئاً ولا هي أمر جديد..فمنذ تجمعت حول المذاهب المختلفة جماعات مختلفة من المسلمين، ينحاز كل جمع منها إلى مذهبه، ولا يكاد يرى الحق والصواب إلا فيه، ولا يكاد يرى حقاً ولا صواباً في مذاهبالآخرين وحوزاتهم التي انحازا إليها.. منذ وقع ذلك بدأ علماء الأمة وحكماؤها يشفقون أشد الإشفاق من عواقب هذا التفريق.. مدركين أن الاختلاف في الرؤية والرأي قد يكون رحمةونعمة، حين يلتزم أصحابه منهجاً علمياً وأخلاقياً صارماً في التعامل معه، وفي إدارة الحوا ر 'بالتي هي أحسن' حول مواضع ذلك الاختلاف.. ولكنه ينقلب إلى 'نقمة' تنذر بأخطارجسيمة على الأمة كلها.. حين تزايله روح السماحة والعدل، وتختلف عنه الموضوعية، وتستولي على أطرافه شهوة التغلب على الآخرين.. حينئذ يوشك الأمر أن يؤول إلى الحال التيوصفها سبحانه بقوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ليست منهم في شيء)، وهذه البراءة الإلهية والنبوية من الذين فرقوا دينهم لم تأت إلا بعد قيام الحجة على الأمة،خاصتها وعامتها، أمراؤها وعلماؤها ، بقوله تعالى لهم جميعا: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

وإذا كان صحيحا أن العلماء المحققين والعارفين المخلصين قدتنادوا بالدعوة إلى التقريب منذ بواكير التاريخ الإسلامي.. فإن اللقاء الذي يتم هذه الأيام تجديداً لهذه الدعوة، وسعياً للوصول بها إلى نتائج عملية تجني الأمة ثمراتهاالطيبة.. هذا اللقاء يتم في إطار ملابسات جديدة تماما.. يتصل بعضها بعالمنا الاسلامي والعربي.. كما يتصل بعضها الآخر بالأوضاع العالمية التي تحيط بالناس جميعا، مسلمينوغير مسلمين.

لذلك لا يستغني هذا الجمع الكريم من علماء الأمة وخبرائها عن الإحاطة الدقيقة بعناصر هذا الواقع الجديد، كما لا يستغني عن استشراف صورة مستقبلالأمة وسطها طوفان الحركة السريعة التي انتابت كثيراً من عناصر الواقع داخل العالم الاسلامي وخارجه، مما كان يعتبر - في نظر كثير من الباحثين والدارسين - من الثوابت التييفترض استمرارها في الوجود عشرات أو مئات أخرى من السنين، وما أظن أننا نجاوز حد الاعتدال في محاولة تشخيص الأزمة والخروج من نفقها المظلم إذا نحن ذكرنا من بين هذهالأسباب قصور كثير من العلماء والساسة عن إدراك مدى التغير الذي طرأ على العالم من حولنا، والاستمرار في محاولة الخروج من الأزمة باتباع مناهج العمل وأساليبه التي كانتصالحة لتحقيق هذا الهدف في أزمان قديمة، ولكنها لم تعد صالحة لذلك في ظل ماطرأ على كثير من عناصر الواقع من تغيرات كبيرة عظيمة الأثر على مجمل علاقات القوى داخلالمجتمعات الإسلامية ذاتها، وفي علاقة تلك المجتمعات بالدنيا من حولها.. إن التوجه لتحقيق التقريب بين الأفكار والمذاهب والمدارس العلمية والفقهية في زماننا - محتاجاالى اجتهاد جديد وفق منهج علمي سديد.. وهل يكتمل الاجتهاد بغير معرفة الحق، ومعرفة الواقع وتنزيل أحدهما على الآخر كما كان يقول ابن قيم الجوزية.

إن المعرفةالدقيقة بعناصر 'الواقع' والإحاطة باتجاه حركة التغيير، الذي طرأ ولا يزال يطرأ على تلك العناصر.. قد صار يكوّن - فيما نرى - أكثر من نصف 'الفقه' ونصف أدوات 'الاجتهاد'المنشود.

إننا - أيها السادة العلماء - نعيش عصرا جديدا بكل المعايير، وليس صحيحا ما يحتج به البعض من أن أهل كل عصر يرونه جديدا، ويرونه فاصلا بين مرحلتينمختلفتين. ذلك أن عصرنا هذا قد شهد خلال نصف القرن الأخير ثورات وقفزات علمية هائلة متعاقبة ومتراكبة في ميادين الانتقال والاتصال والمعلومات، وميادين أخرى عديدة منميادين العلم والصنعة وأدوات الحرب والقتال، ترتب عليها أمران خطيران:

أولهما: أن الحواجز بين الناس والشعوب قد تهاوت، بعد أن طوى العلم المسافات، فالتقى ماءالحضارات المختلفة على أمر قد قدر.. ولم تعد عزلة البعض عن البعض ممكنة، حتى لو كانت - في نظر البعض جائرة أو نافعة، وصار أپناء الثقافات المختلفة يواجه بعضهم بعضا بلاحاجز ولا وسيط، وبدأ الناس يتساءلون في إشفاق وتوجس: أيكون هذا اللقاء لقاء تعاون على البر والخير وما ينفع الناس، كل الناس.. أم يكون لقاء عداوة وصراع ومحاولات ضاريةللاستئثار بخيرات الدنيا وثمرات العلم، استئثارا يستعبد به الآخرون، كل الآخرين؟.. لقد زالت الحجب والستر التي كانت تزين لنا - نحن المسلمين - أن في وسعنا أن نقضي عمرناكله، وعمر أجيالنا من بعدنا، في حوزة ثقافية مغلقة لا يدخلها علينا أحد.. إلا برضانا وإذننا.. وصار علينا - فجأة - أن نواجه طوفاناً من 'الوافدين' ، ناسا من الناس.. وأفكاراغير أفكارنا.. وقيما غير القيم التي أقمنا عليها حياتنا كلها، وأدرنا بها شؤوننا كلها، لقد صار علينا اليوم - نحن المسلمين - أن نتذكر من جديد ما علمه الاسلام للمؤمنين بهمن أول يوم، من أنهم ليسوا وحدهم في هذه الدنيا، وأن تعدد الأجناس والألوان، واختلاف الألسنة والعقائد والأفكار سنة من سنن الله من خلقه وناموس من نواميسه في هذا الكون..وأنه سبحانه أراد بهذا التنوع أن يتبادل الناس الخبرة، وأن يتعاونوا على البر والخير، متسابقين إلى ذلك، ومتنافسين فيه (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيماآتاكم، فاستبقوا الخيرات) (المائدة: 48).

ثانياً: أن انهياراً حاداً ومفاجئاً قد وقع في التوازن الدولي مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي .. وذلك بسقوط ماكانيسمى المعسكر الاشتراكي الذي كان - بغض النظر عن محتواه الأيديولوجي وناظمه السياسي والاقتصادي، يحقق توازنا في العلاقات الدولية تستفيد منه الدول النامية والصغيرة،وبانهيار ذلك المعسكر انفرد القطب الدولي الأخير بموضع الصدارة والقيادة والقدرة على التأثير المباشر على العلاقات الدولية، مانحاً نفسه حق التدخل في شؤون الآخرين،وفرض هيمنتهم عليهم وعلى قراراتهم السياسية والاقتصادية والثقافية.. ولقد تمكن هذا القطب الواحد - حتى الآن - من فرض هيمنته هذه بما كان قد توفر له، من تقدم علمي وتقنيهائل، وقوة اقتصادية ضخمة، وآلة عسكرية بالغة التقدم والتفوق.

وإذا كان جائزا - وهو في الحقيقة غير جائز - أن يشتغل المسلمون بخلافاتهم التاريخية والجديدة في ظلالنظام الدولي القديم، وفي ظل إمكان الانسحاب إلى حوزة مغلقة تعفيهم - في ظنهم - من التواصل النشط مع غيرهم من الأمم والشعوب.. فإن الاستمرار في هذا 'الشقاق' الثقافيوالسياسي قد أصبح خطيئة كبرى بكل المعايير، لا يحمل عامة المسلمين إثمها.. وإنما يحمله الأمراء والساسة والعلماء.

ومن عجب أن ينتبه كثير من علماء المسلمينوساستهم إلى ضرورة التواصل مع أپناء الحضارات المعاصرة، ساعين إلى تضييق شقة الخلاف بين المسلمين ومن عداهم، وألا يصاحب ذلك بل يسبقه سعي مماثل لحوار إسلامي إسلامي،يهدف إلى تضييق شقة الاختلاف بين فئات المسلمين وطوائفهم ومذاهبهم ومدارسهم الفكرية المختلفة.

ومما يدهشنا ويؤسفنا أن كثيرا من الباحثين يتجنبون - في هذا المقام- الخوض في المشاكل الحقيقية ذات الوزن، إشفاقاً على أنفسهم من عواقب التعرض لها. مكتفين بالدعوة العامة إلى جمع الكلمة، أو بتناول قضايا تظل ثانوية القيمة والأثر إلىجانب المشاكل الحقيقية الكبرى.. ولاشك عندنا في أن أكبر خلافين يتوزعان المسلمين - في عصرنا هذا - ويبددان طاقة الأمة هما الخلاف العقائدي والمذهبي بين السنة والشيعة..والاختلاف الفقهي بين مدرسة في الفقه تلتزم حرفية النصوص وتتشدد في تطبيقها ويطلق الناس عليها، وعلى روافدها المختلفة اسما واحداً لا يكشف عن المضامين والرؤى والمناهجالتي تقوم عليها تلك المدرسة، وأعني بذلك مصطلح السلفية الذي يعني في مجال العقيدة وأصول الدين شيئا، ويعني في ميدان الفقه وأصوله شيئا آخر، فضلا عن أنه مصطلح واسع فضفاضتلتقي تحت رايته روافد عديدة بينها من الاختلاف في المنهج المضمون ما لا يفيد معه البتة جمعها تحت مصطلح واحد.

ومدرسة أخرى تبحث عن الغايات الكلية والمقاصدالكبرى للتشريع، كما تبحث عن أدوات للاجتهاد تعين على تحقيق المصالح المتجددة للأفراد والجماعات، انتباها إلى أن الفتوى لا تكون محققة لتلك المصالح إلا إذا أدخلت فيحسابها اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.. وأن الغفلة عن مقاصد الشريعة ومصالح المخاطبين بها مفضية لا محالة إلى وقوع العنف والحرب اللذين يجافيان روح التيسير التي قامعليها الإسلام كله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج).



*- مقطعمستل من موضوع (التقريب بين المذاهب الاسلامية في ظل إطار جديد) للدكتور أحمد كمال أپو المجد الذي ألقاه في مؤتمر التقريب بين المذاهب الاسلامية الذي أقيم في مملكةالبحرين.

/ 1