بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الدكتور محمد تحريشي النقــــــد والإعجـــــــاز دراســــة بسم الله الرحمن الرحيم مقدمــــــة شكل النص القرآني قيمة جمالية عند المتلقين منذ بداية نزوله، خاصة وأنه تحدى البشر في أن يأتوا بمثله، وقد جاء هذا النص حاملاً لأبعاد دينية عقائدية، وفي الوقت ذاته حاملاً قيمة جمالية لغوية تؤكد الإعجاز فاجأت العرب؛ لأنها من جنس لغاتهم، وفي الوقت ذاته اخترقت هذه اللغة بنمط جديد يحقق الإعجاز، وقد كانت هذه المفارقة حافزاً قوياً لأن يقترب من هذا النص المخاطبون به حتى يمكن لهم الوقوف على حقيقته الإعجازية الجمالية. إن النص القرآني حمل جوامع الكلم فافتن الناس به نصاً تحداهم وانتصر عليهم عقيدة وتركيباً تجاوز تلك الحدود الجمالية التي رسموها للنص الفصيح البليغ، حتى أصبح من الصعوبة الفصل بين المستوى العقائدي والمستوى اللغوي للنص القرآني، بل لقد تشاكل المستويان لتحقيق الإعجاز عبر مزاوجة الإسلام واللغة، فأنتج كتابة جديدة لم يكن للعرب عهد بها، وفي الوقت ذاته، تنتمي إلى لغة اعتقدوا أنهم وصلوا فيها إلى القمة والرفعة والعلو. ومن هنا كان طرحهم للسؤال المهم أين تكمن مزية الإعجاز في النص القرآني؟ فقدّمت قراءات متعددة للنص تعلل الظاهرة الإعجازية. واهتم الدارسون العرب بالقرآن الكريم وبدراسته وبيان إعجازه ووضعوا لذلك دراسات ومؤلفات تكشف عن نظرتهم إلى الموضوع، والتي تصل إلى حدّ التباين لتفسير الإعجاز الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحدي والمعارضة، فجاءت هذه القراءات لتثمين النص القرآني، وهو نزوع نحو التغير والاستمرار وإعادة تشكيل الثابت. ومع ذلك كله، فقد نتساءل ألا يؤدي هذا في مقام لاحق إلى نظرة ثابتة معيارية للقرآن الكريم عند بعض الدارسين المحدثين؟ فالقرآن ثابت متغير، فهو كتاب ثابت عبر الزمان، ولا يختلف في ذلك اثنان، وهذا لا يعدم كونه يحمل خاصية التحول؛ لأنه يصلح لكل زمان ومكان، ولأنه يتصف بخاصية التأويل والتفسير وتعدد القراءة. والنص الجيد هو ذلك الذي لا يرضى بأن يقرأ قراءة واحدة تزعم لنفسها أنها القراءة الوحيدة الممكنة، بل هو ذلك الوجود الذي يتحقق عبر قراءات متعددة قد تتباين وتتمايز، ومن هنا كان للثبات والتحول أهمية في قراءة النص القرآني عند الإعجازيين الذين حركتهم خلفية ذهنية طابقت الخلفية الذهنية الماثلة وراء الأثر، فأنتجوا أدوات إجرائية خاصة لفك استغلاق النص للوقوف على القيم الجمالية التي تحقق الإعجاز. والذي يهمنا هاهنا هو الوقوف على تلك الأدوات التي قُرِأ بها الإعجازيون النص القرآني الذي مثل في بداية ظهوره خروجاً عن المتعارف عليه، بل إنه كان في الكثير من مستوياته التركيبية والتوزيعية انزياحاً عن اللغة المألوفة. وقد قدم هؤلاء الإعجازيون مستويات حديثة لقراءة نص حديث معجز، فوقفوا عند ظواهر تركيبية نصية مختلفة، اهتموا ببنية الجملة داخل النص القرآني، كما اهتموا بالبنيات الصغرى المكونة للنص، والتغير الذي يطرأ عليها من حذف أو تقديم أو فصل أو إضمار أو خروج. كما بحثوا في علاقة هذه التحولات بالمستويات السياقية التي تحكم النص، وذلك رغبة منهم في استجلاء غوامض النص القرآني، والكشف عن خصوصيته التي تنبع من خصوصية التعبير العربي، وقد اعتمدوا في ذلك على التقابل بين اللغة في استعمالها الإنساني واللغة في استعمالها المقدس المعجز. لقد اعتمد الإعجازيون على مبدأ الاختيار والانتقاء من النص القرآني والوقوف عند عينات من الآيات الكريمة والتي شكلت لهم نموذجاً جمالياً راقياً، ومثلاً أعلى لمستويات البناء اللغوي، وفي الوقوف عليها كشف للقدرات التعبيرية لهذا البناء. لقد كانت هذه القراءات فتحاً جديداً في مجال الدراسة العربية للنصوص؛ لأنها قدمت تصوراً عاماً للخصائص التعبيرية لدلالة اللفظ في مجالات الاستعمال المتعددة، والتي يمثل القرآن الكريم أرقى هذه المستويات الاستعمالية. وأما ما دفعني إلى دراسة هذا الجانب من تراثنا اللغوي والنقدي فهو الآتي: 1- الكشف عن مستويات قراءة النص القرآني في تراثنا العربي الإسلامي عامة، وفي الدراسات الإعجازية خاصة. 2- الوصول إلى الأدوات الإجرائية التي قرئ بها النص على وجه العموم، والنص القرآني على وجه الخصوص، وبذلك يتم التعرف إلى الجهاز المفاهيمي عند الإعجازيين. 3- التعرف إلى الذوق الفني لأولئك القراء الإعجازيين من حيث وقوفهم عند بعض الآيات الكريمة وعدولهم عن أخرى، ثم اهتماماتهم