التقريب في القرن الماضي
أ.د. محمد علي آذرشب استاذ في جامعة طهران
مقدمة:
أعلنالإسلام مبادئه على قاعدة: «لا إله إلا الله» ، لرفض كل الآلهة المزيفة المتعملقة على طريق تكامل المسيرة البشرية، وليحرر الإنسان من الأغلال التي تعيق حركته نحو الله؛أي نحو كل المثل العليا التي خلق الإنسان من أجل تحقيقها وليزيل عن النفس الانسانية العوامل التي تدفع إلى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ولتفتح أمامه آفاق قدرة اللهوتدعوه إلى ممارسة دور الاستخلاف في استثمار هذه القدرة لخلق حياة أفضل لبني الإنسان. ولقد سجّل الإسلام - ولايزال يسجل - فصولاً رائعة في تاريخ تحرير الإنسانوتزكيته ودفعه على طريق العلم والعمران ونشر العدل ومقارعة الظالمين.
غير أن أتباعه - مثل أتباع كل المدارس السماوية والوضعية - منهم من يرتفع إلى مستوى أهدافالرسالة، ومنهم من يعيش ذاتياته محاولا تسخير الرسالة لصالح الذات.
المجموعة الأولى تشمل عادة القادة الرساليين والمصلحين المخلصين والمؤمنين المتدينينالمتقين من عامة الناس.
والمجموعة الثانية يمثلها غالبا الحكام الحريصون على الحكم، وكل
(48)
المتكالبين على متاع الدنيا من وعاظ السلاطينوأصحاب الدكاكين، وجميع الذين يحملون ذاتيات مستفحلة لا يمكن أن تذوب في الأهداف الرسالية، بل يريدون إذابة الرسالة في ذواتهم المتورمة.
الفتن الطائفية فيالعالم الإسلامي على مر التاريخ مردّها إلى المجموعة الثانية، وإن كانت هذه المجموعة تتخذ أحيانا من عامة المؤمنين وقودا لمعركتها بعد أن تظللها بالشعارات الدينيةالرسالية(1).
عالمنا المعاصر يرث أعباء كل انحرافات التاريخ الإسلامي المستمدة عادة من ذاتيات الساقطين في فتنة السلطان والمال والجاه، وإذا تجاوزنا تاريخ صدرالإسلام، والعصر الأموي والعباسي، وما آل إليه من سقوط على يد المغول؛ نتيجة عوامل الضعف التي نخرت فيه، وأهمها التجزئة الاجتماعية:
طائفية أو قومية أو طبقية،نلاحظ أن التفرقة الطائفية كانت من محاور ممارسة الحكام في القرون الأخيرة، وهي ممارسات تلقي بثقلها أكثر من غيرها على كاهل أمتنا في العصر الحديث.
لو عدنا إلىالوراء، وبدأنا من القرن العاشر الهجري لشاهدنا فصلا مهما من فصول النزاع السني - الشيعي في عالمنا الإسلامي، أشعلت نيرانه مصالح الحكم وغذته الحروب بين الدولة الصفويةوالعثمانية.
فمنذ أن دخل الشاه إسماعيل الصفوي بغداد سنة 914هـ / 1509م، ونشب الصراع الصفوي العثماني، تحول العراق إلى ساحة للصراع الطائفي، بل امتدت هذه الساحةلتشمل ايران والعالم العربي(2)، ومنذ ذلك الوقت بدأ التدخل الأوروبي في المنطقة عن طريق الدعم العسكري لهذا الجانب أو ذاك(3)، ولايزال ذلك الصراع الطائفي وما خلفه من ثقافةشعبية وأدبيات التراشق يشكل الأرضية لكل استفزاز طائفي في مجتمعاتنا الإسلامية.
(49)
وإلى جانب الصراع العثماني - الصفوي ظهرت أحداث غذت الطائفية، منهاتحرّك الأفغان باسم السنة للقضاء على الدولة الصفوية الشيعية. فقد هجم زعيم أحد القبائل الأفغانية «مير محمود» في بدايات القرن الثامن عشر الميلادي على أصفهان عاصمةالصفويين وقام بمجزرة رهيبة تقشعر منها الأبدان(4)، وبدأ هذا الأفغاني بمنافسة حادة مع السلطان العثماني رغم أنهما سنيّان. ولم يمكث الأفغان في ايران طويلا إذ ظهر نادرشاه الأفشاري من قبائل الأفشار التركمانية، فطرد الأفغان وهزم العثمانيين من الأراضي الإيرانية وحاصر مدينة بغداد مرتين، ومدّ فتوحاته شرقا إلى أواسط آسيا والهند.
ويهمنا الموقف المذهبي لنادر شاه، فهو تقرّب من السنة والشيعة، وطرح مشروع التقريب بينهما، ولكنه واجه رفضا من العثمانيين، ويلاحظ أن مشروع التقريب هذا رغم ماشابه منمصالح الحكم وجهل الحاكم، قد نجح إلى حد كبير في جمع علماء السنة والشيعة لأول مرة في التاريخ على وثيقة تقريبية مشتركة تركز أسس التفاهم المذهبي بينهما(5).
وبقيالعثمانيون يتمترسون وراء نصرة السنة ومحاربة الشيعة، وظل مشروع التقريب لنادر شاه يتسع ليشهد صلوات جماعة مشتركة بين الطائفتين، وأوشك المشروع أن يعم العالم الإسلاميلولا اغتيال نادر شاه، فظهرت المخلفات الطائفية مرة أخرى على السطح، وتواصلت الفتن والاضطرابات حتى استولت الأسرة القاجارية في ايران على الحكم عام 1311هـ / 1893م.
وفي ظل هذه الأسرة اشتعلت الصراعات الطائفية مرة أخرى. وفي هذا العصر بالذات، ظهرت حركة الوهابيين لتكفر من تسميهم «أهل البدع» من السنة والشيعة. وأدت إلى انقسام اهلالسنة بين مؤيد لها ومعارض ، كما أدت
(50)
إلى إثارة زوبعة من التكفير ضد الشيعة. وفي عام 1802م دخل الوهابيون مدينة كربلاء، فقتلوا الآلاف ونهبوا وسلبوا،واعتدوا على مراقد أئمة أهل البيت، وكان ذلك عاملا في تعميق النزاع الطائفي، ثم هجموا سنة 1218هـ / 1803م على البصرة والزبير وهدموا مافيها من مراقد، وهجموا مرة ثالثة سنة1221هـ / 1806م على النجف؛ وكل ذلك أدى إلى استثارة طائفية شعبية عامة(6).
مشروع محمد علي باشا الإصلاحي واجه أول ماواجه المشكلة الطائفية؛ لذلك انشغل في حروب معالوهابية، كما بذل جهودا كبيرة للتقرب من السنة وكسب الشيعة إلى صفه، وواصل ابراهيم باشا هذه المساعي، لكنه واجه فتنا طائفية هوجاء اشترك فيها السنة والشيعة إضافة إلىالدروز والمسيحيين والأرمن، وكان للتدخل الأجنبي إضافة إلى الموروث الطائفي أثر في هذه الفتن الطائفية.
وازداد نشاط الأوروبيين للتغلغل في العالم الإسلامي،وتداعت الدولة العثمانية وأشرفت على السقوط، وانهزمت الدولة القاجارية أمام الروس واقتطعت أراضيها في معاهدتي «گلستان» و«تركمن چاى» واستشرى الفساد في العالمالإسلامي، ونشطت حركة الدروشة والخرافات، وتوفرت كلّ الظروف للسقوط.
في هذه الظروف نهض السيد جمال الدين المعروف بالأفغاني (1255 - 1315هـ/ 1839 - 1897م) للدعوة إلى«الجامعة الإسلامية». وهي بداية عصر الدعوة الإحيائية التي حاولت الجمع بين أصالة الإسلام ومبادئه وبين مواكبة العصر، وقامت على أساس تجاوز الحساسيات الطائفية،والعودة إلى جوهر الإسلام، وصيانة وحدة الأمة الإسلامية من عوامل التجزئة والتخلف.
بدأ دعوته في إيران فلم يسمح له الموروث الطائفي والبطش السياسي أن
(51)
يواصل دعوته، فما وجد في العالم الإسلامي أفضل من «مصر»؛ ليتخذها قاعدة للدعوة إلى «الجامعة الإسلامية» ويظهر أن مصر بعد غزو نابليون بدأت تتحسس الخطر علىهويتها وشخصيتها الإسلامية، وبدأت هذه المشاعر تنمو ولكن ببطء وبدون إطار ودون أن تنتظم في مشروع إحيائي، فوجدت في دعوة السيد جمال الدين ضالتها، ولذلك كان الالتفاف حولدعوة السيد سريعا ومدهشا(7).
كانت دعوة جمال الدين مشروعا نهضويا مستكملا إلى حد كبير لشروط الانتماء الثقافي وشروط الخطاب المعاصر، وأوشك أن يدفع بمصر وبسائرالعالم العربي والإسلامي إلى نهضة شاملة، لولا أن الأوروبيين، وخاصة الإنجليز، كانوا قد تغلغلوا في جسد الأمة عن طريق التنظيم الماسوني وعن طريق الإرساليات التبشيريةوالمدارس والاستشراقية وإشاعة روح الهزيمة؛ فوفروا الظروف لتدخلهم العسكري بعد ثورة عرابي باشا، وأحبطوا مشروع النهضة تماما.
ترافق هذا الضعف في العالمالإسلامي مع ظهور المشروع القومي في تركيا وايران والعالم العربي، واقترن هذا المشروع بالعلمانية، ونجح في تركيا في إحياء الطورانية وخلق تيار معاد للاسلام وللعربوللغة العربية على يد أتاتورك. وأوشك أن يحقق نفس النجاح على يد رضاخان الذي قضى على الحكم القاجاري وأعلن نفسه شاه ايران، مؤسسا بذلك الحكم البلهوي، ولكنه أخفق؛ بسببمعارضة التيار الديني(8).
والعالم العربي سقط بيد الاستعمار الأوروبي بالتدريج، ونفذ وعد بلفور بتأسيس إسرائيل، وكان من المفروض أن ينبثق نوع من التضامنالإسلامي أمام الهجوم الأوروبي والصهيوني العسكري والسياسي والثقافي، وظهر شيء من ذلك على مستوى بسيط، لكن عوامل التجزئة الطائفية ثم القومية حالت دون
(52)
ذلك، ورغم ماحققته حركات التحرر من استقلال نسبي للعالم الإسلامي، لكنها بقيت تعيش الموروث الطائفي، وظلت مصالح السيطرة والهيمنة والحكم تستغل هذا الموروث؛ لتشعلالنزاع الطائفي السني - الشيعي في الظروف اللازمة.
الموروث من القرون الأربعة السابقة على القرن العشرين - على الأقل - يتمثل في المحاور التالية:
ــالصراع بين السنة والشيعة على المحور الإيراني - التركي، وتشمل الدائرة التركية كل العالم العربي الذي خضع لسياسة الدولة العثمانية.
ــ الصراع السني الشيعي علىالمحور الأفغاني - الإيراني الموروث عبر هجوم الأفغان السنة على ايران الصفوية، ثم اندحارهم على يد نادر شاه.
ــ الحركة الوهابية القائمة على أساس السلفية، وماأفرزته من جو سلفي في العالم الإسلامي يرفض كثيرا مما يعتقد به أهل السنة والشيعة.
ــ النزاع المذهبي بين أهل السنة نتيجة القطيعة الفقهية بين المذاهب الأربعة.
وأما الموروث التقريبي فيتمثل في المحاور التالية:
ــ اتجاه مصر المبكر إلى دعوة الأمة الإسلامية للوحدة. ــ اتجاه الحوزات العلمية في ايرانوالنجف إلى فكرة التقريب استنادا إلى مفاهيم تحملها من مدرسة أهل البيت.
وسنذكر ما افرزه هذا الموروث في القرن العشرين، وما أضافه هذا القرن على جبهتي الطائفيةوالتقريب.
إفرازات الموروث الطائفي في القرن العشرين
نستطيع - مع شيء من التسامح - أن نقسم الحالة الطائفية في القرن
(53)
الماضي علىثلاث مراحل:
ــ مرحلة النصف الأول من القرن. ــ مرحلة النصف الثاني من القرن حتى السبعينيات.
ــ مرحلة العقدين الأخيرين.
في النصف الأولمن القرن الماضي نرى العالم الإسلامي غارقا في المشاكل التي خلقتها ظروف الاحتلال والتقسيم والسيطرة، وكان من المتوقع أن تتجه كل الجهود لمواجهة هذه المشاكل دون أن يبرزللطائفية رأس في الساحة، لكن التركة الثقيلة أبت إلا أن تعبر عن نفسها بأشكال شتى.
لقد كان الاختلاف المذهبي قائما في دور العلم فما بالك بعامة الناس، يقول الشخعبد المجيد سليم سنة 1368هـ / 1948م حين كان رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، ووكيل جماعة التقريب: «ولقد أدركنا الأزهر على أيام طلبنا العلم، عهد الانقسام والتعصب للمذاهب ولكنالله أراد لنا أن نحيا حتى نشهد زوال هذا العهد، وتطهر الأزهر من أوبائه، فأصبحنا نرى الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي إخوانا متصافين..» (9).
وعن الحالةالطائفية في النصف الأول من هذا القرن يكتب الشيخ محمد تقي القمي مؤسس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة: «كان الوضع قبل تكوين جماعة التقريب(10)، يثير الشجن،فالشيعي والسني كل كان يعتزل الآخر، وكل كان يعيش على أوهام ولدتها في نفسه الظنون أو أدخلتها عليه سياسة الحكم والحكام، أو زينتها له الدعاية المغرضة، وساعد على بقائهاقلة الرغبة في الاطلاع» (11).
ردود الفعل السلبية تجاه العملية التقريبية الضخمة التي نهضت بها دار التقريب في القاهرة تبين جانبا من الموروث الطائفي في هذهالفترة. فبعد
(54)
خمس سنوات من تأسيس الدار نرى افتتاحية مجلتها تشير إلى «أفراد في كل طائفة لاهمّ لهم إلا أن ينبشوا عن الهنات، ويضخّموا الهفوات،ويأخذوا أرباب المذاهب بأقوال عامتهم ضاربين صفحا عن تحقيق خاصتهم، كفعل ذوي المآرب من المستشرقين، يحكمون على الإسلام عامة بما يرونه من الآراء الشاذة في بعض الكتب.ويتحدث رئيس التحرير في هذه الافتتاحية لأول مرة بعد صدور المجلة عن ذوي القلوب الجاحدة، والعقول الجامدة، والأقلام الشاردة، والنفاثين في العقد، والمصدرين عن الضغينةوالحسد..» (12).
ويركز الشيخ محمد تقي القمي على دور السياسة في إثارة الفرقة بين المسلمين قبل عصر الاستعمار وبعده، فيقول: «أجل لقد ظلت الفرقة بين المسلمين غذاءًمناسباً للحكم والحكام قروناً عدة، دأب فيها كل حاكم على استغلالها لتثبيت سلطانه، ولتحطيم عدوه، ثم جاءت السياسات الأجنبية فوجدت في هذه الفرقة خير وسيلة لتدخلها، وبثنفوذها ودعم سلطانها وفرض سيطرتها«(13).
وتشكل سيطرة الملك عبد العزيز آل سعود على الحجاز سنة 1353هـ / 1934م منعطفا مهما في تاريخ الصراع الطائفي على صعيد العالمالإسلامي. لقد استطاع عبد العزيز بعد هذه السنة أن يسيطر على مقاتليه من الحركة الوهابية المسمون بالإخوان ونهاهم عن غزو العراق وشرقي الأردن(14)، وبذلك خف الصراع الوهابيالعسكري مع العالم الإسلامي، لكن الصراع المذهبي بقي مستمراً، وتجلى بأبشع صوره في حادثة مقتل الحاج الإيراني أبو طالب اليزدي سنة 1362هـ / 1943م؛ التي أدت إلى قطع العلاقاتالإيرانية - السعودية لأعوام، والحادثة يرويها أحد المتابعين لها إذ يقول:
«حدثت حادثة هزّت كل المخلصين، واستحثّت كل المهتمين بمصير
(55)
الأمةالإسلامية. لقد أعلن نبأ قتل ايراني من الشرفاء هو السيد أبو طالب اليزدي في موسم الحج بأرض الحجاز؛ لأنه أراد أن يهين الكعبة. وانشدت الأنظار إلى السعودية لتستطلع الخبر.فجاء التحقيق مذهلاً مؤلما يعبّر عن جو فظيع من انعدام الثقة والشبهة والتهمة بين المسلمين.
أصيب الرجل في الطواف بحالة غثيان، فأراد الخروج من بين الطائفين،لكنه لم يتمالك نفسه، حرص على أن لا يلوث أرض المسجد، فجمع ثيابه وألقى قيأه فيه. ثم أسرع للخروج، فاستوقفه شرطي وسأله عما يحمله، فلما رأى ما رأى ولم يفهم من السيد أبوطالب توضيحاته بالفارسية، أخذه وسلمه إلى القضاء. وهناك أيضا لم يفهموا ما يقوله الرجل، فأفرزت ذهنيات القضاة هناك مايلي: إن هذا الرجل ايراني، والإيرانيون عادة لايحجّون بيت الله الحرام وإنما يحجون كربلاء والنجف!! وهم يأتون إلى بيت الله الحرام بقصد إهانته، وما يحمله هذا الإيراني إنما كان يستهدف به تنجيس الكعبة، ثم حكموا عليهبالإعدام.. وضربوا عنقه!!!.
هذا نموذج واضح على نجاح الخطة الاستعمارية في إيجاد فصل نفسي وشعوري واعتقادي بين المسلمين.
هذا الحادث هز الشيخ محمد تقيالقمي(15)، كما هزّ الكثيرين من أبناء العالم الإسلامي، لكنه لم يحركه في اتجاه سلبي، لم يدفعه إلى الانتقام من أهل السنة، بل إلى الانتقام من الجهل والفرقة وكل العواملالتي أدت إلى هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المؤلمة.
فكر في الأمر مليّا، وقرر أن يتحرك لكسر حواجز العزلة بين السنة والشيعة، وكان لابد أن يكون هذا التحرك فيمركز قادر على أن يشعّ بتأثيره على كل العالم الإسلامي. وليس أفضل لهذا الأمر من الأزهر والقاهرة(16).
(56)
ومن الطبيعي أن تواصل قوى الهيمنة العالمية نشاطهافي مواجهة حركة التقريب التي تصاعدت في هذه البرهة، من ذلك مايرويه أحد المتابعين لحركة التقريب عن حادثة اقترنت بعزم الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر على إصدار فتوىبجواز التعبد بفقه الشيعة، وكان ذلك قبل عشر سنوات من صدور فتوى الشيخ شلتوت بهذا الشأن.
يقول: «هيأ الشيخ أذهان جماعة التقريب وأفكارهم لهذا الأمر. وتقرر دراسةصيغة الفتوى في جلسة تعين وقتها. وقبل أسبوع من تلك الجلسة المقررة وصلت إلى جميع أعضاء جماعة التقريب طرود بريدية مبعوثة من عواصم أوروبية مختلفة، أرسلت على عناوينهم فيمحل عملهم، وأرسل نظيرها على عناوينهم في بيوتهم، وهي تحمل ما ينسف فكرة إصدار الفتوى.
الأمر عجيب، والتخطيط دقيق، ومتابعة القوى الشيطانية لنشاط التقريب حثيث.
في توقيت دقيق تحركت هذه القوى للوقوف بوجه خطوة هامة من خطوات التقريب.
حضر الأعضاء في الجلسة المقررة وهم يحملون تلك الطرود، والغضب باد على وجوههم،وجلس الشيخ عبد المجيد في مقدمة المجلس. وإذا بالأعضاء يرفعون صوتهم دفعة واحدة، ويتحدثون بلهجة غاضبة قائلين: أتريدون أن نصدر فتوى في جواز العمل بفقه الشيعة وهم يعادونالصحابة! ثم فتح كل منهم طرده وأخرج منه كتابا منسوبا إلى أحد علماء الشيعة يتحامل فيه على الخليفتين الأول والثاني. وقالوا: هذه وثيقة تبين طبيعة الشيعة وأفكارهم تجاهالخلفاء فماذا تقولون؟
يقول الشيخ القمي استولى علي الوجوم، فما عدت قادرا على الكلام في هذا
(57)
الجو المتشنّج. نظرت إلى الشيخ عبد المجيدفرأيته ينظر إلى كل واحد من المتكلمين بهدوء وطمأنينة كأنه يريد أن يستفرغ منهم شحنة غضبهم. وعندما تكلم الجميع وساد الجو هدوء نسبي، تناول الشيخ سليم الحديث، وقالباتزان ووقار: هلا سألتم أنفسكم من أين جاءت هذه الطرود؟ وما هو هدف مرسليها؟ ولماذا أرسلوها في هذا الوقت بالذات؟ ثم استرسل في الحديث قائلا: لو أن الشيعة والسنة لم يكنبينهما اختلاف لما احتجنا الى التقريب وإلى جماعة التقريب ودار التقريب ومجلة رسالة الإسلام. لكننا بعد علمنا بوجود الاختلاف نهضنا بهذا المشروع؛ كي نركز على المشتركاتونقلل الاختلافات ونزيل الشبهات. ثم انظروا إلى هذه الأيدي التي فعلت فعلتها بطباعة كتاب يثير حساسيات أهل السنة تجاه الشيعة في أوروبا، وأرسلته في هذا الوقت الحساسإليكم، أهي حادبة على أهل السنة؟ أيهمها مصلحة المسلمين؟ وهلا سألتم أنفسكم عن صحة نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه؟ ولو قدر أن هذه النسبة صحيحة، فهل ماجاء فيه يخرج المسلم مندائرة الإسلام ويفكه من رباط الأخوة الإسلامية؟ واسترسل يتحدث بلغة رصينة مستحكمة. هدأ الجو، ولكن صدور الفتوى تأخر عشر سنوات حين أقدم الشيخ محمود شلتوت على تنفيذالمشروع» (17).
وشهد النصف الأول من القرن الماضي موجة من الكتابات التي تثير الحزازات الطائفية أعقبتها ردود تتناوب بين العلمي والمنفعل، وأشهر هذه الكتب:«محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية» للشيخ محمد الخضري، و«كتاب السنة والشيعة» للسيد محمد رشيد رضا، وكتاب «الصراع بين الإسلام والوثنية» لعبد الله علي القصيمي، وكتب«فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام» لأحمد أمين، و«الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» لموسى جار الله، وتصدى للرد على هذه
(58)
الكتب وأمثالها: الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني النجفي في «موسوعته الغدير» (18)، والسيد محسن الأمين في موسوعته «أعيان الشيعة» (19)، والسيد عبد الحسين شرف الدين في مؤلفاته المختلفة (20).
أماالنصف الثاني من القرن الماضي حتى نهاية السبعينات فقد شهد صراعا بين أنصار الطائفية وأنصار التقريب، ظهر فيه الموروث الطائفي مقروناً بالصراع القومي، وتكرست أدبياتالطائفية على إضفاء الطابع الفارسي على التشيع والطابع العربي على التسنن(21)، وعلى إثارة محن التاريخ والخلافات، وشهدت منطقة شبه القارة الهندية اشتباكات طائفية دامية،كما شهدت الساحة صدور الفتاوى بتكفير هذه الطائفة أو تلك، وهي امتداد لفتاوى سابقة كانت تصدر عن علماء الدولتين العثمانية والصفوية.
وتكرس في هذا العصر الانفصالالنفسي بين ايران والعرب مستمداً جذوره من الروح الطائفية إضافة إلى الروح القومية. وظهرت موجة من المؤلفات في التاريخ وتاريخ الأدب في العربية والفارسية تكرّس هذاالانفصال، تحت عناوين نشأة التشيع، والشعوبية، والزندقة(22)، وأمثالها، وكان النزاع السياسي بين عبد الناصر والشاه من عوامل تأجيج هذا الصراع.
وبعد سقوط الشاهوقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية سنة 1400هـ / 1979، دخل الصراع الطائفي مرحلة جديدة، فمن جهة كان على رأس هذا التحول فقيه شيعي قاد الشعب الإيراني من منطلق الولاية فيالفكر الشيعي، وأقام دولة على أساس فكر مدرسة أهل البيت، ومن جهة أخرى أثار هذا التحول مخاوف كثيرة من انتقال النموذج الإيراني إلى المنطقة. فاتخذت حياله كل السبللتطويقه وتحجيمه، ومن تلك إثارة عاصفة طائفية بوجه ايران، وطالت هذه
(59)
العاصفة معظم الشيعة في البلدان المختلفة. واتخذت هذه العاصفة عناوين عدة منها:التشكيك في نوايا الثورة الإسلامية تجاه أهل السنة ، وتآمر الفرس التاريخي على الإسلام، وانحراف الشيعة عن القرآن والسنة، بل واتجهت هذه الموجة إلى الطعن حتى في تواترالقرآن عند المسلمين؛ إذ زعمت أن الشيعة يمتلكون قرآناً غير هذا المصحف، وأنهم يؤمنون بتحريف القرآن(23).
وفي هذا السياق ترجمت بعض كتب الإمام الخميني محرفة إلىاللغة العربية، فتصدى المرحوم الدكتور ابراهيم الدسوقي شتا أستاذ الأدب الفارسي في جامعة القاهرة لواحدة من هذه الترجمات، وبيّن مافيها من تحريف، وأقام دعوى علىالمترجم.
وفي هذه الفترة بالذات تصاعدت نشاطات أنصار السنة في باكستان ضد الشيعة، وصدرت مجموعة كتابات «إحسان إلهي ظهير» (24) للطعن في الشيعة.
كما اتجهتالجهود إلى إثارة خلافات طائفية داخل إيران بين أهل السنة والشيعة عبر السفارات وعبر الإعلام، وكانت بعض الإذاعات الموجهة باللغة الفارسية إلى إيران تركز على هذهالإشارات الطائفية، ومنها إذاعة إسرائيل.
وخفت هذه العاصفة إلى حدّ كبير بعد أن وضعت الحرب العراقية - الإيرانية أوزارها ، وبعد أن تحسنت العلاقات الإيرانيةالعربية، وذابت إلى حدٍ كبير سدود عدم الثقة بين ايران وبلدان الجوار العربية(25).
لكن العامل السياسي لايزال يلعب دوره في إثارة النزاعات المذهبية، ولاتزالالطائفية تُجند لتحقيق أهداف الهيمنة، وهذا مانشهده في باكستان وأفغانستان والعراق بوضوح، وستبقى مستمرة حتى يرتقي العالم الإسلامي إلى المستوى الذي تتطلّبه حياةالعزة والكرامة والاستقلال على الساحة العالمية.
(60)
جهود التقريب والوحدة
أــ على الصعيد الفردي:
من الطبيعي أن ينهض المخلصون من أبناءالأمة إلى بذل ما وسعهم في سبيل وحدة الأمة الإسلامية؛ إذ كل نصوص القرآن والسنة ومنهج السيرة النبوية يدعو إلى ذلك، وكل الظروف القائمة المخيمة على المسلمين تفرض ذلك،وكل تطلع إلى عزّة المسلمين وكرامتهم يستوجب ذلك. لقد تحرك علماء المسلمين في فترة متقدمة من القرن الماضي لجمع كلمة المسلمين السنة والشيعة، منهم السيد عبدالحسين شرف الدين، فقد بذل جهدا علميا وعملياً جباراً؛ لإزالة سوء التفاهم بين علماء السنة والشيعة، وحج سنة 1340هـ / 1921 م عن طريق البحر في عهد الشريف حسين، واحتفى بهالشريف، واجتمعا أكثر من مرة وغسلا الكعبة المشرفة معا، ثم أمّ الناس في المسجد الحرام، وهو أوّل عالم شيعي أمّ جموع الحجاج في هذا المسجد الكريم.
وحين أحرقالاحتلال الفرنسي بيته ومكتبته الضخمة غادر لبنان إلى دمشق ثم إلى فلسطين، ومنها إلى مصر حيث اجتمع بالعلماء وعلى رأسهم شيخ الأزهر يومئذ سليم البشري، وكان من نتائجاجتماعاته المتوالية بالشيخ سليم كتاب المراجعات(26).
وغير لقاء شرف الدين - البشري، ثمة لقاء بين الزنجاني - المراغي ، فقد زار عالم الشيعة في النجف الشيخ عبدالكريم الزنجاني مصــر سنــة 1355هـ /1936م. وكان شيخ الأزهر يومئذ الشيخ محمد مصطفى المراغي، وأقيم للشيخ الزائر حفل كبير في الأزهر حضرته الشخصيات السياسية والعلميةالمصرية، ومما قال:
«إني أشعر بسعادة عظيمة وغبطة لوجودي بين هذا الحفل العلمي الكريم
(61)
الذي تأيد فيه نجاح جهودنا الجبارة في سبيل توحيد شعورالمسلمين وتقوية الروابط الدينية بينهم، على اختلاف أوطانهم، وإذكاء روح الأخوة الإسلامية في طوائفهم المختلفة، وأرى جلياً أن وجوه النظر بين الطائفتين الإسلاميتينالكبيرتين، الشيعة والسنة، قد تقاربت بمساعينا ومساعي فضيلة الأستاذ الأكبر الإمام المراغي، وتجلت حقيقة الأخوة الإسلامية في هذا الاحتفال العظيم التارخي الذي أقامهالأزهر الشريف تكريماً للنجف الأشرف» (27).
وعن هذا التكريم علقت صحيفة «البلاغ» المصرية: «ومما يذكر عن هذا التكريم العلمي ما لاحظه بعض المفكرين من أن هذه هيالمرة الأولى بعد أكثر من ألف سنة يجتمع فيها كبار العلماء السنيين في الأزهر برئاسة أكبر زعيم ديني وهو شيخ الجامع الأزهر لتكريم كبير علماء الشيعة الإمامية وهو الإمامالشيخ عبد الكريم الزنجاني»(28).
ويظهر أن مراسلات كانت جارية بين الشيخ الزنجاني والشيخ المراغي قبل هذه الزيارة، ففي الوثائق أن الشيخين اهتزا لأنباء الحوادثالتي جرت بين السنة والشيعة في الأقاليم الشمالية للهند سنة 1353هـ / 1934م، ودار الحديث بينهما حول مشروع إنشاء «مجلس إسلامي أعلى» يضم الشيعة والسنة للتغلب على المشاكلالقائمة، ولم يتحقق المشروع.
وثمة لقاء تقريبي آخر كان في إطار مبادرات فردية هو لقاء الكاشاني - البنا(29).
في عام 1948م خلال فترة الحج التقى العالمالايراني السيد ابو القاسم الكاشاني (1300 - 1381هـ / 1883 - 1960م)، بالشيخ حسن البنا (1324 - 1368هـ / 1906 - 1949م)، وحدث بينهما تفاهم وتقارب في وجهات النظر حول التقارب والوحدة بينالمسلمين على أمل أن يكون هذا اللقاء بداية مسار على طريق
(62)
الوحدة الاسلامية، وقد سجل هذا الحدث لأهميته في تراجم سيرة الرجلين، وكان ملفتا للكثيرين،فقد نقل الأستاذ عبد المتعال الجبري عن روبير جاكسون في حديثه عن الشيخ حسن البنا قوله: «ولو طال عمر هذا الرجل لكان يمكن أن يتحقق الكثير لهذه البلاد، خاصة لو اتفق حسنالبنا وآية الله الكاشاني الزعيم الإيراني على أن يزيلا الخلاف بين الشيعة والسنة. وقد التقى الرجلان في الحجاز عام 1367هـ / 1948م، ويبدو أنهما تفاهما ووصلا إلى نقطة رئيسةلولا أن عوجل حسن البناء بالاغتيال». ويعلق الأستاذ الجبري قائلا: «لقد صدق روبير وشمّ بحاسة السياسة جهد الإمام البنا في التقريب بين المذاهب الإسلامية فما باله لو أدركعن قرب دوره الضخم في هذا المجال.. ما لا يتسع لذكره المقام»(30).
وفي عام 1373هـ / 1954م زار القاهرة السيد نواب صفوي زعيم حركة فدائيان إسلام، ولعل هذه الزيارة مرتبطةباللقاء الذي جرى بين الكاشاني والبنا، لما بين نواب صفوي والكاشاني من علاقة وطيدة(31).
واستقبلت زيارة صفوي للقاهرة باهتمام كبير وكانت بداية علاقات واتصالاتوثيقة، يشرح هذه العلاقات الأستاذ حميد عنايت بقوله: «كانت حركة فدائيان إسلام هي الجماعة الوحيدة التي كانت لها علاقات تعليمية عقائدية - وقيل تنظيمية أيضا - معمثيلاتها عند أهل السنة في العالم العربي، وخلال السنوات العشر الأخيرة ترجمت كثير من مؤلفات سيد قطب ومحمد الغزالي، ومصطفى السباعي إلى الفارسية على أيدي الفدائيين أوحماتهم ونشرت في ايران. فإن تجلي مثل هذه الروح التي تتجاوز أي نوع من التمذهب من إحدى أكثر الجماعات الشيعية المعاصرة نضالاً أمر جدير بالإعجاب»(32).
وينقلالأستاذ محمد علي الضناوي في كتابه كبرى الحركات الإسلامية
(63)
في العصر الحديث - ص 150 - نقلاً عن برنارد لويس قولـه: «وبالرغم من مذهبهم الشيعي فإنهميحملون فكرة عن الوحدة الإسلامية تماثل إلى حد كبير فكرة الإخوان المصريين، ولقد كانت بينهم اتصالات وعندما يلخص الأستاذ الضناوي بعض مبادئ فدائيان إسلام يجد فيها:أولا: الإسلام نظام شامل للحياة. ثانياً: لاطائفية بين المسلمين أي بين السنة والشيعة، ثم ينقل عن نواب قوله: «لنعمل متحدين للإسلام ولننس كل ماعدا جهادنا في سبيل عزالإسلام ألم يأن للمسلمين أن يفهموا ويدعوا الانقسام إلى شيعة وسنة»(33).
ومن الذين نهضوا بمسؤولية مواجهة الطائفية ضمن مبادرة فردية السيد محسن الأمين (1284 - 1371/1867- 1951م) فهذا الرجل مثل السيد عبد الحسين شرف الدين جاهد على جبهتين: جبهة مقارعة الاستعمار الفرنسي، وجبهة رص الصف الإسلامي، وكلا الجهادين يلتقيان في هم واحد هو عزةالمسلمين وكرامتهم. نشط في حقل الوحدة الإسلامية منذ قدومه من لبنان واستقراره في دمشق سنة 1319هـ / 1901م، ونجح في ذلك بشهادة معاصريه.
يقول لطفي الحفار رئيس الوزراءالسوري الأسبق:
«إن ما كان يتمتع به الإمام العلامة السيد محسن من الزعامة والقوة والحب العميق من جميع من عرفه واجتمع إليه من إخوانه ورجاله وأبناء عشيرتهوغيرهم، كانت هذه الزعامة والحب قوة لنا لمتابعة الجهاد والنضال دون تردد أو ضعف، وكانت مجالسه كلها التي نغشاها من حين الى آخر مجالا للدعوة الصالحة في وجوب التضامنوالائتلاف ونبذ السخائم والخلافات والترفع عن الدنيا والإسفاف»(34).
وقال عنه الشيخ هاشم الخطيب من علماء السنة من دمشق: «لقد نهض بأبناء طائفته الجعفرية في سورياولبنان وجبل عامل نهضة مباركة، وخطا
(64)
بهم خطوة طيبة حببت إليهم جميع إخوانهم من المسلمين والعرب، كما حببتهم أيضا إلى الجميع فكانوا يدا واحدة إخوانامتحابين على سرر متقابلين، تجمعهم وحدة الإسلام وتنظم أهدافهم وغاياتهم المصلحة العامة»(35).
ونقل عنه الدكتور مصطفى السباعي «أن شخصا جاء إليه لينتقل من المذهبالسني إلى المذهب الشيعي، فعرفه بأنه لا فرق بين السنة والشيعة في العنوان الإسلامي. وعندما أصر هذا الرجل قال له السيد الأمين قل: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدارسول الله، فقالها الرجل، قال له: لقد أصبحت شيعيا».
ومن أصحاب المبادرات الفردية لتوحيد الصف الإسلامي أيضا الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (1295 - 1373هـ / 1878 - 1953م)،وكان من المتعاونين مع دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، ومن المشاركين في مجلتها رسالة الإسلام يقول هو عن نفسه:
«مضى عليّ أكثر من خمسين سنة، وأناأهيب بإخواني المسلمين أدعوهم إلى الاتفاق، والوحدة وجمع الكلمة، ونبذ مايثير الحفائظ، وينبش الدفائن والضغائن التي أضرت بالإسلام وفرقت كلمة المسلمين فأصبح الإسلامغريباً يستنجد بهم، تكالب عليه أعداؤه وجاحدوه وخذله أهله وحاملوه.
ومن أراد شاهد صدق على ذلك فليراجع الجزء الأول من الدين والإسلام أو الدعوة الإسلامية الذيطبع منذ 44 سنة، ولينظر أول صفحة منه إلى صفحة 27 تحت عنوان: البواعث والدواعي لهذه الدعوة، ولم تزل نشراتي ومؤلفاتي في أكثر من نصف قرن سلسلة متوالية الحلقات متصلة غيرمنقطعة كلها في النصح والإرشاد والدعوة إلى الاتحاد ودفع الفساد»(36).
ذكرنا هذه المبادرات الفردية على سبيل المثال لا الحصر، وغيرهم كثيرون ممن بادر في القرنالماضي على الصعيد الفردي في الدعوة إلى وحدة
(65)
المسلمين، كما أن الذين بادروا إلى هذا الهدف ضمن مشاريع ومؤسسات كثيرون أيضا، مثل الشيخ محمد تقيالقمي، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، و.. سنذكرهم ضمن أصحاب المشاريع.
ب - على صعيد المؤتمرات:
المؤتمرات تتخطى المبادرات الفردية لتجمعأصحاب الفكر على صعيد موضوع واحد للخروج بنتائج يشمل تأثيرها مساحة واسعة من العالم الإسلامي. أولا- مؤتمرات القدس:
انعقدت مؤتمرات في القدس جمعت علماءالسنة والشيعة، وتداولوا شؤون المسلمين وتفرقهم، ففي عام 1340هـ / 1921م انعقد مؤتمر وضعه المستشرق «جب» في كتاب «الإسلام إلى أين» بقوله: «لم يحدث طوال تاريخ الإسلام أن فكرالسنة والشيعة معا، وتبادلوا وجهات النظر في قضاياهم ومشاكلهم المشتركة، ومهما حمل هذا الأمر على ضعف الزخم المذهبي في الحياة السياسية، فهو يدل في الوقت نفسه على إدراكأكثر للعلاقات المشتركة بين المسلمين في العالم المعاصر»(37). وفي عام 1350هـ/ 1931م انعقد مؤتمر إسلامي آخر في القدس لاتخاذ موقف من الأطماع اليهودية في فلسطين، وجمععلماء السنة والشيعة، وكان بين المشاركين الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي ألقى كلمة وأم المصلين في المسجد الأقصى ، وبعد النكبة انعقد في القدس أيضا عام 1373هـ / 1953،مؤتمر آخر كان له دور متميز في جمع الصف الإسلامي.
ثانياً - مؤتمرات دمشق:
انعقد مؤتمر العلماء الأول في دمشق سنة 1357هـ/ 1938م، وشارك فيه الشيخ عبد الكريمالزنجاني، وألقى فيه كلمة . وبعد أن ختم المؤتمر أعماله صدرت (66)
عنه جملة من المقررات، وبشأن التقريب بين المذاهب ورد في المقرر الثاني عشر: «بشأن تعاونأبناء المذاهب الإسلامية وتنظيم العمل الديني، إن مؤتمر العلماء الأول المنعقد بدمشق في 11 - 13 رجب سنة 1357هـ / 6 - 8 أيلول سنة 1938م بناء على اقتراح فضيلة الأستاذ الكبيرالإمام الشيخ عبد الكريم الزنجاني من كبار علماء الشيعة الإمامية في النجف الأشرف في شأن التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتعاون المسلمين مع اختلاف مذاهبهم الذينتجمعهم عقيدة التوحيد ومقاصد الإسلام لمكافحة الإلحاد والفوضى الأخلاقية ولتنظيم العمل الاجتماعي والوحدة الروحية، وبعد المذاكرة في هذا الاقتراح القيم الجليل، وبعدالاطلاع على مساعي فضيلة الإمام الزنجاني صاحب الاقتراح، في سبيل اقتراحه يقرر:
1ـ شكره على غيرته وسعيه في ضم شمل المسلمين الذين تجمعهم كلمة التوحيد لمكافحةالإلحاد ورفع كيان المسلمين إلى المستوى الأعلى في حياتهم الاجتماعية.
2- تأييده العمل في سبيل ذلك المقصد الأسمى.
3- تكليف اللجنة التنفيذية بالمباشرةبالاتصال مع علماء الأقطار الإسلامية لتحقيق مؤتمر عام في المكان والزمان اللذين يتفق عليهما لتحقيق تلك الأمنية السامية»(38).
والمؤتمر الآخر عقد سنة 1420هـ/ 1999مفي دمشق تحت عنوان: استراتيجية التقريب بين المذاهب «برعاية مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية» شارك فيه عدد من أئمة المذاهب والعلماء وممثلون عن الأزهر الشريف ورابطةالعالم الإسلامي، ودار الحديث الحسنية بالمغرب، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.
(67)
ودعا البيان الختامي للمؤتمر المنظمات والمؤسساتوالجمعيات الإسلامية لمتابعة العمل من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية الفقهية المعتمدة. وتعميم ثقافة التقريب بين المذاهب وإعداد الأدبيات الدينية والفكرية التيتسهم في بلورة هذه الثقافة، وتقوم على قاعدة احترام الاجتهاد.
وحضر المؤتمر من علماء سوريا الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي،وكما حضره الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الله بن صالح العبيد، ومن الأزهر الشريف حضره وكيل الأزهر الشيخ فوزي فاضل الزفزاف، إضافة إلى شخصياتعلمية من إيران وعمان ولبنان واليمن والمغرب وأفغانستان والكويت والإمارات(39).
وثمة مؤتمر تقريبي عقد في سوريا، ولكن في حلب أذكره إتماما للفائدة، وحمل عنوان:«المشروع المستقبلي لوحدة الأمة الإسلامية» بمعهد التراث العلمي العربي بتاريخ 25 - 26 شوال 1420 / 1 - 2/3/2000م. وشارك فيه جمع من علماء ايران وسوريا واهتم بالإعداد له السفارةالإيرانية في دمشق بالتعاون مع المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران(40).
ثالثا - مؤتمرات الوحدة الإسلامية بطهران:
بدأ من الثمانينياتفي طهران عقد مؤتمر سنوي للوحدة الإسلامية، يحمل كل عام عنوانا معينا يرتبط بقضايا الوحدة والتقريب، وفي القرن الماضي عقد ثلاثة عشر مؤتمرا ولايزال متواصلا انعقادهخلال الأيام من 12 - 17 ربيع الأول من كل عام، وهي الأيام التي أطلق عليها اسم أسبوع الوحدة الإسلامية، وهي تمتد من الرواية الأشهر ليوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عند أهل السنة، حتى الرواية الأشهر ليوم المولد عند الشيعة. ويدعى سنويا لهذا المؤتمر علماء من مختلف أرجاء العالم؛ ليدرسوا محاور
(68)
موضوعيعينه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ وليخرجوا منه بنتائج محددة في الموضوع، ويتخذ المؤتمر عادة موقفاً من القضايا المصيرية والحاسمة في العالمالإسلامي.
وإضافة إلى مؤتمرات الوحدة الإسلامية، ثمة مؤتمرات أخرى يقيمها المجمع لتكريم روّاد التقريب، مثل مؤتمر السيد جمال الدين المعروف بالأفغاني(41)،ومؤتمر البروجردي - شلتوت( ).
جدير بالذكر أن المؤتمر الأخير كان مصريا - ايرانيا لدراسة مشروع دار التقريب بين المذاهب الإسلامية من خلال شخصيتين كان لهما الدورالأكبر في هذا الدار.
رابعاً - ندوات الايسيسكو للتقريب:
أول ندوة أقامتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) التابعة لمنظمةالمؤتمر الإسلامي تحت عنوان «التقريب بين المذاهب الإسلامية» كانت سنة 1412هـ / 1991م في الرباط. وحضرها علماء من ايران والمغرب واليمن وعمان وسوريا يمثلون المذاهبالإسلامية. وأصدرت في نهاية اجتماعاتها بيانا ختامياً وتوصيات ونداء إلى الأمة الإسلامية(42). وأكد البيان الختامي على أن عملية التقريب بين الأفكار والاتجاهاتوالمذاهب المختلفة ضرورة يقتضيها العمل الإسلامي المشترك؛ لتقوية الصف الإسلامي، وتدعيم الوحدة الإسلامية في أجلى مظاهرها، وأن خطة التقريب يجب أن تقوم على أساسالتثبّت من صحة نسبة الآراء والمواقف والتركيز على الإيجابيات، واحترام اجتهادات أئمة المذاهب .
ودعم البيان الختامي الاقتراح الذي تقدم به المجمع العالميللتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران، ممثلا بكاتب هذه السطور، بإعادة طبع المجموعة
(69)
الكاملة لمجلة رسالة الإسلام التي صدرت عن دار التقريب بينالمذاهب الإسلامية بالقاهرة، وتم بعد ذلك إعادة طباعة هذه المجلة كاملة في المجمع.
ونــدوة الايسيسكو الثانية للتقريب عقدت أيضا في الرباط سنة 1417هـ / 1996م تناولتموضوعات أسباب الخلاف المذهبي، وآداب التعامل في الخلاف المذهبي، ووسائل تقريب وجهات النظر، واقترحت بعض الأمور العملية التي يجري العمل على بعضها، وينتظر بعضهاالتنفيذ، من ذلك:
توحيد المصطلحات الفقهية والمذهبية، وتأليف كتاب مبسط بتعريف المذاهب الإسلامية مدون بلغة قائمة على أساس الأدب والحب والابتعاد عن العصبية،وإعادة كتابة التاريخ بأسلوب موضوعي يخدم التقارب، وتضمين مناهج التعليم دروسا خاصة تدعم الأخوة الإسلامية(43).
المشاريع التقريبية
1ـ مشروع دارالتقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة: هذا المشروع حقق نجاحا كبيرا في مجال الدعوة إلى التقريب، ويعود نجاحه إلى مكان الانطلاق، وإلى الرجال الذينتعاهدوه.
مصر لأسباب تاريخية معروفة تعيش همّ النهضة والإحياء منذ أوائل القرن التاسع عشر؛ ولذلك فإنها مهيئة لاحتضان كل دعوة إحيائية ترسم في الأفق عزّةالمسلمين وكرامتهم، وإلى هذا يعود نجاح السيد جمال الدين في دعوته حين حلّ بمصر، وإلى هذا يعود نجاح الشيخ محمد تقي القمي حين هزته الأحداث الطائفية في العالم الإسلامي؛فيمم وجهه صوب مصر ليجد فيها من يساند دعوته التقريبية، فوجد أرضها سهلا وعلماءها أهلا.
وهذا لا يعني طبعا أن الأرض كانت مفروشة أمام هذه الدعوة بالزهور، بل
(70)
كانت رواسب الماضي تشكل أشواكا أدمت أقدام السائرين. يقول السيد عبد الله نجل الشيخ القمي:
«لقد تعرضت هذه الدعوة المؤمنة وقوبلت في مطلعها بهجومممن لم تحسن نواياهم بالعداوة والبغضاء ورميت منهم ورمى المقبلون عليها بالتهم والظنون، فمن قائل بأن دار التقريب هذه هي خليقة سياسات استعمارية من صنع الإنجليز تارة،ومن صنع الروس تارة أخرى، ثم من صنع أمريكا في العصر الحالي، حتى لقد ظن البعض في عهد الملك فاروق أن الدار تعمل سرا لصالح الطائفة الإسماعيلية بقصد إرجاع الحكم الفاطميإلى مصر. وأتذكر دائما في هذا الخصوص مقولة والدي - رضي الله عنه - بشأن تهمة انتماء الدار إلى الإنجليز؛ حيث كانت (الموضة) السائدة وقتها تقتضي إرجاع أي عمل أو حدث فيمنطقتنا إلى الانجليز وتنسبه إليهم قال: «هؤلاء الإنجليز الذين يعملون على التفرقة لو أنهم فكروا في العمل على التقريب فأهلا بهذا الذي يزعمون…»(44).
لقد أحسنالشيخ القمي اختيار الرجل الأول الذي فاتحه بهمومه في مصر، فقد اتصل أول ما اتصل بالشيخ محمد المراغي شيخ الأزهر الشريف يومئذ، وكان هذا الرجل مهيئا تماما لتقبل الفكرة،فاقترح على الشيخ القمي أن يدرّس الفلسفة في الأزهر؛ ليوثق علاقاته بشيوخه.
كان الشيخ المراغي خلال كل هذه المدة يبذل الجهد لإنجاح مهمة الشيخ القمي. وكان ممافعله أن عرف الشيخ القمي بطائفة من العلماء الذين يحملون هموم وحدة المسلمين ونبذ التفرقة بينهم، منهم الشيخ مصطفى عبد الرازق الذي أصبح فيما بعد شيخا للأزهر، والشيخعبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت وكلاهما أيضا توليا مشيخة الأزهر فيما بعد، والشيخ محمد محمد المدني، والشيخ محمد علي علوبه باشا، ثم اختار الشيخ القمي جمعا آخرفيهم
(71)
الشيخ حسن البنا والشيخ عبد العزيز عيسى، والشيخ علي المؤيد من اليمن والسيد الآلوسي نجل صاحب تفسير روح المعاني. ومن هذا الجمع تشكلت النواةالأولى لجماعة التقريب، وأقامت هذه الجماعة مؤسسة هي دار التقريب، واتخذت هذه المؤسسة المباركة من بيت الشيخ القمي المتواضع مقرا لأعمالها(45).
من الشخصيات التيبرزت بين جماعة التقريب الشيخ عبد المجيد سليم. كان رجلاً كبيراً في علمه وإخلاصه. قال عنه الشيخ المراغي: لو كان أبو حنيفة حيا لما استخلف على مدرسته الفقهية سوى الشيخعبدالمجيد سليم، لإلمامه الكامل بالفقه الحنفي ولدقته وسعة علمه، ولما كان يمتاز به من صفات نبيلة انتخب لمشيخة الأزهر دورتين.
والشيخ عبد المجيد سليم أول منراسل الإمام آقا حسين البروجردي في قم، وهي مراسلة هامة للغاية بين أكبر شخصيتين سنية وشيعية آنئذ، وظلت هذه المراسلات تتوالى عن طريق الشيخ القمي او المسافرين بين مصروإيران، وكان السيد البروجردي يرد على رسائله بكل إجلال واحترام(46).
ومن المشاريع التقريبية التي نهض بها الشيخ عبد المجيد سليم إدخال تفسير مجمع البيان إلى ساحةالعالم الإسلامي. حين اطلع الشيخ على هذا التفسير وجد فيه بغيته، رآه التفسير الذي يجمع بين العمق العلمي، والسعة والشمول والوضوح والمنهجية، والابتعاد عن التعصب،والجمع بين آراء أهل السنة والشيعة. فكتب إلى دار التقريب رسالة يشيد بهذا التفسير ويستحث الجماعة على طباعته. وكتب في مقدمته على هذا التفسير: «هو كتاب جليل الشأن غزيرالعلم كثير الفوائد حسن الترتيب لا أحسبني مبالغا إذا قلت إنه في مقدمة كتب التفسير التي تعد مراجع لعلومه وبحوثه».
(72)
وهذا الحث دفع الشيخ محمود شلتوتأن يطالع هذا التفسير بإمعان، فشغف به حباً، وولع به ولعاً يتضح من المقدمة التاريخة التي دونها لهذا التفسير. تقرر طباعته، وعلى مدى أعوام طبع هذا التفسير أفضل طبعةتتصدرها رسالة الشيخ سليم ومقدمة الشيخ شلتوت(47).
والشيخ شلتوت كان عالماً مفسراً أديباً عاملا ورث عن أستاذه الشيخ سليم إخلاصه وعلمه وروحه التقريبية، وكان يجلأستاذه ويحترمه، ويقوم له في المجلس ويقبل يده.
خص كل جزء من أجزاء مجلة «رسالة الاسلام» بحلقة من التفسير يجمع فيها بين الوضوح والعمق والأصالة والمعاصرة. كانيكتب بروح الأزهر وبلغة العصر، ثم جمعت هذه الحلقات في كتاب وطبع فيما بعد(48).
أهم منجزات مشروع دار التقريب في القاهرة
1ـ إصدار مجلة رسالةالإسلام(49)، هذه المجلة كانت تنشر الفكر التقريبي بين المسلمين، وتجمع العلماء على صعيد الحوار العلمي في مختلف المجالات، كتب فيها كبار علماء الشيعة من أمثال: الشيخمحمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والسيد صدر الدين شرف الدين، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ محمد تقي القمي،ومحمد صادق الصدر، وغيرهم، وكبار علماء السنة من أمثال: الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت (وكلاهما من أئمة الأزهر وشيوخه)، والشيخ محمد محمد المدني (رئيس تحريرالمجلة)، والشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور محمد البهي، والأستاذ محمود فياض، والشيخ محمد علي علوبه باشا، والشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ عبد المتعال الصعيدي، (73)
والأستاذ فريد وجدي، والأستاذ أحمد أمين، والأستاذ علي عبد الواحد وافي، والأستاذ عباس محمود العقاد، وغيرهم كثير.
صدر العدد الأول من هذه المجلةفي ربيع الأول سنة 1368 هـ (يناير 1949م)، وتواصلت تصدر كل ثلاثة أشهر، وتعثرت في الصدور بعض الأعوام، وصدر عددها الستون والأخير في رمضان 1392هـ (أكتوبر 1972م) ، ومجموعة ماتضمنته من مقالات ودراسات وأخبار يشكل سفراً مهماً من أدبيات التقريب في عالمنا المعاصر؛ إذ أن المجلة انفتحت على كتّاب أهل السنة والشيعة، وانعكست فيها مسيرة دارالتقريب، ومسيرة التقريب في العالم الإسلامي.
ومسيرة دار التقريب يمكن تلخيصها بمايلي:
التركيز على المشتركات بين المذاهب الإسلامية في شؤون التفسيروالحديث والفقه والأدب، فقد بينت المساحة الواسعة التي يلتقي عليها المسلمون؛ لتأخذ الاختلافات حجمها الطبيعي ولا تتضخم؛ فتسيطر على الأذهان. فعلى صعيد القرآنالكريم طبعت دار التقريب تفسير مجمع البيان لمفسر شيعي هو العلامة الطبرسي بإشارة - كما ذكرنا - من شيخ الأزهر يومئذ الشيخ مصطفى المراغي، وبمقدمة عظيمة من الشيخ محمودشلتوت جاء فيها:
«وقد يكون في الكتاب بعد هذا مالا أوافق أنا عليه، أو مالا يوافق عليه هؤلاء أو أولئك من قارئيه أو دارسيه، ولكن هذا لا يغض من عظمة هذا البناءالشامخ الذي بناه الطبرسي، فإن هذا شأن المسائل التي تقبل أن تختلف فيها وجهات النظر، فليقرأ المسلمون بعضهم لبعض، وليقبل بعضهم على علم بعض، فإن العلم هنا وهناك،والرأي مشترك، ولم يقصر الله مواهبه على فريق من الناس دون فريق، ولا ينبغي أن نظل على ما أورثتنا إياه عوامل الطائفية والعنصرية
(74)
من تقاطع وتدابروسوء ظن، فإن هذه العوامل مزورة على المسلمين، مسخرة من أعدائهم عن غرض مقصود لم يعد يخفى على أحد أن المسلمين ليسوا أرباب أديان مختلفة، ولا أناجيل مختلفة، وإنما همأرباب دين واحد، وكتاب واحد، وأصول واحدة، فاذا اختلفوا فإنما هو اختلاف في الرأي مع الرأي، والرواية مع الرواية، والمنهج مع المنهج، وكلهم طلاب الحقيقة المستمدة منكتاب الله، وسنة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، والحكمة ضالتهم جميعاً ينشدونها من أي أفق.
فأول شيء على المسلمين وأوجبه على قادتهم وعلمائهم أن يتبادلواالثقافة والمعرفة، وأن يقلعوا عن سوء الظن وعن التنابز بالألقاب، والتهاجر بالطعن والسباب، وأن يجعلوا الحق رائدهم، والإنصاف قائدهم، وأن يأخذوا من كل شيءبأحسنه…»(50).
وعلى صعيد الفقه دعت الدار إلى فتح باب الاجتهاد، فالشائع بين أهل السنة سد بابه وتقليد واحد من أئمة المذاهب الأربعة، والشائع عند الشيعة هو فتحباب الاجتهاد(51). والذي حققته مجلة «رسالة الاسلام» هو أنها بينت على لسان كبار علماء أهل السنة «حرمة التقليد لمن توفرت فيهم شروط الاجتهاد» ، وجواز «تقليد غير الأئمةالأربعة»، ثم صدرت فتوى شيخ الأزهر لتجيز لأهل السنة أن يتعبدوا بمذهب الجعفرية المعروف بمذهب الإمامية الاثنى عشرية، وبذلك انفتح باب التفاهم في مجال الفقه والتشريععلى مصراعيه، وتوفر إمكان التوصل إلى تشريع كامل مشترك للحياة الفردية والاجتماعية بين أهل السنة والشيعة في إطر الاجتهاد الصحيح(52).
وعلى صعيد الأدب ركزت علىالأدب الموالي لأهل البيت؛ لأنه يستثير عاطفة يشترك فيها كل المسلمين.
(75)
وفي مجال الحديث الشريف والسيرة بدأت دار التقريب بين المذاهب الإسلاميةبمشروع كبير، وهو جمع الأحاديث التي اتفق عليها الفريقان في مختلف أبواب الإيمان والعمل والأخبار والأخلاق، تجمع الأحاديث المتفق عليها في كل باب، ويبين مع كل حديثمصدره من كتب السنة ومن كتب الشيعة ودرجته عند كل من الفريقين(53)، وهذا المشروع لم يكتمل في الدار. وعمل على إكماله المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، في إطارمركز البحوث والدراسات التابع للمجمع في مدينة قم.
وبدأت دار التقريب أيضا بدراسة مشروع إعادة النظر في السيرة النبوية المباركة دراسة منصفة عادلة متثبتةكاملة(54)، ولكنه لم يتحقق أيضاً، وعسى أن يتولى العلماء التقريبيون إنجازه.
وعلى صعيد العقيدة دعت الجماعة أولا إلى النهي عن الخوض فيما لا طائل تحته من أمورالعقيدة وعلم الكلام، وفيما لم يكلفنا الله به(55). وثانياً ـ آمنت الجماعة في مجال العقيدة أن المختلفين فيها لو حرروا محل النزاع لوجودوا أنهم متفقون، وأن الأمر أيسروأقرب من أن يتنازعوا فيه هذا التنازع، ويضطربوا في بيدائه هذا الاضطراب.
وعملت الدار على نشر فكرة التقريب على المستوى العالمي. فكان لجماعة التقريب علاقات مععلماء تركيا، وباكستان، وسوريا، ولبنان، واليونسكو، والمملكة العربية السعودية، وكندا( ).. وربما مع بلدان أخرى لم أستطع رصدها في أخبارها.
2- مشروع المجمعالعالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
تأسس المجمع باهتمام مرشد الثورة الإسلامية في ايران الامام السيد علي الخامنئي، وآل على نفسه أن يواصل مسيرة دارالتقريب في القاهرة. وتولى (76)
أمانته العامة لسنوات الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، وقد عمل منذ ستين سنة ضمن منهج التقريب، وكانت له علاقة مباشرة معرواد هذه المدرسة في مصر والمغرب وسوريا ولبنان. ويتولى الامانة العامة الآن الشيخ محمد علي التسخيري وهو شخصية معروفة عالمياً، لا يحتاج الى تعريف.
والمجمع يضمفي مجلسه الأعلى وفي مجلسه العام جمعاً من علماء السنة والشيعة، ويعمل على نشر فكرة التقريب في إيران من خلال نشراته وكتبه بالفارسية، وكذلك على الصعيد العالمي عن طريقمجلته: «رسالة التقريب» وكتبه ومؤتمراته ولقاءاته.
ولمجمع التقريب مركز للبحوث والدراسات الإسلامية تأسس في قم سنة 1410هـ / 1990م. والفقه وأصول الفقه، وأعضاؤه منأساتذة الحوزة العلمية والجامعات.
ونذكر نشاطات المركز لأهميتها العلمية، وتتلخص فيما يلي:
1ـ تأليف تفسير بالمأثور للقرآن الكريم يضم أوثق الأخبارالمروية في مصنفات علماء التفسير والحديث من السنة والشيعة. 2- تأليف موسوعة فقهية تضم آراء أئمة المذاهب الإسلامية في المسائل المختلفة.
3- تصنيف موسوعةللقواعد الفقهية تقارن آراء علماء المذاهب الإسلامية.
4- جمع وتنظيم الأحاديث النبوية الشريفة التي اتفق حملة الحديث على نقلها بين المذاهب الإسلامية.
5-تصنيف كتاب لمعرفة أحوال الرواة الذين اشتهر النقل عنهم عند الفرق الإسلامية سنداً أو متناً.
6- تحرير بحوث مقارنة في علم الكلام والعقائد الإسلامية.
7- تصنيف موسوعة للمصطلحات الأصولية والمقارنة فيها بين آراء علماء المذاهب الإسلامية.
8- تصنيف موسوعة في تعريف المصطلحات الكلامية مع بيان آراء الفرقالإسلامية فيها.
9- تحرير بحوث مختلفة في أصول الفقه والمقارنة فيها بين آراء علماء المذاهب الإسلامية.
10- تحقيق العديد من الكتب التي تهدف إلى التقريببين المذاهب الإسلامية.
ومجلة «رسالة التقريب» أقرت في أول عدد لها مالمجلة «رسالة الإسلام» من فضل السبق ورسم المنهج. صدر العدد الأول في شهر رمضان 1413هـ / 1993م،وهي فصلية محكمة، تحمل بحوثا في التقريب، وتعالج قضايا تهم العالم الإسلامي، ولا تزال تصدر في طهران.
وللمجمع مؤتمر سنوي ذكرناه في المؤتمرات، كما له جامعة هي«جامعة المذاهب الإسلامية» بدأت أعمالها في طهران سنة 1314هـ / 1994م، وتضم ثلاث كليات: 1- كلية فقه المذاهب الإسلامية. 2- كلية الكلام والعرفان. 3- كلية علوم القرآن والحديث. ويقتضي نظامها الداخلي الجمع بين الطلاب من مختلف المذاهب فيها.
وعن هذه الجامعة يذكر رئيسها.
1ـ أنها تركز على الدراسات المقارنة. 2- تجمعبين الأسلوبين الحوزوي والجامعي.
3- تهتم بدراسة المصادر وتعرف الطالب على المكتبة الإسلامية.
4- أنها تقبل طلابا من سائر البلدان الإسلامية.
5- أنها تقبل الطلاب عن طريق اختبار خاص، وتعطي الأولوية لحفظة القرآن والحديث.
6- تسعى الجامعة إلى أن تقبل طلابا بنسب متساوية من جميع أبناء المذاهبالإسلامية.
7- تركز على تربية علماء ودعاة ومدرسين وقضاة يحملون العلم الإسلامي والالتزام الإسلامي في إطار من المعاصرة وسعة الأفق ولغة العصر.
8- اللغةالرسمية في الجامعة هي الفارسية والعربية. ولابد من درجة معينة لإتقان اللغتين قبل دخول الطالب الجامعة. وإذا لم يكن له إلمام بذلك عليه أن يجتاز دروسا تؤهله بعد ذلكللدراسة في الجامعة(56).
3- مشروع تجمع العلماء المسلمين في لبنان :
انبثق التجمع عن «مؤتمر المستضعفين» الذي عقد في طهران سنة 1402هـ / 1982م، وضم منذ تأسيسهعلماء من السنة والشيعة اللبنانيين، ويقول تقرير التجمع: «كان لوجود هؤلاء العلماء في إطار مشترك يمارس نشاطا شبه يومي - عدا اجتماعه الأسبوعي والذي لم ينقطع حتى الآن -الأثر الكبير في إزالة أية شائبة أو شبهة تعترض مسار وحدة الحركات الإسلامية على ساحة الجهاد والمقاومة»(57). وسعى التجمع «لتوحيد العمل الإسلامي، وإلى سدالثغرات الثقافية في برامج العاملين، وثقافة المسلمين، واتخاذ المواقف المناسبة من كل مايهم الناس بما يراه التجمع مناسباً للمصلحة الإسلامية، والعمل على بناء شخصيةالعالم والعامل المجاهد والمخلص وإبراز دوره القيادي في جهاد الأمة وإرادة التحرر، وإبلاغ كلمة الله تعالى ، وحث الأمة على الانقياد لهم»(58).
وفي سنة 1410هـ / 1989مأقام التجمع بالتعاون مع المجع العالمي للتقريب
(79)
بين المذاهب الإسلامية مؤتمرات تحت عنوان: «الوحدة ومستقبل الأمة الإسلامية». حضره عدد من علماءالسنة والشيعة والدروز، وكانت محاور المؤتمر:
1ـ الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب في القرن المقبل.
2- إشكاليات التنمية، والتنمية البشرية فيالمجتعات الإسلامية.
3- المشروع الحضاري الإسلامي واستراتيجية الصراع.
4- آفاق الممانعة والمقاومة في الأمة.
5- الصحوة الإسلامية والمستقبل(59).
خاتمة
تقويم حالة الطائفية والتقريب في القرن العشرين
1ـ مصالح الحكم والسلطان لها الدور الكبير في الحالة الطائفية على صعيد العالمالإسلامي. قبل هذا القرن كانت مصالح الدول الإسلامية المتعارضة تقتضي إشعال نيران الطائفية، كما حدث إبان النزاع بين الدولتين العثمانية والصفوية، وفي هذا القرن اقتضتمصالح الهيمنة الدولية اللعب بورقة الطائفية، وهذا ما لاحظناه بوضوح أكثر في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. من هنا فإن الحالة الطائفية مرشحة في عالمناالإسلامي للانفجار دوما طالما القرار السياسي، بيد من يهمهم الاستفادة من هذه الورقة، ولايمكن أن نضمن ابتعاد أمتنا عن الصراع الطائفي إلا إذا كان القرار السياسيمنحصراً بيد قيادات وطنية مرتفعة إلى مستوى الأهداف الإسلامية الكبرى.
2- لعلماء الأمة دور كبير في مواجهة الحالة الطائفية وتحويلها إلى حالة
(80)
تقريب وتفاهم، شرط أن يتحرر العلماء من أية مؤثرات خارجية، وشرط أن ينفتحوا على الأهداف الكبرى ويتفهموا ضخامة التحديات، والقرن الماضي أثبت هذه الحقيقة على صعيدالإثارات الطائفية وعلى صعيد التقريب.
3- الحالة الطائفية حالة عشائرية قبل أن تكون مسألة عقائدية أو فقهية . يتبين ذلك من ظواهر كثيرة: منها أن الصراع الطائفييدور غالباً بين أناس لا يعرفون من المذهب سوى الانتماء إلى العشيرة السنية أو العشيرة الشيعية!. وهذا ماشاهدناه في بعض البلدان العربية والآسيوية في القرن الماضي،والحالة العشائرية ناتجة عن تخلف حضاري، من هنا فإن أمتنا بحاجة إلى تنشيط مسيرتها الحضارية؛ للتغلب على هذه الحالة الطائفية العشائرية.
4- إن تفعيل المسيرةالحضارية يتوقف على إحساسنا بالعزّة. فمتى كانت الأجواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية تبعث على الشعور بالعزة في النفوس تحركت الأمة على طريق الخلق والإبداعوالتطوير، ومتى خيم عليها الذل توقفت مسيرة إبداعها واتجهت الى الانقسامات والصراعات، ولو أخذنا الساحة المصرية مثالاً لرأينا شيئا من الإحساس بالعزة يسود الساحة بعدطرد نابليون في القرن التاسع عشر، وفي أيام عبد الناصر في القرن العشرين، وصاحب الحالتين حركة لولا أن أصابها ما أصابها لتغيرت حالة العالم العربي والإسلامي جميعا.وإنما ذكرت ضرورة تفعيل المسيرة الحضارية وسيادة حالة العزة لارتباطها بالحالة الطائفية كما ذكرت.
5- طرح المشروع الإسلامي الكبير للحياة يساهم بشكل غير مباشرعلى إزالة الحالة الطائفية في العالم الإسلامي، وبودي هنا أن أذكر أن مركز الحضارة للدراسات السياسية في القاهرة - على سبيل المثال - له مثل هذه المساهمة؛ لأنه يطرحالمشروع الإسلامي الذي يجمع على صعيده الكبير
(81)
المسلمين بكل مذاهبهم، ويشد أنظارهم جميعا إلى هدف كبير ينتشلهم من الوقوع في مستنقع الصغائر، ومن قبلشاهدنا عالما شيعياً هو السيد محمد باقر الصدر يصدر كتاب فلسفتنا وكتاب اقتصادنا، ولا يتناول فيهما أية قضية خلافية بين السنة والشيعة، ولكن الكتابين كان لهما الأثرالكبير في تقليص الحالة الطائفية، وتصعيد الحالة الإسلامية الرسالية المتعالية على الخلافات المذهبية، ولا يخفى ماكان للثورة الإسلامية في إيران قبل محاصرتها إعلاميامن تأثير على وحدة الصف الإسلامي.. من هنا فإن تقديم المشروع الإسلامي الكامل للكون والحياة بلغة العصر وبمستوى احتياجات العصر. له الدور الكبير في التقريب بين المذاهبالاسلامية.
6- إن مشروع «إسلام بلا مذاهب» إضافة إلى استحالته لايخدم التراث الاسلامي، فالمذاهب إذا أخذناها بالمنظار العلمي يشكل كل منها جهداً اجتهادياً عملعلى تنظيره وإثرائه المتكلمون والفقهاء والمفسرون والفلاسفة، ولا فائدة من مصادرة كل هذه الجهود العلمية الجبارة. من هنا لابد أن يفكر دعاة الوحدة والتقريب في التفاهموالتعارف بين أصحاب المذاهب ويركزوا على المشتركات، ويجعلوا العلم ديدنهم والحقيقة هدفهم والحوار سبيلهم، وبذلك تتحول المذاهب من حالة طائفية عشائرية إلى مدارس علميةكل منها يثري التراث ويشكل إضافة علمية للمسيرة . لذلك لابد من الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات المقارنة.
7- ظهرت في أواخر القرن الماضي على الساحة السياسيةالعالمية والإسلامية ظواهر تبشر بخير لمستقبل وحدة الأمة الإسلامية.. فمن جهة قدمت أوروبا ذات التاريخ الغارق بالحروب والدماء والصراع بين دولها نموذجا جيدا وناجحا في«الاتحاد» يستطيع أن يجيب على كل أسئلة التشكيك في
(82)
إمكان وحدة العالم الإسلامي. ودخل العالم في عصر التكتلات الدولية التي تفرض على العالم الإسلامينوعا من التلاحم والتعاضد، من هنا ازداد الحديث عن ضرورة تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي والسوق الإسلامية المشتركة والتعاون الثقافي والإعلامي الإسلامي.
كما أنالتحديات المشهودة في فلسطين والعراق وافغانستان وبقاع أخرى من عالمنا الإسلامي، وظاهرة الانفراد بالهيمنة العالمية فرضت الحد الأقل من التفاهم والتعاون، ولابد أنيتواصل ويستمر وإلا تحوّل إلى مزيد من التمزق والتشتت.
ولا يخفى مالسيادة أجواء التفاهم على الساحة السياسية من أثر على الحالة الطائفية في العالم الإسلامي. ولاأدل على ذلك مما شاهدناها عقب بعض محاولات التنقية في الأجواء السياسية الإسلامية من تحول في الساحة الثقافية والعلمية والشعبية.
8- إن ظاهرة الحوار التي سادت فيأواخر القرن الماضي كان لها تأثير كبير في تقليص حالة التشرذم. وقد شهدنا نشاطا ملحوظا في حقل الحوار القومي - الإسلامي، والإسلامي - الإسلامي، والعربي - الإيراني، وحوارالحضارات، وكلها تنصب في خدمة تذويب الحالة الطائفية العشائرية في عالمنا الإسلامي.
سيكون التحدي الطائفي في القرن الواحد والعشرين دون شك كبيراً؛ بسبب استفحالقوة الهيمنة العالمية واهتمامها بالورقة الطائفية حسب توصيات «هنتجتون» ، لكن عوامل مواجهة التحدي من الكثرة والقوة في عالمنا الإسلامي بحيث إنها قادرة- لو أحسنّااستعمالها - أن تتغلب على كل هذه التحديات وتسجل مستقبلا أفضل للعالم الإسلامي.
1 - انظر برهان غليون، نظام الطائفية منالدولة إلى القبيلة، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1990.
2- فــاضــل الأنصاري، قصة الطوائف، الإسلام بين المذهبية والطائفية، ط 1، دمشق 2000، ص363.
3- علي أكبر ولايتي،مقدمة فكرية لحركة المشروطة، ترجمة محمد علي آذرشب. منشورات المستشارية الثقافية الايرانية بدمشق وفيه معلومات قيمة عن دخول الأخوين تشرلي البريطانيين لإضرام الحربالصفوية - العثمانية.
4- قصة الطوائف، مرجع سبق ذكره، ص 427 ، 428.
5- انظر في نادر شاه: علي الوردي، تاريخ العراق الحديث، ومحمد بهجت الأثري، ذرائع العصبيات العنصرية فيإثارة الحروب وحملات نادر شاه على العراق في رواية شاهد عيان، مطبوعات المجمع العلمي العراقي ، بغداد 1981.
6- قصة الطوائف، مرجع سبق ذكره، ص 448.
7- انظر: محمد عمارة،جمال الدين الأفغاني وطريق النهوض والاستنارة بالإسلام، رسالة التقريب، العدد 14، ص 169 ومابعدها.
8- انظر سيد جلال الدين المدني، تاريخ إيران السياسي المعاصر، ترجمةسالم مشكور، طهران 1414هـ / 1993م.
9- مجلة رسالة الإسلام، العدد الأول/ السنة الأولى، تحت عنوان: (بيان للمسلمين).
10- أي قبل سنة 1947م.
11- دعوة التقريب، تاريخ ووثائق،وزارة الأوقاف المصرية 1413/ 1991، ص 18.
12- مجلة رسالة الإسلام، العدد الأول، السنة الخامسة، ربيع الثاني 1373.
13- دعوة التقريب تاريخ ووثائق، ط وزارة الأوقاف المصرية 1413/1991، ص 25.
14- سعيد دياب، العلاقات السعودية الإيرانية 1932 - 1982، ط 1، 1994، دار الساقي.
15- سيأتي ذكره عند الحديث عن مشروع دار التقريب في القاهرة.
16-انظر: محمد عليآذرشب، ملف التقريب، طهران 1421، ص 123 ومابعدها ، ذكريات الشيخ محمد تقي القمي عن مسيرة دار التقريب، يرويها عبد الكريم بي آزار شيرازي.
17-ملف التقريب، مصدر مذكور، ص 130،ومابعدها.
18- انظر الجزء الثالث، ط دار الكتب الإسلامية، طهران 1366هـ.
19- انظر الجزء الأول، ط دار التعارف ، بيروت 1403هـ .
20- انظر على سبيل المثال: أجوبة مسائلموسى جار الله، ط مطبعة العرفان بصيدا 1355هـ / 1936م، وكتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة، بيروت، دار الزهراء، ويقدم فيه منهجا قيما لوحدة الأمة.
21- انظر: أحمد الوائلي،هوية التشيع، ط 1، دار الكتب للمطبوعات ، بيروت 1987.
22- انظر: محمد علي آذرشب، ملاحظات على كتب تاريخ الأدب العربي، بحوث ندوة الأدب العربي واقعه وآفاقه، 13 - 15/4/1999م،اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1999م.
23- انظر ناصر القفاري: مسائل التقريب بين أهل السنة والشيعة، ط دار طيبة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، والكتاب يقع فيجزئين في أكثر من 800 صفحة لاثبات عدم إمكان التقريب بين السنة والشيعة. ودلائل الإثبات تدور حول تكفير الشيعة، وأن كتبهم تصيــب المسلمين فــــــي صميــــم دينهم» !وأنها «باب من أبواب الإلحاد والصد عن ديـن الله»! (2/277).
24- رئيس تحرير مجلة «ترجمان الحديث» لاهور باكستان، نشر مجموعة الكتب الطائفية في إدارة ترجمان السنة بلاهور،وكان ضمن موجة «أنصار السنة» الباكستانية التي قامت على أساس طائفي بخلفية سياسية.
25- وقد تطورت العلاقات الإيرانية السعودية خاصة بعد زيارة الرئيس رفسنجاني إلىالسعودية سنة 1996، ولكن رواسب الطائفية ظهرت حتى في تلك الزيارة الودية، إذ تصدى خطيب الجمعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- إلى سب الشيعة بحضور الرئيسرفسنجاني، مما دفع الضيف إلى ترك المسجد، ثم عوقب الخطيب على فعلته، واستمر تطور العلاقات في عهد الرئيس خاتمي خاصة بعد زيارته للمملكة عام 1999، وأعقبها التوقيع علىاتفاقيات تعاون هامة بين البلدين.
26- وهو كتاب حواري بين الرجلين يدلل فيه السيد شرف الدين على اتفاق السنة والشيعة على الرجوع إلى القرآن والسنة.
27- محمد سعيد آلثابت، الإمام الزنجاني، والوحدة الإسلامية، بغداد: مطبعة المعارف، ص 51 نقلا عن جريدة الأهرام المصرية، 11 نوفمبر 1936.
28- صحيفة البلاغ المصرية، 26 شعبان 1355هـ / 11 نوفمبر1936 م نقلا عن كتاب «الامام الزنجاني والوحدة الإسلامية» ص 10.
29- نقلا عن زكي الميلاد، خطاب الوحدة الإسلامية مساهمات الفكر الإصلاحي الشيعي، دار الصفوة، بيروت 1417هـ /1996م، ص 56 و 57.
30- كتيب «السنة والشيعة ضجة مفتعلة»، الدكتور عزالدين ابراهيم (فتحي الشقاقي) ، ضم على صغره معلومات قيمة عن ارتباط نواب صفوي بمصر.
31- انظر المرجعالسابق.
32- المرجع نفسه، ص 192.
33- السنة والشيعة. مرجع سبق ذكر:، ص 20.
34- السيد محسن الأمين. أعيان الشيعة بيروت: دار التعارف، ج 10، ص 384.
35- المرجع السابق، ص 413.
36- محمد حسين آل كاشف الغطاء، المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون ، بيروت، دار الغدير، لا تاريخ، ص 67 - 68.
37- نقلا عن : حميد عنايت، الفكر الإسلامي السياسيالمعاصر، ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا، القاهرة 1989م.
38- زكي الميلاد، خطاب الوحدة الإسلامية، مساهمات الفكر الإصلاحي الشيعي، دار الصحوة، بيروت 1417هـ / 1996م.
39- صدرتوثيق كامل بالمؤتمرات تحت عنوان: «استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية». منشورات مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية، لندن 1421هـ / 2001م.
40- انظر تقريرا عن المؤتمرات فيكتاب: «بحوث ودراسات في التقريب بين المذاهب الإسلامية» ، كتاب الثقافة الإسلامية/ 7، منشورات المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق، 1421هـ / 2001م.
41- انظر تقريرا عنالمؤتمر في مجلة رسالة التقريب، العدد 14 ص 165 ومابعدها.
42- انظر تقريرا عن المؤتمر في مجلة رسالة التقريب، العدد 30 ص 115 ومابعدها.
43- انظر تقريرا عن المؤتمر في مجلة(رسالة التقريب) العدد 3 ص 215 ومابعدها.
44- انظر تقريرا عن المؤتمر في مجلة (رسالة التقريب) العدد 13، ص 314و315.
45- دعوة التقريب تاريخ ووثائق، مصدر مذكور، ص 8.
46- ملفالتقريب، مرجع سبق ذكره، ص 138.
47- انظر الرسائل المتبادلة، نفس المرجع السابق، ص 158 ومابعدها.
48- اعيدت طباعة هذا التفسير مع مقدمة الشيخ شلتوت في مركز دراساتالروضة الرضوية بمدينة مشهد بإيران.
49- أعيدت طباعة هذا التفسير بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران.
50- أعيدت طباعة كل أعداد المجلة أخيرا فيمركز الروضة الرضوية بمدينة مشهد.
51- ملف التقريب، مرجع سبق ذكره، ص 46 - 47.
52- انظر: محمد صالح موسى حسين، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، دار طلاس للدراسات، دمشق1989، ص 109 ومابعدها.
53- نفس المرجع، ص 48 ومابعدها.
54- نفس المرجع، فصل مشاريع علمية، ص 174 ومابعدها.
55- نفس المرجع السابق.
56- نفس المرجع، محور العقيدة، ص 37ومابعدها.
57- نفس المرجع، نشاطات عالمية، ص 185 ومابعدها.
58- انظر لقاء مع عميد الكلية الدكتور بي آزار شيرازي ، في مجلة رسالة التقريب، العدد 15، ص 142 ومابعدها.
59-علي خازم، تجمع العلماء المسلمين في لبنان تجربة ونموذج، مجلة رسالة التقريب، العدد 13، ص 181.
60- نفس المرجع، ص 184 - 185.
61- انظر تقريرا موجزا لهذا المؤتمر في مجلةرسالة التقريب، العدد 24 ، ص 211 ومابعدها.