2 ـ طاسين السراج
من كتاب (الطواسين)للحسين بن منصور الحلاّج (000 ـ 309هـ)
يقول الحلاج (سراجٌ من نورِ الغيبِ بدا وعاد، وجاوزَ السُّرج، وساد. قمرٌ تَجلّى من بين الأقمار، كوكبٌ برجُه في فلكِ الأسرار. سمّاه الحقُّ أميَّاً لجمع أمّته، و حرميّاً لعظم نعمته، و مكيّاً لتمكينه عند قربته.شرح صدره، ورفع قدرَه، وأوجب أمرَه، وأظهرَ بدرَه. طلعَ بدرُه من غمامةِ اليمامة، وأشرقَت شمسُه من ناحية تُهامة، وأضاءَ سراجُه من معدن الكرامة.ما أخبرَ إلا عن بصيرته، وما أمرَ بسُنّتِهِ إلا عن حُسن سيرتِه، حضَرَ فأحضَرَ، وأبصرَ فأَخبر، وأنذَر فحذّر.ما أبصره أحدٌ على التحقيق، سوى الصَّديق، لأنّه وافقه، ثم رافقه لِئلا يبقى بينهما فريق.ما عرفَهُ عارفٌ إلا جهل وصفه: ا*الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون* .أنوار النبوة من نوره برزت، وأنواره من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر وأقدم في القدم، سوى نور صاحب الحرم.همّتُهُ سبقت الهِمم، ووجودُه سبق العَدم، واسمه سبق القلم: لأنّه كان قبل الأمُم والشيم، ما كان في الآفاق، وراء الآفاق، ودون الآفاق، أظرف، وأشرف، وأعرف، وأنصف، وأرأف، وأخوف، وأعطف، من صاحب هذه القصّة، وهو سيّد أهل البرية، الذي اسمه أحمد، ونعتُه أوحد، وأمرُه أوكد، وذاتُه أجود، وصفاته أمجد، وهمّتُه أفرد.يا عجباً ما أظهره، وأبصره، وأطهره، وأكبره، وأشهره، وأنوره، وأقدره، وأصبره، لم يزل كان مشهوراً قبل الحوادث والكوائن والأكوان، ولم يزل كان مذكوراً قبل القَبْلِ، وبعد البعد، والجوهر والألوان، جوهره صفوي، كلامه نبوي، علمه علوي، عبارته عربي، قبلته لا مشرقي ولا مغربي، حسبه أبوي، رفيقه ربوي، صاحبه أموي.بإرشاده أبصرت العيون، وبه عرفت السرائر والضمائر.والحق أنطقه، والدليل أصدقه، والحق أطلقه، هو الدليل، وهو المدلول، هو الذي جلا الصدأ عن الصدر المعلول، هو الذي أتى بكلام قديم، لا مُحدثٍ، ولا مَقُول، ولا مفعول، بالحق موصولُ غير مفصول، الخارج عن المعقول، هو الذي أخبر عن النهاية والنهايات، ونهاية النهاية.رفع الغمام، وأشار إلى البيت الحرام، هو التمام، هو الهمام، هو الذي أمر بكسر الأصنام، هو الذي كشف الغمام، هو الذي أُرسل إلى الأنام، هو الذي ميّز بين الإكرام والإحرام.فوقه غمامة برقت، وتحته برقة لمعت وأشرقت، وأمطرت وأثمرت، العلوم كلُّها قطرة من بحره، الحكم كلّها غرفة من نهره، الأزمان كلُّها ساعة من دهره الحقُّ به، وبه الحقيقة، والصّدق به والرِفق به، والفتق به، والرتق به، هو الأول في الوصلة، و الآخر في النبوة، و الظاهر بالمعرفة، و الباطن بالحقيقة.ما وصل إلى علمه عالمٌ، ولا أطلّعَ على فهمه حاكم.الحقُّ ما أسْلَمَهُ إلى خلقه لأنّه هو، وإنّي هُوَ، وهُو هو.ما خرجَ خارجٌ عن ميم محمد، وما دخل في حائه أحدٌ، وميمٌ ثانية، والدال وميم أول، داله دواؤه، ميمه محلّهُ، حاؤه حاله، ميم ثانية مقاله.أظهر إعلانه، أبرز برهانه، أنزل فرقانه، أنطق لسانه، أشرق جنانه، أعجز أقرانه، أثبت بنيانه، رفع شانه.إن هربت من ميادينه فأين السبيل بلا دليل، يا أيُّها العليل، وحكم الحكماء عند حكمته ككثيبٍ مهيل!)
كانت حياة الحلاج ريادةً، من رفضه التقليد، إلى قوله بالأصل الإلهي للإنسان، ووحدة الأديان، والتبشير بالإسلام، إلى دوره الإصلاحي، والثوري في الحياة السياسية، ودفاعه عن الفقراء، والمظلومين، وتحريضهم على الثورة ضد السلطة، إلى اتهامه بالجنون، والسحر، والكفر، إلى سجنه، وطلبه للموت في كلماته وأشعاره :
إنّ في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي
من أجلَّ المكرماتِ
إنّ عندي محوُ ذاتي
اقتلوني يا ثقاتي
ومماتي في حياتي
إنّ عندي محوُ ذاتي
إنّ عندي محوُ ذاتي
فارفع بفضلك إنّي من البَيْنِ
بيني وبينكَ إنّيٌّ يُنازِعُني
بيني وبينكَ إنّيٌّ يُنازِعُني
بيني وبينكَ إنّيٌّ يُنازِعُني