3 ـ سر الغريب
من كتاب (الإشارات الإلهية)لأبي حيّان التوحيدي، علي بن محمد ابن العباس (310 ـ 414 هـ).
يقول أبو حيّان:
(يا هذا هذا وصفُ غريبٍ نأى عن وطن بُنِي بالماء والطين، وبَعُدَ عن أُلاّفٍ لـه عَهْدُهم الخشونةُ واللين، ولعلّه عاقرهم الكأس بين الغدران والرياض، واجتلى بعينه محاسن الحَدَق المِرَاض؛ ثم إنْ كان عاقبةُ ذلك كُلّه إلى الذهاب والانقراض، ـ فأين أنتَ عن قريب قد طالت غربته في وطنه، وقل حظه ونصيبه من حبيبهِ وسكنه؟! وأين أنت عن غريب لا سبيل لـه إلى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان؟! قد علاه الشحوب وهو في كِنّ، وغلبه الحزن حتى صار كأنه شَنٌّ. إن نطق نطق حزنان منقطعاً، وإن سكت سكت حيران مرتدعاً؛ وإن قرُبَ قَرُبَ خاضعاً، وإن بَعُدَ بَعُدَ خاشعاً؛ وإن ظهر ظهر ذليلاً، وإن توارى توارى عليلاً؛ وإن طلب طلب واليأس غالب عليه، وإن أمسك أمسك والبلاء قاصد إليهِ؛ وإن أصبح أصبح حائل اللون من وساوس الفكر، وإن أمسى أمسى مُنْتَهَبَ السرّ من هَواتِكِ الستر؛ وإن قال قال هائباً، وإن سكت سكت خائباً؛ قد أكله الخمول ومصّه الذبول، وحالفه النحول؛ لا يتمنى إلا على بعض بني جنسه، حتى يفضي إليه بكامنات نفسه؛ ويتعلّل برؤية طلعته، ويتذكر لمشاهدته قديم لَوْعَته؛ فينثر الدموع على صحن خدّه، طالباً للراحة من كدّه.وقد قيل: الغريب مَنْ جَفاه الحبيب. وأنا أقول: بل الغريب من واصله الحبيب، بل الغريب من تغافل عنه الرقيب، بل الغريب من حاباه الشريب، بل الغريب مَنْ نُودِي مِنْ قريب، بل الغريب من هو في غربته غريب، بل الغريب من ليس لـه نسيب، بل الغريب من ليس لـه من الحق نصيب، فإن كان هذا صحيحاً، فتعال حتى نبكي على حال أحدثت هذه الغفْوة، وأورثت هذه الجَفْوة:
من الوَجْد أوْ يَشْفِي نَجِيَّ البلابل
لعَّل انحدارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ راحةً
لعَّل انحدارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ راحةً
لعَّل انحدارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ راحةً
ولا نديمٌ، ولا كأسٌ، ولا سَكَنُ
بِمَ التعلُّل؟! لا أهلٌ، ولا وطنٌ
بِمَ التعلُّل؟! لا أهلٌ، ولا وطنٌ
بِمَ التعلُّل؟! لا أهلٌ، ولا وطنٌ
ولا نديمٌ، ولا كأسٌ، ولا سكنُ
بم التعلُّل لا أهلٌ ولا وطنُ
بم التعلُّل لا أهلٌ ولا وطنُ
بم التعلُّل لا أهلٌ ولا وطنُ