بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
أدرك سامر معنى قول أبي ماجد: "آذانهم على الأبواب كلها وعيونهم على النوافذ" وتعلم درساً جديداً.ذهب في اليوم التالي إلى سوق المدينة. رأى حمالاً يقع تحت حمله الثقيل فأسرع لمساعدته. حين أنهضه ورفع معه الحمل إلى ظهره وهم بالمسير تقدم منه ثلاثة رجال أشداء يحملون الهراوات وخاطبه كبيرهم:ـ من أنت ولماذا ساعدت الحمال؟ ـ رأيته يقع تحت الحمل فأشفقت عليه وساعدته.ـ تقول أشفقت إذن؟ خذ!وانهال الثلاثة عليه ضرباً فلاذ بالفرار وتعلم درساً آخر. لقد أكد لـه البريق الذي أومض في عيني الحمال حين ساعده أن قلوب الناس ما تزال تحتفظ بكثير من الجمر تحت أكوام الرماد.. وأدرك أن مهمته الأولى تتجسد في إيجاد وسيلة يذرّي^(^^) بها الرماد عن جمرات القلوب فتتوهج. وسأل نفسه: "ما هي تلك الوسيلة، وكيف السبيل إليها؟" عاد إلى بيت أبي ماجد حزيناً متعباً. رأى أبو ماجد آثار الضرب على جسده فقال:ـ إنهم أشرس مما تتوقع يا سامر!ـ يجب أن نكون أصلب مما يتوقعون وأدهى. إن ما رأيته يزيدني إصراراً على إيجاد الطريقة المثلى لمقاومتهم والخلاص منهم...قلت لي إن العم حمدان ما يزال حياً وهو خارج السور. أليس كذلك؟ ـ أجل قلت ذلك. هل تريد الهرب والخلاص بجلدك؟ أتريد أن أوصلك إلى باب النفق السري؟ هيا يا بني! اتبعني اتبعني! العين لا تقاوم مخرزاً يا سامر!ـ الناس ليسوا عيوناً وحسب يا عماه! للناس زنود قوية تعرف كيف تحمل السلاح وكيف تقاوم. المهم الآن أن نجد وسيلة نوقظ بها الناس ونعيد الثقة إلى نفوسهم.ـ ولماذا سألتني عن حمدان والنفق؟ ـ الخلاص الفردي انهزام يا عماه! بل هو انسلاخ عن الآخرين وخيانة لهم... والآخرون هم أنت وهيفاء وكل الأهل والوطن! أريد أن أرى الثائر القديم حمدان لأتبادل معه الرأي حول ما ينبغي أن نفعله معاً. أنا واثق من أنه استخلص الكثير من الدروس والعبر من فشل التمرد الذي قاده، وقد يكون توصل إلى وضع خطة جديدة للعمل.ـ بل أظنه الآن يتلمس جراحه القديمة ويتلوى ندماً على الحماقة التي ارتكبها.ـ لماذا تحاول أن تسد جميع المنافذ في وجهي يا عماه! لا أصدق أن الأيام غيرتك إلى هذا الحد.ـ لقد أدبتني الحوادث فتأدبت. وأنا أخاف عليك مما أنت مقبل عليه... ثم إنني لا أسد في وجهك المنافذ.. لقد أخبرتك بأمر النفق وأنا مستعد لإرشادك إلى مكانه فهيا بنا!ـ يجب ألا نخرج معاً فيتبعنا الحراس ويكتشفون النفق.ـ النفق تحت ذلك الصندوق الخشبي لن يتبعك أحد ولن يكتشفه أحد. لقد وثقت بك وها أنذا أرشدك إلى مكانه. اذهب يا بني وبلغ تحياتي إلى صديقي حمدان...كان النفق ضيقاً ومظلماً وطويلاً وكثير التعرجات. زحف سامر وزحف حتى كاد التعب يضنيه. كان يزحف ويفكر: "حياة الاستبداد ضيقة ومظلمة وقد تكون طويلة ولكنها ذات نهاية كما لهذا النفق".ولمح من بعيد بصيص ضوء فهتف لاهثاً: "هي ذي نهاية النفق تلوح هناك فمتى تلوح نهاية الاستعباد والظلم؟" كانت أمام مخرج النفق صخرة كبيرة تحجبه عن مدخل الكهف الذي هي فيه. دار سامر حول الصخرة واتجه نحو مدخل الكهف فسمع صوتاً يقول:ـ عمن تبحث أيها الشاب؟ التفت سامر إلى مصدر الصوت فرأى شيخاً يجلس على صخرة في إحدى زوايا الكهف فأسرع نحوه وقال:ـ السلام عليك أيها الشيخ! هل أنت الثائر القديم حمدان؟ ـ يبدو أن صديقي أبا ماجد قد أخبرك بكل شيء فأتيت إليَّ! أهلاً وسهلاً بك يا بني! كنت أظن أنني سأضطر إلى العودة للنضال وحدي ولكن الحياة تبرهن لي كل يوم أنها أكرم بالرجال مما نظن.ـ المدينة في حال لا تطاق أيها الشيخ! يجب أن نسارع إلى العمل على إنقاذها. لقد أتيت إليك لأستفيد من تجربتك وحكمتك.ـ تجربتي وحكمتي تحتاجان إلى قوتك وعزيمتك يا بني.ـ قلت لي إنك كنت ستعود للنضال وحدك فهل أعددت العدة للعودة والنضال؟ ـ أجل يا بني. لقد أعددت سلاحاً لا يخطر لهم على بال. لقد حاربتهم بالسيف في نفر من الفرسان فغلبونا.. فلتبق ذكرى رفاقي ممجدة ومقدسة! كانوا فعلاً رجال سيف نادري المثال.. أما الآن فسأبدأ المعركة الجديدة ضدهم بهذه القصبة.أخرج حمدان شبابة من قصب من عبه وقدمها إلى سامر وقال:ـ هل تجيد العزف على هذه الشبابة يا بني!