صائب عبدالحميد تحظي اصدارات المركز بالمتابعة و التقويم و الاشراف العلمي بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المركز
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيّد المرسلين نبيّنا محمد ، و آله الطيّبين الطاهرين ـ ـ و بعد.إنّ التطورات السياسية المتلاحقة التي طراْت على الأمّة قبل تدوين تاريخها ، ابتداءً من السقيفة و إلى نهاية القرن الثاني من الهجرة كان لها اْكبر الأثر في تشويه معالم التاريخ إلاسلامي ، لمحاولة السلطات السياسة ــ لاسيما في العهدين الأموي و العباسي ــ توجيه حوادث التاريخ الإسلامي بما يخدم سياستها و يعزّز من وجودها و من هنا أنزلت عقوبتها باتّباع الفكر المعارض ، ولجمت الاْفواه عن قول الحق ، و سخّرت جملة ممّن عاشوا على موائدها لأن يضعوا لها تفسيراً يتلائم مع رغبتها و تبريراً يستر فصائحها علي حساب المفاهيم الإسلامية سواء كان ذلك على مستوى رواية الحديث في تمجيد من يشاء الحاكم أو ذمّ من يريد أو على مستوى صياغة الحدث التاريخي اْو روايته بما يناسب توجه السلطة و طموحها ، الأمر الذي أدّى بطبيعته إلى وقوف السلطة إلي جانب الفكر المساعد علي بقاء منهجها و ديموميّة سياستها و تاْييده بكلّ قوّة ولو كان شاذّاً.و ما تاريخ أمّتنا السياسي و الثقافي الا حصيلة اْدوار مختلفة بين انحراف و استقامة و خطاْ و صواب ، و لهذا علقت بمسيرته خرافات و اْساطير ، و شوائب كثيرة ، و اْلوان دخيلة حتى وصل الينا و هو يجّر خطواته في و هن وضعف مكبّلاً بأغلال المعطيات السياسية و تقلباتها ، و المنعطفات المذهبية و طائفيتها ، حاملاً اْثقال ما جنته على حوادثه في القرون الثلاثة الاْولي من عمره ، و بصورة أثّرت اكثيراً على فهم حقائقه ، و من هنا وجب الاحتراز (6) من كتب التاريخ نفسها لأنّها قد اْسهمت و بشكل مباشر في تصطيح الوعي العالم بجملة واسعة من الحقائق التاريخية لما لحقها من تزوير و تشويش.ولا يعني هذا الحكم ببطلان مصادر التاريخ الاسلامي كلّها ، بل على العكس؛ إذ تضمّنت حقائق كثيرة لم تطلها يد التحريف و التزوير ، بقدر ما يعني أنّ بحث أيّة فكرة على أساس تاريخي واقعي يستدعي قبل كلّ شيء التخلي عن الهالة القدسية التي أحيطت بالتاريخ بكل ما فيه من انحرافات و أخطاء و تعريته عمّا علق به ، و النظر إليه علي أساس كونه مادّة أوّلية لم تنقّح كما ينبغي ، و أنه مجرد أداة من أدوات و عي الفكرة موضوع البحث لا أن يكون خاضعاً لأصل الفكرة ، و إلا ستكون نصوصه المعتمدة مشوّهة في مرحلة سابقة لنتائجه0 فالمطلوب إذن هو القراءة الواعية للتحوّلات السياسية و الفكرية التي طراْت في تاريخ امّتنا ، و كيف كان اْثرها على المجتمع ، و أن يكون التعامل مع كلّ وضع بما يناسب حجمه في إطار موضوعي ، لا أن تختلط الأْوراق بشكل عجيب كما نلاحظ في بعض الدراسات التاريخية التي لم تلتفت حتي الي صدق قانون العلّية العامّة في ربط كلّ حادث بسببه و كل معلول بعلّتة. الأْمر الذي يجب أن يلحظ في كلّ دراسة تاريخية خصوصاً إذا ما كان موضوع البحث هو تاريخ المذاهب و الفرق الاسلامية ، لمايختزنه هذا الموضوع من حسّاسيّة كبيرة و ما يتطلّبه من إجابة علمية على كثير من التساؤلات ، من قبيل السؤال عن الأسباب الحقيقية في نشأة المذاهب و الفرق, و معرفة علّة وجودها, و ما هي حركة المفاهيم الإسلامية بينها, و ما مقدار حيويّتها و حرارتها, و درجة نجاحها, و قدرتها على التأثير أو إخفاقها؟ و هل كانت تلك المذاهب و الفرق كلّها ــ على التفاوت الملحوظ بينها ــ تمثّل تجربة عملية لمفاهيم الإسلام و انزالها إلي الواقع اليومي في التطبيق ، و ما هو التقييم العلمي الموضوعي لتلك التجارب من خلال الظروف التي أحاطت بها عند نشأتها؟ و ما مدى ارتباطها بالعوامل السياسية المعاصرة لها ، و نوعيّة الأساليب التي (7) استخدمت في سبيل دعمها و تمكينها, أهي فكر السلطة ، أو سلطة الفكر وقوّته؟ و إذا كانت تلك التجارب بأسرها قد جعلت من الإسلام بكلّ مبادئه و مسلماته مقياساً تقاس عليه الأشياء و ميزاناً توزن به الأمور ، فلماذا نرى إذن في تلك الآراء (الإسلامية) مخالفات صريحة للإسلام في منعطفات شتى؟!