مرأة مع النبی (ص) فی حیاته و شریعته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مرأة مع النبی (ص) فی حیاته و شریعته - نسخه متنی

بنت الهدی صدر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

سريعاً مهما طاب له المقام في الخارج، {11} فهي لا تنسى أبداً ساعة إذ أقبل إليها مودعاً، وقد أوشكت القافلة على المسير.

وهي لا تنسى أبداً أيضاً تلك الخطوط العريضة الواضحة من الحب والعطف، وهي مرسومة على وجهه المشرق المضيء، ولا تنسى أبداً كيف أنه مكث معها، وكأنه لا يريد أن ينصرف، أو كأنه لا يتمكن من الإنصراف حتى أنتزعه إخوته من أمامها أنتزاعاً، وهم يهونون عليه مدة البعد، ويمزحون معه ويتضاحكون وهي لا تنسى أيضاً كيف أنه كان يلتفت نحوها، وهو سائر إلى حيث تنتظره العير.

وفي كل لفتة من لفتاته كانت تقرأ معنى من معاني الحب حين يلتهب، ويشد إنساناً إلى إنسان. كان زوجها المسافر يحس بأنه مخلّف وراءه شيئاً لم يسبق لغيره من المسافرين أن خلّف مثله...

وكان يشعر أن آمنة وهي تحمل له جنينه الغالي، قد بدت لعينيه في تلك اللمحات داخل إطار من نور مقدس، ووسط هالة من الإشعاع السماوي، ولكنه كان مضطراً إلى السفر فسافر وهو على أمل لقاء قريب.

{12} وهكذا تستمر آمنة بنت وهب سارحة مع أفكارها وأحلامها، وتستمر أفكارها وأحلامها معها أيضاً، عنيفة بها مرة، ورفيقة بها أخرى حتى تنتزعها من انطلاقتها الحلمية.

تلك أصوات غريبة وصلت إلى سمعها من صحن الدار، وحركة غير طبيعية أخذت تدب في أرجاء البيت فتهتز لهذه الظاهرة الجديدة لحظة، ويخامرها قليل من أمل وتساورها لمحة من رجاء.

ماذا لو كان الحبيب الغائب قد عاد هو ومن صحبه من الإخوان، وماذا لو كان ما تسمع رجع صدى قدومهم على غير ميعاد.

ماذا لو كان عبد الله قد اختصر المدة ورجع إلى أهله وإليها، وإلى جنينها الحبيب، ثمّ تنهض متعجلة وهي بين اليأس والرجاء وتذهب متلهفة الخطى وقلبها يكاد يسبقها في المسير، وتذهب لتسأل عن الخبر اليقين، وتلقى سؤالها بصوت كأنه حشرجة روح...

ماذا هل قدم عبد الله!؟..

{13} فهي تشعر أن هناك واردين جُدُداً، وهي تحس أن الدار ليست على هدوئها الاعتيادي، ولكنها لا ترى عبد الله. وكانت تتوقع أن تبصر به قبل السؤال، ولكنها حينما لم تر عبد الله، وحينما وثقت من قدوم المسافرين الذين صحبوا زوجها في السفر انبعثت آهاتها كلمات سألت فيها عن عبد الله، وتسمع الجواب وهي لا تكاد تفهم منه إلاّ القليل فقد أذهلتها الصدمة، وشلت حواسها المحنة التي شعرت بها قبل أن تسمعها وعرفتها بدون أن تخبر بواقعها وكان الجواب.. لا لم يجئ عبد الله ولكنهم الآخرون، فتعود تسأل وهي لا تعلم أنها تسأل وتستفهم وهي في غنىً عن الاستفهام. إذن فأين عبد الله وما الذي قعد به عن متابعتهم في السير... فيقال لها: أنه مريض وقد أفاء إلى قوم في منتصف الطريق يستضيفونه حتى يقوى على السفر وهي تسمع الجواب وتفهم منه غير الذي قيل فتنطلق روحها من فمها إلى كلمات مرة وتقول:

آه من لي بعبد الله ومن لوليدي بأبيه.

وهكذا. تتلاشى أحلام آمنة وينهار صرح امانيها فنراها وقد تسربلت بأبراد العزاء بعد أن انطفأت شعلة السعاة المتوهجة في صباها الريان فهي رابضة بعيداً عن اللدات والرفيقات..

{14} منصرفة عن الدنيا وما فيها من مباهج..

عاكفة على آلامها الممضة، منطوية تحت سماء الحزن القاتم وفي إطار من الألم المرير..

فهي لا تحيى إلاّ للذكرى ولا تعيش إلاّ على حطام السعادة المفقودة بعد أن افترقت عن رفيق دربها السعيد، وأصبحت وهي الزهرة الناظرة رهينة الثكل الممض والحزن القاتل.

فآمنة كادت بعد فجيعتها بعبد الله أن تزهد في الحياة فما عادت تشعر للحياة معنى وهي خلو من عبد الله، وعبد الله كان لها الحياة الروحية بكل معاني الحياة، ولكن بارقة من أمل وشعور لا إرادي أخذ يشدها للحياة التي أنكرتها، وأخذ يشعرها بوجودها حية مع الأحياء، ويذكرها أنها لم تمت يوم مات عبد الله، فقد أخذت تشعر أن عليها تجاه عبد الله واجباً يجب عليها أن تؤديه، وأن في أحشائها وديعة لفقيدها الغالي، لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تنساها، أو تتناساها. وأحست أن رسالتها بالنسبة لعبد الله لم تنته بعد، فما دام طفله معها فهي مسؤولة أن تعيش، ولهذا فقد أقامت على لوعة مريعة وألم ليس فوقه ألم، وما أكثر ما كانت تسترجع ذكرى أيامها مع الزوج الغالي وأيامها قبل أن يدخل حياتها وتدخل حياته، وكيف أنه أختارها هي دون سواها مع كثرة {15} الإغراء الذي أحيط به من فتيات قريش، ولهذا فما أكثر ما حُسدت عليه وما أكثر ما

/ 29