الوطن والمواطنة
الحقوق والواجباتحسن الصفاربسم الله الرحمن الرحيم{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِاللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ
يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}
صدق الله العلي العظيم
سورة الأحزاب / آية 39
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيملا تزال كثير من المفاهيم والمسائلوالقضايا الشائكة في الوعي الإسلامي
للفرد والمجتمع والأمة غائبة أو مغيبة، بل
و بعيدة كل البعد عن حيز المداولة والبحث
الجاد فيها، مما أدى إلى ضمور حالة الحضور
الفاعل للإنسان المسلم في مساحة الواقع،
بل سببت حالة غياب الرؤية الاجتهادية
للمهتمين بالشأن العام والخاص لقضايا
الساخنة للأمة إلى تكريس حالة الفصل بين
الوعي والواقع، فالوعي يزداد في تجريداته
النظرية وتعاطفه المنفعل مع القيم والمثل
للإسلام، والواقع يزداد سوءاً للتطبيقات
المتعارضة مع الأهداف السامية التي جاء
بها الدين الإسلامي الحنيف في جميع
مستوياته العقدية والتشريعية.
ومن هنا صار من الضروري الوقوف عند كثير
من هذه المفاهيم والقضايا لمعالجتها
بالتحليل الدقيق، والدراسة الموضوعية في
كافة مجالاتها المعرفية لسد ذلك النقص
الذي لا زال ماثلاً في مساحة وعينا
الإسلامي، وبالخصوص في الواقع المعاصر
للمجتمع والأمة.
ولا شك أن هذه المهمة تقع على عاتق علماء
ومفكري ومثقفي الأمة، والذي بات واضحاً
لهم ضرورة العمل الجاد من أجل رفع اللبس في
كثير من الأفكار والمفاهيم غير الواضحة في
وعي الإنسان المسلم، وكما يقتضي تجدد
الزمن، إلى تعمق جديد في تلك الإشكالات
المستجدة في حياة الأمة، إذ كلما تقدمت
معارف هذا الإنسان، وتطورت الحياة،
وتشكلت آفاق حضارية جديدة استوجب كل ذلك
البحث عن تعادل موضوعي مع طبيعة هذه
المستجدات على صعيد الفكر والمعرفة.
ولهذا كان ولا يزال مجموعة من أخيار
الأمة، الذين حملوا على عاتقهم راية العمل
الجاد والدؤوب، من أجل أن تبقى حالة الوعي
في المجتمع والأمة حاضرة متوقدة واضحة
المعالم، متشربة لمفاهيم الإسلام العظيم،
ولكي يكون المسلم في جميع مستوياته
الحضارية فاعلاً ناجزاً، قائماً بدوره
على أكمل وجه.
ومن جملة أولئك القلائل الذين سعوا ولا
زالوا يسعون ويجاهدون في هذا الطريق
الجليل، سماحة الأستاذ الشيخ حسن الصفار،
والذي هو غني عن التعريف، فهو أحد الساعين
إلى بث حالة الوعي الإسلامي الجديد في
ضمانة تأصيلية المنهج.
وهذا البحث الذي بين أيدينا غيض من فيض
هذا الرجل الذي أعطى من جهده وجهاده
الكثير في سبيل رفعة وعزة الإسلام وأهله،
فهو الخطيب البارع الذي عرفته منابر
الخطاب الجماهيري بخطابه المميز، والذي
ساهم ومن خلال خبرته المنبرية الطويلة
التي تجاوزت العقدين من الزمن، في تطوير
حالة الخطاب المنبري إلى قسماته المعاصرة
والقائمة على جدة البحث الموضوعي لمختلف
القضايا والآراء، بل ذهب بعيداً حينما طبق
مناهج وقواعد وأصول البحث العلمي ضمن
صيغته الشفهية.
ولم يكن كل هذا الجهد والمسؤوليات مانعاً
لسماحته من الإضافة الكتابية العديدة،
الذي أضاف من خلالها الكثير إلى المكتبة
الإسلامية، وهذا البحث الذي نحن بصدد
التقديم إليه دليل على ذلك، فما إن
اقترحنا على سماحته أن يجتهد معنا من أجل
تحويل مجموعة من محاضراته القيمة في شتى
المواضيع التي يتصدى لها بالبحث على
الصعيد المنبري، في كثير من المواضيع
الهامة، حتى وافق على ذلك، ورغم ازدحام
وقت سماحته وكثرة التزاماته، إلا أنه مجيب
دائماً إلى كل ما من شأنه تحقيق المصلحة
العامة للفرد والمجتمع.
فهذا البحث هو أحد محاضرات سماحة الشيخ
العامة، والتي عادة ما تخاطب الجمهور
العريض في مختلف مستوياته، والذي قام
بنفسه بالإشراف عليه وإعادة صياغته،
وتهميشه وتوثيقه، حتى خرج البحث في صيغته
النهائية للنشر وأُلقيت هذه المحاضرة في
القطيف بتاريخ 2/1/1416 هـ.وأما الموضوع فهو حول (الوطن - والمواطنة ،
الحقوق والواجبات) هذا الشاهد الغائب في
مساحة الوعي الإسلامي، وأحد المواضيع
الشائكة والعالقة في علاقة الإنسان
المسلم بوطنه ومواطنيه من جهة، وعلاقته
بأمته من جهة أخرى، خاصة في هذه المرحلة
الحرجة، والتي غابت فيه حالة الأمة
الواحدة ودار الإسلام الكبرى، إلى ضيق
الدولة القطرية والتي تعززت فيه الحدود