بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
أمسك الفلاّح الفأس بزندين فولاذيين، مشى باتجاه الصّخور بخطا واثقة. نظر إليها نظرة المتحدِّي. ثمّ.. وببسالة الباشق هوى عليها بمطرقته فتفتّتت تحت تأثير ضرباته العنيفة، متحوّلة إلى حجارة صغيرة، وكلّما نزَّ من جبينه عرق الجهد والتعب، أخرج منديله الصّغير.. ومسحه. عَمِلَ الفلاّح بجدّ وتفانٍ، حتّى إنّه في تمام الأسبوع أتى على آخر صخرة، صحيح أنّ العرق تصبّب من جبينه كحبّات المطر، لكن ذلك لم يمنعه من المثابرة والعمل. انقضى أسبوع العمل، وحان موعد الحساب. -عافاك الله أيُّها الفلاّح، لقد عملت بإخلاص، هاتِ منديلك كي أزنه لك. ناولـه الفلاّح منديله الرّطب، وضعه في كفّة، ووضع قرشاً فضيَّاً في الكفّة الأخرى، فرجحت كفّة المنديل. أمسك السلطان عدّة قروش، وأضافها، فبقيت كفّة المنديل راجحة.امتعض ، أزاح القروش الفضيّة، ووضع ديناراً ذهبياً فبقيت النتيجة كما هي. احتار ، طلب من الحاجب منديلاً، غمسه في الماء ووضعه مكان منديل الفلاّح، فرجحت كفّة الدّينار. زَفَرَ ، نظر إلى الفلاّح غاضباً، قال:-أفّ.. ما سرّ منديلك.. أهو مسحور؟ ظننت أن الميزان خَرب، لكن وزنه لمنديل الماء صحيح. ابتسم الفلاّح. وشرع السلطان يزن المنديل من جديد، فوضع دينارين ذهبيين.. ثلاثة.. أربعة.. حتى وصل إلى العشرة حينها توازنت الكفّتان. كاد السلطان يجن، ماذا يحدث؟ أيعقل هذا؟ عشرة.. عشرة دنانير، نهض محموماً، أمسك بياقة الفلاّح وقال:-تكلّم أيُّها المعتوه.. اعترف، من سحر لك هذا المنديل. وبهدوء شديد، أجابه الفلاّح:-أصلح الله مولاي السلطان، القصّة ليست قصّة سحر، فأنا لا أؤمن به، القصّة باختصار هي أنّ الرّجل عندما يعمل عملاً شريفاً يهدف من ورائه إلى اللقمة الطّاهرة، ينزّ جبينه عرقاً.. هذا العرق يكون ثقيلاً.. أثقل من الماء بكثير. هزَّ السلطان رأسه وابتسم راضياً، قال:-سلّم الله فمك، وبارك لك بمالك وجهدك وعرقك، تفضل خذ دنانيرك العشرة، واقصد أهلك غانماً. قصد الفلاّح أهله مسروراً، وأخبرهم بما جرى، ففرحوا وهللوا وتبدلت معيشتهم فنعموا ورفلوا. ((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة)) حكاية الكذَّاب في قديم الزّمان، عاش سلطان يحبّ الكذب حبَّاً جمَّاً، فكان لا ينطق بأية كلمة إلاَّ إذا تأكد من كذبها حتّى إنّه كان لا ينطق بحرف الصاد كي لا يذكّره بكلمة صدْق. باختصار.. كان الكذب يسري في عروقه. مرّة.. أحسّ أن أكاذيبه أصبحت مكرّرة، لذا أعلن عن مسابقة للكذب ليرفع من سويّة كذبه، وجعل جائزة أكبر كذبة صندوقاً كبيراً مطعّماً بالصدف غير أنه لم يكشف عن محتوياته. وحان موعد المسابقة، وتجمهر النّاس وأشار السّلطان للمتسابق الأوّل بالكلام، فقال:-كنّا.. يا سلطان الزّمان.. ثلاثة، هاجَمَنَا المَحْلُ صرنا ستة، عاش من عاش ومات من مات، أصبحنا اثني عشر. ذات يوم ذهبنا إلى حمَّام السوق فانزلقنا في سواقيها، رجعنا ثلاثة، الأول أطرش.. الثاني أعور.. الثالث أعرج. قال الأطرش:أنا أسمع صوت بعوضة في أعلى سمائها. قال الأعور:صحيح.. فعيني تراها. قال الأعرج:هيَّا لنركض وراءها. ركضنا.. فوجدنا برغوثاً يسلخ جملاً، وقفنا عنده، قلنا:ألا تعطينا فخذاً؟ قال حصّلوها وخذوها. المهم.. حصّلنا الفخذ، وقصدنا عجوزاً مشطها في جيبها زيّن الله شيبها، قلنا لها:ألا تطهين لنا هذه الفخذ؟ قالت عندي طنجرة (شرقه.. مرقه) تأكل اللحم وتترك المرق، أعطيناها الفخذ، جئنا بالخبز، فتتناه في صينيّة كبيرة، دلقنا فوقه المرق، ورحنا نأكل بالمغارف، حتّى إننا لم نترك فيها لقمة واحدة. ضحك السلطان فور انتهاء المتسابق من سرد كذبته، قال:أين الكذب؟ إنّك لم تذكر حتى كذبة ضئيلة بحجم رأس الدبّوس، هيا اذهب وافسح المجال للمتسابق الثاني. ويتقدم رجل أحمر الشّعر، يرتدي ثياباً ريفيّة، يحيّي السّلطان ويقول:-يا سلطان السلاطين، ذهبتُ البارحة إلى البيدر، فرأيت الفلاَّحين يحصدون البيض، يكوّمونه ويدرسونه قلت لحالي:لماذا لا آتي بالجحش وأملأ خرجه بالبيض؟ أي والله.. ركضتُ مثل الريح، جئت بالجحش وملأت عِدْلَي الخرج بالبيض، ولحسن الحظ كان عِدْلاً الخرج مثقوبين، والبيض يقع على الأرض، ينكسر.. يتحول إلى دجاج ويركض