دور الشيعة فى بناء الحضارة الاسلامية - دور الشیعة فی بناء الحضارة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دور الشیعة فی بناء الحضارة الاسلامیة - نسخه متنی

جعفر السبحانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دور الشيعة فى بناء الحضارة الاسلامية

تأليف الشيخ جعفر السبحاني

التقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم لا يأتي المرء بجديد إذا ذهب إلى القول بأن الحقبة الزمنية التي شهدت البعثة المباركة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و آله و سلم و سنوات عمره المعطاءة القصيرة كانت تشكل بحد ذاتها إنعطافا رهيبا و تحولا كبيرا في حياة البشرية في وقت شهد فيه الخط البياني الدال على مدى الإبتعاد المتسارع عن المنهج السماوي و شرائعه المقدسة انحدارا عميقا و ترديا ملحوظا أصبح من العسير على أحد تحديد مدى انتهائه و حدود أبعاده.

بلى،ان مجرد الاستقراء المتعجل لأبعاد التحول الفكري و العقائدي في حياة البشرية عقيب قيام هذه الدعوة السماوية في أرض الجزيرةـالمسترخية على رمال الوهم و الخداع و سيل الدم المتدافعـيكشف و بلا تطرف و محاباة عظم ذلك التأثير الإيجابي الذي يمكن تحديد مساره من خلال رؤية التحول المعاكس في كيفية التعامل اليومي مع أحداث الحياة و تطوراتها،و بالتالي في فهم الصورة الحقيقية لغاية خلق الإنسان و دوره في بناء الحياة.

كما أن هذه الحقائق المجسدة تكشف بالتالي عن عظم الجهد الذي بذله صاحب الرسالة صلى الله عليه و آله و سلم في تحقيق هذا الأمر و تثبيت أركانه،في وقت‏شهدت فيه البشرية جمعاء ضياعا ملحوظا في جميع قيمها و معتقداتها،و خلطا و تزييفا مدروسا في مجمل عقائدها و مرتكزات أفكارها،كرس بالتالي مسارها المبتعد عن الخط السماوي و مناهجه السوية،و ان أي استعراض لمجمل القيم السائدة آنذاكـو التي كانت تشكل المعيار الأساسي و المفصل المهم الذي تستند إليه مجموع السلوكيات الفردية و الجماعية و تشذب من خلالهـيكشف عن عمق المأساة التي كانت تعيشها تلك الامم في تلك الأزمنة الغابرة.

فمراكز التشريع الحاكمة آنذاكـو التي تعتبر في تصور العوام و فهمهم مصدر القرار العرفي و الشرعي المدير لشؤون الناس و المتحكم بمصائرهم و مسار تفكيرهمـتنحصر في ثلاث مراكز معلومة أركانها الإساسية:اليهود بما يتملكونه من طرح عقائدي و فكري يستند إلى ثروات طائلة كبيرة،و الصليبيون بما يشكلونه في قوة مادية ضخمة تمتد مفاصلها و مراكزها إلى أبعد النقاط و الحدود،و أصحاب الثروة و الجاه من المتنفذين و المتحكمين في مصائر الناس .

و من هنا فإن كل الضوابط الأخلاقية و المبادى‏ء العرفية و العلاقات الروحية و الاجتماعية كانت تخضع لتشذيب تلك المراكز و توجيهها بما يتلائم و توجهاتها التي لا تحدها أي حدود .

إن هذه المراكز الفاسدة كانت تعمل جاهدة لأن تسلخ الإنسان من كيانه العظيم الذي أراده الله تعالى له،و دفعه عن دوره الكبير الذي خلق من أجله عند ما قال تعالى للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة بل تعمل جاهدة لأن تحجب تماما رؤية هذه الحقيقة العظيمة عن ناظر الإنسان‏ليبقى دائما بيدقا أعمى تجول به أصابعهم الشيطانية لتنفيذ أفكارهم المنبعثة من شهواتهم المنحرفة.

و أما ما يمكن الاعتقاد به من بقايا آثار الرسالات السابقة،فلا تعدو كونها ذبالات محتضرة لم تستطع الصمود أمام تيارات التزييف و الكذب و الخداع التي مسخت صورتها إلى أبعد الحدود .

نعم بعث محمد صلى الله عليه و آله و سلم إلى قوم خير تعبير عنهم قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي:أيها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام،و نأكل الميتة،و نأتي الفواحش،و نقطع الأرحام،و نسي‏ء الجوار،و يأكل القوي منا الضعيف.

هذا في الوقت الذي كانت فيه مراكز القوى تلك تتضخم و تتعاظم على حساب ضياع البشرية و موت مبادئها.

و هكذا فقد كانت الدعوة الإسلامية الفتية و صاحبها صلى الله عليه و آله و سلم في مواجهة هذه المراكز بامداداتها الرهيبة و قدراتها العظيمة،و التي شكلت أعنف مواجهة شرسة و قتال ليس له مثيل صبغ أرض الجزيرة و رمالها الصفراء،بلون أحمر قاني لسنوات لم يعرف فيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خيرة أصحابه للراحة طعما و للسكون مسكنا.

إن تلك الحصون المليئة بالشر و الخراب لم تتهاوى إلا بعد جهد جهيد وسيل جارف من الدماء الطاهرة التي لا توزن بها الجبال،من رجال أوقفوا أنفسهم و أرواحهم من أجل هذا الدين و صاحبه صلى الله عليه و آله و سلم.

استطاع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن يقيم حكومة الله تعالى في الأرض و

/ 40