ادب النکبة فی التراث العربی نسخه متنی

الكتاب وهو أطولها فقد خصصته لدراسة الشعر
النكبوي متبعاً منهجاً تكاملياً في
دراسته، فهو تاريخي حيناً، وتأملي تأثري
حيناً آخر، وبموازاة الجانب الفني تم
الاهتمام بالجانبين الاجتماعي والنفسي،
ومع التركيز على النص الشعري لم تهمل حياة
الشاعر وما عرف عنه. هكذا أتيت في الفصل
الأول من هذا الباب على ذكر الخصائص
العامة التي انماز بها الشعر النكبوي،
ودرست في الفصل الثاني والأخير خصائصه
الفنية، ما لـه وما عليه.
وقد ألحقت بالبحث ثلاثة فهارس هي فهرس
الأشعار وفهرس المصادر والمراجع وفهرس
الموضوعات.
-3-
قضيت في تأليف هذا الكتاب زمناً يربو على
العقد، وقد شاءت الأقدار أن أدفعه إلى
المطبعة وبغداد والبصرة ومدن العراق
الأخرى تكتوي بنار الغزاة الجدد. وهكذا
فإن السواد الذي يغطي المساحة الكبرى منه
يغطي النفس أيضاً في هذه الأيام. لكنني
أدرك أن القراء ـ قبلي ـ، وقبلنا شعراء
النكبات ـ الخوالي والتوالي ـ يتطلعون
بثقة وأمل إلى فجر عربي وإنساني جديد يخلف
هذا الظلام وينتصر عليه.
اللاذقية صيف 2003
محمد حمدان
المَدْخَل
1ـ حول المصطلح
2ـ بين النكبة والفتنة
3ـ بين النكبة والرثاء
4ـ أدب النكبة في الدراسات المعاصرة
1ـ حول المصطلح:
يطلق مصطلح (النكبة) ـ كما يسمح بذلك معناه
اللغوي ـ على كلِّ المآسي الفردية
والجماعية، وعلى الفجائع التي تصيب مظاهر
الحضارة والعمران. فالنكبة، لغة، المصيبة
من مصائب الدهر وإحدى نكباته، والنَّكب
كالنكبة وجمعه نكوب. ونكبه الدهر ينكبه
نَكْباً وَنكَباً: بلغ منه وأصابه بنكبة،
يقال: نكبته حوادث الدهر. وأصابته نكبة
ونكبات ونكوب كثيرة(1). وقد تكرر استعمال
كلمة (النكبة) في الشعر للتعبير عن مجرد
الفجيعة أو للدلالة على المصيبة التي تحل
بالفرد وأسرته أو بالجماعة والأقوام
والممالك. فمما جاء للتعبير عن المآسي
العامة كالحرب وغيرها ما قاله ابن ثور
العجلي(2) يوم القادسية مصوراً تماسكه أمام
الهزات التي يحدثها الدهر:
ولست إذا ما أحدثَ الدهر نكبةً
بأخضعَ ولاّجٍ بيوتَ أقاربي(3)
ومما جاء في الشأن الفردي أو الأسري ما
قاله صريع الغواني(4) متحدثاً عن ديونه
التي أثقلت كاهله فنكبته:
إني رماني الدهرُ منه بنكبةٍ
حتى حملتُ من الديون ثقالا(5)
ومثله شماتة ابن الرومي(6) بالوزير
إسماعيل بن بلبل(7) وتشفيه منه لما نكبه
الموفق(8):
فلئن نُكبتَ لطالما نُكبت
بك همةٌ لجأت إلى سندكْ(9)
وقد صور أبو دلف العجلي(10) الانتكاسة التي
حلت بأسرته فأمالتهم بعد عزهم. متمنياً أن
تعرف نكبتهم حداً تقف عنده، يقول:
أيا نكبةَ الدهرِ التي طَوَّحت بنا
أيادي سبا في شرقها والمغاربِ
قفي بالتي نهوى فقد طرتِ بالتي
إليها تناهت راجعاتُ المصائب(11)
والنكبات تتعدد مصادرها وتتنوع أشكالها،
فيحيى بن علي المنجم(12) يرى في مصاب أسرة
الموفق بأمه نكبة، وهو يعزيه بهذه المصيبة
التي سيشرب من كأسها الناس جميعاً:
فما الناسُ إلا اثنان: معقورُ نكبةٍ
قد انصرمت أو سالمٌ سوف يُنكبُ(13)
وإلى جانب استخدام كلمة النكبة في
التعبير عن المصائب العامة بدون تخصيص،
وفي تصوير المآسي الفردية والأسرية،
فإنها استخدمت لتصوير المآسي الجماعية
التي عصفت ببعض الممالك والأقوام
والتعبير عنها أيضاً. فالشاعر الجاهلي ذو
جدن الحميري(14) يستعمل (النكبة) وهو يتحدث
عن مصير قومه من قصيدة تعتبر واحدة من
قصائد نكبات الممالك والأقوام، يقول:
فكيف لا أبكيهم دائباً
وكيف لا يُذهب نفسي الهلعْ
من نكبةٍ حَلَّ بنا فقدها
جرَّعنا ذا الموتُ منها جُرَع(15)
وفي حديثه عن المصائب التي حلت بقبيلة
قريش يوظف ابن قيس الرقيات(16) كلمة
(النكبات) في همزيته المشهورة ليصور حال
قومه وما تعرضوا لـه من محن ونوائب، يقول:
ترك الرأس كالثَّغامة مني
نكباتٌ تسري بها الأنباءُ(17)
ومثله في التعبير عما تتعرض لـه الجماعات
من نكسات ما قاله أحد شعراء العصر العباسي
مادحاً بلاء الموفق ضد حركة يعقوب بن
الليث الصَّفَّار(18):
ولقد أتى الصَّفَّار في عُدد لها
حسنٌ فوافتهنَّ نكبةُ ناكبِ(19)
وتأتي (النكبة) أحياناً للتعبير عما يمكن