لا ريب في عدم تحقق " البيع " بالاعتبار المجرد ، بل لابد له من مبرز ، فان كان الابراز بالقول و هو الايجاب و القبول فلا اشكال و لا خلاف في تحققه بذلك ، و ان كان بالفعل و هو المعاطاة فهو مورد البحث و الكلام ، فهل تفيد المعاطاة الملك أو الاباحة ؟ و على الاول فهل هو لازم أو جائز ! أنحاء المعاطاة و آثارها و المعاطاة : ان كانت على وجه الاجبار لم تفد شيئا ، اذ لا اعتبار حينئذ ، و لا يمكن التعاطي من قصد ، و أما مع القصد فلا تخلو من ثلاثة أقسام : 1 الاعطاء مع قصد الاباحة .2 الاعطاء مع قصد التمليك .
(58)
3 الاعطاء مع قصد الامانة .فالأَول يفيد الاباحة ، و الثاني التمليك ، و الثالث الامانة .و في تعيين كل واحد منها لابد من قرينة زائدة على الاعطاء و لو كان معاملة مفهمة للمقصود حتى يؤثر فيه .و اما الاعطاء بلا قصد فعلى فرض إمكانه لا يفيد شيئا ، لان مجرد الاعطاء لا يكفي دليلا على الرضا و يكون المال مغصوبا عند الاخذ ، فان قصد النقل ( من قصد لنوع من أنواعه بالخصوص ) فلا أثر له أيضا كذلك ، لان أقسام النقل معينة بعناوينها من البيع و الهبة و الاجارة . فقصد الجنس دون الفصل ممكن فتأمل .و انما الكلام في التعاطي بيعا و تمليكا بأن يعطي أحدهما بقصد التمليك بعوض و يقبل الاخر بإعطاء العوض أو إباحة بأن يتعاط يا على نحو التراضي و الاباحة في التصرف منهما بلا تمليك فهل يصح أولا ؟ هنا مطالب : الاول : ما هو المتعارف بين الناس ؟ فيه قولان .الثاني : ما هو الحكم في الحالين ؟ ان قصد الاباحة لم يفد الملك كما هو واضح ، و اما ان قصد التمليك ففيه أقوال : فقيل انه بيع لازم ، و قيل بل جائز ، و الثالث انه بيع فاسد لعدم الصيغة .و الملك لمالكه لكن يترتب عليه الاباحة تعبدا عند بعضهم ، و قيل بل من المالك ، و ذهب بعضهم إلى عدم جواز التصرف .
(59)
كلمات الفقهاء حول المعاطاة
و أما إذا لم يقصد لا الاباحة و لا التمليك فاما لا يعقل أصلا ، و اما لا يترتب عليه شيء .فيكون المعطى بحكم المغصوب .كلمات الفقهاء حول المعاطاة الثالث : ما المستفاد من كلمات الاصحاب في المقام ؟ قال المحقق الثاني " قده " : ان محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها التمليك ، و لذا فقد نزل الاباحة في كلام الفقهاء على الملك الجائز .و قال صاحب الجواهر " قده " : ان محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرد الاباحة ، و أبقى الاباحة في كلامهم على ظاهرها .و لنقل كلمات جماعة من الفقهاء في المقام و نذكر ما يمكن أن يستفاد منها ، فنقول : قال في الخلاف : " إذا دفع قطعة إلى البقلى أو الشارب فقال أعطني بها بقلا او ماءا فأعطاه فانه لا يكون بيعا ، و كذلك سائر المحقرات ، و انما يكون إباحة له ، فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من دون ان يكون ملكه . " . أقول : قوله " انما يكون إباحة " يحتمل أن يكون حكما و يحتمل إرادة ان المتعاطيين يبيح كل منهما التصرف في ماله للاخر .و أما قوله " فيتصرف كل منهما " فصريح في عدم الملك .و كلامه " قده " في المبسوط يحتمل فيه الوجهان المذكوران كذلك ، فقد قال هناك مانصه " فأما البيع : فان تقدم الايجاب . و ان
(60)
تقدم القبول . فإذا ثبت هذا فكل ما يجري بين الناس انما هو استباحات و تراض دون أن يكون ذلك بيعا منعقدا ، مثل أن يعطي للخباز درهما فيعطيه الخبز أو قطعة للبقلي فيناوله البقل ، و ما أشبه ذلك .و لو أن كل واحد منهما يرجع فيما أعطاه كان له ذلك ، لانه ليس بعقد صحيح هو بيع " . لان ظاهر قوله " انما هو استباحات و تراض " عدم قصد المتعاطيين الملك ، و ظاهر قوله " لانه ليس بعقد صحيح هو بيع " كونه بيعا صحيح .فظهر أنه لا يمكننا نفي ارادته " قده " كون المعاطاة مقصودا بها الاباحة ، بمعنى استباحة كل من المتعاطيين التصرف في مال الاخر منه ، فما ذكره المحقق الثاني " قده " لا يساعده كلام الشيخ " قده " . ثم قال في الخلاف بعد العبارة المذكورة " و فائدة ذلك أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك ، لان الملك لم يحصل لهما .و به قال الشافعي ، و قال أبو حنيفة يكون بيعا صحيحا و ان لم يحصل الايجاب و القبول ، و قال ذلك في المحقرات دون غيرها .دليلنا ، ان العقد حكم شرعي و لا دلالة في الشرع على وجوده هنا فيجب ان لا يثبت ، و أما الاباحة بذلك فهو مجمع عليها لا يختلف العلماء فيها " .
(61)
لكن الاستدلال للحكم بالاباحة بالاجماع تام ، لوجود الخلاف في المسألة .و قال في السرائر : " . فإذا دفع قطعة إلى البقلي أوالى الشارب فقال " أعطني " فانه لا يكون بيعا و لا عقدا ، لان الايجاب و القبول ماحصلا ، و كذلك سائر المحقرات و سائر الاشياء محقرا كان محقر من الثياب و الحيوان ، و انما يكون إباحة له ، فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من أن يكون ملكه أو دخل في ملكه ، و لكل منهما أن يرجع فيما بذله ، لان الملك لم يحصل لهما .و ليس ذلك من العقود الفاسدة لانه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار إلى كل واحد منهما ، و انما ذلك على جهة الاباحة " . أقول : و هذا ظاهر في دعوى صاحب الجواهر " قده " ، اذ لو كانا قاصدين للملك لكان عقدا فاسدا ، بل انهما يقصدان الاستباحة ، و لذا كان لكل منهما أن يرجع فيما بذله .و قال في الغنية : " و اعتبرنا حصول الايجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الايجاب من البائع ، بأن يقول " بعنيه بألف " فيقول " بعتك بألف " ، فانه لا ينعقد بذلك ، بل لابد أن يقول المشتري بعد ذلك " اشتريت " أو " قبلت " حتى ينعقد ، و احترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة ، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة و يقول
(62)
" أعطني بقلا " فيعطيه ، فان ذلك ليس ببيع و انما هو إباحة للتصرف .يدل على ما قلناه الاجماع المشار اليه ، و أيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به و ليس على سحة ما عداه دليل ، و لما ذكرنا نهى صلى الله عليه و آله عن بيع المنابذة و الملامسة ، و عن بيع الحصاة على التأويل الاخر ، و معنى ذلك أن يجعل اللمس بشيء ء أو النبذ له و إلقاء الحصاة بيعا موجبا " . أقول : يعني انه كما لا ينعقد البيع فيما إذا لم يقل المشتري بعد الايجاب " اشتريت " أو " قبلت " كذلك المعاطاة لا ينعقد بها البيع مطلقا ، و هذا ظاهره قصد المتعاطيين التمليك لا الاباحة .و يحتمل أن يكون في مقام بيان الفرق بين قول المشتري للبائع " يعني " و قوله له " أعطني " ، فان كليهما لا ينعقد به البيع ، الا أن الثاني يفيد الاباحة للتصرف .و الذي يظهر لي أن المراد من هذه " الاباحة " هي " الاباحة المالكية " لا " الاباحة الشرعية " . كما أن استدلاله بالادلة الثلاثة ظاهر في أن المفروض قصدهما الملك ، و الا لكان الاولى أن يستدل لعدم انعقاده بعدم القصد ، لكن من المحتمل استدلاله بها لعدم انعقاد البيع بقوله " بعني " لا لعدم انعقاده بقوله " أعطني " . و قال الحلبي " قده " في الكافى بعد ذكر شروط صحة البيع :