أنحاء السلطنة ، فلا يفيد السلطنة على ابقاء أو ازالة الملكية .ثم قال الشيخ بعد التمسك بالحديث : فاندفع ما ربما يتوهم من أن غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه ، و لا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الاصلي .أقول : غرضه " قده " دفع توهم أنه يريد من الحديث إطلاقه ليشمل ما بعد الرجوع ، حتى يكون تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية بل يريد أن تملك مال الغير عنه بالرجوع فيه بغير رضاه ينافى السلطنة التامة الثابتة له عليه بمقتضى الحديث .و هل بين التقريبين فرق بأن يكون التمسك به قبل الرجوع لا من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ؟ أقول : معنى الحديث ان الناس مسلطون على أموالهم لاعلى أموال غيرهم ، و كون سلطنة من لا يخرج المال عن ملكه الا برضاه أتم من سلطنة من ليس له الا التصرف فيه معلوم ، و لكن الحكم لا يثبت موضوعه بل يترتب على الموضوع الثابت من قبل ، فلا بد من دليلين أحدهما يثبت الموضوع و الاخر يرتب الحكم عليه ، و هذا الحديث يفيد السلطنة للمالك على ماله و يتكفل افادة بقاء الملكية ، و ظاهر عبارة الشيخ " قده " استفادة هذه الجهة أيضا من هذا الحديث .فظهر بطلان التمسك بالحديث لاثبات الملك مطلقا .و يشهد بما ذكرنا أنا لم نجد أحدا من الاصحاب يقول بأن الادلة النافية للملك كأدلة الخيار و الشفعة معارضة لقاعدة السلطنة ، و ذلك
(106)
الثالث : قوله " لا يحل مال امرئ . . . "
لان هذه تقتضي سلطنة الشخص على المال ما دام في ملكه ، و أما دليل الشفعة مثلا فيفيد أنه ليس ملكا له .فهو كالوارد على دليل السلطنة . كما أن أدلة الحجر مثلا لا تعارض هذه القاعدة بل تخصصها كما هو ظاهر .و هذا الاشكال نفسه وارد على المحقق " قده " في مسألة القرض ان كان وجه تمسكه به على النحو الذي تمسك به الشيخ " قده " . الثالث : قوله عليه السلام " لا يحل مال امرئ " . قال الشيخ " قده " : و منه يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام " لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه " . أقول : ان كان هذا الحكم تكليفيا فالمراد لا يجوز التصرف في مال امرئ إلا عن طيب نفسه ، و ان كان وضعيا فالمعنى لا ينفذ و لا يصح .و الاستدلال به في المقام يتوقف على ظهوره في الحكم الوضعي ، حتى لا يجوز الرجوع ، بمعنى عدم تأثيره إلا عن طيب نفس المشتري .قيل : ان نسبت الحلية أو الحرمة إلى المعاملات كانت ظاهرة في الحكم الوضعي أي النفوذ و ان كان الموضوع عينا خارجية كان ظاهرا في الحكم التكليفي ، مثلا الخمر حرام أي شربه و لحم الخنزير حرام أي أكله .و على هذا يكون الحديث ظاهرا في الحكم التكليفي ، أي لا يجوز التصرف في مال الغير .و قيل : ان نسبت إلى عين لا بما هي مال فهو تكليفي مثل الخمر حرام ، و ان نسبت إليها بما هي مال كان ظاهرا في الحكم الوضعي مثل " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض " .
(107)
أقول : أقول : و الصحيح أن ظاهره حرمة التصرف في مال الغير مطلقا الا برضاه .قال الشيخ " قده " : و توهم تعلق الحل بمال الغير ، و كونه مال الغير بعد الرجوع أول الكلام مدفوع بما تقدم .أقول : توضيح التوهم : ان هذا الحديث يجوز التمسك به فيما إذا كان الموضوع معلوما ، و كون المال ملكا له بعد الرجوع مشكوك فيه ، فيكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية .و توضيح الدفع : ان تملكه عن الغير بالرجوع فيه تصرف في ماله ، و هو جائز بمقتضى الحديث الشريف .قال الشيخ " قده " : مع ان تعلق الحل بالمال يفيد العموم بحيث يشمل التملك أيضا . أقول : غرضه " قده " ان هذا الحديث يدل على الحكم الوضعي و هو الفساد بالالتزام كذلك .و الصحيح كما قال السيد " قده " ان كلمة " مع " زائدة هنا ، أي ان عموم " لا يحل . " يشمل جميع التصرفات و منها التملك ، فهو يقتضي عدم جواز التصرف الخارجي و كذا التملك من أول الامر ، فلا شبهة مصداقية حينئذ .و لكن يتوجه ما أوردناه على الاستدلال بحديث السلطنة ، فان الحديث لا يتكفل الموضوع بل يقول : ان المال المفروض كونه للغير لا يجوز التصرف فيه الا برضاه فتأمل .
(108)
الرابع : آية التجارة
الرابع : آية التجارة قال الشيخ " قده " : و يمكن الاستدلال بقوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض . " . أقول : و مما استدل به للزوم المعاطاة هذه الاية الشريفة باعتبار ان الرجوع فيما ملكه بالمعاطاة ليس تجارة عن تراض ، فيدخل في عموم المنع ، و المعنى بقرينة " تجارة عن تراض " لا تأكلوا ما لا بعنوان التملك الا بالتجارة عن تراض .و بعبارة أخرى : المعنى ان سبب التملك منحصر بالتجارة عن تراض .هذا إذا كان الاستدلال بجملة المستثنى بناءا على دلالتها على الحصر .قال الشيخ " قده " : و التوهم المتقدم في السابق جارهنا . أقول : و في نسخة " غير جار هنا " ، و الظاهر أنها الاصح ، و غرضه " قده " ان الشبهة المذكورة حول دلالة " الناس مسلطون على أموالهم " جارية هنا ، لان الحكم هنا ليس الا النهي عن تملك مال الغير الا بالتجارة عن تراض ، و الرجوع ليس من مصاديق التجارة عن تراض .و يمكن التمسك أيضا بالجملة المستثنى منها ، فيكون المعنى : لا تتصرفوا بنحو من الانحاء في أموالكم إلا عن طريق التجارة عن تراض .أقول : هل الاية الكريمة تفيد لا تأكلوا أموالكم بوصف " أموالكم " اي بقيد الاضافة إلى اصحابها ، أو لا تأكلوا أموال غيركم بعنوان أنها أموالكم ، أو الاعم من كلا الامرين ؟ الظاهر ان المراد هو الثاني ، أي لا تأكلوا ما تجعلونه ملكا لكم
(109)
بزعمكم مما هو بأيديكم بسبب من الاسباب الا التجارة عن تراض .و بعبارة أخرى : لا تتملكوا شيئا من الاموال الا بالتجارة عن تراض . فيكون أكل الوارث ما ترك مورثه خارجا عن مدلول الاية تخصصا .ثم ما المراد من الباطل ؟ ان كان المراد الباطل الشرعي دلت الاية على جواز الاكل المباح و ان لم تكن تجارة عن تراض ، كأكل المارة مما يمرون به مثلا و على هذا لا يلزم التخصيص في الاية بذلك ، و يكون الرجوع جائزا فيما إذا اذن الشارع و ان لم يكن تجارة عن تراض ، و يكون الاستثناء حينئذ منقطعا .و المختار عند جماعة عدم دلالة الاستثناء المنقطع على الحصر ، فالآية تفيد النهي عن كل باطل و لا تفيد حصر الباطل في التجارة عن تراض .و عليه فلو شك في جواز الرجوع و عدمه يكون التمسك بالاية لعدم الجواز تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لاحتمال اذن الشارع ، إذا المفروض أن المراد من " الباطل " هو الباطل الشرعي ، بمعنى ما لم يأذن به الشارع .و ان كان المراد الباطل العرفي أي ما كان باطلا عندكم لا يكون مملكا لكم ، فلا تأكلوا ما أخذتموه بشيء ء من تلك الاسباب الا التجارة عن تراض فعلى هذا يكون اذن الشارع في بعض الموارد كحق المارة و الشفعة و نحوهما مخصصا لهذا " الباطل " ، و كذا يكون نهيه عن بيع المنابذة و نحوه مخصصا لما هو " الصحيح " عندهم . و الاستثناء على هذا التقدير منقطع كذلك و لا دلالة له على الحصر أيضا .
(110)
و أما إذا جعل الاستثناء متصلا كان تقدير المستثنى منه " بسبب من الاسباب " ، أى لا تأكلوا أموالكم بينكم بسبب من الاسباب المملكة عندكم الا بسبب التجارة عن تراض . دل على الحصر ، و كان " الباطل " قيدا توضيحيا و كأنه تعليل للنهي عن ما عدا التجارة عن تراض .و يلزم عليه تخصيص المستثنى منه ، لانفاذ الشارع جملة من الاسباب غيرها .هذا ، و الظاهر ان المراد من " الباطل " هو الباطل الشرعي ، و جملة الاستثناء لا تفيد الحصر حتى يلزم التخصيص ، فلو احتمل اذن الشارع في الرجوع في المعاطاة جاز له التصرف في المال بعده بما جاز له التصرف فيه قبلها ، لان معنى الاذن في الرجوع هو جعل المعاطاة كالعدم .و بالجملة يتوقف الاستدلال بالاية على دلالتها على الحصر ، أو دلالتها على حرمة أكل المال بالاسباب الباطلة عند أهل العرف : فأما الوجه الاول فان الشيخ " قده " و ان تمسك به هنا قد نفاه في مبحث بيع الفضولي ، و ذكر أن الاستثناء منقطع و لا يفيد الحصر ، و جعله مثل " لا شئ من الغنم بحرام الا الارنب " ، فانه استثناء منقطع و لا يفيد عدم حرمة ما عدا الارنب من الحيوانات .نعم الحكم في المستثنى منه عام ، فليس شيء من الغنم بحرام ، و ليس شيء من الاكل بالباطل بحلال .و لا فرق في عدم الدلالة على الحصر بين أن يكون " الباطل "
(111)
السادس : قوله " أوفوا بالعقود"
الخامس : أدلة خيار المجلس
شرعيا أو عرفيا : أما الاول فلان المفروض عدم معلومية بطلانه شرعا ، و أما الثاني فان هذا باطل عرفا كما ذكرنا لكن الشيخ " قده " نفسه قال : إذا أجاز المالك الحقيقي كان المورد نظير أكل المار من الثمر الممرور به ، فانه حينئذ يخرج عن كونه باطلا ، و على هذا لا يصح التمسك بالجملة المستثنى منها هنا .و أما الوجه الثاني ففيه أن ذلك أول الكلام ، على أنه يستلزم التخصيص و التخصص ، بل الاية سياقها لا يناسب " الباطل " العرفي .و بما ذكرنا ظهر عدم جواز التمسك بالاية للزوم المعاطاة .الخامس : أدلة خيار المجلس قال الشيخ " قد " : هذا كله مضافا إلى ما دل على لزوم خصوص البيع ، مثل قوله عليه السلام " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " . أقول : تقريب الاستدلال بهذه الاخبار هو : أن المعاطاة بيع بالحمل الشائع ، فتشملها أدلته و تترتب عليها أحكامه ، و منها خيار المجلس ، فالمتعاطيان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا لزمت المعاطاة .و التمسك بهذه الاخبار لاجل عدم جواز الفسخ بعد تفرقهما عن مجلس العقد تام كما هو واضح ، و أما بناءا على كون المعاطاة كالهبة في جواز التراد لم يقتض ذلك المنع عن التراد .السادس : قوله تعالى " أوفوا بالعقود " قال الشيخ " قده " : و قد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى " أوفوا بالعقود . " .