الوجوه المحتملة في الخبر و قد احتمل الشيخ قدس سره في قوله عليه السلام " انما يحلل الكلام و يحرم الكلام " وجوها أربعة : الاول : أن يراد من " الكلام " في المقامين اللفظ الدال على التحريم و التحليل ، بمعنى أن تحريم شيء و تحليله لا يكون الا بالنطق فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام ، و لا بالقصد المدلول عليه بالافعال .الثاني : أن يراد من " الكلام " اللفظ مع مضمونه ، كقولهم " هذا الكلام صحيح ، و هذا الكلام باطل " ، و يكون المراد : ان المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي من حيث الحلية و الحرمة باختلاف المضامين المؤداة بالكلام .قال : و على هذا المعنى ورد قوله عليه السلام " انما يحرم الكلام " في عدة من روايات المزارعة .و على هذا فالمراد بالنسبة إلى مورد السوأل ان الكلام ان كان بمضمون البيع و الشراء كان أثره الحلية ، بخلاف ما إذا كان بمضمون المواعدة و المقاولة ، و ان كان المطلب واحدا .الثالث : ان يراد من " الكلام " في الفقرتين الكلام الواحد ، و يكون الاختلاف في الحكم الشرعي باعتبار الوجود و العدم .قال : و يحتمل هذا الوجه في الروايات الواردة في المزارعة .أي : الايجاب و القبول ان وجدا حل التصرف في مال الغير و الا
(120)
فلا .اذن الافعال موثرة .الرابع : أن يراد من " الكلام " المحلل خصوص المقاولة ، و من المحرم إيجاب البيع ، لانه وقع قبل الشراء و هو جائز .أقول : لا اشكال في أن الراوي لا يريد السوأل عن حكم بيع قد وقع بلا لفظ ، لانه يعلم بعدم تحقق البيع ، بل يقصد السوأل عن أثر هذا اللفظ الدال على المواعدة و المقاولة ، اما من جهة احتماله كون ذلك من مصاديق قوله عليه السلام " لاتبع ما ليس عندك " فقال الامام عليه السلام : أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك ؟ قال : بلى ، فقال عليه السلام : لا بأس . أي : لا بأس بهذه المواعدة ما دام أمر القبول و الرد بيده بعد ، فانها ليست من مصاديق " لاتبع ما ليس عندك " . و اما من جهة احتماله أن هذه المقاولة توجب بطلان المعاملة التي ستقع بينهما على الثوب ، فالإِمام عليه السلام يجيب بعدم البأس ، لان الرجل ان شاء أخذ و ان شاء ترك .هذا حكم المسألة .و انما الكلام في تطبيق الكبرى على الصغرى ، و ظاهر " انما يحلل الكلام و يحرم الكلام " كون الكلام نفسه محللا و محرما ، و أما الاحتمال الثالث فخلاف الظاهر ، كما ان جعل " يحرم الكلام " بمعنى ان عدم الكلام محرم خلاف الظاهر ، بل المحرم و المحلل اما بمعنى ان الايجاب و القبول الصحيحين يسببان حلية المثمن للمشتري و الثمن للبائع ، و اما بمعنى ان المؤثر في الحلية و الحرمة هو وجود الكلام ، فالمؤثر في حلية الوطي هو وجود صيغة النكاح ، و المؤثر في حرمته هو وجود صيغة
(121)
الطلاق .فالكلام نفسه محلل و نفسه محرم ، و أما إرادة ما ذكر فمجاز و لا موجب لحمل الرواية عليه .و على هذا فلا بيع في المقام حتى يبحث عن شرطية اللفظ و عدمها .نعم يحتمل أن يراد من " الكلام " البيع بالايجاب و القبول ، و بما أنه متحقق هنا فليس بمصداق لقوله عليه السلام " لاتبع ما ليس عندك " و لذا قال عليه السلام " لا بأس " . و لكنه خلاف الظاهر .و يحتمل أن يراد ان البيع يتحقق بالايجاب و القبول و هو متحقق قبل الشراء ، و لذا قال " لا بأس " ، اذ لو كان قبل الشراء بيع لكان باطلا .و لكنه خلاف الظاهر كذلك .و بالجملة : ان الرواية مجملة ، و غاية ما يستفاد منها تأثير " الكلام " في المعاملات .فالاستدلال بها في المقام تام .ثم ان الشيخ " قده " بعد أن ذكر أن الرواية لا تدل على انحصار المعاملة في اللفظية قال : نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع بوجه آخر بعد ما عرفت من أن المراد بالكلام هو إيجاب البيع بأن يقال : ان حصر المحلل و المحرم في الكلام لا يتأتى الا مع انحصار إيجاب البيع في الكلام ، اذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم في الكلام .الا أن يقال : ان وجه انحصار البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد ، اذ
(122)
روايات أخرى في الباب
المفروض أن المبيع عند مالكه الاول ، فتأمل .أقول : و لكن من الممكن أن يقال : ان للمورد هنا خصوصية ، اذ المعاطاة لم تتحقق .و الامام عليه السلام حصر البيع بالايجاب و القبول معبرا ب " الكلام " في مقابل المقاولة لا في مقابل المعاطاة ، اذ الواقع هنا هو الكلام لا الفعل .و يحتمل التعبير ب " الكلام " من جهة الغلبة ، اذ الاغلب تحقق البيع بالكلام .و كيف كان فلا ظهور للرواية في مقابل ظواهر عمومات البيع ، لتكون دالة على عدم افادة المعاطاة الملك أو اللزوم .روايات اخرى في الباب .ثم انه " قده " قال : كما يشعر به قوله عليه السلام في رواية أخرى واردة في هذا الحكم أيضا ، و هي رواية يحيى بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل قال لي : اشتر هذا الثوب أو هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا .قال : لا بأس بذلك ليشترها و لا يواجبه البيع قبل أن يستوجبها أو يشتريها ( 1 ) . أقول : يعني انه بقرينة هذه الرواية يفهم أن المراد من " الكلام " في تلك هو البيع ، أي ان تحقق البيع قبل الشراء فحرام و الا فحلال ، لانها تشعر باشتراط الكلام ، لقوله عليه السلام " لا يواجبه البيع . " . 1 - الوسائل 6 / 378 باختلاف يسير في اللفظ .
(123)
الا أن هذا لا يفيد الحصر حتى يقال بعدم تأثير المعاطاة بل الامام عليه السلام تعرض في الجواب إلى أحد فردي المعاملة لانه مورد السوأل و لا مفهوم لكلامه ليكون الفرد الاخر باطلا ، بل هو مسكوت عنه .قال : و يشعر به أيضا رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلى أصل المال .قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : الرجل يريد أن يبيع بيعا فيقول : أبيعك بده دوازده .فقال : لا بأس ، انما هي هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة ( 1 ) .فان ظاهره على ما فهمه بعض الشراح أنه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد و انما يكره حين العقد .أقول : و لكن من أين نثبت له المفهوم ليدل على الحصر ، بل لعل الامام عليه السلام أجاب بهذا الجواب لكون المورد مورد القول ، لان الراوي قال : فيقول . قال " قده " : و في صحيحة ابن سنان : لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب ، ثم توجبه على نفسك ، ثم تبيعه منه بعد ( 2 ) . أقول : و هذه كسابقتها في عدم الدلالة على الحصر ، على أن قوله عليه السلام " ثم تبيعه " أعم من البيع اللفظي و المعاطاة . 1 - الوسائل 6 / 386 مع اختلاف في اللفظ .2 - الوسائل ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 8 ج 6 ص 375 .