و احتمل الشيخ " قده " كونه من جهة " ما اشتهر في كلامهم من أن البيع لنقل الاعيان " فأجاب بأن " الظاهر ارادتهم بيان المبيع . " . و هذه المنفعة المذكورة يقال لمن يملكها انه ذو مال ، كما انه ليس فقير شرعا .هل يقع عمل الحر عوضا ؟ و أما عمل الحر و هو من المنافع فهل يجوز وقوعه عوضا ، كأن يقول " بعتك هذا الثوب بخياطة هذا الثوب " أو " بعتك هذا الثوب بكتابة هذا الكتاب " ؟ قالوا : ان عمل الحر بعد المعاوضة مال ، فتكون خياطة الثوب أو كتابة الكتاب ملكا لصاحب الثوب ، و يجوز له حينئذ أن يبيع هذا العمل لثالث في مقابل شيء ، و انما الكلام في ماليته قبل المعاوضة .أقول : ان هذه المسألة تترتب عليها آثار كثيرة في موارد عديدة : منها : انه ان كان عمله ( سواء كان صنعة أو حرفة أو خدمة ) ما لا لم يجزله الاخذ من الزكاة و تجب عليه الفطرة و ان لم يكن ذا مال بالفعل اذ المفروض أنه يمكنه العمل و تحصيل المؤنة .و أما إذا اشترط المالية الفعلية فليس مالكا لشيء ، فيصدق عليه عنوان " الفقير " و تترتب الاثار المترتبة عليه .و منها : مسألة الحج . و منها : مسألة الحجر على المفلس ، فمن حجر عليه التصرف
(22)
في أمواله لاجل الافلاس فهل يحجر عليه التصرف و الاستفادة من عمله فيؤجر نفسه و يؤخذ مال الاجارة و يقسم بين الغرماء كسائر أمواله كما هو الشأن في العبد فان عمله لمالكه كنفسه أو ان متعلق حق الغرماء هو أمواله التي كانت له قبل الحجر و أما عمله فلنفسه و الاجرة له ؟ و بالجملة : ان كان عمل الحر ما لا صح وقوعه عوضا لما تقدم من تحقق المالية له بالتعهد ، و الا فلا بناءا على اشتراط المالية في العوضين .و الحق هو الاول ، فانه مال كعمل العبد بلا فرق بينهما من هذه الجهة ، فكما يبذل المال بأزاء عمل العبد فانه يبذل بأزاء عمل الحر عرفا .نعم في الحر أحكام توهم الفرق ، مثلا لو حبس شخص عبدا ضمن لمالكه عينه و عوض عمله ، دون الحر فانه لا ضمان عليه .لكن لعل عدم الضمان من جهة عدم القدرة على التسلط على عمله بخلاف العبد .فألحق هو القول الاول ( و ان احتمل الاجارة في مثل هذه الموارد دون البيع ) فان عمل الحر في حد نفسه مال سواء قبل المعاوضة و بعدها ، و مجرد تعهده و التزامه يكفي لصحة المعاملة و يصلح العمل للمالية .و بالجملة : المعاملة صحيحة بناءا على صحة وقوع المنفعة عوضا ، فانه أي عمل الحر مال بناءا على اشتراط المالية في العوضين كما في عبارة المصباح .نعم ، لو قيل ان العمل ليس ما لا مطلقا لم يقع عوضا مطلقا .
(23)
الحقوق وأقسامها ووقوعها عوضا
الكلام في الحقوق و أقسامها و وقوعها عوضا قال الشيخ " قده " : و أما الحقوق الاخركحق الشفعة و حق الخيار . .أقول : الفرق بين المعاوضة على " العين " و المعاوضة على " الحق " واضح ، ففى الاولى ينتقل إلى المشتري متعلق السلطنة و في الثانية ينتقل اليه نفس الحق الذي صح وقوعه عوضا .و الحقوق على قسمين كما اشار اليه " قده " ، و لا بد أولا من الوقوف على حقيقة " الحق " فنقول : ] الحق [ سلطنة : اما على العين الخارجية التي هى ملك للغير كتعلق حق المرتهن بمال الراهن ، فله " حق " استيفاء دينه ببيع مال الراهن فيما إذا لم يؤد الدين عند حلول الاجل المعين .و اما على مال ليس ملكا لاحد كحق التحجير .و اما على عين خارجية لا تعد ما لا شرعا كالخمر ، فان من انقلب خله خمرا له حق الاولوية في التصرف فيه من غيره ، فله أن يبقيه حتى ينقلب خلا أو يفعل به ما شاء على قول .و اما على شيء ليس عينا في الخارج كحق القصاص ، قال الله تعالى " و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ." ( 1 ) . و اما على الشخص كحق الخيار ، فانه يتعلق بالعقد ، فذو 1 - سورة الاسراء : 36 .
(24)
الفرق بين الحق والحكم
الخيار له أن يفسخ العقد و له ان لا يفسخ .و ربما يقال في الاخيرين : انه حق متعلق بالعين ، و هو الشخص الذي يكون مورد القصاص و المال الذي وقع العقد عليه و اشترط فيه الخيار فيملكه بفسخ العقد .و من هنا قيل : لو أتلف ذي الخيار المال ضمنه له ان فسخ العقد ، لانه مال تعلق به حق الغير .و فى حق القصاص تردد فهل هو متعلق بالشخص أو بالمال ؟ فان قلنا بجواز تقاص الدائن من مال المدين الممتنع من اداء الدين مع اذن الحاكم أو بدونه على القولين كان حقا متعلقا بالمال ، و ان قلنا بعدم جوازه كان متعلقا بشخص المدين .و أما الحكم بإباحة التصرف في شيء فلا يفيد تعلق حق به ، لان الاباحة ترخيص من قبل الشارع ، و ليس هناك سلطنة مجعولة و لا يعتبر العقلاء للمباح له حقا ، فلا يقال : انه ذو حق بالنسبة إلى الماء المباح له شربه ، بخلاف ما تعلق بالاثمار الممرور بها ، فانه سلطنة للمار على تلك الاثمار مجعولة من قبل الشارع ، و يعبر عنها ب " حق المارة " . و نظير المقام ما ثبت من الفرق في مسألة الانفاق بين الوالدين و الزوجة ، فالإِنفاق على الوالدين حكم و على الزوجة حق ، و تظهر الثمرة في صورة عدم الانفاق ، فلو لم ينفق على الزوجة مدة ضمنه لها ، بخلاف نفقه الوالدين فلو لم يؤد لم يضمن و لم يكن مدينا .الفرق بين " الحق " و الحكم و الحاصل : ان " الحكم " جعل من الله تعالى من أن يكون
(25)
للمكلف سلطنة ، بخلاف " الحق " . و من آثار ذلك : ان " الحق " يقبل النقل و الاسقاط من قبل المكلف بخلاف " الحكم " فانه لا يتغير .أللهم الا أن يغير موضوعه ليتغير بتبعه ، كأن يسافر ليكون حكمه القصر بعد أن كان عليه الاتمام ، و أما " الحق " فيمكن تغييره حتى مع عدم تغيير الموضوع ، بأن يسقطه أو ينقله إلى غيره .لكن تشخيص " الحكم " عن " الحق " و التفريق بينهما مشكل ، لان بعض " الحق " لا يقبل الاسقاط كالحكم .نعم لو قام الدليل على عدم قبول أمر للاسقاط على وجه العموم كشف عن كونه " حكما " أو قام على الضمان في مورد كشف عن وجود " الحق " ، لكن لو دل على " الحق " لم يدل على قبوله للاسقاط .و بالجملة : فطريق التفريق هو الدليل ، و الا فمشكل و لا بد من الرجوع إلى الاصول .ثم ان بعض الحقوق لا يقبل الاسقاط و لا الانتقال و لا المعاوضة عليه بمال أو غيره مثل حق الابوة .و بعضها يقبل الاسقاط دون الانتقال ، كاسقاط المغتاب حقه عمن استغابه ( 1 ) .نعم يجوز له أخذ مال في مقابل الاسقاط ، لكنه ليس معاوضة الا إذا وسع مفهومها .و بعضها يقبل الاسقاط و الانتقال دون المعاوضة ، كحق القصاص 1 - هذا بناءا على عدم كفاية النوبة و الاستغفار ، و كونه حقا للناس بمعنى وجوب الاستحلال و البراءة ، قال الشيخ " قده " بعد أن بحث المسألة بالتفصيل " و الاحوط الاستحلال ان تيسر و الا فالاستغفار " .
(26)
فانه يجوز لصاحبه إسقاطه كما أنه يورث لكن لا يباع مثلا نعم يجوز المصالحة عليه .و بعضها يقبل ذلك كله كحق التحجير .قال الشيخ " قده " : و أما الحقوق الاخر كحق الشفعة و حق الخيار . أقول : الظاهر أن كلمة " الاخر " زائدة و ان وجهها بعضهم بناءا على صحة النسخة .و حق الشفعة هو : استحقاق الشريك تملك الحصة المبيعة في شركته بمثل الثمن الذي وقع عليه عقد البيع ، و هو لا يقبل المعاوضة بالمال لكن يقبل الاسقاط و ينتقل بموت الشفيع إلى ورثته فيقسم بينهم كسائر الاموال .قلت : و يمكن أن يقال بتحقق الشفعة للوارث بتملكه للحصة لا بتورثه إياها .فتأمل .و إذا كان قوام " البيع " هو " المبادلة " بأن يدخل في ملك كل من المتبايعين شيء بأزاء ما يبذله فان الحقوق القابلة للاسقاط دون الانتقال لا يصح وقوع البيع عليها ، فلو دفع اليه ما لا في مقابل إسقاطه حقا له لم يتحقق بيع لعدم تحقق حقيقة المعاملة و ان لم يكن ذلك لغوا .و اما ان قيل بعدم شرطية ما ذكر بل يكفي حصول المنفعة لكل من المتعاملين و وجود المصحح العقلائي فلا اشكال .قال " قده " : لان البيع تمليك الغير .
(27)
هل يباع الدين على من هو عليه ؟
أقول : ان هذا يصح أن يكون علة لعدم جواز جعل المبيع حقا و لكن الكلام في العوض ، أللهم الا أن يكون مراده أن البيع تمليك من الطرفين لا من طرف البائع فقط ، و حيث ان الحق المزبور لا يقبل التمليك فلا يجوز كونه عوضا كما لا يصح كونه معوضا ، و حينئذ يتم التعليل بما ذكر ، و قد كان الاحسن التصريح بذلك .و بالجملة ، فيعلم من هذا التعليل مع ما قررناه أن مبناه " قده " في باب البيع هو دخول المبيع في ملك المشتري و الثمن في ملك البائع .فلا يجوز جعل الثمن الكذائي عوضا و ثمنا للمبيع .هل يباع الدين على من هو عليه ؟ ثم قال قدس سره : " و لا ينتقض ببيع الدين على من هو عليه ، لانه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط . " . أقول : يرد عليه أن البحث كان في جعل الحق عوضا لافي جعله معوضا ، و بيع الدين على من هو عليه من الثاني .أللهم الا أن يقال بأن الغرض هو التشبيه و التنظير .و بالجملة فقد أجاب الشيخ " قده " عن النقض بالالتزام بكونه تمليكا و عدم مانع منه ، و أثر هذا التمليك هو السقوط .و لكن يمكن أن يقال في مسألة بيع الدين على من هو عليه بأنه ليس من باب بيع ما في ذمة أحد من نفسه ، بل هو من بيع الكلي ،