الشرع أو العرف أو كليهما .أقول : فالصحيح اذن زيادة كلمة " انشاء " كما اعترف به السيد " قده " أيضا ، لكفاية " التمليك " لانه أمر اعتباري إنشائي ، و لو فرض أنه " قده " أراد التصريح بهذه الناحية لكان الاولى أن يقول " البيع تمليك إنشائي . " . و أما ما عن بعضهم : من ان الشيخ " قده " يريد من " الانشاء " ما يقابل " الاخبار " فانه ليس بيعا .ففيه ما لا يخفى .و قال المحقق الخراساني " قده " : " ان انشاء التمليك ليس ببيع كما أنه ليس بتمليك ، نعم انما هو جزء سببه . " . أقول : هذا صحيح ، فان الانشاء من البائع و القبول من المشتري هما الجز آن المتحقق بهما البيع .ثم ان بعض الفقهاء يعرف البيع السببي و بعضهم البيع المسببي و ظاهر تعريف الشيخ " قده " هو الاول ، فهو اذن كالتعريف ب " الايجاب و القبول ." فيرد عليه ما أورده " قده " على تعريفه .الاشكالات حول تعريف الشيخ هذا ، و قد أورد الشيخ " قده " نفسه على تعريفه بأمور : منها : أنه موقوف على جواز الايجاب بلفظ " ملكت " و الا لم يكن مرادفا لها .
(36)
و أجاب : بأنه الحق كما سيجئ .أقول : ان الترادف بين " بعت " و " ملكت " بهذا المعنى مسلم .فهو ليس كالترادف بين " البشر " و " الانسان " بل هو أعم من البيع ، مثل الترادف بين " الانسان " و " الحيوان الناطق " ، فيكون " ملكت " مع القيود اللاحقة به مرادفا للفظ " بعت " ، و بذلك يخرج التعريف عن عمومه و يختص ببيع العين بالمال ، فلا يشمل بيع المنفعة باسقاط الحق مثلا .و منها : انه لا يشمل بيع الدين على من هو عليه ، لان الانسان لا يملك ما لا على نفسه .و أجاب : أولا : بإمكان تصوير مالكية الشخص لما في ذمته .أقول : و ذلك لان كل اضافة تتقوم بطرفيها ، و الملكية لا تتحقق الا بالمالك و المملوك كما تقدم أما كون المملوك في الخارج و تشخص المالك . و نحو ذلك فخارج عن قوام المفهوم الاضافي ، و لذا يتحقق البيع بإنشاء الفضولي له .و على هذا فلا ريب في تحقق مفهوم البيع في هذا المقام لصحة تصور طرفي النسبة فيه ، و من هذا القبيل ما إذا كان للمدين في ذمة الدائن نفس المقدار الذي في ذمته له .و ثانيا : بأنه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع .و منها : انه يشمل التمليك بالمعاطاة .و أجاب : بأنه بيع و ان مراد النافين نفي صحته .أقول : أي هو عندهم من هذا الحيث كالبيع الغرري ، فانه و ان
(37)
كان باطلا لكنه بيع عند الكل .و منها : صدقه على الشراء ، فان المشتري بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع .و أجاب : بأن التمليك فيه ضمني ، و انما حقيقته التملك بعوض ، و لذا لا يجوز الشراء بلفظ " ملكت " تقدم على الايجاب أو تأخر . و فيه نظر ، لان تعريفه " قده " يعم التمليك الضمني كذلك .أقول : يرد عليه الاشكال ببيع السلف ، فان الفقهاء أجعوا على جواز كون الايجاب فيه من المشتري و القبول من البائع ، فيكون تمليك البائع ضمنيا و تمليك المشتري أصليا .و لا يندفع هذا الاشكال بما ذكره السيد " قده " من أن المراد من كون التمليك ضمنيا أن يكون المتعلق فيه على وجه العوضية ، و من كونه أصليا أن يكون على وجه المعوضية ، و في السلم و ان كان الايجاب من المشتري الا انه يملك على وجه العوضية ، فكأنه قال " أعطيتك الدراهم عوضا عن تمليك الطعام " ، فالمملك الاصلي فيه هو البائع .وجه عدم الاندفاع : ان الشيخ " قده " لم يذكر في تعريفه سوى ان البيع انشاء تمليك عين بمال .و هذا يصدق على فعل المشتري هناك ، لانه يملك البائع ، و ليس فيه اعتبار كونه على وجه المعوضية حتى يخرج تمليك المشتري في الباب المذكور .
(38)
كلام المحقق الاصفهانى وما يرد عليه
كلام المحقق الاصفهانى و ما يرد عليه هذا و قد استشكل المحقق الاصفهانى في الالتزام بالتمليك في موارد : منها : بيع العبد على من ينعتق عليه .أقول : انه لا مانع عقلا و عقلاء ا من اعتبار الاضافة الملكية بين العبد و من ينعتق عليه ، لكن المانع هو الشرع " كما لا مانع تملك الكافر للمسلم الا شرعا فقد منع عنه مطلقا " لكن المتبع هو الدليل ، فلا بد من النظر إلى مدى دلالته فهل يمنع عنه مطلقا أو يستثنى " ألان " لعدم صدق " السبيل " المنفي في الكتاب ( 1 ) عليه ؟ الحق هو الثاني ، فالاشكال مندفع .قال : و أما الالتزام بالملك الحكمي ففيه : انه ليس بيعا حقيقيا ، و العبد انما ينعتق في هذه الحالة من ملك البائع لا المشتري ، لعدم تحقق الانتقال .أقول : لقد دل الدليل على عدم امتناع الملك القصير .قال : و المستفاد من بعض الاخبار أن العتق يترتب على مجرد الشراء ، و لازم ذلك عدم الملكية الانية .أقول : الانعتاق بمجرد الشراء يعني انه بالشراء يتحقق الملك فالعتق ، لا ان العتق معلول للشراء . 1 - قال الله تعالى " و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " سورة النساء .الاية 141 .
(39)
الاشكالات الاخرى على تعريف الشيخ
ثم انه " قده " نسب إلى صاحب الجواهر " قده " القول بتقدم الملك على الانعتاق تقدما ذاتيا لا زمانيا .و اعترض عليه بأنه خلاف التحقيق ، اذ لا اعتبار للملك الا في الزمان ، فالملك لافي زمان معقول . لكن صريح كلام صاحب الجواهر وجود الملك في زمان الانعتاق مقارنا له و متقدما عليه ذاتا ، و لا يقول بأنه رتبى فقط كما نسب اليه فراجع .الكلام على الاشكالات الاخرى على تعريف الشيخ ثم قال الشيخ " قده " : و به يظهر اندفاع الايراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين ، حيث أن الاستيجار يتضمن تمليك العين بمال أعنى المنفعة .يعني : ان المستأجر هنا و ان كان بملك العين بمنفعة كسكنى الدار مثلا الا ان الاجارة أولا و بالذات اعتبار المؤجر الاضافة بين الدار و مستأجرها التي لازمها صيرورة المنفعة ملكا للمستأجر أو كونه مسلطا عليها ، فالإِجارة في حد ذاتها هي السلطنة الناقصة في قبال البيع الذي هو السلطنة التامة ، و تضمنها أحيانا لتمليك العين من طرف المستأجر لادخل له بحقيقة الاجارة .قال : و منها انتقاض طرده بالصلح على العين بمال و بالهبة المعوضة .و أجاب بما حاصله : ان حقيقة الصلح و لو تعلق بعين ليس هو التمليك على وجه المقابلة و المعاوضة ، بل معناه الاصلي هو التسالم ، و لذا لا يتعدى بنفسه إلى المال .نعم قد يتضمن التمليك إذا تعلق بعين ، لكنه ليس تمليكا لما ذكر .
(40)
أقول : ان الغرض الاصلي من الصلح هو قطع المشاجرة و التراضى بين المتنازعين ، قال في مجمع البحرين : و فيه " الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " أراد بالصلح التراضي بين المتنازعين ، لانه عقد شرع لقطع المنازعة . قال بعض الافاضل : أنفع العقود الصلح لعموم فائدته ، فانه يفيد فائدة سائر عقود المعاوضات من البيع و الاجارة و العارية و نحو ذلك ، و يصح على ما في الذمة من عوض ، لانه ليس من شرطه حصول العوض ، و انما شرع لقطع المنازعة الخ .و بالجملة ، فالصلح هو التسالم لا بمعنى تسليم كل من الطرفين شيئا للاخر ، بل بمعنى التوافق ، و هو ما يعبر عنه بالفارسية ب " سازش و سازكارى " ، و لذا لا تتعدى الصيغة إلى المال بنفسها .فظهر أن الصلح أمر آخر البيع .نعم قد يستفاد منه فائدة البيع كما إذا أوقعا البيع بصورة الصلح لاجل سقوط الخيار الخاص بالبيع كخيار المجلس حيث ورد " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " صار كل منهما مالكا لما انتقل اليه فور وقوع الصلح ، و قد يفيد فائدة الاجارة لو تعلق بالمنفعة ، و لو تعلق بالحق أفاد الاسقاط .و يدل على أن حقيقة الصلح ليست الا التسالم ، عدم اعتبار طلب الصلح من الخصم اقرارا بكون الشيء ملكا للاخر ، بخلاف ما إذا طلب التمليك فانه يعتبر اقرارا .قال " قده " : و بالهبة المعوضة .
(41)
أقول : المراد من الهبة المعوضة هو أن يهبه الشيء و يشترط عليه الهبة اما بصورة شرط الفعل أو بصورة شرط النتيجة و الاول كأن يقول " وهبتك هذا بشرط أن تهبني كذا " ، و الثاني أن يقول " وهبتك هذا بشرط أن يكون ذاك ملكا لي " . و أما لو وهبه شيئا و وهبه الاخر شيئا كذلك فهو من باب المقابلة بالاحسان ، و لا ينتقض به على التعريف لعدم صدقه عليه أصلا .و قد أجاب الشيخ عن النقض بالهبة المعوضة : بأن التعويض المشترط في الهبة كالتعويض المشترط فيها من حيث كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه عوضا ، لان أن حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة في كل من العوضين .توضيحه : ان البيع حقيقة تمليك مال بمال ، و بعبارة أخرى تبديل أحد المالين بالاخر .بخلاف الهبة المعوضة ، فانها و ان اشتمك على العوض الا انه لم يقع أحد المالين مقابلا للاخر ، فان حقيقة الهبة الاعطاء بلا عوض ، أن لهذا الاعطاء المجاني داع البتة ، و الداعي يختلف باختلاف الموارد ، فتارة هو طلب رضا الله عز و جل و تحصيل ثوابه ، و أخرى اضاء نفسه ، و ثالثة علمه بأن هذا الاعطاء بالمجان يدعو الطرف الاخر على أن يهبه شيئا .و ما نحن فيه من هذا القبيل ، فهو من باب الداعي لا المقابلة ، و ذكر العوض بهذا النحو مناف لمفهوم الهبة .و قال السيد " قده " ما ملخصه : ان حقيقة الهبة قوامها عدم العوض ،