بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
مفكراً: أهنا الكنز الذي سيغنيني ويغني نسلي؟ لكن الكلام كان واضحاً.. أخذ المعول وشرع يحفر حول الصخرة… بعد زمن سمع فحيحاً مخيفاً… انحنى ونظر… كانت أفعى تفح حانقة ويكاد الشرر يتطاير من عينيها… رمى المعول جانباً ثم خرج من الحفرة وركض خائفاً نحو القرية.. سمع الحكاية أحد شيوخ القرية الحكماء فابتسم وهز رأسه.. سأله الفلاح: لماذا تبتسم؟ ألم تصدقني، أم تسخر مني؟ قال الشيخ: بل أصدقك وأشفق عليك… إن للكنوز حراسها وكلمات أسرارها… كان عليك أن تفكر وتبحث عن كلمة أو تحتال على الأفعى لتبعدها عن باب الكنز.. لكنك خفت وأضعت الفرصة… ـ 2 ـ رأيت الريح تخلع ملابسها وتعدو عارية. حين مرَّت بي وراودتني ارتبكتُ فغادرتني مغضبة، تاركة أصداء صفيرها الحانق في جسدي… ودارت عربة الشمس. قال لي القدر ساخراً: أنت سيد الأشياء ولا سلطان لك على شيء! يعذبني حضوري النقي، أغوص في صفاء الهنيهة منحدراً في فراغ تغنّي فيه الأفلاك مراثي هلاكها. في عروقي صحراء من أملاح وخلائط، يتملكني العطش إلى ينابيع البداية.. تنق في سمعي ضفدع الأزمنة. يوقف نهر الزمان جريانه السرمدي. أنظر إليه دهشاً فيسخر مني. ابتسم مشفقاً وأتابع سفري. تختلط الأمور في ذاكرتي أحياناً فأقول: كانت لي امرأة وردة ثم أقول: بل هي وردة امرأة… وحين أجلس على الشرفة أسمع الريح تهمس حانية: هي الوردة المرأة، وهي المرأة الوردة… أعزو ما أسمع إلى اضطراب ذاكرتي ومسمعي. وأقرأ أغنية الربيع في البراعم، أسمع بكاء الخريف في حفيف الورق المتساقط، أقول للشتاء: لا تخف، سآتيك بحفنتين من زبيب وفستق، وسأمسح جراح عثراتك بزيت قنديل علقته أمي قرب النافذة ثم تركته ميراثاً لي ورحلت. تلوب الريح في مغارة قرب شجرة السنديان ثم تخرج صافرة منفوشة الشعر، تنهض في جسدي أصداء صفيرها الحانق. أغمض عينيَّ… أعرف… إنها مثلي تبحث عن أيام طفولتها التي ضيعتها… ـ 3 ـ يقول المبدع: أنا المتصل بكم بكل شيء منفصل عنكم بفرادتي. ولأننا نعيش ظروفاً تاريخية تضطرب سطوحها بعنف وتتغير مبدّلة مظاهرها تبديلاً سريعاً، تضطرب الرؤية، وتهتز البوصلات، وكثيراً ما تختلط الجهات إذ يخفي الضباب الشمس نهاراً، وتغطي الغيوم النجوم ليلاً. ويكون الاعتماد على الحدس، وعلى الحس الغريزي المعافى أجدى في مثل هذه الأزمنة التي يُستخدم فيها العقل ضد المعقول، وفي خدمة ماليس في المنطق في شيء. أما الجوهري الذي ترتكز إليه مواقف المبدعين ويحدد مبادئهم فقد تتغير مظاهره لكن مكوناته الأساسية تبقى ثابتة لا تتغير طوال أكثر من حقبة تاريخية، ويكون على المبدعين أن يرسخوا موقفهم وسط جنون المظاهر، وأن يكرروا الدعوات إلى الأسس المبدئية كي لا تغيب وتندثر، في فترات ثورات العواصف المعادية فيزداد الاضطراب والبلبلة. ويقال: لكن الشعارات الأساسية لكل حقبة تاريخية يمكن اختصارها بمبادئ حزب أو جهة… وقد حفظناها، فهل يظل المبدعون يرددون تلك الشعارات ـ المبادئ، في حين تمثل روح الإبداع ذاك الفريد الذي يستمر أحقاباً؟ ويؤكد المبدعون: الإبداع لا يُكرِرُ ولا يتكرَرُ. وماينبغي أن نفعله هو أن نستوحي الشعارات والمبادئ لا أن نرددها. وحين تكون الشعارات خلاصة موقف حياتي أصيل، يعكس الجوهري من سمات العصر، تصبح المبادئ ـ الشعارات قاعدة انطلاق حيوية، لأنها صورة مكثفة لحياة شعب ومطامح أمة، وتكون منجم استلهام غنياً غنى الحياة، متعدد التمظهرات والتجليات تعدد وجوه الحياة وتجلياتها، ويكون الانتماء المتجسد في موقف مرتكزاً ننطلق منه وليس عبئاً ننوء به ونلهث تحت ثقله. وتكون الفرادة وليدة الانتماء إلى العام الجوهري، وتظل أصيلة لأن انتماءها حقيقي وليس دعوى انتماء. ـ 4 ـ متى نتخلى عن الألوان الزائدة، وعن الأصوات التي لاحاجة لها؟ متى نتخلى عن الإفراط في الحماسة الكلامية، وعن الإكثار من التفجع؟ متى نكف عن هدر طاقاتنا الروحية من غير ماغاية أو هدف؟ نعبر عن الفرح بالأنين، وتكون لأنين الريح في مسامعنا رنة الفرح، ويضيع العمر