بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ذلك الشامي، وأقر، وعاد إلى موالاة علي عليه السلام([11]).كما أنه لا يتفق مع مواقف ابن عباس السابقة واللاحقة في دفاعه عن مواقف علي عليه السلام، وتأكيداته المتكررة لكل خصوم علي: أنه عليه السلام كان على الهدى والحق، ولم يكن يقصد في كل مواقفه إلا رضا الله تعالى.بخلاف أعدائه ومناوئيه: معاوية، ومن لف لفه، وابن الزبير، وغيرهم؛ فإنهم كانوا طلاب ملك وسلطان([12]).ولم نجد أبداً من يشكل عليه: بأن ذلك يناقض قوله: إن سفك علي عليه السلام دماء المسلمين كان من أجل الملك والسلطان!!.أم أنهم كانوا أغبياء إلى حد أنهم جميعاً ينسون هذه الحجة الدامغة؛ وفيهم دهاة العرب، المشهود لهم من كل أحد بالفطنة، والدقة، والذكاء؟!.5 ـ يلاحظ: أن هذه الرواية لم تبين حال هذه الستة ملايين: هل هي من الدراهم؟ أو من الدنانير؟!.6 ـ تنص الرواية على أن الضحاك بن عبد الله، أو عبيد الله الهلالي، كان على شرطة البصرة.لكن كتب التاريخ تقول: إن الذي كان على شرطة ابن عباس في البصرة هو: الضحاك بن قيس الهلالي([13])، أو الضحاك بن قيس بن عبد الله، حسبما ينص عليه البلاذري([14]).وذلك يناقض قول البلاذري الآخر في الرواية: أن الذي كان على شرطة ابن عباس في البصرة هو: الضحاك بن عبد الله.وإذا ما أردنا توجيه ذلك: بأن كلا من الرجلين واحد؛ وذلك لشيوع النسبة إلى الأب تارة، وإلى الجد أخرى.مؤيدين ذلك بأن البعض قد صرح بأن مجيب بن الحضرمي هو الضحاك بن عبد الله الهلالي([15])، نفس البطل المذكور في رواية السرقة المتقدمة.فإننا سوف نجد أن القضية سوف تصبح أكثر إشكالاً بالنسبة إلى البلاذري الذي يرى: أن قضية السرقة، وفرار ابن عباس إلى مكة كانت قبل فتنة ابن الحضرمي، مع أنه هو وغيره يصرحون بأن الضحاك قد فر مع ابن عباس إلى مكة، كما أنه هو نفسه يصرح بأن الضحاك قد واجه ابن الحضرمي بكلام قاس في البصرة!؛ فهل يعقل أن يكون الضحاك في البصرة وفي مكة في وقت واحد؟!.هناك مع ابن عباس، وهنا في موقفه مع ابن الحضرمي؟!.ولو أننا احتملنا: أن يكون الضحاك قد أوصل ابن عباس إلى مكة، فلما اطمأن عليه عاد إلى البصرة، ووقف من ابن الحضرمي ذلك الموقف الغريب، الذي أيد فيه علياً عليه السلام!!.بعد أن ناصر عامله، وأعانه على شق عصا الطاعة، وسرقة بيت المال!!! الأمر الذي أساءه وأزعجه جداً.ـ لو أننا احتملنا ذلك ـ فإننا نجد من الناحية الأخرى أن الطبري في تاريخه، وابن كثير في البداية والنهاية، والمعتزلي، والثقفي يصرحون بأن ابن عباس كان في سنة 39 عند علي عليه السلام في الكوفة.وأنه كان في هذه السنة ـ كما يصرحون وابن الأثير معهم ـ والياً على البصرة من قبل علي عليه السلام، وهو الذي ولى في هذه السنة أيضاً زياداً على فارس أو أشار بتوليته.هذا بالإضافة إلى التصريحات السابقة بأن قضية السرقة، ومفارقة ابن عباس لعلي عليه السلام كانت في سنة أربعين للهجرة.وأما فتنة ابن الحضرمي فقد كانت في سنة 38 هـ.فكيف تكون فتنة ابن الحضرمي بعد سرقة ابن عباس للأموال كما يقوله البلاذري؟!!.وبعد فراره إلى مكة؟!!.7 ـ تنص الرواية على أن إحدى عشرة رسالة قد تبودلت بين علي عليه السلام وابن عباس، وعلي وأبي الأسود.بل وإذا أضفنا إلى ذلك: أن ابن عباس قد ندم، واعتذر إلى علي، وأن علياً عليه السلام قد راسله بالرضا عنه ـ حسب بعض الروايات ـ؛ فإن الرقم سوف يزيد عن ذلك أيضاً.يضاف إلى ذلك: مسير ابن عباس من البصرة إلى مكة، ووقائع طف البصرة، وكذلك ما جرى في مكة، ثم عودة ابن عباس منها إلى البصرة، بعد رضا علي عنه، حسب بعض الروايات.وأضفنا إليه أيضاً: أننا لم نجد ما يدل على سوء تفاهم بين علي وابن عباس في سنة تسع وثلاثين، بل نجد الكثير مما يدل على تمام التفاهم والانسجام، خصوصاً وأنه كان في هذه السنة عنده في الكوفة حسبما أشرنا إليه.هذا مع تصريح عدد من المؤرخين: بأن هذه القضية قد كانت في سنة أربعين: نفس السنة التي قتل فيها علي عليه السلام.ثم إننا بملاحظة بعد البصرة عن الكوفة من جهة، وبعد مكة عنها من الجهة الأخرى.إننا بعد ملاحظة كل ذلك سوف نجد من أنفسنا القطع بأن الزمان الذي يفترض أن تجري كل هذه الحوادث فيه.أو فقل افترضته تلك الرواية لها.لا يمكن أن يسعها في العادة، ولا يكفي لكل تلك الأحداث، والملابسات.8 ـ لم يذكر لنا الذين أوردوا قضية السرقة، من تولى البصرة بعد ابن عباس لعلي عليه السلام، أو لمعاوية؛ فهل تركها هملاً، ولم يستخلف عليها أحداً؟!.وعلي عليه السلام، هل غض النظر عنها، أو نسيها؟!.ثم معاوية، والحسن عليه السلام من بعده؟ فمن الذي تولاها للحسن عليه السلام الذي بقي في الخلافة أكثر من ستة أشهر؟!.فهل بقيت سنة كاملة، أو أقل أو أكثر، من حين ترك ابن عباس لها، وحتى صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ـ هل بقيت ـ كل هذه المدة من دون والٍ ولا مشرف؟!!.إن ذلك لعجيب حقاً!! وأي عجيب!!.وأما ما ذكره البلاذري بقوله: «وكثرت غاشية ابن الحضرمي، وأتباعه؛ فهال ذلك زياداً، ورعبه، وراعه ـ وكان عبد الله بن عباس حين شخص إلى مكة مغاضباً لعلي عليه السلام خلفه على البصرة، فلم ينزعه علي، وكان يكاتبه ابن عباس على أنه خليفته، ثم كاتب علياً دون ابن عباس ـ فكاتب زياداً؛ فلما رأى زياد ما صار إليه أمر ابن الحضرمي الخ.»([16]).أما هذا.فلا ينسجم مع ما ذكره الطبري، وابن الأثير، وسبط ابن الجوزي: من أن مفارقة ابن عباس لعلي كانت سنة 40 للهجرة، ومع ما ذكره الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وغيرهم، من أنه كان سنة 39 نائباً عنه في البصرة، وأنه هو الذي ولى زياداً على الأهواز في هذه السنة نفسها، وأنه كان عند فتنة ابن الحضرمي عند علي عليه السلام.كل ذلك لا ينسجم مع ما ذكره البلاذري؛ لأن فتنة ابن الحضرمي كانت سنة 38 للهجرة.والصحيح: هو ما ذكره آخرون: من أن ابن عباس كان حين فتنة ابن الحضرمي عند علي عليه السلام بالكوفة.وقد كاتبه زياد في أمر ابن الحضرمي، وطلب منه أن يخبر علياً عليه السلام بأمره؛ فأخبره، ثم كاتبه على نفسه إلى آخر ما ذكروه([17]).ومن هنا نعرف: أن إصرار طه حسين على كون السرقة قد وقعت قبل فتنة ابن الحضرمي، تبعاً للبلاذري لا يمكن أن يستقيم تاريخياً، فضلاً عن سائر الدلائل والشواهد الدالة على عدم صحة تلك الرواية من أساسها.كانت تلك هي بعض الملاحظات، التي أحببنا أن نسجلها في هذه العجالة، قبل ذكرنا لبعض الأدلة والشواهد، التي نرى أنها كافية للحكم على هذه الرواية بالوضع والافتعال.وبعد ذلك.فإن ما نستند إليه في حكمنا الآنف على هذه الرواية، يتلخص بالأمور التالية: ما نستند إليه في حكمنا على الرواية: أولاً: إن أول ما يطالعنا في هذه الرواية هو اعتداء ابن عباس، العالم، والحازم على أبي الأسود، الذي لم يكن له شرف، ولا علم، ولا مكانة ابن عباس ـ يعتدي عليه ـ بلا مبرر ظاهر.الأمر الذي دفعه للوشاية به إلى علي عليه السلام، وفضحه وكشف أوراقه أمام الرأي العام!! فلماذا لم يحاسنه ويلاطفه، ويتودد إليه، حتى لا يشي به، ويفضحه أمام الناس كلهم؟! ولماذا لا يشي به أبو الأسود إلا بعد أن اعتدى عليه!!.وبعد.فلا يمكننا أصلاً أن نصغي إلى طه حسين حيث يقول: إنه إنما شتم أبا الأسود لأنه آنس منه «شيئاً من النكير، فأغلظ له في القول ذات يوم؛ فضاق أبو الأسود بما رأى وما سمع؛ فكتب إلى علي الخ.»([18]).فإن ذلك لا يعدو أن يكون تخرصاً، ورجماً بالغيب.ولعل المنطق السليم يساعد على ضد ذلك تماماً: أي على محاسنة أبي الأسود، والتحمل منه مهما أمكن، أما أن سر شتمه له: أنه آنس منه شيئاً من النكير؛ فلا شاهد له أصلاً.نعم.لو أخذنا برواية ابن أعثم، التي هي الوحيدة المتعرضة لذلك كما سيأتي.فإننا نجدها تقول: أن سبب غضب ابن عباس على أبي الأسود، هو الخلاف الذي نشب بين أبي الأسود وزياد في غيبة ابن عباس إلى الحج، وهجاء أبي الأسود لزياد.ولكننا في مقابل ذلك نجد: أن عدداً من المؤرخين يقول: إن ابن عباس لم يحج في خلافة علي عليه السلام أصلاً([19]).ثانياً: وابن عباس.ألم يكن يخشى بطش علي عليه السلام وسطوته؟!.وإلا يعرف حزمه وصلابته؟!.فكيف يخاطر بنفسه، ويقدم على ما أقدم عليه؟!.ثم.كيف يذهب إلى مكة؟ ولم لا يذهب إلى معاوية الذي يستطيع أن يحميه من علي عليه السلام، والذي ما زال يخطب وده، ويحاول أن يكون معه، والى جانبه؟!.وإذا كان من الممكن: أن يمنعه إباء نفسه من الذهاب إلى معاوية كما يقال.فلم لا يمنعه هذا الإباء عن ارتكاب جريمة السرقة نفسها، وعن شراء المولدات، والتفوه بالألفاظ النابية والقبيحة؟!.وهل يمكن أن نصدق أنه يفضل الموت والقصاص من علي عليه السلام على الذهاب إلى معاوية؟!.وإذا ما قيل: إنه كان عازماً على الفرار إلى معاوية، عند الاضطرار، كما يدل عليه تهديده لعلي عليه السلام.فهل من الممكن أن نتصوره لا يضطر إلى ذلك؛ وهو يعلم أن علياً عليه السلام هو الذي يطالبه.علي الذي يقول: إنه سوف يبقر الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته.والذي