بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
التاريخية التي طرحت فيها. ثم توصل الجهيم إلى قصد رواية «المستنقع» كما فهمه، فالإسكندرونة بسبب كونها مرفأ شهدت تنامي عدد العمال في بداية الثلاثينيات، كما شهدت تكاثر عدد الفقراء وتردي أحوالهم في الأحياء الفقيرة. وزاد من حدّة الفقر شيوع البطالة بعد أزمة 1929 الاقتصادية، لأن المرفأ يعيش على الاستيراد والتصدير. ونشط الرواد الأوائل للعمل على تأليف نقابات العمال تدافع عن مصالحهم، ولنشر الأفكار الاشتراكية، وللنضال في سبيل المطالب الوطنية والاجتماعية، وهو نضال أسهم في تنمية الوعي الطبقي. لكن الاستعمار كان وحشياً، فقد قمع التظاهرات بالدم وسجن قادتها، وهيأ بذلك لذهاب اللواء. وقدم الجهيم في كتابه «ملامح من حنا مينة» قراءات نقدية وتحليلية لبنية الصور الداخلية في «بقايا صور»، وتوقف عند المؤثرات التي أسهمت في وعي الطفل ـ الراوي ـ حنا مينة، باعتبار الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية، وهي تعالج مرحلتها التاريخية من خلال وعي الطفل نفسه، وتابع هذا الأمر حنا مينة في «المستنقع» و«القطاف»، وهما الجزآن الثاني والثالث من ثلاثية السيرة الذاتية والتاريخية «بقايا صور». ثم قدم الجهيم قراءتين عن الواقع والإيحاء في «الأبنوسة البيضاء»، والواقع والرمز في «الشمس في يوم غائم» والواقع والبعد الملحمي في «الياطر». غير أن تحليله للحب في رواية «مأساة ديمتريو» هو الأهم والأمتع والأشد نفاذاً للمعنى الإنساني. إن «مأساة ديمتريو» مأساة قديمة وجديدة. ونحن نعثر على مشابه لها في «آنا كارنينا» وفي «مدام بوفاري»، بل وفي كثير من الروايات التي تقوم على هذا الثلاثي، الزوج والزوجة والعشيق. تتفق رواية «مأساة ديمتريو» وأمثالها، في أنها تتحدى المواضعات الاجتماعية ومؤسسة الزواج والعوائق التي تقف في وجه الحبّ. لكن «مأساة ديمتريو» تمتاز عنها بأنها تخلو من أي تواصل جسدي، فالحبّ يظل فيها شوقاً روحياً. إنها تشبه المأساة الكلاسيكية التي تبدأ بأزمة مدمرة وتنتهي بموت البطل. على أن الجهيم في تحليله لمأساة ديمتريو، يربط معنى الحب ومعنى الإنسان بالتاريخ، فقد كانت تنقص ديمتريو «الشجاعة الواعية التي تدرك أن مؤسسة الزواج لا تقوم في الفراغ، وإنما هي تستند إلى البنية التحتية للمجتمع، وإلى الدين، وإلى القانون، فهي جزء من كل، والتصدي لما ينبغي أن يكون جزءاً من القضية الكبرى. إن الأيديولوجية في الرواية في النتيجة إيديولوجية تجمع بين الإيمان بالمادية وحركة التاريخ وبين مفهوم غير واضح عن استرجاع الزمن قريب من الغيبية، مفهوم «قد يؤول إلى الفردية الخالصة». لقد لاحظ صياح الجهيم أن أدب حنا مينة لا ينفصل عن شخصه، وكل شيء عنده يمرّ بالأنا، وضمير المتكلم أحب الضمائر إليه، ويستخدمه المؤلف ليروي سيرته الذاتية، وتستخدمه الشخصية الروائية لتروي سيرتها وسيرة الذين يرتبطون بمعالمها. ولاحظ أن أدب حنا مينة مفعم بالوحدة والاتصال والاتجاه إلى معنى كلي. الوحدة في طريقة التعبير وطريقة التفكير، والاتصال بين رواية ورواية، حيث عالم رواياته معقول ومتماسك وذو معنى. ويرى أن رواياته «الشمس في يوم غائم» و«الياطر» و«مأساة ديمتريو»، حديثة الشكل. ثلاث روايات بنيت بناء لا يجري على مثال معروف. فالواقع المادي في «الشمس في يوم غائم» رمز والإنسان واقع، وأما «الياطر» فإنها تمزج بين البناء الروائي والبناء الملحمي والنص فيها انتظار، وأما «مأساة ديمتريو» فإنها أصوات الممثلين التي تعلن عن رؤيتها لنفسها وللآخرين، ثم تنطفئ تلك الأصوات ليرتفع صوت الراوي وحده، الصوت الباقي الذي يعلن موت البطل، واستمرار الحب الأبدي. ويشهد تحليله للواقع والبعد الملحمي في «الياطر» بأهمية انبثاق النقد من النص مستعيناً بأدوات معرفية لابد منها لتعضيد الذائقة النقدية، وبما يتيح للناقد كشف آليات النص وتقنياته، نحو إضاءة مغازيه ودلالاته بعد ذلك. عني الجهيم في نقده بالانفتاح على الأسطورة نحو تخليق شخصية زكريا المرسنلي الأسطورة أمامنا في روايته، فالجانب المتوحش من شخصيته لم يستطع أن يغطي ذلك الجانب الآخر: عالمه الداخلي. ففيه عنف قتّال، وفي الوقت نفسه مشاعر ذاتية عصرية وعواطف رقيقة ومواقف مدنية. وعلل الجهيم ذلك بقوله: «كان للطبيعة الدور الأسبق في ذلك كله. وأول ما فعلته أنها أخذت تقتل الوحش فيه، وتوقظ الإنسان الذي كان غافياً في أعماقه». وضع الجهيم خلاصة دراسته لأدب حنا مينة الملاحظات التالية: أولاً: أدب حنا مينة لا ينفصل عن شخصه. وفي هذا يعيد لنا الجهيم رواسب النقد الإيديولوجي في مظاهره السلبية. ثانياً: يمتاز أدب حنا مينة بالوحدة